الحمدلله وصلى الله وسلم على مصطفاه و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.
أما بعد: فهذه مختارات من كتاب العبودية لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
1-قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
"الْعِبَادَة هِيَ اسْم جَامع لكل مَا يُحِبهُ الله ويرضاه من الْأَقْوَال والأعمال الْبَاطِنَة وَالظَّاهِرَة. فَالصَّلَاة وَالزَّكَاة وَالصِّيَام وَالْحج وَصدق الحَدِيث وَأَدَاء الْأَمَانَة وبرّ الْوَالِدين وصلَة الْأَرْحَام وَالْوَفَاء بالعهود وَالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر وَالْجهَاد للْكفَّار وَالْمُنَافِقِينَ وَالْإِحْسَان للْجَار واليتيم والمسكين وَابْن السَّبِيل والمملوك من الْآدَمِيّين والبهائم وَالدُّعَاء وَالذكر وَالْقِرَاءَة وأمثال ذَلِك من الْعِبَادَة.
وَكَذَلِكَ حب الله وَرَسُوله وخشية الله والإنابة إِلَيْهِ وإخلاص الدَّين لَهُ وَالصَّبْر لحكمه وَالشُّكْر لنعمه وَالرِّضَا بِقَضَائِهِ والتوكل عَلَيْهِ والرجاء لِرَحْمَتِهِ وَالْخَوْف من عَذَابه وأمثال ذَلِك هِيَ من الْعِبَادَة لله."
رسالة العبودية (2)
2- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه :
"الْعِبَادَة لله هِيَ الْغَايَة المحبوبة لَهُ والمرضية لَهُ الَّتِي خَلق الْخلق لَهَا كَمَا قَالَ الله تَعَالَى [٥٦ الذاريات] : {وَمَا خلقت الْجِنّ وَالْإِنْس إِلَّا ليعبدون} .
وَبهَا أرسل جَمِيع الرُّسُل كَمَا قَالَ نوح لِقَوْمِهِ [٥٩ الْأَعْرَاف] : {اعبدوا الله مَا لكم من إِلَه غَيره} .
وَكَذَلِكَ قَالَ هود وَصَالح وَشُعَيْب وَغَيرهم لقومهم وَقَالَ تَعَالَى [٣٦ النَّحْل] : {وَلَقَد بعثنَا فِي كل أمة رَسُولا أَن اعبدوا الله وَاجْتَنبُوا الطاغوت فَمنهمْ من هدى الله وَمِنْهُم من حقت عَلَيْهِ الضَّلَالَة} وَقَالَ تَعَالَى [٢٥ الْأَنْبِيَاء] : {وَمَا أرسلنَا من قبلك من رَسُول إِلَّا نوحي إِلَيْهِ أَنه لَا إِلَه إِلَّا أَنا فاعبدون} وَقَالَ تَعَالَى [٩٢ الْأَنْبِيَاء] : {إِن هَذِه أمتكُم أمة وَاحِدَة وَأَنا ربكُم فاعبدون} كَمَا قَالَ فِي الْآيَة الْأُخْرَى [٥١-٥٢ الْمُؤْمِنُونَ] : {يَا أَيهَا الرُّسُل كلوا من الطَّيِّبَات وَاعْمَلُوا صَالحا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عليم * وَإِن هَذِه أمتكُم أمة وَاحِدَة وَأَنا ربكُم فاتقون} .
وَجعل ذَلِك لَازِما لرَسُوله إِلَى الْمَوْت كَمَا قَالَ [٩٩ الْحجر] : {واعبد رَبك حَتَّى يَأْتِيك الْيَقِين} .
وَبِذَلِك وصف مَلَائكَته وأنبياءه فَقَالَ تَعَالَى [١٩-٢٠ الْأَنْبِيَاء] : {وَله من فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمن عِنْده لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَن عِبَادَته وَلَا يستحسرون * يسبحون اللَّيْل وَالنَّهَار لَا يفترون} وَقَالَ تعال [٢٠٦ الْأَعْرَاف] : {إِن الَّذين عِنْد رَبك لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَن عِبَادَته ويسبحونه وَله يَسْجُدُونَ} .
وذم المستكبرين عَنْهَا بقوله [٦٠ غَافِر] : {وَقَالَ ربكُم ادْعُونِي أَسْتَجِب لكم إِن الَّذين يَسْتَكْبِرُونَ عَن عبادتي سيدخلون جَهَنَّم داخرين} .
ونعت صفوة خلقه بالعبودية لَهُ فَقَالَ تَعَالَى [٦ الْإِنْسَان] : {عينا يشرب بهَا عباد الله يفجرونها تفجيرا} وَقَالَ [٦٣-٧٧ الْفرْقَان] : {وَعباد الرَّحْمَن الَّذين يَمْشُونَ على الأَرْض هونا وَإِذا خاطبهم الجاهلون قَالُوا سَلاما} الْآيَات.
وَلما قَالَ الشَّيْطَان [٣٩-٤٠ الْحجر] : {رب بِمَا أغويتني لأزينن لَهُم فِي الأَرْض ولأغوينهم أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادك مِنْهُم المخلصين} قَالَ الله تَعَالَى [٤٢ الْحجر] : {إِن عبَادي لَيْسَ لَك عَلَيْهِم سُلْطَان إِلَّا من اتبعك من الغاوين} .
وَقَالَ فِي وصف الْمَلَائِكَة بذلك [٢٦-٢٨ الْأَنْبِيَاء] : {وَقَالُوا اتخذ الرَّحْمَن ولدا سُبْحَانَهُ بل عباد مكرمون * لَا يسبقونه بالْقَوْل وهم بأَمْره يعْملُونَ * يعلم مَا بَين أَيْديهم وَمَا خَلفهم وَلَا يشفعون إِلَّا لمن
ارتضى وهم من خَشيته مشفقون} وَقَالَ تَعَالَى [٨٨-٩٥ مَرْيَم] : {وَقَالُوا اتخذ الرَّحْمَن ولدا * لقد جئْتُمْ شَيْئا إدا * تكَاد السَّمَاوَات يتفطرن مِنْهُ وتنشق الأَرْض وتخر الْجبَال هدا * أَن دعوا للرحمن ولدا * وَمَا يَنْبَغِي للرحمن أَن يتَّخذ ولدا * إِن كل من فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض إِلَّا آتِي الرَّحْمَن عبدا * لقد أحصاهم وعدهم عدا * وَكلهمْ آتيه يَوْم الْقِيَامَة فَردا} .
وَقَالَ تَعَالَى عَن الْمَسِيح الَّذِي ادعيت فِيهِ الإلهية والبنوة [٥٩ الزخرف] : {إِن هُوَ إِلَّا عبد أنعمنا عَلَيْهِ وجعلناه مثلا لبني إِسْرَائِيل} وَلِهَذَا قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الحَدِيث الصَّحِيح " لَا تطروني كَمَا أطرت النَّصَارَى عِيسَى ابْن مَرْيَم فَإِنَّمَا أَنا عبد فَقولُوا عبد الله وَرَسُوله ".
وَقد نَعته الله بالعبودية فِي أكمل أَحْوَاله فَقَالَ فِي الْإِسْرَاء: {سُبْحَانَ الَّذِي أسرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا} وَقَالَ فِي الإيحاء [١٠ النَّجْم] {فَأوحى إِلَى عَبده مَا أوحى} وَقَالَ فِي الدعْوَة [١٩ الْجِنّ] {وَأَنه لما قَامَ عبد الله يَدعُوهُ كَادُوا يكونُونَ عَلَيْهِ لبدا} وَقَالَ فِي التحدي [٢٣ الْبَقَرَة] {وَإِن كُنْتُم فِي ريب مِمَّا نزلنَا على عَبدنَا فاتوا بِسُورَة من مثله} .
فالدين كُله دَاخل فِي الْعِبَادَة "
رسالة العبودية (3-4)
3- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
"فَإِن آخر مَرَاتِب الْحبّ هُوَ التتيم وأوله العلاقة لتَعلق الْقلب بالمحبوب ثمَّ الصبابة لانصباب الْقلب إِلَيْهِ ثمَّ الغرام وَهُوَ الْحبّ الملازم للقلب ثمَّ الْعِشْق وَآخِرهَا التتيم يُقَال تيم الله أَي عبد الله فالمتيم المعبد لمحبوبه"
رسالة العبودية (5)
4- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
"وَالدّين يتَضَمَّن معنى الخضوع والذل يُقَال دنته فدان أى أذللته فذل وَيُقَال يدين الله ويدين لله أَي يعبد الله ويطيعه ويخضع لَهُ فدين الله عِبَادَته وطاعته والخضوع لَهُ."
رسالة العبودية (5)
5- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
"وَالْعِبَادَة أصل مَعْنَاهَا الذل أَيْضا يُقَال طَرِيق معبد إِذا كَانَ مذللا قد وطئته الْأَقْدَام.
لَكِن الْعِبَادَة الْمَأْمُور بهَا تَتَضَمَّن معنى الذل وَمعنى الْحبّ فهى تَتَضَمَّن غَايَة الذل لله بغاية الْمحبَّة لَهُ."
رسالة العبودية (5)
6- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه :
"وكل مَا أحب لغير الله فمحبته فَاسِدَة وَمَا عظم بِغَيْر أَمر الله فتعظيمه بَاطِل."
رسالة العبودية (5)
7- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
"وَمن خضع لإِنْسَان مَعَ بغضه لَهُ لَا يكون عابدا لَهُ وَلَو أحب شَيْئا وَلم يخضع لَهُ لم يكن عابدا لَهُ كَمَا قد يحب الرجل وَلَده وَصديقه وَلِهَذَا لَا يَكْفِي أَحدهمَا فِي عبَادَة الله تَعَالَى بل يجب أَن يكون الله أحب إِلَى العَبْد من كل شَيْء وَأَن يكون الله عِنْده أعظم من كل شَيْء بل لَا يسْتَحق الْمحبَّة والخضوع التَّام إِلَّا الله"
رسالة العبودية (5)
8- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه :
"فجنس الْمحبَّة يكون لله وَلِرَسُولِهِ كالطاعة فَإِن الطَّاعَة لله وَلِرَسُولِهِ والإرضاء لله وَلِرَسُولِهِ {وَالله وَرَسُوله أَحَق أَن يرضوه} [٦٢ التَّوْبَة] والإيتاء لله وَلِرَسُولِهِ {وَلَو أَنهم رَضوا مَا آتَاهُم الله وَرَسُوله} [٥٩ التَّوْبَة] .
وَأما الْعِبَادَة وَمَا يُنَاسِبهَا من التَّوَكُّل وَالْخَوْف وَنَحْو ذَلِك فَلَا تكون إِلَّا لله وَحده كَمَا قَالَ تَعَالَى [٦٤ آل عمرَان] : {قل يَا أهل الْكتاب تَعَالَوْا إِلَى كلمة سَوَاء بَيْننَا وَبَيْنكُم أَن لَا نعْبد إِلَّا الله وَلَا نشْرك بِهِ شَيْئا وَلَا يتَّخذ بَعْضنَا بَعْضًا أَرْبَابًا من دون الله فَإِن توَلّوا فَقولُوا اشْهَدُوا بِأَنا مُسلمُونَ} .
وَقَالَ تَعَالَى [٥٩ التَّوْبَة] : {وَلَو أَنهم رَضوا مَا آتَاهُم الله وَرَسُوله وَقَالُوا حَسبنَا الله سيؤتينا الله من فَضله وَرَسُوله إِنَّا إِلَى الله راغبون} فالإيتاء لله وَلِلرَّسُولِ كَقَوْلِه [٧ الْحَشْر] : {وَمَا آتَاكُم الرَّسُول فَخُذُوهُ وَمَا نهاكم عَنهُ فَانْتَهوا} وَأما الْحسب وَهُوَ الْكَافِي فَهُوَ الله وَحده كَمَا قَالَ تَعَالَى [١٧٣ آل عمرَان] : {الَّذين قَالَ لَهُم النَّاس إِن النَّاس قد جمعُوا لكم فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُم إِيمَانًا وَقَالُوا حَسبنَا الله وَنعم الْوَكِيل} وَقَالَ تَعَالَى [٦٤ الْأَنْفَال] : {يَا أَيهَا النَّبِي حَسبك الله وَمن اتبعك من الْمُؤمنِينَ} أَي حَسبك وَحسب من اتبعك من الْمُؤمنِينَ الله وَمن ظن أَن الْمَعْنى حَسبك الله والمؤمنون مَعَه فقد غلط غَلطا فَاحِشا كَمَا قد بسطناه فِي غير هَذَا الْمَوْضُوع وَقَالَ تَعَالَى [٣٦ الزمر] : {أَلَيْسَ الله بكاف عَبده} ."
رسالة العبودية (6)
9- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
"فَهُوَ سُبْحَانَهُ رب الْعَالمين وخالقهم ورازقهم ومحييهم ومميتهم ومقلب قُلُوبهم ومصرف أُمُورهم لَا رب لَهُم غَيره وَلَا مَالك لَهُم سواهُ وَلَا خَالق لَهُم إِلَّا هُوَ سَوَاء اعْتَرَفُوا بذلك أَو أنكروه وَسَوَاء علمُوا ذَلِك أَو جهلوه؛ لَكِن أهل الْإِيمَان مِنْهُم عرفُوا ذَلِك وآمنوا بِهِ؛ بِخِلَاف من كَانَ جَاهِلا بذلك؛ أَو جاحدا لَهُ مستكبرا على ربه لَا يقر وَلَا يخضع لَهُ؛ مَعَ علمه بِأَن الله ربه وخالقه. "
رسالة العبودية (6)
10- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
"فالمعرفة بِالْحَقِّ إِذا كَانَت مَعَ الاستكبار عَن قبُوله والجحد لَهُ كَانَ عذَابا على صَاحبه كَمَا قَالَ تَعَالَى [١٤ النَّمْل] : {وجحدوا بهَا واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا فَانْظُر كَيفَ كَانَ عَاقِبَة المفسدين}"
رسالة العبودية (6)
11- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
"فَإِذا عرف العَبْد أَن الله ربه وخالقه وَأَنه مفتقر إِلَيْهِ مُحْتَاج إِلَيْهِ عرف الْعُبُودِيَّة الْمُتَعَلّقَة بربوبية الله وَهَذَا العَبْد يسْأَل ربه ويتضرع إِلَيْهِ ويتوكل عَلَيْهِ لَكِن قد يُطِيع أمره وَقد يعصيه وَقد يعبده مَعَ ذَلِك وَقد يعبد الشَّيْطَان والأصنام وَمثل هَذِه الْعُبُودِيَّة لَا تفرق بَين أهل الْجنَّة وَأهل النَّار وَلَا يصير بهَا الرجل مُؤمنا كَمَا قَالَ الله تَعَالَى [١٦٠ يُوسُف] : {وَمَا يُؤمن أَكْثَرهم بِاللَّه إِلَّا وهم مشركون} "
رسالة العبودية (7)
12-قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
" َفِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: " احْتج آدم ومُوسَى فَقَالَ مُوسَى: أَنْت آدم الَّذِي خلقك الله بِيَدِهِ وَنفخ فِيك من روحه وأسجد لَك مَلَائكَته وعلمك أَسمَاء كل شَيْء فلماذا أخرجتنا ونفسك من الْجنَّة؟ فَقَالَ آدم: أَنْت مُوسَى الَّذِي اصطفاك الله بِرِسَالَاتِهِ وبكلامه فَهَل وجدت ذَلِك مَكْتُوبًا عَليّ قبل أَن أخلق؟ قَالَ: نعم " قَالَ: " فحج آدم مُوسَى ".
وآدَم عَلَيْهِ السَّلَام لم يحْتَج على مُوسَى بِالْقدرِ ظنا أَن المذنب يحْتَج
بِالْقدرِ فَإِن هَذَا لَا يَقُوله مُسلم وَلَا عَاقل وَلَو كَانَ هَذَا عذرا لَكَانَ عذرا لإبليس وَقوم نوح وَقوم هود وكل كَافِر وَلَا مُوسَى لَام آدم أَيْضا لأجل الذَّنب فَإِن آدم قد تَابَ إِلَى ربه فاجتباه وَهدى وَلَكِن لامه لأجل الْمُصِيبَة الَّتِي لحقتهم بالخطيئة وَلِهَذَا قَالَ: فلماذا أخرجتنا ونفسك من الْجنَّة؟ فَأَجَابَهُ آدم: إِن هَذَا كَانَ مَكْتُوبًا عليّ قبل أَن أُخلق.
فَكَانَ الْعَمَل والمصيبة المترتبة عَلَيْهِ مقدّرا وَمَا قدّر من المصائب يجب الاستسلام لَهُ فَإِنَّهُ من تَمام الرِّضَا بِاللَّه رَبًّا"
رسالة العبودية (9-10)
13- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
"وَأما الذُّنُوب فَلَيْسَ للْعَبد أَن يُذنب وَإِذا أذْنب فَعَلَيهِ أَن يسْتَغْفر وَيَتُوب، فيتوب من صنوف المعايب ويصبر على المصائب قَالَ تَعَالَى [٥٥ غَافِر] : {فاصبر إِن وعد الله حق واستغفر لذنبك} وَقَالَ تَعَالَى [١٢٠ آل عمرَان] : {وَإِن تصبروا وتتقوا لَا يضركم كيدهم شَيْئا} "
رسالة العبودية (10)
14- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
" فَمن شهد الْحَقِيقَة الكونية دون [الْحَقِيقَة] الدِّينِيَّة سوّى بَين هَذِه الْأَصْنَاف الْمُخْتَلفَة الَّتِي فرق الله بَينهَا غَايَة التَّفْرِيق حَتَّى تئول بِهِ هَذِه التَّسْوِيَة إِلَى أَن يسوّي بَين الله وَبَين الْأَصْنَام كَمَا قَالَ تَعَالَى عَنْهُم [٩٧-٩٨ الشُّعَرَاء] : {تالله إِن كُنَّا لفي ضلال مُبين * إِذْ نسويكم بِرَبّ الْعَالمين} بل قد آل الْأَمر بهؤلاء إِلَى أَن سوّوا الله بِكُل مَوْجُود وَجعلُوا مَا يسْتَحقّهُ من الْعِبَادَة وَالطَّاعَة حَقًا لكل مَوْجُود إِذْ جَعَلُوهُ هُوَ وجودَ الْمَخْلُوقَات وَهَذَا من أعظم الْكفْر والإلحاد وَالْكفْر بِرَبّ الْعباد.
وَهَؤُلَاء يصل بهم الْكفْر إِلَى أَنهم لَا يشْهدُونَ أَنهم عباد الله لَا بِمَعْنى أَنهم معبّدون وَلَا بِمَعْنى انهم عَابِدُونَ إِذْ يشْهدُونَ أنفسهم هِيَ الْحق كَمَا صرح بذلك طواغيتهم كَابْن عَرَبِيّ صَاحب " الفصوص " وَأَمْثَاله من الْمُلْحِدِينَ المفترين كَابْن سبعين وَأَمْثَاله وَيشْهدُونَ أَنهم هم العابدون والمعبودون. "
رسالة العبودية (12)
15- قَالَ بعض الْعلمَاء:
" أَنْت عِنْد الطَّاعَة قدَري وَعند الْمعْصِيَة جَبْري أيُّ مَذْهَب وَافق هَوَاك تمذهبت بِهِ."
رسالة العبودية (13)
16- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
" وَهَؤُلَاء الَّذين يشْهدُونَ الْحَقِيقَة الكونية وَهِي ربوبيته تَعَالَى لكل شَيْء ويجعلون ذَلِك مَانِعا من اتِّبَاع أمره الديني الشَّرْعِيّ على مَرَاتِب فِي الضلال:
فغلاتهم يجْعَلُونَ ذَلِك مُطلقًا عَاما فيحتجون بِالْقدرِ فِي كل مَا يخالفون فِيهِ الشَّرِيعَة.
وَقَول هَؤُلَاءِ شَرّ من قَول الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَهُوَ من جنس قَول الْمُشْركين الَّذين قَالُوا [١٤٨ الْأَنْعَام] : {لَو شَاءَ الله مَا أشركنا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حرمنا من شَيْء} وَقَالُوا [٢٠ الزخرف] : {لَو شَاءَ الرَّحْمَن مَا عبدناهم} .
وَهَؤُلَاء من أعظم أهل الأَرْض تناقضا بل كل من احْتج بِالْقدرِ فَإِنَّهُ متناقض فَإِنَّهُ لَا يُمكنهُ أَن يُقَرّ كل آدَمِيّ على مَا يفعل فَلَا بُد إِذا ظلمه ظَالِم أَو ظلم النَّاس ظَالِم وسعى فِي الأَرْض بِالْفَسَادِ وَأخذ يسفك دِمَاء النَّاس ويستحل الْفروج وَيهْلك الْحَرْث والنسل وَنَحْو ذَلِك من أَنْوَاع الضَّرَر الَّتِي لَا قِوام للنَّاس بهَا أَن يدْفع هَذَا القدَر وَأَن يُعَاقب الظَّالِم بِمَا يكف عدوانه وعدوان أَمْثَاله فَيُقَال لَهُ: إِن كَانَ الْقدر حجَّة فدع كل أحد يفعل مَا يَشَاء بك وبغيرك وَإِن لم يكن حجَّة بَطل أصل قَوْلك: [إِن الْقدر] حجَّة. "
رسالة العبودية (13)
17- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
"وَقَول هَؤُلَاءِ كفر صَرِيح وَإِن وَقع فِيهِ طوائف لم يعلمُوا أَنه كفر فَإِنَّهُ قد علم بالاضطرار من دين الْإِسْلَام أَن الْأَمر وَالنَّهْي لازمان لكل عبد مَا دَامَ عقله حَاضرا إِلَى أَن يَمُوت لَا يسقطان عَنهُ لَا بشهوده الْقدر وَلَا بِغَيْر ذَلِك فَمن لم يعرف ذَلِك عُرِّفه وبيِّن لَهُ فَإِن أصر على اعْتِقَاد سُقُوط الْأَمر وَالنَّهْي فَإِنَّهُ يُقتل.
وَقد كثرت مثل هَذِه المقالات فِي الْمُسْتَأْخِرِينَ.
وَأما المتقدمون من هَذِه الْأمة فَلم تكن هَذِه المقالات مَعْرُوفَة فيهم وَهَذِه المقالات هِيَ محادة لله وَرَسُوله ومعاداة لَهُ وَصد عَن سَبيله ومشاقة لَهُ وَتَكْذيب لرسله ومضادة لَهُ فِي حكمه وَإِن كَانَ من يَقُول هَذِه المقالات قد يجهل ذَلِك ويعتقد أَن هَذَا الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ هُوَ طَرِيق الرَّسُول وَطَرِيق أَوْلِيَاء الله الْمُحَقِّقين فَهُوَ فِي ذَلِك بِمَنْزِلَة من يعْتَقد أَن الصَّلَاة لَا تجب عَلَيْهِ لاستغنائه عَنْهَا بِمَا حصل لَهُ من الْأَحْوَال القلبية أَو أَن الْخمر حَلَال لَهُ لكَونه من الْخَواص الَّذين لَا يضرهم شرب الْخمر أَو أَن الْفَاحِشَة حَلَال لَهُ لِأَنَّهُ صَار كالبحر لَا تكدره الذُّنُوب وَنَحْو ذَلِك."
رسالة العبودية (15)
18- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
"وَهَؤُلَاء لَا يحتجون بِالْقدرِ مُطلقًا بل عمدتهم اتِّبَاع آرائهم وأهوائهم وجعلُهم مَا يرونه وَمَا يهوَونه حَقِيقَة ويأمرون باتباعها دون اتِّبَاع أَمر الله وَرَسُوله نَظِير بدع أهل الْكَلَام من الْجَهْمِية وَغَيرهم الَّذين يجْعَلُونَ مَا ابتدعوه من الْأَقْوَال الْمُخَالفَة للْكتاب وَالسّنة حقائق عقلية يجب اعتقادها دون مَا دلّت علية السمعيات ثمَّ الْكتاب وَالسّنة إِمَّا أَن يحرفوا القَوْل فيهمَا عَن موَاضعه وَإِمَّا أَن يعرضُوا عَنهُ بِالْكُلِّيَّةِ فَلَا يتدبرونه وَلَا يعقلونه بل يَقُولُونَ: نفوض مَعْنَاهُ إِلَى الله مَعَ اعْتِقَادهم نقيض مَدْلُوله وَإِذا حُقّق على هَؤُلَاءِ مَا يزعمونه من العقليات الْمُخَالفَة للْكتاب وَالسّنة وُجدت جهليات واعتقادات فَاسِدَة"
رسالة العبودية (16)
19- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه :
"وأصل ضلال من ضل هُوَ بِتَقْدِيم قِيَاسه على النَّص الْمنزل من عِنْد الله وَتَقْدِيم اتِّبَاع الْهوى على اتِّبَاع أَمر الله فَإِن الذَّوْق والوجد وَنَحْو ذَلِك هُوَ بِحَسب مَا يُحِبهُ العَبْد ويهواه فَكل محب لَهُ ذوق وَوجد بِحَسب محبته وهواه."
رسالة العبودية (16)
20- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
" وَلِهَذَا يمِيل هَؤُلَاءِ ويغرمون بِسَمَاع الشّعْر والأصوات الَّتِي تهيج الْمحبَّة الْمُطلقَة الَّتِي لَا تخْتَص بِأَهْل الْإِيمَان بل يشْتَرك فِيهَا محب الرَّحْمَن ومحب الْأَوْثَان ومحب الصلبان ومحب الأوطان ومحب الإخوان ومحب المردان ومحب النسوان وَهَؤُلَاء الَّذين يتبعُون أذواقهم ومواجيدهم من غير اعْتِبَار لذَلِك بِالْكتاب وَالسّنة وَمَا كَانَ عَلَيْهِ سلف الْأمة. "
رسالة العبودية (17).
21- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
" فَأهل الْإِيمَان لَهُم من الذَّوْق والوجد مثل مَا بيّنه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بقوله فِي الحَدِيث الصَّحِيح: " ثَلَاث من كن فِيهِ وجد حلاوة الْإِيمَان: من كَانَ الله وَرَسُوله أحب إِلَيْهِ مِمَّا سواهُمَا وَمن كَانَ يحب الْمَرْء لَا يُحِبهُ إِلَّا لله وَمن كَانَ يكره أَن يرجع فِي الْكفْر بعد إِذْ أنقذه الله مِنْهُ كَمَا يكره أَن يلقى فِي النَّار " وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " ذاق طعم الْإِيمَان من رَضِي بِاللَّه رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دينا وَبِمُحَمَّدٍ نَبيا ".
وَأما أهل الْكفْر والبدع والشهوات فَكل بِحَسبِهِ.
قيل لِسُفْيَان بن عُيَيْنَة: مَا بَال أهل الْأَهْوَاء لَهُم محبَّة شَدِيدَة لأهوائهم؟ فَقَالَ: أنسيت قَوْله تَعَالَى [٩٣ الْبَقَرَة] : {وأشربوا فِي قُلُوبهم الْعجل بكفرهم} أَو نَحْو هَذَا من الْكَلَام. "
رسالة العبودية (17)
22- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
" فالمخالف لما بعث الله بِهِ رَسُوله من عِبَادَته وَحده وطاعته وَطَاعَة رَسُوله لَا يكون مُتبعا لدين شَرعه الله أبدا كَمَا قَالَ تَعَالَى [١٨-١٩ الجاثية] : {ثمَّ جعلناك على شَرِيعَة من الْأَمر فاتبعها وَلَا تتبع أهواء الَّذين لَا يعلمُونَ * إِنَّهُم لن يغنوا عَنْك من الله شَيْئا وَإِن الظَّالِمين بَعضهم أَوْلِيَاء بعض وَالله ولي الْمُتَّقِينَ} بل يكون مُتبعا لهواه بِغَيْر هدى من الله قَالَ تَعَالَى [٢١ الشورى] : {أم لَهُم شُرَكَاء شرعوا لَهُم من الدَّين مَا لم يَأْذَن بِهِ الله} ."
رسالة العبودية (17)
23-قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
" وَمِنْهُم طَائِفَة يغترون بِمَا يحصل لَهُم من خرق عَادَة - مثل مكاشفة أَو استجابة دَعْوَة مُخَالفَة للْعَادَة وَنَحْو ذَلِك - فيشتغل أحدهم بِهَذِهِ الْأُمُور عَمَّا أَمر بِهِ من الْعِبَادَة وَالشُّكْر وَنَحْو ذَلِك.
فَهَذِهِ الْأُمُور وَنَحْوهَا كثيرا مَا تعرض لأهل السلوك والتوجه وَإِنَّمَا ينجو العَبْد مِنْهَا بملازمة أَمر الله الَّذِي بعث بِهِ رَسُوله فِي كل وَقت كَمَا قَالَ الزُّهْرِيّ: كَانَ من مضى من سلفنا يَقُولُونَ: الِاعْتِصَام بِالسنةِ نجاة. وَذَلِكَ أَن السّنة كَمَا قَالَ مَالك رَحمَه الله: مثل سفينة نوح من ركبهَا نجا وَمن تخلف عَنْهَا غرق. "
رسالة العبودية (19)
24- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
" وَالْعِبَادَة وَالطَّاعَة والاستقامة وَلُزُوم الصِّرَاط الْمُسْتَقيم وَنَحْو ذَلِك من الْأَسْمَاء مقصودها وَاحِد وَلها أصلان:
أَحدهمَا: أَن لَا يعبد إِلَّا الله.
وَالثَّانِي: أَلا يعبده إِلَّا بِمَا أَمر وَشرع لَا يعبده بِغَيْر ذَلِك من الْأَهْوَاء والظنون والبدع قَالَ تَعَالَى [١١٠ الْكَهْف] : {فَمن كَانَ يَرْجُو لِقَاء ربه فليعمل عملا صَالحا وَلَا يُشْرك بِعبَادة ربه أحدا} "
رسالة العبودية (19)
25- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
" فَالْعَمَل الصَّالح هُوَ الْإِحْسَان وَهُوَ فعل الْحَسَنَات والحسنات هِيَ مَا أحبه الله وَرَسُوله وَهُوَ مَا أَمر بِهِ أَمر إِيجَاب أَو اسْتَجَابَ."
رسالة العبودية (19)
26- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
" وَتارَة تتنوع دلَالَة الِاسْم بِحَال الِانْفِرَاد والاقتران فَإِذا أفرد عَم وَإِذا قرن بِغَيْرِهِ خص كاسم الْفَقِير والمسكين لما أفرد أَحدهمَا فِي مثل قَوْله [٢٧٣ الْبَقَرَة] : {للْفُقَرَاء الَّذين أحْصرُوا فِي سَبِيل الله} وَقَوله [٨٩ الْمَائِدَة] : {إطْعَام عشرَة مَسَاكِين} دخل فِيهِ الآخر وَلما قرن بَينهمَا فِي
قَوْله [٦٠ التَّوْبَة] : {إِنَّمَا الصَّدقَات للْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين} صَارا نَوْعَيْنِ. "
رسالة العبودية (20)
27- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
" فَمَا كَانَ من الْبدع فِي الدَّين الَّتِي لَيست فِي الْكتاب، وَلَا فِي صَحِيح السّنة، فَإِنَّهَا - وَإِن قَالَهَا من قَالَهَا، وَعمل بهَا من عمل - لَيست مَشْرُوعَة؛ فَإِن الله لَا يُحِبهَا وَلَا رَسُوله، فَلَا تكون من الْحَسَنَات وَلَا من الْعَمَل الصَّالح. كَمَا أَن من يعْمل مَا لَا يجوز، كالفواحش وَالظُّلم لَيْسَ من الْحَسَنَات وَلَا من الْعَمَل الصَّالح."
رسالة العبودية (19)
28- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
" وَذكر الْخَاص مَعَ الْعَام يكون لأسباب متنوعة: تَارَة لكَونه لَهُ خاصية لَيست لسَائِر أَفْرَاد الْعَام كَمَا فِي نوح وَإِبْرَاهِيم ومُوسَى وَعِيسَى وَتارَة لكَون الْعَام فِيهِ إِطْلَاق قد لَا يفهم مِنْهُ الْعُمُوم كَمَا فِي قَوْله [٢-٤ الْبَقَرَة] : { هدى لِلْمُتقين * الَّذين يُؤمنُونَ بِالْغَيْبِ ويقيمون الصَّلَاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفقُونَ * وَالَّذين يُؤمنُونَ بِمَا أنزل إِلَيْك وَمَا أنزل من قبلك} فَقَوله: {يُؤمنُونَ بِالْغَيْبِ} يتَنَاوَل كل الْغَيْب الَّذِي يجب الْإِيمَان بِهِ لَكِن فِيهِ إِجْمَال فَلَيْسَ فِيهِ دلَالَة على أَن من الْغَيْب {مَا أنزل إِلَيْك وَمَا أنزل من قبلك} وَقد يكون الْمَقْصُود أَنهم يُؤمنُونَ بالمخبر بِهِ وَهُوَ الْغَيْب وبالإخبار بِالْغَيْبِ وَهُوَ {مَا أنزل إِلَيْك وَمَا أنزل من قبلك} ."
رسالة العبودية (21)
29- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" فكمال الْمَخْلُوق فِي تَحْقِيق عبوديته لله وَكلما ازْدَادَ العَبْد تَحْقِيقا للعبودية ازْدَادَ كَمَاله وعلت دَرَجَته وَمن توهم أَن الْمَخْلُوق يخرج من الْعُبُودِيَّة بِوَجْه من الْوُجُوه أَو أَن الْخُرُوج عَنْهَا أكمل فَهُوَ من أَجْهَل الْخلق بل من أضلهم"
رسالة العبودية (21)
30- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
" وَهَكَذَا حَال من كَانَ مُتَعَلقا برئاسة أَو بِصُورَة - وَنَحْو ذَلِك من أهواء نَفسه - إِن حصل لَهُ رَضِي وَإِن لم يحصل لَهُ سخط فَهَذَا عبد مَا يهواه من ذَلِك وَهُوَ رَقِيق لَهُ إِذْ الرّقّ والعبودية فِي الْحَقِيقَة هُوَ رق الْقلب وعبوديته فَمَا اسْترق الْقلب واستعبده فَهُوَ عَبده.
وَلِهَذَا يُقَال:
العَبْد حر مَا قنع ... وَالْحر عبد مَا طمع
وَقَالَ الشَّاعِر:
أطعتُ مطامعي فاستعبدتني ... وَلَو أَنِّي قنعت لَكُنْت حرًّا
وَيُقَال: الطمع غل فِي الْعُنُق قيد فِي الرجل فَإِذا زَالَ الغل من الْعُنُق زَالَ الْقَيْد من الرجل."
رسالة العبودية (25)
أما بعد: فهذه مختارات من كتاب العبودية لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
1-قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
"الْعِبَادَة هِيَ اسْم جَامع لكل مَا يُحِبهُ الله ويرضاه من الْأَقْوَال والأعمال الْبَاطِنَة وَالظَّاهِرَة. فَالصَّلَاة وَالزَّكَاة وَالصِّيَام وَالْحج وَصدق الحَدِيث وَأَدَاء الْأَمَانَة وبرّ الْوَالِدين وصلَة الْأَرْحَام وَالْوَفَاء بالعهود وَالْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر وَالْجهَاد للْكفَّار وَالْمُنَافِقِينَ وَالْإِحْسَان للْجَار واليتيم والمسكين وَابْن السَّبِيل والمملوك من الْآدَمِيّين والبهائم وَالدُّعَاء وَالذكر وَالْقِرَاءَة وأمثال ذَلِك من الْعِبَادَة.
وَكَذَلِكَ حب الله وَرَسُوله وخشية الله والإنابة إِلَيْهِ وإخلاص الدَّين لَهُ وَالصَّبْر لحكمه وَالشُّكْر لنعمه وَالرِّضَا بِقَضَائِهِ والتوكل عَلَيْهِ والرجاء لِرَحْمَتِهِ وَالْخَوْف من عَذَابه وأمثال ذَلِك هِيَ من الْعِبَادَة لله."
رسالة العبودية (2)
2- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه :
"الْعِبَادَة لله هِيَ الْغَايَة المحبوبة لَهُ والمرضية لَهُ الَّتِي خَلق الْخلق لَهَا كَمَا قَالَ الله تَعَالَى [٥٦ الذاريات] : {وَمَا خلقت الْجِنّ وَالْإِنْس إِلَّا ليعبدون} .
وَبهَا أرسل جَمِيع الرُّسُل كَمَا قَالَ نوح لِقَوْمِهِ [٥٩ الْأَعْرَاف] : {اعبدوا الله مَا لكم من إِلَه غَيره} .
وَكَذَلِكَ قَالَ هود وَصَالح وَشُعَيْب وَغَيرهم لقومهم وَقَالَ تَعَالَى [٣٦ النَّحْل] : {وَلَقَد بعثنَا فِي كل أمة رَسُولا أَن اعبدوا الله وَاجْتَنبُوا الطاغوت فَمنهمْ من هدى الله وَمِنْهُم من حقت عَلَيْهِ الضَّلَالَة} وَقَالَ تَعَالَى [٢٥ الْأَنْبِيَاء] : {وَمَا أرسلنَا من قبلك من رَسُول إِلَّا نوحي إِلَيْهِ أَنه لَا إِلَه إِلَّا أَنا فاعبدون} وَقَالَ تَعَالَى [٩٢ الْأَنْبِيَاء] : {إِن هَذِه أمتكُم أمة وَاحِدَة وَأَنا ربكُم فاعبدون} كَمَا قَالَ فِي الْآيَة الْأُخْرَى [٥١-٥٢ الْمُؤْمِنُونَ] : {يَا أَيهَا الرُّسُل كلوا من الطَّيِّبَات وَاعْمَلُوا صَالحا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عليم * وَإِن هَذِه أمتكُم أمة وَاحِدَة وَأَنا ربكُم فاتقون} .
وَجعل ذَلِك لَازِما لرَسُوله إِلَى الْمَوْت كَمَا قَالَ [٩٩ الْحجر] : {واعبد رَبك حَتَّى يَأْتِيك الْيَقِين} .
وَبِذَلِك وصف مَلَائكَته وأنبياءه فَقَالَ تَعَالَى [١٩-٢٠ الْأَنْبِيَاء] : {وَله من فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمن عِنْده لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَن عِبَادَته وَلَا يستحسرون * يسبحون اللَّيْل وَالنَّهَار لَا يفترون} وَقَالَ تعال [٢٠٦ الْأَعْرَاف] : {إِن الَّذين عِنْد رَبك لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَن عِبَادَته ويسبحونه وَله يَسْجُدُونَ} .
وذم المستكبرين عَنْهَا بقوله [٦٠ غَافِر] : {وَقَالَ ربكُم ادْعُونِي أَسْتَجِب لكم إِن الَّذين يَسْتَكْبِرُونَ عَن عبادتي سيدخلون جَهَنَّم داخرين} .
ونعت صفوة خلقه بالعبودية لَهُ فَقَالَ تَعَالَى [٦ الْإِنْسَان] : {عينا يشرب بهَا عباد الله يفجرونها تفجيرا} وَقَالَ [٦٣-٧٧ الْفرْقَان] : {وَعباد الرَّحْمَن الَّذين يَمْشُونَ على الأَرْض هونا وَإِذا خاطبهم الجاهلون قَالُوا سَلاما} الْآيَات.
وَلما قَالَ الشَّيْطَان [٣٩-٤٠ الْحجر] : {رب بِمَا أغويتني لأزينن لَهُم فِي الأَرْض ولأغوينهم أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادك مِنْهُم المخلصين} قَالَ الله تَعَالَى [٤٢ الْحجر] : {إِن عبَادي لَيْسَ لَك عَلَيْهِم سُلْطَان إِلَّا من اتبعك من الغاوين} .
وَقَالَ فِي وصف الْمَلَائِكَة بذلك [٢٦-٢٨ الْأَنْبِيَاء] : {وَقَالُوا اتخذ الرَّحْمَن ولدا سُبْحَانَهُ بل عباد مكرمون * لَا يسبقونه بالْقَوْل وهم بأَمْره يعْملُونَ * يعلم مَا بَين أَيْديهم وَمَا خَلفهم وَلَا يشفعون إِلَّا لمن
ارتضى وهم من خَشيته مشفقون} وَقَالَ تَعَالَى [٨٨-٩٥ مَرْيَم] : {وَقَالُوا اتخذ الرَّحْمَن ولدا * لقد جئْتُمْ شَيْئا إدا * تكَاد السَّمَاوَات يتفطرن مِنْهُ وتنشق الأَرْض وتخر الْجبَال هدا * أَن دعوا للرحمن ولدا * وَمَا يَنْبَغِي للرحمن أَن يتَّخذ ولدا * إِن كل من فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض إِلَّا آتِي الرَّحْمَن عبدا * لقد أحصاهم وعدهم عدا * وَكلهمْ آتيه يَوْم الْقِيَامَة فَردا} .
وَقَالَ تَعَالَى عَن الْمَسِيح الَّذِي ادعيت فِيهِ الإلهية والبنوة [٥٩ الزخرف] : {إِن هُوَ إِلَّا عبد أنعمنا عَلَيْهِ وجعلناه مثلا لبني إِسْرَائِيل} وَلِهَذَا قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الحَدِيث الصَّحِيح " لَا تطروني كَمَا أطرت النَّصَارَى عِيسَى ابْن مَرْيَم فَإِنَّمَا أَنا عبد فَقولُوا عبد الله وَرَسُوله ".
وَقد نَعته الله بالعبودية فِي أكمل أَحْوَاله فَقَالَ فِي الْإِسْرَاء: {سُبْحَانَ الَّذِي أسرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا} وَقَالَ فِي الإيحاء [١٠ النَّجْم] {فَأوحى إِلَى عَبده مَا أوحى} وَقَالَ فِي الدعْوَة [١٩ الْجِنّ] {وَأَنه لما قَامَ عبد الله يَدعُوهُ كَادُوا يكونُونَ عَلَيْهِ لبدا} وَقَالَ فِي التحدي [٢٣ الْبَقَرَة] {وَإِن كُنْتُم فِي ريب مِمَّا نزلنَا على عَبدنَا فاتوا بِسُورَة من مثله} .
فالدين كُله دَاخل فِي الْعِبَادَة "
رسالة العبودية (3-4)
3- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
"فَإِن آخر مَرَاتِب الْحبّ هُوَ التتيم وأوله العلاقة لتَعلق الْقلب بالمحبوب ثمَّ الصبابة لانصباب الْقلب إِلَيْهِ ثمَّ الغرام وَهُوَ الْحبّ الملازم للقلب ثمَّ الْعِشْق وَآخِرهَا التتيم يُقَال تيم الله أَي عبد الله فالمتيم المعبد لمحبوبه"
رسالة العبودية (5)
4- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
"وَالدّين يتَضَمَّن معنى الخضوع والذل يُقَال دنته فدان أى أذللته فذل وَيُقَال يدين الله ويدين لله أَي يعبد الله ويطيعه ويخضع لَهُ فدين الله عِبَادَته وطاعته والخضوع لَهُ."
رسالة العبودية (5)
5- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
"وَالْعِبَادَة أصل مَعْنَاهَا الذل أَيْضا يُقَال طَرِيق معبد إِذا كَانَ مذللا قد وطئته الْأَقْدَام.
لَكِن الْعِبَادَة الْمَأْمُور بهَا تَتَضَمَّن معنى الذل وَمعنى الْحبّ فهى تَتَضَمَّن غَايَة الذل لله بغاية الْمحبَّة لَهُ."
رسالة العبودية (5)
6- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه :
"وكل مَا أحب لغير الله فمحبته فَاسِدَة وَمَا عظم بِغَيْر أَمر الله فتعظيمه بَاطِل."
رسالة العبودية (5)
7- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
"وَمن خضع لإِنْسَان مَعَ بغضه لَهُ لَا يكون عابدا لَهُ وَلَو أحب شَيْئا وَلم يخضع لَهُ لم يكن عابدا لَهُ كَمَا قد يحب الرجل وَلَده وَصديقه وَلِهَذَا لَا يَكْفِي أَحدهمَا فِي عبَادَة الله تَعَالَى بل يجب أَن يكون الله أحب إِلَى العَبْد من كل شَيْء وَأَن يكون الله عِنْده أعظم من كل شَيْء بل لَا يسْتَحق الْمحبَّة والخضوع التَّام إِلَّا الله"
رسالة العبودية (5)
8- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه :
"فجنس الْمحبَّة يكون لله وَلِرَسُولِهِ كالطاعة فَإِن الطَّاعَة لله وَلِرَسُولِهِ والإرضاء لله وَلِرَسُولِهِ {وَالله وَرَسُوله أَحَق أَن يرضوه} [٦٢ التَّوْبَة] والإيتاء لله وَلِرَسُولِهِ {وَلَو أَنهم رَضوا مَا آتَاهُم الله وَرَسُوله} [٥٩ التَّوْبَة] .
وَأما الْعِبَادَة وَمَا يُنَاسِبهَا من التَّوَكُّل وَالْخَوْف وَنَحْو ذَلِك فَلَا تكون إِلَّا لله وَحده كَمَا قَالَ تَعَالَى [٦٤ آل عمرَان] : {قل يَا أهل الْكتاب تَعَالَوْا إِلَى كلمة سَوَاء بَيْننَا وَبَيْنكُم أَن لَا نعْبد إِلَّا الله وَلَا نشْرك بِهِ شَيْئا وَلَا يتَّخذ بَعْضنَا بَعْضًا أَرْبَابًا من دون الله فَإِن توَلّوا فَقولُوا اشْهَدُوا بِأَنا مُسلمُونَ} .
وَقَالَ تَعَالَى [٥٩ التَّوْبَة] : {وَلَو أَنهم رَضوا مَا آتَاهُم الله وَرَسُوله وَقَالُوا حَسبنَا الله سيؤتينا الله من فَضله وَرَسُوله إِنَّا إِلَى الله راغبون} فالإيتاء لله وَلِلرَّسُولِ كَقَوْلِه [٧ الْحَشْر] : {وَمَا آتَاكُم الرَّسُول فَخُذُوهُ وَمَا نهاكم عَنهُ فَانْتَهوا} وَأما الْحسب وَهُوَ الْكَافِي فَهُوَ الله وَحده كَمَا قَالَ تَعَالَى [١٧٣ آل عمرَان] : {الَّذين قَالَ لَهُم النَّاس إِن النَّاس قد جمعُوا لكم فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُم إِيمَانًا وَقَالُوا حَسبنَا الله وَنعم الْوَكِيل} وَقَالَ تَعَالَى [٦٤ الْأَنْفَال] : {يَا أَيهَا النَّبِي حَسبك الله وَمن اتبعك من الْمُؤمنِينَ} أَي حَسبك وَحسب من اتبعك من الْمُؤمنِينَ الله وَمن ظن أَن الْمَعْنى حَسبك الله والمؤمنون مَعَه فقد غلط غَلطا فَاحِشا كَمَا قد بسطناه فِي غير هَذَا الْمَوْضُوع وَقَالَ تَعَالَى [٣٦ الزمر] : {أَلَيْسَ الله بكاف عَبده} ."
رسالة العبودية (6)
9- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
"فَهُوَ سُبْحَانَهُ رب الْعَالمين وخالقهم ورازقهم ومحييهم ومميتهم ومقلب قُلُوبهم ومصرف أُمُورهم لَا رب لَهُم غَيره وَلَا مَالك لَهُم سواهُ وَلَا خَالق لَهُم إِلَّا هُوَ سَوَاء اعْتَرَفُوا بذلك أَو أنكروه وَسَوَاء علمُوا ذَلِك أَو جهلوه؛ لَكِن أهل الْإِيمَان مِنْهُم عرفُوا ذَلِك وآمنوا بِهِ؛ بِخِلَاف من كَانَ جَاهِلا بذلك؛ أَو جاحدا لَهُ مستكبرا على ربه لَا يقر وَلَا يخضع لَهُ؛ مَعَ علمه بِأَن الله ربه وخالقه. "
رسالة العبودية (6)
10- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
"فالمعرفة بِالْحَقِّ إِذا كَانَت مَعَ الاستكبار عَن قبُوله والجحد لَهُ كَانَ عذَابا على صَاحبه كَمَا قَالَ تَعَالَى [١٤ النَّمْل] : {وجحدوا بهَا واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا فَانْظُر كَيفَ كَانَ عَاقِبَة المفسدين}"
رسالة العبودية (6)
11- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
"فَإِذا عرف العَبْد أَن الله ربه وخالقه وَأَنه مفتقر إِلَيْهِ مُحْتَاج إِلَيْهِ عرف الْعُبُودِيَّة الْمُتَعَلّقَة بربوبية الله وَهَذَا العَبْد يسْأَل ربه ويتضرع إِلَيْهِ ويتوكل عَلَيْهِ لَكِن قد يُطِيع أمره وَقد يعصيه وَقد يعبده مَعَ ذَلِك وَقد يعبد الشَّيْطَان والأصنام وَمثل هَذِه الْعُبُودِيَّة لَا تفرق بَين أهل الْجنَّة وَأهل النَّار وَلَا يصير بهَا الرجل مُؤمنا كَمَا قَالَ الله تَعَالَى [١٦٠ يُوسُف] : {وَمَا يُؤمن أَكْثَرهم بِاللَّه إِلَّا وهم مشركون} "
رسالة العبودية (7)
12-قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
" َفِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ: " احْتج آدم ومُوسَى فَقَالَ مُوسَى: أَنْت آدم الَّذِي خلقك الله بِيَدِهِ وَنفخ فِيك من روحه وأسجد لَك مَلَائكَته وعلمك أَسمَاء كل شَيْء فلماذا أخرجتنا ونفسك من الْجنَّة؟ فَقَالَ آدم: أَنْت مُوسَى الَّذِي اصطفاك الله بِرِسَالَاتِهِ وبكلامه فَهَل وجدت ذَلِك مَكْتُوبًا عَليّ قبل أَن أخلق؟ قَالَ: نعم " قَالَ: " فحج آدم مُوسَى ".
وآدَم عَلَيْهِ السَّلَام لم يحْتَج على مُوسَى بِالْقدرِ ظنا أَن المذنب يحْتَج
بِالْقدرِ فَإِن هَذَا لَا يَقُوله مُسلم وَلَا عَاقل وَلَو كَانَ هَذَا عذرا لَكَانَ عذرا لإبليس وَقوم نوح وَقوم هود وكل كَافِر وَلَا مُوسَى لَام آدم أَيْضا لأجل الذَّنب فَإِن آدم قد تَابَ إِلَى ربه فاجتباه وَهدى وَلَكِن لامه لأجل الْمُصِيبَة الَّتِي لحقتهم بالخطيئة وَلِهَذَا قَالَ: فلماذا أخرجتنا ونفسك من الْجنَّة؟ فَأَجَابَهُ آدم: إِن هَذَا كَانَ مَكْتُوبًا عليّ قبل أَن أُخلق.
فَكَانَ الْعَمَل والمصيبة المترتبة عَلَيْهِ مقدّرا وَمَا قدّر من المصائب يجب الاستسلام لَهُ فَإِنَّهُ من تَمام الرِّضَا بِاللَّه رَبًّا"
رسالة العبودية (9-10)
13- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
"وَأما الذُّنُوب فَلَيْسَ للْعَبد أَن يُذنب وَإِذا أذْنب فَعَلَيهِ أَن يسْتَغْفر وَيَتُوب، فيتوب من صنوف المعايب ويصبر على المصائب قَالَ تَعَالَى [٥٥ غَافِر] : {فاصبر إِن وعد الله حق واستغفر لذنبك} وَقَالَ تَعَالَى [١٢٠ آل عمرَان] : {وَإِن تصبروا وتتقوا لَا يضركم كيدهم شَيْئا} "
رسالة العبودية (10)
14- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
" فَمن شهد الْحَقِيقَة الكونية دون [الْحَقِيقَة] الدِّينِيَّة سوّى بَين هَذِه الْأَصْنَاف الْمُخْتَلفَة الَّتِي فرق الله بَينهَا غَايَة التَّفْرِيق حَتَّى تئول بِهِ هَذِه التَّسْوِيَة إِلَى أَن يسوّي بَين الله وَبَين الْأَصْنَام كَمَا قَالَ تَعَالَى عَنْهُم [٩٧-٩٨ الشُّعَرَاء] : {تالله إِن كُنَّا لفي ضلال مُبين * إِذْ نسويكم بِرَبّ الْعَالمين} بل قد آل الْأَمر بهؤلاء إِلَى أَن سوّوا الله بِكُل مَوْجُود وَجعلُوا مَا يسْتَحقّهُ من الْعِبَادَة وَالطَّاعَة حَقًا لكل مَوْجُود إِذْ جَعَلُوهُ هُوَ وجودَ الْمَخْلُوقَات وَهَذَا من أعظم الْكفْر والإلحاد وَالْكفْر بِرَبّ الْعباد.
وَهَؤُلَاء يصل بهم الْكفْر إِلَى أَنهم لَا يشْهدُونَ أَنهم عباد الله لَا بِمَعْنى أَنهم معبّدون وَلَا بِمَعْنى انهم عَابِدُونَ إِذْ يشْهدُونَ أنفسهم هِيَ الْحق كَمَا صرح بذلك طواغيتهم كَابْن عَرَبِيّ صَاحب " الفصوص " وَأَمْثَاله من الْمُلْحِدِينَ المفترين كَابْن سبعين وَأَمْثَاله وَيشْهدُونَ أَنهم هم العابدون والمعبودون. "
رسالة العبودية (12)
15- قَالَ بعض الْعلمَاء:
" أَنْت عِنْد الطَّاعَة قدَري وَعند الْمعْصِيَة جَبْري أيُّ مَذْهَب وَافق هَوَاك تمذهبت بِهِ."
رسالة العبودية (13)
16- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
" وَهَؤُلَاء الَّذين يشْهدُونَ الْحَقِيقَة الكونية وَهِي ربوبيته تَعَالَى لكل شَيْء ويجعلون ذَلِك مَانِعا من اتِّبَاع أمره الديني الشَّرْعِيّ على مَرَاتِب فِي الضلال:
فغلاتهم يجْعَلُونَ ذَلِك مُطلقًا عَاما فيحتجون بِالْقدرِ فِي كل مَا يخالفون فِيهِ الشَّرِيعَة.
وَقَول هَؤُلَاءِ شَرّ من قَول الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَهُوَ من جنس قَول الْمُشْركين الَّذين قَالُوا [١٤٨ الْأَنْعَام] : {لَو شَاءَ الله مَا أشركنا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حرمنا من شَيْء} وَقَالُوا [٢٠ الزخرف] : {لَو شَاءَ الرَّحْمَن مَا عبدناهم} .
وَهَؤُلَاء من أعظم أهل الأَرْض تناقضا بل كل من احْتج بِالْقدرِ فَإِنَّهُ متناقض فَإِنَّهُ لَا يُمكنهُ أَن يُقَرّ كل آدَمِيّ على مَا يفعل فَلَا بُد إِذا ظلمه ظَالِم أَو ظلم النَّاس ظَالِم وسعى فِي الأَرْض بِالْفَسَادِ وَأخذ يسفك دِمَاء النَّاس ويستحل الْفروج وَيهْلك الْحَرْث والنسل وَنَحْو ذَلِك من أَنْوَاع الضَّرَر الَّتِي لَا قِوام للنَّاس بهَا أَن يدْفع هَذَا القدَر وَأَن يُعَاقب الظَّالِم بِمَا يكف عدوانه وعدوان أَمْثَاله فَيُقَال لَهُ: إِن كَانَ الْقدر حجَّة فدع كل أحد يفعل مَا يَشَاء بك وبغيرك وَإِن لم يكن حجَّة بَطل أصل قَوْلك: [إِن الْقدر] حجَّة. "
رسالة العبودية (13)
17- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
"وَقَول هَؤُلَاءِ كفر صَرِيح وَإِن وَقع فِيهِ طوائف لم يعلمُوا أَنه كفر فَإِنَّهُ قد علم بالاضطرار من دين الْإِسْلَام أَن الْأَمر وَالنَّهْي لازمان لكل عبد مَا دَامَ عقله حَاضرا إِلَى أَن يَمُوت لَا يسقطان عَنهُ لَا بشهوده الْقدر وَلَا بِغَيْر ذَلِك فَمن لم يعرف ذَلِك عُرِّفه وبيِّن لَهُ فَإِن أصر على اعْتِقَاد سُقُوط الْأَمر وَالنَّهْي فَإِنَّهُ يُقتل.
وَقد كثرت مثل هَذِه المقالات فِي الْمُسْتَأْخِرِينَ.
وَأما المتقدمون من هَذِه الْأمة فَلم تكن هَذِه المقالات مَعْرُوفَة فيهم وَهَذِه المقالات هِيَ محادة لله وَرَسُوله ومعاداة لَهُ وَصد عَن سَبيله ومشاقة لَهُ وَتَكْذيب لرسله ومضادة لَهُ فِي حكمه وَإِن كَانَ من يَقُول هَذِه المقالات قد يجهل ذَلِك ويعتقد أَن هَذَا الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ هُوَ طَرِيق الرَّسُول وَطَرِيق أَوْلِيَاء الله الْمُحَقِّقين فَهُوَ فِي ذَلِك بِمَنْزِلَة من يعْتَقد أَن الصَّلَاة لَا تجب عَلَيْهِ لاستغنائه عَنْهَا بِمَا حصل لَهُ من الْأَحْوَال القلبية أَو أَن الْخمر حَلَال لَهُ لكَونه من الْخَواص الَّذين لَا يضرهم شرب الْخمر أَو أَن الْفَاحِشَة حَلَال لَهُ لِأَنَّهُ صَار كالبحر لَا تكدره الذُّنُوب وَنَحْو ذَلِك."
رسالة العبودية (15)
18- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
"وَهَؤُلَاء لَا يحتجون بِالْقدرِ مُطلقًا بل عمدتهم اتِّبَاع آرائهم وأهوائهم وجعلُهم مَا يرونه وَمَا يهوَونه حَقِيقَة ويأمرون باتباعها دون اتِّبَاع أَمر الله وَرَسُوله نَظِير بدع أهل الْكَلَام من الْجَهْمِية وَغَيرهم الَّذين يجْعَلُونَ مَا ابتدعوه من الْأَقْوَال الْمُخَالفَة للْكتاب وَالسّنة حقائق عقلية يجب اعتقادها دون مَا دلّت علية السمعيات ثمَّ الْكتاب وَالسّنة إِمَّا أَن يحرفوا القَوْل فيهمَا عَن موَاضعه وَإِمَّا أَن يعرضُوا عَنهُ بِالْكُلِّيَّةِ فَلَا يتدبرونه وَلَا يعقلونه بل يَقُولُونَ: نفوض مَعْنَاهُ إِلَى الله مَعَ اعْتِقَادهم نقيض مَدْلُوله وَإِذا حُقّق على هَؤُلَاءِ مَا يزعمونه من العقليات الْمُخَالفَة للْكتاب وَالسّنة وُجدت جهليات واعتقادات فَاسِدَة"
رسالة العبودية (16)
19- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه :
"وأصل ضلال من ضل هُوَ بِتَقْدِيم قِيَاسه على النَّص الْمنزل من عِنْد الله وَتَقْدِيم اتِّبَاع الْهوى على اتِّبَاع أَمر الله فَإِن الذَّوْق والوجد وَنَحْو ذَلِك هُوَ بِحَسب مَا يُحِبهُ العَبْد ويهواه فَكل محب لَهُ ذوق وَوجد بِحَسب محبته وهواه."
رسالة العبودية (16)
20- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
" وَلِهَذَا يمِيل هَؤُلَاءِ ويغرمون بِسَمَاع الشّعْر والأصوات الَّتِي تهيج الْمحبَّة الْمُطلقَة الَّتِي لَا تخْتَص بِأَهْل الْإِيمَان بل يشْتَرك فِيهَا محب الرَّحْمَن ومحب الْأَوْثَان ومحب الصلبان ومحب الأوطان ومحب الإخوان ومحب المردان ومحب النسوان وَهَؤُلَاء الَّذين يتبعُون أذواقهم ومواجيدهم من غير اعْتِبَار لذَلِك بِالْكتاب وَالسّنة وَمَا كَانَ عَلَيْهِ سلف الْأمة. "
رسالة العبودية (17).
21- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
" فَأهل الْإِيمَان لَهُم من الذَّوْق والوجد مثل مَا بيّنه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بقوله فِي الحَدِيث الصَّحِيح: " ثَلَاث من كن فِيهِ وجد حلاوة الْإِيمَان: من كَانَ الله وَرَسُوله أحب إِلَيْهِ مِمَّا سواهُمَا وَمن كَانَ يحب الْمَرْء لَا يُحِبهُ إِلَّا لله وَمن كَانَ يكره أَن يرجع فِي الْكفْر بعد إِذْ أنقذه الله مِنْهُ كَمَا يكره أَن يلقى فِي النَّار " وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: " ذاق طعم الْإِيمَان من رَضِي بِاللَّه رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دينا وَبِمُحَمَّدٍ نَبيا ".
وَأما أهل الْكفْر والبدع والشهوات فَكل بِحَسبِهِ.
قيل لِسُفْيَان بن عُيَيْنَة: مَا بَال أهل الْأَهْوَاء لَهُم محبَّة شَدِيدَة لأهوائهم؟ فَقَالَ: أنسيت قَوْله تَعَالَى [٩٣ الْبَقَرَة] : {وأشربوا فِي قُلُوبهم الْعجل بكفرهم} أَو نَحْو هَذَا من الْكَلَام. "
رسالة العبودية (17)
22- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
" فالمخالف لما بعث الله بِهِ رَسُوله من عِبَادَته وَحده وطاعته وَطَاعَة رَسُوله لَا يكون مُتبعا لدين شَرعه الله أبدا كَمَا قَالَ تَعَالَى [١٨-١٩ الجاثية] : {ثمَّ جعلناك على شَرِيعَة من الْأَمر فاتبعها وَلَا تتبع أهواء الَّذين لَا يعلمُونَ * إِنَّهُم لن يغنوا عَنْك من الله شَيْئا وَإِن الظَّالِمين بَعضهم أَوْلِيَاء بعض وَالله ولي الْمُتَّقِينَ} بل يكون مُتبعا لهواه بِغَيْر هدى من الله قَالَ تَعَالَى [٢١ الشورى] : {أم لَهُم شُرَكَاء شرعوا لَهُم من الدَّين مَا لم يَأْذَن بِهِ الله} ."
رسالة العبودية (17)
23-قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
" وَمِنْهُم طَائِفَة يغترون بِمَا يحصل لَهُم من خرق عَادَة - مثل مكاشفة أَو استجابة دَعْوَة مُخَالفَة للْعَادَة وَنَحْو ذَلِك - فيشتغل أحدهم بِهَذِهِ الْأُمُور عَمَّا أَمر بِهِ من الْعِبَادَة وَالشُّكْر وَنَحْو ذَلِك.
فَهَذِهِ الْأُمُور وَنَحْوهَا كثيرا مَا تعرض لأهل السلوك والتوجه وَإِنَّمَا ينجو العَبْد مِنْهَا بملازمة أَمر الله الَّذِي بعث بِهِ رَسُوله فِي كل وَقت كَمَا قَالَ الزُّهْرِيّ: كَانَ من مضى من سلفنا يَقُولُونَ: الِاعْتِصَام بِالسنةِ نجاة. وَذَلِكَ أَن السّنة كَمَا قَالَ مَالك رَحمَه الله: مثل سفينة نوح من ركبهَا نجا وَمن تخلف عَنْهَا غرق. "
رسالة العبودية (19)
24- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
" وَالْعِبَادَة وَالطَّاعَة والاستقامة وَلُزُوم الصِّرَاط الْمُسْتَقيم وَنَحْو ذَلِك من الْأَسْمَاء مقصودها وَاحِد وَلها أصلان:
أَحدهمَا: أَن لَا يعبد إِلَّا الله.
وَالثَّانِي: أَلا يعبده إِلَّا بِمَا أَمر وَشرع لَا يعبده بِغَيْر ذَلِك من الْأَهْوَاء والظنون والبدع قَالَ تَعَالَى [١١٠ الْكَهْف] : {فَمن كَانَ يَرْجُو لِقَاء ربه فليعمل عملا صَالحا وَلَا يُشْرك بِعبَادة ربه أحدا} "
رسالة العبودية (19)
25- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
" فَالْعَمَل الصَّالح هُوَ الْإِحْسَان وَهُوَ فعل الْحَسَنَات والحسنات هِيَ مَا أحبه الله وَرَسُوله وَهُوَ مَا أَمر بِهِ أَمر إِيجَاب أَو اسْتَجَابَ."
رسالة العبودية (19)
26- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
" وَتارَة تتنوع دلَالَة الِاسْم بِحَال الِانْفِرَاد والاقتران فَإِذا أفرد عَم وَإِذا قرن بِغَيْرِهِ خص كاسم الْفَقِير والمسكين لما أفرد أَحدهمَا فِي مثل قَوْله [٢٧٣ الْبَقَرَة] : {للْفُقَرَاء الَّذين أحْصرُوا فِي سَبِيل الله} وَقَوله [٨٩ الْمَائِدَة] : {إطْعَام عشرَة مَسَاكِين} دخل فِيهِ الآخر وَلما قرن بَينهمَا فِي
قَوْله [٦٠ التَّوْبَة] : {إِنَّمَا الصَّدقَات للْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين} صَارا نَوْعَيْنِ. "
رسالة العبودية (20)
27- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
" فَمَا كَانَ من الْبدع فِي الدَّين الَّتِي لَيست فِي الْكتاب، وَلَا فِي صَحِيح السّنة، فَإِنَّهَا - وَإِن قَالَهَا من قَالَهَا، وَعمل بهَا من عمل - لَيست مَشْرُوعَة؛ فَإِن الله لَا يُحِبهَا وَلَا رَسُوله، فَلَا تكون من الْحَسَنَات وَلَا من الْعَمَل الصَّالح. كَمَا أَن من يعْمل مَا لَا يجوز، كالفواحش وَالظُّلم لَيْسَ من الْحَسَنَات وَلَا من الْعَمَل الصَّالح."
رسالة العبودية (19)
28- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
" وَذكر الْخَاص مَعَ الْعَام يكون لأسباب متنوعة: تَارَة لكَونه لَهُ خاصية لَيست لسَائِر أَفْرَاد الْعَام كَمَا فِي نوح وَإِبْرَاهِيم ومُوسَى وَعِيسَى وَتارَة لكَون الْعَام فِيهِ إِطْلَاق قد لَا يفهم مِنْهُ الْعُمُوم كَمَا فِي قَوْله [٢-٤ الْبَقَرَة] : { هدى لِلْمُتقين * الَّذين يُؤمنُونَ بِالْغَيْبِ ويقيمون الصَّلَاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفقُونَ * وَالَّذين يُؤمنُونَ بِمَا أنزل إِلَيْك وَمَا أنزل من قبلك} فَقَوله: {يُؤمنُونَ بِالْغَيْبِ} يتَنَاوَل كل الْغَيْب الَّذِي يجب الْإِيمَان بِهِ لَكِن فِيهِ إِجْمَال فَلَيْسَ فِيهِ دلَالَة على أَن من الْغَيْب {مَا أنزل إِلَيْك وَمَا أنزل من قبلك} وَقد يكون الْمَقْصُود أَنهم يُؤمنُونَ بالمخبر بِهِ وَهُوَ الْغَيْب وبالإخبار بِالْغَيْبِ وَهُوَ {مَا أنزل إِلَيْك وَمَا أنزل من قبلك} ."
رسالة العبودية (21)
29- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" فكمال الْمَخْلُوق فِي تَحْقِيق عبوديته لله وَكلما ازْدَادَ العَبْد تَحْقِيقا للعبودية ازْدَادَ كَمَاله وعلت دَرَجَته وَمن توهم أَن الْمَخْلُوق يخرج من الْعُبُودِيَّة بِوَجْه من الْوُجُوه أَو أَن الْخُرُوج عَنْهَا أكمل فَهُوَ من أَجْهَل الْخلق بل من أضلهم"
رسالة العبودية (21)
30- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
" وَهَكَذَا حَال من كَانَ مُتَعَلقا برئاسة أَو بِصُورَة - وَنَحْو ذَلِك من أهواء نَفسه - إِن حصل لَهُ رَضِي وَإِن لم يحصل لَهُ سخط فَهَذَا عبد مَا يهواه من ذَلِك وَهُوَ رَقِيق لَهُ إِذْ الرّقّ والعبودية فِي الْحَقِيقَة هُوَ رق الْقلب وعبوديته فَمَا اسْترق الْقلب واستعبده فَهُوَ عَبده.
وَلِهَذَا يُقَال:
العَبْد حر مَا قنع ... وَالْحر عبد مَا طمع
وَقَالَ الشَّاعِر:
أطعتُ مطامعي فاستعبدتني ... وَلَو أَنِّي قنعت لَكُنْت حرًّا
وَيُقَال: الطمع غل فِي الْعُنُق قيد فِي الرجل فَإِذا زَالَ الغل من الْعُنُق زَالَ الْقَيْد من الرجل."
رسالة العبودية (25)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق