الحمد لله وصلى الله وسلم على مصطفاه وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم .
اما بعد فهذه مختارات من كتاب التنكيل للعلامة عبدالرحمن بن يحيى المعلمي اليماني رحمه الله.
1-قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى مبيناً سبب تأليف كتابه (التنكيل بما في تأنيب الكوثري من أباطيل) :
"أما بعد: فإني وقفت على كتاب (تأنيب الخطيب) للأستاذ العلامة محمد زاهد الكوثري، الذي تعقب فيه ما ذكره الحافظ المحدث الخطيب البغدادي في ترجمة الإمام أبي حنيفة من (تاريخ بغداد) من الروايات عن الماضين في الغض من أبي حنيفة، فرأيت الأستاذ تعدى ما يوافقه عليه أهل العلم من توقير أبي حنيفة وحسن الذب عنه - إلى ما لا يرضاه عالم متثبت من المغالطات المضادة للأمانة العلمية، ومن التخليط في القواعد، والطعن في أئمة السنة ونقلتها، حتى تناول بعض أفاضل الصحابة والتابعين والأئمة الثلاثة مالكا والشافعي وأحمد وأضرابهم وكبار أئمة الحديث وثقات نقلته والرد لأحاديث صحيحة ثابتة، والعيب للعقيدة السلفية.
فأساء في ذلك جدا حتى إلى الإمام أبي حنيفة نفسه، فإن من لا يزعم أنه لا يتأتى الدفاع عن أبي حنيفة إلا بمثل ذلك الصنيع فساء ما يثني عليه"
مقدمة التنكيل
2- قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
"وحرصت على توخي الحق والعدل، واجتناب ما كرهته للأستاذ، خلا أن إفراطه في إساءة القول في الأئمة جرأني على أن أصرح ببعض ما يقتضيه صنيعه. وأسأل الله التوفيق لي وله."
طليعة التنكيل (10)
3- من طرق أهل البدع :
قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
"فمن أوابده تبديل الرواة، يتكلم في الأسانيد التي يسوقها الخطيب طاعنا في رجالها واحدا واحدا، فيمر به الرجل الثقة الذي لا يجد فيه طعنا مقبولا فيفتش الأستاذ عن رجل آخر يوافق ذلك الثقة في الاسم واسم الأب ويكون مقدوحا فيه، فإذا ظفر به زعم أنه هو الذي في السند)
طليعة التنكيل 10
4-قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
"والمقصود هنا إثبات أن الكوثري قد عرف يقينا أن صالح بن أحمد الواقع في السند ليس هو بالقيراطي، بل هو ذاك الحافظ الفهم الثقة الثبت ، ولكن كان الكوثري مضطرا إلى الطعن في تلك الرواية، ولم يجد في ذاك الحافظ مغمزا، ووقعت بيده ترجمة القيراطي المطعون فيه وعرف أن هذا الفن أصبح في غاية الغربة فغلب على ظنه أنه إذا زعم أن الواقع في السند هو القيراطي لا يرد ذلك عليه أحد، فأما الله تبارك وتعالى فله معه حساب آخر والله المستعان."
طليعة التنكيل (15)
5- قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
" وأعجب من هذا كله وأغرب قول الكوثري بعد تلك الأفاعيل:
ولا أدري كيف يسوق الخطيب ... ولعل الله سبحانه طمس بصيرته ليفضحه بخذلانه المكشوف في كل خطوة» .
وهذا المترجى واقع ولكن بمن؟!"
طليعة التنكيل (16)
6- قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
"ولا ريب أن الكوثري عند تفتيشه عن أحمد ابن الخليل وقف أولا على ترجمة هذا التاجر وعرف أنه هو الواقع في السند، ولكنه رآه ثقة، وهو بالحاجة إلى الطعن في تلك الرواية فعدل عنه إلى ذاك الضعيف (حور) نعوذ بالله من الحور بعد الكور، وهكذا تكون الأمانة! "
طليعة التنكيل (17)
7- قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
" ومن كثر حديثه لا بد أن تكون عنده غرائب، وليس ذلك بموجب للضعف، وإنما الذي يضر أن تكون تلك الغرائب منكرة " طليعة التنكيل (33)
8- قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
"الخطأ الذي يضر الراوي الإصرار عليه هو ما يخشى أن تترتب عليه مفسدة ويكون الخطأ من المصر نفسه، وذلك كمن يسمع حديثا بسند صحيح فيغلظ فيركب على ذاك السند متنا موضوعا فينبهه أهل العلم فلا يرجع، وليس ما وقع للهيثم من هذا القبيل، إنما وقع عنده في حديث الزهري عن محمود بن الربيع عن عتبان، وقع عنده (محمد بن الربيع) بدل (محمود بن الربيع) وثبت على ذلك وهذا لا مفسدة فيه، بل ثبات الهيثم يدل على عظم أمانته وشدة تثبته إذ لم يستحل أن يغير ما في أصله، وقد وقع لمالك بن أنس الإمام نحو هذا، كان يقول في عمرو بن عثمان: (عمر بن عثمان) وثبت على ذلك"
طليعة التنكيل (34)
9- قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
"فإن قيل إنما أراد الكوثري التنكيت والتبكيت مقابلة الإساءة بمثلها، قلت رأس مال العالم الصدق، ومن استحل التحريف في موضع ترويجا لرأيه لم يؤمن أن يحرف في غيره."
طليعة التنكيل (39)
10- قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
"أن ابن معين قد يقول «ليس بشيء» على معنى قلة الحديث فلا تكون جرحا، وقد يقولها على وجه الجرح كما يقولها غيره فتكون جرحا، فإذا وجدنا الراوي الذي قال فيه ابن معين: «ليس بشيء» قليل الحديث وقد وثق، وجب حمل كلمة ابن معين على معنى قلة الحديث."
طليعة التنكيل (49)
11- قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
"فأما ذكر الراوي في بعض كتب الضعفاء فلا يضره ما لم يكن فيما ذكر به ما يوجب ضعفه، وذلك أنهم كثيرا ما يذكرون الرجل لكلام فيه لا يثبت أو لا يقدح أو نحو ذلك."
طليعة التنكيل (52)
12- قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
" أما الانفراد فليس بمانع من الاحتجاج عند أهل السنة، بل بإجماع الصحابة والتابعين، بل الأدلة في ذلك أوضح، ولم يشترط التعدد إلا بعض أهل البدع، نعم قد يتوقف في بعض الأفراد لقيام قرائن تشعر بالغلط، والمرجع في ذلك إلى أئمة الحديث"
طليعة التنكيل (63)
13- قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى مبيناً سبب تحديث أنس للحجاج بحديث العرنيين :
"كان اجتماع أنس بالحجاج لما كان الحجاج بالبصرة وذلك سنة ٧٥ هـ قبل وفاة أنس ببضع عشرة سنة وليس في الحديث ما يصلح أن يكون شبهة للحجاج على ظلمه، ولو كان فيه ذلك فلم يكن الحجاج يحتاج في ظلمه إلى شبهة، ومع هذا فلأنس عذر، وهو أنه قد كان حدث بالحديث قبل ذلك، فلعله لما سأله الحجاج خشي أن يكون قد بلغ الحجاج تحديثه به، فإذا كتمه عند سؤاله إياه اتخذ الحجاج ذلك ذريعة إلى إيذاء أنس."
طليعة التنكيل (64)
14- قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
" المقصود الأهم من كتابي هذا هو رد المطاعن الباطلة عن أئمة السنة وثقات رواتها والذي اضطرني إلى ذلك أن السنة النبوية وما تفتقر إليه من معرفة أحوال رواتها ومعرفة العربية وآثار الصحابة والتابعين في التفسير، وبيان معاني السنة والأحكام وغيرها، والفقه نفسه إنما مدارها على النقل على أولئك الذين طعن فيهم الأستاذ وأضر بهم، فالطعن فيهم يؤول إلى الطعن في النقل كله، بل في الدين من أصله."
التنكيل (181)
15- قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
" المقرر عند أهل العلم أنه إذا نقل عن جماعة من الصحابة القول بتحريم شيء ولم ينقل عن أحد منهم أو ممن عاصرهم من علماء التابعين قول بالحل، عد ذاك الشيء مجمعا على حرمته، لا يسوغ لمجتهد أن يذهب إلى حله، فإن ذهب إلى حله غافلا عن الإجماع كان قوله مردودا، أو عالما بالإجماع فمن أهل العلم من يضلله، ومنهم من قد يكفره. لكنه لو ثبت عن رجل واحد من الصحابة قول بحل ذلك الشيء كانت المسألة خلافية لا يحظر على المجتهد أن يقول فيها بقول ذلك الصحابي، أو بقول مفصل يوافق هذا في شيء، وذاك في شيء."
التنكيل (181)
16- قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
" من أوسع أودية الباطل الغلو في الأفاضل ومن أمضى أسلحته أن يرمي الغالي كل من يحاول رده إلى الحق ببغض أولئك الأفاضل ومعاداتهم، ويرى بعض أهل العلم أن النصارى أول ما غلوا في عيسى عليه السلام كان الغلاة يرمون كل من أنكر عليهم بأنه يبغض عيسى ويحقره ونحو ذلك فكان هذا من أعظم ما ساعد على أن انتشار الغلو لأن بقايا أهل الحق كانوا يرون أنهم إذا أنكروا على الغلاة نسبوا إلى ما هم أشد الناس كراهية له من بغض عيسى وتحقيره، ومقتهم الجمهور، وأوذوا فثبطهم هذا عن الإنكار، وخلا الجو للشيطان، وقريب من هذا حال الغلاة الروافض وحال القبوريين، وحال غلاة المقلدين ."
التنكيل (184)
17- قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
"وحاصله أن أكثر الناس مغرون بتقليد من يعظم في نفوسهم والغلو في ذلك، حتى إذا قيل لهم: إنه غير معصوم عن الخطأ والدليل قائم على خلاف قوله في كذا فدل ذلك على أنه أخطأ ولا يحل لكم أن تتبعوه على ما أخطأ فيه، قالوا: هو أعلم منكم بالدليل، وأنتم أولى بالخطأ منه فالظاهر أنه قد عرف ما يدفع دليلكم هذا، فإن زاد المنكرون فأظهروا حسن الثناء على ذلك المتبوع كان أشد لغلو متبعيه.
خطب عمار بن ياسر في أهل العراق قبل وقعة الجمل ليكفهم عن الخروج مع أم المؤمنين عائشة فقال «والله إنها لزوجة نبيكم صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة ولكن الله تبارك وتعالى ابتلاكم ليعلم إياه تطيعون أم هي» أخرجه البخاري في (الصحيح) من طريق أبي مريم الأسدي عن عمار، وأخرج نحوه من طريق أبي وائل عن عمار فلم يؤثر هذا في كثير من الناس بل روي أن بعضهم أجاب قائلا «فنحن مع من شهدت له بالجنة يا عمار» .
فلهذا كان من أهل العلم والفضل من إذا رأى جماعة اتبعوا بعض الأفاضل في أمر يرى أنه ليس لهم اتباعه فيه إما لأن حالهم غير حاله وإما لأنه يراه أخطأ - أطلق كلمات يظهر منها الغض من ذاك الفاضل لكي يكف الناس عن الغلو فيه الحامل لهم على إتباعه فيما ليس لهم أن يتبعوه فيه، فمن هذا ما في (المستدرك) (٢ ص٣٢٩) « ... عن خيثمة قال: كان سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه في نفر فذكروا علياً فشتموه فقال سعد: مهلا عن أصحاب رسول صلى الله عليه وسلم ... فقال بعضهم فوالله إنه كان يبغضك ويسميك الأخنس، فضحك سعد حتى استعلاه الضحك ثم قال أليس قد يجد المرء على أخيه في الأمر يكون بينه وبينه ثم لا يبلغ ذلك أمانته ... » قال الحاكم: «صحيح على شرط الشيخين» وأقره الذهبي.
وفي الصحيحين وغيرهما عن علي رضي الله عنه قال «ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع أبويه إلا لسعد بن مالك (هو سعد بن أبي وقاص) فإني سمعته يقول يوم أحد: يا سعد ارم فداك أبي وأمي» .
وتروى عن علي كلمات أخرى من ذا وذاك وكان سعد قد قعد عن قتال البغاة فكان علي إذا كان في جماعة يخشى أن يتبعوا سعداً بالقعود ربما أطلق غير كاذب كلمات توهم الغض من سعد وإذا كان مع من لا يخشى منه القعود فذكر سعداً ذكر فضله. ومنه ما يقع في كلام الشافعي في بعض المسائل التي يخالف فيها مالكا من إطلاق كلمات فيها غض من مالك مع ما عرف عن الشافعي من تبجيل أستاذه مالك، وقد روى حرملة عن الشافعي أنه قال «مالك حجة الله على خلقه بعد التابعين» كما يأتي في ترجمة مالك إن شاء الله تعالى.
ومنه ما نراه في كلام مسلم في مقدمة صحيحه مما يظهر منه الغض الشديد من مخالفه في مسألة اشتراط العلم باللقاء، والمخالف هو البخاري، وقد عرف عن مسلم تبجيله للبخاري.
وأنت إذا تدبرت تلك الكلمات وجدت لها مخارج مقبولة وإن كان ظاهرها التشنيع الشديد. "
التنكيل (190-192)
18- قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
"والأئمة غير معصومين من الخطأ والغلط، وهم إن شاء الله تعالى معذورون مأجورون فيما أخطأوا فيه كما هو الشأن فيمن أخطأ بعد بذل الوسع في تحري الحق، لكن لا سبيل إلى القطع بأنه لم يقع منهم في بعض الفروع تقصير يؤاخذون عليه، أو تقصير في زجر أتباعهم عن الغلو في تقليدهم."
التنكيل (192)
19- قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
" والمقصود هنا أن منزلة أنس رضي الله عنه عندنا غير منزلته التي يجعله الأستاذ فيها، فلا غرو أن يزعم الأستاذ أنه ليس في كلامه فيه ما ينتقد ! وفي (فتح الباري) في «باب المصراة» : «قال ابن السمعاني في (الاصطلام) : التعرض إلى جانب الصحابة علامة على خذلان فاعله بل هو بدعة وضلالة» ذكر ذلك في صدد رد كلام بعض الحنفية في رواية أبي هريرة حديث المصراة ."
التنكيل (195)
20- قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
"فهل يريد الأستاذ أن يستنتج من ذلك أن أصحاب الحديث صاروا كلهم بين سفيه فاجر كذاب، وأحمق مغفل يستحل الكذب الذي هو في مذهبه من أكبر الكبائر وأقبح القبائح؟ فليت شعري عند من بقي العلم والدين؟ أعند الجهمية الذين يعزلون الله وكتبه ورسله عن الاعتداد في عظم الدين وهو الاعتقاديات ويتبعون فيها الأهواء والأوهام؟ ! يقال لأحدهم قال الله عز وجل ... ، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فتلتوي عنقه وينقبض وجهه تبرما وتكرها، ويقال له: قال ابن سينا ... ، فيستوي قاعدا ويسمو رأسه وينبسط وجهه وتتسع عيناه وتصغي أذناه كأنه يتلقى بشرى عظيمة كان يتوقعها. فهل هذا هو الإيمان الذي لا يزيد ولا ينقص يا أستاذ!!"
التنكيل (200)
21- قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
"وكان مقتضى الحكمة إتباع ما مضى عليه أهل العلم منذ سبعمائة سنة تقريبا من سدل الستار على تلك الأحوال وتقارض الثناء واقتصار الحنفية في بعض المناسبات على التألم من الخطيب بأنه أورد حكايات لا تصح، فيقتصرون على هذا الإجمال ونحوه ولا يطعنون في الخطيب ولا في راو بعينه ويعوضون أنفسهم بالاستكثار من روايات المناقب، فإن جاوز بعضهم ذلك فعلى قدر ومراعاة للجانب الآخر، فليت الأستاذ اكتفى بما يقرب من ذلك وطوى الثوب على غرة، فإن أبت نفسه إلا بعثرة القبور فليتحر الحق إما تدينا، وإما علما بأن في الناس بقايا وفي الزوايا خبايا."
التنكيل (202)
22- قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
" الأستاذ من أهل الرأي، ويظهر أنه من غلاة المقلدين في فروع الفقه، ومن مقلدي المتكلمين، ومن المجارين لكتاب العصر إلى حد ما وكل واحدة من هذه الأربع تقتضي قلة مبالاة بالمرويات، ودربة على التمحل في ردها، وجرأة على مخالفتها واتهام رواتها. "
التنكيل (204)
23- قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
" ومن تتبع السيرة والسنة علم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان ربما يقضي بالقضية أو يحدث بالحديث أو يفتي في مسألة وليس عنده من أصحابه إلا الواحد أو الاثنان، ثم كان معظم أصحابه لا يحدثون بالحديث عنه صلى الله عليه وآله وسلم إلا عندما تدعو الحاجة، ومن لازم ما تقدم مع احتمال نسيان بعضهم أو موته قبل أن يخبر بالحديث أن يكون كثير من السنن ينفرد بسماعها أو بحفظها أو بروايتها آحاد الصحابة، ثم تفرق الصحابة في الأقطار فمنهم من هو في باديته ومنهم من صار إلى الشام والعراق ومصر واليمن، فكان عند أهل كل جهة أحاديث من السنة لم تكن عند غيرهم في أول الأمر - كما روي عن مالك - ثم اجتهد أصحاب الحديث في جمع السنة من كل وجه "
التنكيل (204)
24- قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
"وقد علم من الشريعة أنه ليس على العالم الإحاطة بالعلم كله، وأن من شهد له أهل العلم بأنه عالم، فإنما عليه إذا احتاج إلى قضاء أو فتوى أن ينظر في كتاب الله عز وجل وفيما يعلمه من السنة، فإن لم يجد فيهما النص على تلك المسألة سأل من يسهل عليه ممن يرجو أن يكون عنده دليل فإن لم يجد وعرف أن لبعض الصحابة قولا في تلك المسألة لم يعلم له مخالفا أخذ به وإن علم خلافا رجح، فإن لم يجد قول صحابي ووجد قول تابعي ممن تقدمه لم يعلم له مخالفا فيه أخذ به وإن علم خلافا رجح.
وكان الغالب في الترجيح أن يرجح العالم قول من كان ببلده من الصحابة أو التابعين لمزيد معرفته بهم المقتضية لزيادة الوثوق هذا مع ما للإلف والعادة من الأثر الخفي. فإن لم يجد شيئا مما تقدم اجتهد رأيه وقضى وأفتى بما يظهر له.
ثم إذا قضى أو أفتى مستندا إلى شيء مما تقدم ثم وجد دليلا أقوى مما استند إليه يخالف ما ذهب إليه سابقا أخذ من حينئذ بالأقوى. على هذا جرى الخلفاء الراشدون وغيرهم كما هو مبسوط في مواضعه ومنها (إعلام الموقعين) ."
التنكيل (205)
25- ماهو سبب طلب الكثير من طلاب العلم لمتون الرأي بدل كتب الحديث والآثار:؟
قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
"وكان كثير من أهل العلم من الصحابة وغيرهم يتقون النظر فيما لم يجدوا فيه نصا، وكان منهم من يتوسع في ذلك، ثم نشأ من أهل العلم ولا سيما بالكوفة من توسع في ذلك، وتوسع في النظر في القضايا التي لم تقع وأخذوا يبحثون في ذلك ويتناظرون ويصرفون أوقاتهم في ذلك، واتصل بهم جماعة من طلبة العلم تشاغلوا بذلك ورأوه أشهى لأنفسهم وأيسر عليهم من تتبع الرواة في البلدان والإمعان في جمع الأحاديث والآثار، ومعرفة أحوال الرواة وعاداتهم والإمعان في ذلك ليعرف الصحيح من السقيم والصواب من الخطأ والراجح من المرجوح،ويعرف العام والخاص والمطلق والمبين وغير ذلك، فوقعوا فيما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: «إياكم والرأي فإن أصحاب الرأي أعداء السنن، أعيتهم الأحاديث أن يعوها وتفلتت منهم أن يحفظوها فقالوا في الدين برأيهم»
(اعلام الموقعين) طبعة مطبعة النيل بمصر ج ١ ص ٦٢ وراجع (كتاب العلم) لابن عبد البر.
فوقع فيما ذهبوا إليه وعملوا به وأفتوا مسائل ثبتت فيها السنة مخالفة لما ذهبوا إليه، لم يكونوا اطلعوا عليها، فكان الحديث من تلك الأحاديث إذا بلغهم فيه لمخالفتهم ما ذهب إليه أسلافهم واستمر عليه عملهم ورأوا أنه هو الذي يقتضيه النظر المعقول (القياس) ، فمن تلك الأحاديث ما كان من الثبوت والصراحة بحيث قهرهم فلم يجدوا بدا من الأخذ به، وكثير منها كانوا يردونها ويتلمسون المعاذير مع أن منها ما هو أثبت وأظهر وأقرب إلى القياس من أحاديث قد أخذوا بها لكن هذه التي أخذوا بها مع ما فيها من الضعف ومخالفة القياس وردت عليهم قبل أن يذهبوا إلى خلافها فقبلوها إتباعا، وتلك التي ردوها مع قوة ثبوتها إنما بلغتهم بعد أن استقر عندهم خلافها واستمروا على العمل بذلك ومضى عليه أشياخهم ربما أخذوا بشيء من النقل ثم بلغهم من السنة ما يخالفه أن ينظروا كما ينظر أئمة الحديث لمعرفة الصحيح من السقيم والخطأ من الصواب والراجح من المرجوح فقنعوا بالرأي "
التنكيل (205-206)
26-حال كتب الأدب كالأغاني :
قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
"وهذه الكتب يكثر فيها الكذب والحكايات الفاجرة،وكان فجرة الإخباريين يضعون تلك الحكايات لأغراض منها دفع الملامة عن أنفسهم - يقولون ليس هذا العيب خاصا بنا بل كان من قبلنا كذلك حتى المشهورون بالفضل.
ومنها ترويج الفجور والدعاية إليه ليكثر أهله فيجد الداعي مساعدين عليه ويقوي عذره.
ومنها ترغيب الأمراء والأغنياء في الفجور وتشجيعهم عليه ليجد الدعاة المتأدبون مراعي خصبة يتمتعون فيها بلذاتهم وشهواتهم.
ومنها التقرب إلى الأمراء والأغنياء بالحكايات الفاجرة التي يلذ لهم سماعها إلى غير ذلك.
وما يوجد في تلك الكتب من الصدق إنما يصور طائفة مخصوصة كالأمراء المترفين والشعراء والأدباء ونحوهم"
التنكيل (210)
27- قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
"ثم كان الرجل من أصحاب الحديث يرشح لطلب الحديث وهو طفل، ثم ينشأ دائبا في الطلب والحفظ والجمع ليلا ونهارا ويرتحل في طلبه إلى أقاصي البلدان ويقاسى المشاق الشديدة كما هو معروف في أخبارهم ويصرف في ذلك زهرة عمره إلى نحو ثلاثين أو أربعين سنة وتكون أمنيته الوحيدة من الدنيا أن يقصده أصحاب الحديث ويسمعوا منه ويرووا عنه، وفي (تهذيب التهذيب) ج ١١ص ١٨٣ «قال عبد الله بن محمود المروزي: سمعت يحيى بن أكثم يقول: «كنت قاضيا وأميرا ووزيرا ما ولج سمعي أحلى من قول المستملي (١) من ذكرت؟ رضي الله عنك» وفيه ج ٦ ص ٣١٤: «روي عن عبد الرزاق أنه قال: حججت فمكثت ثلاثة أيام لا يجيئني أصحاب الحديث فتعلقت بالكعبة وقلت: يا رب مالي أكذاب أنا؟ أمدلس أنا؟ فرجعت إلى البيت فجاءوني» وقد علم طالب الحديث في أيام طلبه تشدد علماء الحديث وتعنتهم وشدة فحصهم وتدقيقهم "
التنكيل (212-213)
28-قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
"فالفاسق المتهتك لا يعرف قدر العدالة فتراه يتهم العدول ولا يكاد يعرف عدالتهم ولو كانوا جيرانه."
التنكيل (225)
29- قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
"ما من إنسان إلا وله أهواء فيما ينافي العدالة وإنما المحذور إتباع الهوى"
التنكيل (230)
30- قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
"وأهل البدع كما سماهم السلف «أصحاب الأهواء» وإتباعهم لأهوائهم في الجملة ظاهر وإنما يبقى النظر في العمد والخطأ ومن ثبت تعمده أو اتهمه بذلك عارفوه لم يؤمن كذبه وفي (الكفاية) للخطيب ص ١٢٣ عن علي بن حرب الموصلي: «كل صاحب هوى يكذب ولا يبالي» يريد والله أعلم أنهم مظنة ذلك فيحترس من أحدهم حتى يتبين براءته."
التنكيل (230)
اما بعد فهذه مختارات من كتاب التنكيل للعلامة عبدالرحمن بن يحيى المعلمي اليماني رحمه الله.
1-قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى مبيناً سبب تأليف كتابه (التنكيل بما في تأنيب الكوثري من أباطيل) :
"أما بعد: فإني وقفت على كتاب (تأنيب الخطيب) للأستاذ العلامة محمد زاهد الكوثري، الذي تعقب فيه ما ذكره الحافظ المحدث الخطيب البغدادي في ترجمة الإمام أبي حنيفة من (تاريخ بغداد) من الروايات عن الماضين في الغض من أبي حنيفة، فرأيت الأستاذ تعدى ما يوافقه عليه أهل العلم من توقير أبي حنيفة وحسن الذب عنه - إلى ما لا يرضاه عالم متثبت من المغالطات المضادة للأمانة العلمية، ومن التخليط في القواعد، والطعن في أئمة السنة ونقلتها، حتى تناول بعض أفاضل الصحابة والتابعين والأئمة الثلاثة مالكا والشافعي وأحمد وأضرابهم وكبار أئمة الحديث وثقات نقلته والرد لأحاديث صحيحة ثابتة، والعيب للعقيدة السلفية.
فأساء في ذلك جدا حتى إلى الإمام أبي حنيفة نفسه، فإن من لا يزعم أنه لا يتأتى الدفاع عن أبي حنيفة إلا بمثل ذلك الصنيع فساء ما يثني عليه"
مقدمة التنكيل
2- قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
"وحرصت على توخي الحق والعدل، واجتناب ما كرهته للأستاذ، خلا أن إفراطه في إساءة القول في الأئمة جرأني على أن أصرح ببعض ما يقتضيه صنيعه. وأسأل الله التوفيق لي وله."
طليعة التنكيل (10)
3- من طرق أهل البدع :
قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
"فمن أوابده تبديل الرواة، يتكلم في الأسانيد التي يسوقها الخطيب طاعنا في رجالها واحدا واحدا، فيمر به الرجل الثقة الذي لا يجد فيه طعنا مقبولا فيفتش الأستاذ عن رجل آخر يوافق ذلك الثقة في الاسم واسم الأب ويكون مقدوحا فيه، فإذا ظفر به زعم أنه هو الذي في السند)
طليعة التنكيل 10
4-قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
"والمقصود هنا إثبات أن الكوثري قد عرف يقينا أن صالح بن أحمد الواقع في السند ليس هو بالقيراطي، بل هو ذاك الحافظ الفهم الثقة الثبت ، ولكن كان الكوثري مضطرا إلى الطعن في تلك الرواية، ولم يجد في ذاك الحافظ مغمزا، ووقعت بيده ترجمة القيراطي المطعون فيه وعرف أن هذا الفن أصبح في غاية الغربة فغلب على ظنه أنه إذا زعم أن الواقع في السند هو القيراطي لا يرد ذلك عليه أحد، فأما الله تبارك وتعالى فله معه حساب آخر والله المستعان."
طليعة التنكيل (15)
5- قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
" وأعجب من هذا كله وأغرب قول الكوثري بعد تلك الأفاعيل:
ولا أدري كيف يسوق الخطيب ... ولعل الله سبحانه طمس بصيرته ليفضحه بخذلانه المكشوف في كل خطوة» .
وهذا المترجى واقع ولكن بمن؟!"
طليعة التنكيل (16)
6- قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
"ولا ريب أن الكوثري عند تفتيشه عن أحمد ابن الخليل وقف أولا على ترجمة هذا التاجر وعرف أنه هو الواقع في السند، ولكنه رآه ثقة، وهو بالحاجة إلى الطعن في تلك الرواية فعدل عنه إلى ذاك الضعيف (حور) نعوذ بالله من الحور بعد الكور، وهكذا تكون الأمانة! "
طليعة التنكيل (17)
7- قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
" ومن كثر حديثه لا بد أن تكون عنده غرائب، وليس ذلك بموجب للضعف، وإنما الذي يضر أن تكون تلك الغرائب منكرة " طليعة التنكيل (33)
8- قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
"الخطأ الذي يضر الراوي الإصرار عليه هو ما يخشى أن تترتب عليه مفسدة ويكون الخطأ من المصر نفسه، وذلك كمن يسمع حديثا بسند صحيح فيغلظ فيركب على ذاك السند متنا موضوعا فينبهه أهل العلم فلا يرجع، وليس ما وقع للهيثم من هذا القبيل، إنما وقع عنده في حديث الزهري عن محمود بن الربيع عن عتبان، وقع عنده (محمد بن الربيع) بدل (محمود بن الربيع) وثبت على ذلك وهذا لا مفسدة فيه، بل ثبات الهيثم يدل على عظم أمانته وشدة تثبته إذ لم يستحل أن يغير ما في أصله، وقد وقع لمالك بن أنس الإمام نحو هذا، كان يقول في عمرو بن عثمان: (عمر بن عثمان) وثبت على ذلك"
طليعة التنكيل (34)
9- قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
"فإن قيل إنما أراد الكوثري التنكيت والتبكيت مقابلة الإساءة بمثلها، قلت رأس مال العالم الصدق، ومن استحل التحريف في موضع ترويجا لرأيه لم يؤمن أن يحرف في غيره."
طليعة التنكيل (39)
10- قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
"أن ابن معين قد يقول «ليس بشيء» على معنى قلة الحديث فلا تكون جرحا، وقد يقولها على وجه الجرح كما يقولها غيره فتكون جرحا، فإذا وجدنا الراوي الذي قال فيه ابن معين: «ليس بشيء» قليل الحديث وقد وثق، وجب حمل كلمة ابن معين على معنى قلة الحديث."
طليعة التنكيل (49)
11- قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
"فأما ذكر الراوي في بعض كتب الضعفاء فلا يضره ما لم يكن فيما ذكر به ما يوجب ضعفه، وذلك أنهم كثيرا ما يذكرون الرجل لكلام فيه لا يثبت أو لا يقدح أو نحو ذلك."
طليعة التنكيل (52)
12- قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
" أما الانفراد فليس بمانع من الاحتجاج عند أهل السنة، بل بإجماع الصحابة والتابعين، بل الأدلة في ذلك أوضح، ولم يشترط التعدد إلا بعض أهل البدع، نعم قد يتوقف في بعض الأفراد لقيام قرائن تشعر بالغلط، والمرجع في ذلك إلى أئمة الحديث"
طليعة التنكيل (63)
13- قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى مبيناً سبب تحديث أنس للحجاج بحديث العرنيين :
"كان اجتماع أنس بالحجاج لما كان الحجاج بالبصرة وذلك سنة ٧٥ هـ قبل وفاة أنس ببضع عشرة سنة وليس في الحديث ما يصلح أن يكون شبهة للحجاج على ظلمه، ولو كان فيه ذلك فلم يكن الحجاج يحتاج في ظلمه إلى شبهة، ومع هذا فلأنس عذر، وهو أنه قد كان حدث بالحديث قبل ذلك، فلعله لما سأله الحجاج خشي أن يكون قد بلغ الحجاج تحديثه به، فإذا كتمه عند سؤاله إياه اتخذ الحجاج ذلك ذريعة إلى إيذاء أنس."
طليعة التنكيل (64)
14- قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
" المقصود الأهم من كتابي هذا هو رد المطاعن الباطلة عن أئمة السنة وثقات رواتها والذي اضطرني إلى ذلك أن السنة النبوية وما تفتقر إليه من معرفة أحوال رواتها ومعرفة العربية وآثار الصحابة والتابعين في التفسير، وبيان معاني السنة والأحكام وغيرها، والفقه نفسه إنما مدارها على النقل على أولئك الذين طعن فيهم الأستاذ وأضر بهم، فالطعن فيهم يؤول إلى الطعن في النقل كله، بل في الدين من أصله."
التنكيل (181)
15- قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
" المقرر عند أهل العلم أنه إذا نقل عن جماعة من الصحابة القول بتحريم شيء ولم ينقل عن أحد منهم أو ممن عاصرهم من علماء التابعين قول بالحل، عد ذاك الشيء مجمعا على حرمته، لا يسوغ لمجتهد أن يذهب إلى حله، فإن ذهب إلى حله غافلا عن الإجماع كان قوله مردودا، أو عالما بالإجماع فمن أهل العلم من يضلله، ومنهم من قد يكفره. لكنه لو ثبت عن رجل واحد من الصحابة قول بحل ذلك الشيء كانت المسألة خلافية لا يحظر على المجتهد أن يقول فيها بقول ذلك الصحابي، أو بقول مفصل يوافق هذا في شيء، وذاك في شيء."
التنكيل (181)
16- قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
" من أوسع أودية الباطل الغلو في الأفاضل ومن أمضى أسلحته أن يرمي الغالي كل من يحاول رده إلى الحق ببغض أولئك الأفاضل ومعاداتهم، ويرى بعض أهل العلم أن النصارى أول ما غلوا في عيسى عليه السلام كان الغلاة يرمون كل من أنكر عليهم بأنه يبغض عيسى ويحقره ونحو ذلك فكان هذا من أعظم ما ساعد على أن انتشار الغلو لأن بقايا أهل الحق كانوا يرون أنهم إذا أنكروا على الغلاة نسبوا إلى ما هم أشد الناس كراهية له من بغض عيسى وتحقيره، ومقتهم الجمهور، وأوذوا فثبطهم هذا عن الإنكار، وخلا الجو للشيطان، وقريب من هذا حال الغلاة الروافض وحال القبوريين، وحال غلاة المقلدين ."
التنكيل (184)
17- قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
"وحاصله أن أكثر الناس مغرون بتقليد من يعظم في نفوسهم والغلو في ذلك، حتى إذا قيل لهم: إنه غير معصوم عن الخطأ والدليل قائم على خلاف قوله في كذا فدل ذلك على أنه أخطأ ولا يحل لكم أن تتبعوه على ما أخطأ فيه، قالوا: هو أعلم منكم بالدليل، وأنتم أولى بالخطأ منه فالظاهر أنه قد عرف ما يدفع دليلكم هذا، فإن زاد المنكرون فأظهروا حسن الثناء على ذلك المتبوع كان أشد لغلو متبعيه.
خطب عمار بن ياسر في أهل العراق قبل وقعة الجمل ليكفهم عن الخروج مع أم المؤمنين عائشة فقال «والله إنها لزوجة نبيكم صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة ولكن الله تبارك وتعالى ابتلاكم ليعلم إياه تطيعون أم هي» أخرجه البخاري في (الصحيح) من طريق أبي مريم الأسدي عن عمار، وأخرج نحوه من طريق أبي وائل عن عمار فلم يؤثر هذا في كثير من الناس بل روي أن بعضهم أجاب قائلا «فنحن مع من شهدت له بالجنة يا عمار» .
فلهذا كان من أهل العلم والفضل من إذا رأى جماعة اتبعوا بعض الأفاضل في أمر يرى أنه ليس لهم اتباعه فيه إما لأن حالهم غير حاله وإما لأنه يراه أخطأ - أطلق كلمات يظهر منها الغض من ذاك الفاضل لكي يكف الناس عن الغلو فيه الحامل لهم على إتباعه فيما ليس لهم أن يتبعوه فيه، فمن هذا ما في (المستدرك) (٢ ص٣٢٩) « ... عن خيثمة قال: كان سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه في نفر فذكروا علياً فشتموه فقال سعد: مهلا عن أصحاب رسول صلى الله عليه وسلم ... فقال بعضهم فوالله إنه كان يبغضك ويسميك الأخنس، فضحك سعد حتى استعلاه الضحك ثم قال أليس قد يجد المرء على أخيه في الأمر يكون بينه وبينه ثم لا يبلغ ذلك أمانته ... » قال الحاكم: «صحيح على شرط الشيخين» وأقره الذهبي.
وفي الصحيحين وغيرهما عن علي رضي الله عنه قال «ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع أبويه إلا لسعد بن مالك (هو سعد بن أبي وقاص) فإني سمعته يقول يوم أحد: يا سعد ارم فداك أبي وأمي» .
وتروى عن علي كلمات أخرى من ذا وذاك وكان سعد قد قعد عن قتال البغاة فكان علي إذا كان في جماعة يخشى أن يتبعوا سعداً بالقعود ربما أطلق غير كاذب كلمات توهم الغض من سعد وإذا كان مع من لا يخشى منه القعود فذكر سعداً ذكر فضله. ومنه ما يقع في كلام الشافعي في بعض المسائل التي يخالف فيها مالكا من إطلاق كلمات فيها غض من مالك مع ما عرف عن الشافعي من تبجيل أستاذه مالك، وقد روى حرملة عن الشافعي أنه قال «مالك حجة الله على خلقه بعد التابعين» كما يأتي في ترجمة مالك إن شاء الله تعالى.
ومنه ما نراه في كلام مسلم في مقدمة صحيحه مما يظهر منه الغض الشديد من مخالفه في مسألة اشتراط العلم باللقاء، والمخالف هو البخاري، وقد عرف عن مسلم تبجيله للبخاري.
وأنت إذا تدبرت تلك الكلمات وجدت لها مخارج مقبولة وإن كان ظاهرها التشنيع الشديد. "
التنكيل (190-192)
18- قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
"والأئمة غير معصومين من الخطأ والغلط، وهم إن شاء الله تعالى معذورون مأجورون فيما أخطأوا فيه كما هو الشأن فيمن أخطأ بعد بذل الوسع في تحري الحق، لكن لا سبيل إلى القطع بأنه لم يقع منهم في بعض الفروع تقصير يؤاخذون عليه، أو تقصير في زجر أتباعهم عن الغلو في تقليدهم."
التنكيل (192)
19- قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
" والمقصود هنا أن منزلة أنس رضي الله عنه عندنا غير منزلته التي يجعله الأستاذ فيها، فلا غرو أن يزعم الأستاذ أنه ليس في كلامه فيه ما ينتقد ! وفي (فتح الباري) في «باب المصراة» : «قال ابن السمعاني في (الاصطلام) : التعرض إلى جانب الصحابة علامة على خذلان فاعله بل هو بدعة وضلالة» ذكر ذلك في صدد رد كلام بعض الحنفية في رواية أبي هريرة حديث المصراة ."
التنكيل (195)
20- قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
"فهل يريد الأستاذ أن يستنتج من ذلك أن أصحاب الحديث صاروا كلهم بين سفيه فاجر كذاب، وأحمق مغفل يستحل الكذب الذي هو في مذهبه من أكبر الكبائر وأقبح القبائح؟ فليت شعري عند من بقي العلم والدين؟ أعند الجهمية الذين يعزلون الله وكتبه ورسله عن الاعتداد في عظم الدين وهو الاعتقاديات ويتبعون فيها الأهواء والأوهام؟ ! يقال لأحدهم قال الله عز وجل ... ، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فتلتوي عنقه وينقبض وجهه تبرما وتكرها، ويقال له: قال ابن سينا ... ، فيستوي قاعدا ويسمو رأسه وينبسط وجهه وتتسع عيناه وتصغي أذناه كأنه يتلقى بشرى عظيمة كان يتوقعها. فهل هذا هو الإيمان الذي لا يزيد ولا ينقص يا أستاذ!!"
التنكيل (200)
21- قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
"وكان مقتضى الحكمة إتباع ما مضى عليه أهل العلم منذ سبعمائة سنة تقريبا من سدل الستار على تلك الأحوال وتقارض الثناء واقتصار الحنفية في بعض المناسبات على التألم من الخطيب بأنه أورد حكايات لا تصح، فيقتصرون على هذا الإجمال ونحوه ولا يطعنون في الخطيب ولا في راو بعينه ويعوضون أنفسهم بالاستكثار من روايات المناقب، فإن جاوز بعضهم ذلك فعلى قدر ومراعاة للجانب الآخر، فليت الأستاذ اكتفى بما يقرب من ذلك وطوى الثوب على غرة، فإن أبت نفسه إلا بعثرة القبور فليتحر الحق إما تدينا، وإما علما بأن في الناس بقايا وفي الزوايا خبايا."
التنكيل (202)
22- قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
" الأستاذ من أهل الرأي، ويظهر أنه من غلاة المقلدين في فروع الفقه، ومن مقلدي المتكلمين، ومن المجارين لكتاب العصر إلى حد ما وكل واحدة من هذه الأربع تقتضي قلة مبالاة بالمرويات، ودربة على التمحل في ردها، وجرأة على مخالفتها واتهام رواتها. "
التنكيل (204)
23- قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
" ومن تتبع السيرة والسنة علم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان ربما يقضي بالقضية أو يحدث بالحديث أو يفتي في مسألة وليس عنده من أصحابه إلا الواحد أو الاثنان، ثم كان معظم أصحابه لا يحدثون بالحديث عنه صلى الله عليه وآله وسلم إلا عندما تدعو الحاجة، ومن لازم ما تقدم مع احتمال نسيان بعضهم أو موته قبل أن يخبر بالحديث أن يكون كثير من السنن ينفرد بسماعها أو بحفظها أو بروايتها آحاد الصحابة، ثم تفرق الصحابة في الأقطار فمنهم من هو في باديته ومنهم من صار إلى الشام والعراق ومصر واليمن، فكان عند أهل كل جهة أحاديث من السنة لم تكن عند غيرهم في أول الأمر - كما روي عن مالك - ثم اجتهد أصحاب الحديث في جمع السنة من كل وجه "
التنكيل (204)
24- قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
"وقد علم من الشريعة أنه ليس على العالم الإحاطة بالعلم كله، وأن من شهد له أهل العلم بأنه عالم، فإنما عليه إذا احتاج إلى قضاء أو فتوى أن ينظر في كتاب الله عز وجل وفيما يعلمه من السنة، فإن لم يجد فيهما النص على تلك المسألة سأل من يسهل عليه ممن يرجو أن يكون عنده دليل فإن لم يجد وعرف أن لبعض الصحابة قولا في تلك المسألة لم يعلم له مخالفا أخذ به وإن علم خلافا رجح، فإن لم يجد قول صحابي ووجد قول تابعي ممن تقدمه لم يعلم له مخالفا فيه أخذ به وإن علم خلافا رجح.
وكان الغالب في الترجيح أن يرجح العالم قول من كان ببلده من الصحابة أو التابعين لمزيد معرفته بهم المقتضية لزيادة الوثوق هذا مع ما للإلف والعادة من الأثر الخفي. فإن لم يجد شيئا مما تقدم اجتهد رأيه وقضى وأفتى بما يظهر له.
ثم إذا قضى أو أفتى مستندا إلى شيء مما تقدم ثم وجد دليلا أقوى مما استند إليه يخالف ما ذهب إليه سابقا أخذ من حينئذ بالأقوى. على هذا جرى الخلفاء الراشدون وغيرهم كما هو مبسوط في مواضعه ومنها (إعلام الموقعين) ."
التنكيل (205)
25- ماهو سبب طلب الكثير من طلاب العلم لمتون الرأي بدل كتب الحديث والآثار:؟
قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
"وكان كثير من أهل العلم من الصحابة وغيرهم يتقون النظر فيما لم يجدوا فيه نصا، وكان منهم من يتوسع في ذلك، ثم نشأ من أهل العلم ولا سيما بالكوفة من توسع في ذلك، وتوسع في النظر في القضايا التي لم تقع وأخذوا يبحثون في ذلك ويتناظرون ويصرفون أوقاتهم في ذلك، واتصل بهم جماعة من طلبة العلم تشاغلوا بذلك ورأوه أشهى لأنفسهم وأيسر عليهم من تتبع الرواة في البلدان والإمعان في جمع الأحاديث والآثار، ومعرفة أحوال الرواة وعاداتهم والإمعان في ذلك ليعرف الصحيح من السقيم والصواب من الخطأ والراجح من المرجوح،ويعرف العام والخاص والمطلق والمبين وغير ذلك، فوقعوا فيما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: «إياكم والرأي فإن أصحاب الرأي أعداء السنن، أعيتهم الأحاديث أن يعوها وتفلتت منهم أن يحفظوها فقالوا في الدين برأيهم»
(اعلام الموقعين) طبعة مطبعة النيل بمصر ج ١ ص ٦٢ وراجع (كتاب العلم) لابن عبد البر.
فوقع فيما ذهبوا إليه وعملوا به وأفتوا مسائل ثبتت فيها السنة مخالفة لما ذهبوا إليه، لم يكونوا اطلعوا عليها، فكان الحديث من تلك الأحاديث إذا بلغهم فيه لمخالفتهم ما ذهب إليه أسلافهم واستمر عليه عملهم ورأوا أنه هو الذي يقتضيه النظر المعقول (القياس) ، فمن تلك الأحاديث ما كان من الثبوت والصراحة بحيث قهرهم فلم يجدوا بدا من الأخذ به، وكثير منها كانوا يردونها ويتلمسون المعاذير مع أن منها ما هو أثبت وأظهر وأقرب إلى القياس من أحاديث قد أخذوا بها لكن هذه التي أخذوا بها مع ما فيها من الضعف ومخالفة القياس وردت عليهم قبل أن يذهبوا إلى خلافها فقبلوها إتباعا، وتلك التي ردوها مع قوة ثبوتها إنما بلغتهم بعد أن استقر عندهم خلافها واستمروا على العمل بذلك ومضى عليه أشياخهم ربما أخذوا بشيء من النقل ثم بلغهم من السنة ما يخالفه أن ينظروا كما ينظر أئمة الحديث لمعرفة الصحيح من السقيم والخطأ من الصواب والراجح من المرجوح فقنعوا بالرأي "
التنكيل (205-206)
26-حال كتب الأدب كالأغاني :
قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
"وهذه الكتب يكثر فيها الكذب والحكايات الفاجرة،وكان فجرة الإخباريين يضعون تلك الحكايات لأغراض منها دفع الملامة عن أنفسهم - يقولون ليس هذا العيب خاصا بنا بل كان من قبلنا كذلك حتى المشهورون بالفضل.
ومنها ترويج الفجور والدعاية إليه ليكثر أهله فيجد الداعي مساعدين عليه ويقوي عذره.
ومنها ترغيب الأمراء والأغنياء في الفجور وتشجيعهم عليه ليجد الدعاة المتأدبون مراعي خصبة يتمتعون فيها بلذاتهم وشهواتهم.
ومنها التقرب إلى الأمراء والأغنياء بالحكايات الفاجرة التي يلذ لهم سماعها إلى غير ذلك.
وما يوجد في تلك الكتب من الصدق إنما يصور طائفة مخصوصة كالأمراء المترفين والشعراء والأدباء ونحوهم"
التنكيل (210)
27- قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
"ثم كان الرجل من أصحاب الحديث يرشح لطلب الحديث وهو طفل، ثم ينشأ دائبا في الطلب والحفظ والجمع ليلا ونهارا ويرتحل في طلبه إلى أقاصي البلدان ويقاسى المشاق الشديدة كما هو معروف في أخبارهم ويصرف في ذلك زهرة عمره إلى نحو ثلاثين أو أربعين سنة وتكون أمنيته الوحيدة من الدنيا أن يقصده أصحاب الحديث ويسمعوا منه ويرووا عنه، وفي (تهذيب التهذيب) ج ١١ص ١٨٣ «قال عبد الله بن محمود المروزي: سمعت يحيى بن أكثم يقول: «كنت قاضيا وأميرا ووزيرا ما ولج سمعي أحلى من قول المستملي (١) من ذكرت؟ رضي الله عنك» وفيه ج ٦ ص ٣١٤: «روي عن عبد الرزاق أنه قال: حججت فمكثت ثلاثة أيام لا يجيئني أصحاب الحديث فتعلقت بالكعبة وقلت: يا رب مالي أكذاب أنا؟ أمدلس أنا؟ فرجعت إلى البيت فجاءوني» وقد علم طالب الحديث في أيام طلبه تشدد علماء الحديث وتعنتهم وشدة فحصهم وتدقيقهم "
التنكيل (212-213)
28-قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
"فالفاسق المتهتك لا يعرف قدر العدالة فتراه يتهم العدول ولا يكاد يعرف عدالتهم ولو كانوا جيرانه."
التنكيل (225)
29- قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
"ما من إنسان إلا وله أهواء فيما ينافي العدالة وإنما المحذور إتباع الهوى"
التنكيل (230)
30- قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
"وأهل البدع كما سماهم السلف «أصحاب الأهواء» وإتباعهم لأهوائهم في الجملة ظاهر وإنما يبقى النظر في العمد والخطأ ومن ثبت تعمده أو اتهمه بذلك عارفوه لم يؤمن كذبه وفي (الكفاية) للخطيب ص ١٢٣ عن علي بن حرب الموصلي: «كل صاحب هوى يكذب ولا يبالي» يريد والله أعلم أنهم مظنة ذلك فيحترس من أحدهم حتى يتبين براءته."
التنكيل (230)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق