الثلاثاء، 28 مارس 2017

نقولات من الانوار الكاشفة 2

41-قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
"هذا مما يوضّح أن أبا رية ليس بصدد بحث علمي، إنما صدره محشو براكين من الغيظ والغل والحقد، يحاول أن يخلق المناسبات للترويح عن نفسه منها."
الأنوار الكاشفة  (199)

42- قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
"فالدلائل والقرائن التي فهم منها الصحابة أن عليهم أن يصنعوا ما صنعوا في جمع القرآن لم يتوفر لهم مثلها ولا ما يقاربها لكي يفهموا منه أن عليهم أن يجمعوا السنة"
الأنوار الكاشفة (239)

43- قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
"ولا أرى ذكر النبي صلى الله عليه وسلم للمهدي متواترًا ولا  قريبًا منه، فأما ذكره الدجال فمتواتر قطعًا، ومن اطّلع على ما في صحيح البخاري وحده عَلِم ذلك، ومع هذا فإنما أقول: من كَذَّبَ رسول الله صلى الله عليه وسلم   في خبر من أخباره عن الغيب فقد كفر."
الأنوار الكاشفة (223)

44- قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
"فعلى المؤمن إذا أشكل عليه حديث قد صحَّحه الأئمة، ولم تطاوعه نفسه على حمل الخطأ على رأيه ونظره  أن يعلمَ أنه إن لم يكن الخلل في رأيه ونظره وفهمه فهو في الرواية، وليفزع إلى من يَثِق بدينه وعلمه وتقواه مع الابتهال إلى الله  فإنه ولي التوفيق."
 الأنوار الكاشفة  (227)

45- قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
"ذكر ( أبو رية )أنه لو دون الحديث كما دون القرآن لانسد باب الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم وانسد باب التفريق في الدين.
أقول: أأنتم أعلم أم الله؟ أرأيت لو قال قائل: لو خلق الله عباده على هيأة كذا لانسد باب الظلم والعدون والفجور، ولو أنزل القرآن وكل دلالاته يقينية لا يمكن لأحد أن يشك أو يتشكك فيها لانسد باب التفرق، ولو، ولو، إنما شأن المؤمن أن ينظر ما قضاه الله واختاره فيعلم أنه هو الحق المطابق للحكمة البالغة من ثم يتلمس ما عسى أن يفتح الله عليه به من فهم الحكمة،"
الأنوار الكاشفة (240)

46- قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى عند تعليقه على كلام أبي رية مفاده ( أن علماء المسلمين نفوا صلب عيسى مع أنه متواتر عند اليهود والنصارى ):
" أقول: هذا إما جنون، وإما كفر فاختر، وما فيهما حظ لمختار. وقد بين علماء المسلمين سقوط دعوى تواتر الصلب بما لا مزيد فيه، وكل عاقل يعرف التواتر الحقيقي ثم يتدبر الواقعة يعلم أنها ليست منه، ومقتضى سياق أبي رية أنه يحاول التشكيك في المتواتر، وزعم أن دلالته ظنية فقط. "
الأنوار الكاشفة (241)

47- قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
" أقول: ما دمنا نعرف أن العلماء غير معصومين فاختلافهم في بعض الأحاديث أيؤخذ بها أم لا؟ ليس فيه ما يوهم ذا عقل أن الأحاديث كلها لا تصلح للحجة، ولا ما يقضي أن تلك الأحاديث المختلف فيها تصلح أو لا تصلح، بل المدار على الحجة فقد يرى العالم اشتهارا حديث بين الناس فيغلب على ظنه أنه لم يشتهر إلا وأصله صحيح فيأخذ به، فيأتي غيره فيبحث فيجد مرجع تلك الشهرة إلى مصدر واحد غير صحيح كما في مسألة القهقهة في الصلاة. وقد يبلغ العالم حديث من طريق واحد ويرى أن أهل العلم خالفوه فيمسك عنه، فيجئ غيره فيبحث فيجد الحديث ثابتا ويجد بعض أهل العلم قد أخذوا به، وأن الذين لم يأخذوا به لم يقفوا عليه، أو نحو ذلك مما يبين أن عدم أخذهم به لا يخدش في كونه حجة، وقد ينعكس الحال، وعلى من بعد المحققين اتباع الحجة، فإن بقي بين متبعي الحجة خلاف فلا حرج، وإذا اتضح وبان أن الحق مع أحد المختلفين ولكن أتباع الآخر أصروا على اتباعه، فليس في هذا ما يقدح في الحجة سواء أعذرنا أولئك الأتباع أم لم نعذرهم، وهكذا الاختلاف عند معارضة الحديث لبعض القواعد الشرعية أو لجميع الأقيسة "
الأنوار الكاشفة (245-246)

48- قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
"أقول عدم الثبوت والطمأنية قد يكون لسبب بيّن ، وقد يكون لسبب محتمل يقوى عند بعض أهل العلم ويضعف عند بعضهم، وقد يكون لمادون ذلك من هوى وزيغ وارتياب وتكذيب، وعلى الأمة أن تنزل كل واحد من هؤلاء منزلته بحسب ما يتبين من حاله، وكما أننا إذا رأينا من يتعبد عبادة غير ثابتة شرعا فسألناه فذكر حديثا باطلا فبينا له فقال: هو ثابت عندي مطمئن به قلبي. كان علينا أن ننكر عليه، وكان على ولي الأمر ومن في معناه منعه ومعاقبته، فكذلك إذا رأينا رجلا ينفي حديثا ثابتا وبينا له ثبوته فقالك لم يثبت عندي ولم يطمئن به قلبي. ولم يذكر سببا، أو ذكر سببا لا يعتد به شرعا "
الأنوار الكاشفة (253)

49- قال أبو رية «ليس في الحديث متواتر ... »
قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
"أقول: من نفى هذا إنما نفى التواتر اللفظي، فأما المعنوي فكثير، فلتراجع الكتب التي نقل عنها.
وذكر في الحاشية حديث الحوض، وكأنه استهزأ به، ومن استهزأ به فليس من أهله. "
الأنوار الكاشفة (255)

50- قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
"هذا وللإستشكال أسباب، أشدها استعصاء أن يدل النص على معنى هو حق في نفس الأمر لكن سبق لك أن اعتقدت اعتقادا جازما أنه باطل. "
الأنوار الكاشفة (259)

51- قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
"الخبير الممارس لأحوال الناس وطباعتهم وللرواية وأحوال الرواة وما جرى عليه أئمة النقد يتبين له أن الله تعالى قد هيأ الأسباب لبيان الحق من الباطل. "
الأنوار الكاشفة (260)

52- قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
" الاختلاف في المتن على أضرب:
 الأول: ما لا يختلف به المعنى. وهذا ليس باضطراب.
الثاني: ما يختلف به معنى غير المعنى المقصود، وهذا قريب من سابقه، ومنه القضية التي استدل بها أبو رية في عدة مواضع يحسب أنه قد ظفر بقاسمة الظهر للحديث النبوي! وهي الاختلاف والشك في الصلاة الرباعية التي سها فيها النبي صلى الله عليه وسلم فسلم من ركعتين فنبهه ذو اليدين، فوقع في رواية «إحدى صلاتي العشي» وي رواية «الظهر» وفي أخرى «العصر» فالأخريان مختلفتان لكن ذلك لا يوجب اختلافا في المعنى المقصود فإن حكم لصلوات في السهو الواحد.
الثالث: ما يختلف به معنى مقصود لكن في الحديث معنى آخر مقصود لا يختلف كقصة المرأة التي زوجها النبي صلى الله عليه وسلم رجلا بأن يعلمها ما معه من القرآن وقد تقدمت.
الرابع : ما يختلف به المعنى المقصود كله، فهذا إن صح السند بالوجهين وأمكن الترجيح فالراجح هو الصحيح، وإلا فالوقف، والغالب أن البخاري ومسلما ينبهان على الترجيح بطرق يعرفها من مارس الصحيحين، وكذلك كتب السنن يكثر فيها بيان الراجح، لكن قد لا يتبين لأحدهم فيرى أن عليه إثبات الوجهين يحفظهما لمن بعده، فرب مبلغ أوعى من سامع. "
الأنوار الكاشفة (262)

53- قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
"أقول: هذه دعوى إجمالية، والعبرة بالنظر في الجزئيات، فقد عرفنا من محاولي النقد أنهم كثيرا ما يدعون القطع حيث لا قطع، ويدعون قطعا يكذبه القرآن، ويقيمون الاستبعاد مكان القطع مع أن الاستبعاد كثيرا ما ينشأ عن جهل بالدين وجهل بطبيعته وجهل بما كان عليه الحال في العهد النبوي، وكثيرا ما يسيئون فهم النصوص "
الأنوار الكاشفة (263)

54- قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
"من تتبع كتب تواريخ رجال الحديث وتراجمهم وكتب العلل وجد كثيرا من الأحاديث يطلق الأئمة عليها «حديث منكر. باطل. شبه الموضوع. موضوع» وكثيرا ما يقولون في الراوي «يحدث بالمناكير، صاحب مناكير، عنده مناكير منكر الحديث» ومن أنعم النظر وجد أكثر ذلك من جهة المعنى ولما كان الأئمة قد راعوا في توثيق الرواة النظر في أحاديثهم والطعن فيمن جاء بمنكر  صار الغالب أن لا يوجد حديث منكر إلا وفي سنده مجروح، أو خلل، فلذلك صاروا إذا استنكروا الحديث نظروا في سنده فوجدوا ما يبين وهنه فيذكرونه، وكثيرا ما يستغنون بذلك عن التصريح بحال المتن، انظر موضوعات ابن الحوزي وتدبر تجده إنما يعمد إلى المتون التي يرى فيها ما ينكره ولكنه قلما يصرح بذلك بل يكتفي غالبا بالطعن في السند وكذلك كتب العلل وما يعل من الأحاديث في التراجم تجد غالب ذلك مما ينكر متنه، ولكن الأئمة يستغنون عن بيان ذلك بقولهم «منكر» أو نحوه أو الكلام في الراوي أو التنبيه على خلل من السند كقولهم: فلان  لم يلق فلانا لم يسمع منه. لم يذكر سماعا. اضطرب فيه. لم يتابع عليه. خالفه غيره. يروي هذا موقوفا وهو أصح، ونحو ذلك "
الأنوار الكاشفة (263-264)

55- قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
"والناظرون في العلم ثلاثة: مخلص مستعجل يجأر بالشكوى، ومتبع لهواه فأنى يهديه الله، ومخلص دائب فهذا ممن قال الله تعالى فيهم (والذين جاهدا فينا لنهدينهم سبلنا، وإن الله لمع المحسنين) وسنة الله عز وجل في المطالب العالية والدرجات الرفيعة أن يكون في نيلها مشقة ليتم الابتلاء ويستحق البالغ إلى تلك الدرجة شرفها وثوابها قال الله تعالى ( ولنبولنكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلوا أخباركم)"
الأنوار الكاشفة (265)

56- نص في عدالة الصحابة:
قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
" لماذا يعدل المحدثون من تبين ما يوجب جرحه منهم( أي الصحابة )؟
فالجواب من أوجه:
 الأول :أنهم تدبروا ما نقل من ذلك فوجدوه ما بين غير ثابت نقلا أو حكما أو زلة تيب منها أو كان لصاحبها تأويل.
الوجه الثاني: أن القرآن جعل الكذب على الله كفرا، قال تعالى ( ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بالحق لما جاءه أليس في جهنم مثوي للكافرين) والكذب على النبي صلى الله عليه وسلم في أمر الدين والغيب كذب على الله، ولهذا صرح بعض أهل العلم بأنه كفر، واقتصر بعضهم على أنه من أكبر الكبائر، وفرق شيخ الإ سلام ابن تيمية بين من يخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم بلا واسطة كالصحابي إذا قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم كذا، وبين غيره، فمال إلى تعمد الأول الكذب كفر وتردد في الثاني. ووقوع الزلة أو الهفوة من الصحابي لا يسوغ احتمال وقوع الكفر منه. هب أن بعضهم لم يكن يرى الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم كفرا، فإنه على كل حال – يراه أغلظ جدا من الزلات والهفوات المنقولة.
الوجة الثالث: أن أئمة الحديث اعتمدوا فيمن يمكن التشكك في عدالته من الصحابة اعتبارا لما ثبت أنهم حدثوا به عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن صحابي آخر عنه، وعرضوها على الكتاب والسنة وعلى رواية غيرهم مع ملاحظة أحوالهم وأهوائهم، فلم يجدوا من ذلك ما يوجب التهمة، بل وجدوا عامة ما رووه قد رواه غيرهم من الصحابة ممن لا تتجه إليه تهمة، أو جاء في الشريعة ما في معناه أو ما يشهد له، وهذا الوليد بن عقبة بن ابي معيط يقول المشنعون: ليس من المهاجرين والأنصار، إنما هو من الطلقاء. ويقولون: إن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمر بقتل أبيه عقب بدر قال يا محمد فمن للصبية؟ يعني بنيه. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لهم النار. ويقولون إنه هو الذي أنزل الله تعالى فيه: (يا آيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا) فنص القرآن أنه فاسق يجب التبين في خبره، ويقولون إنه في زمن عثمان كان أميرا على الكوفة فشهدوا عليه أنه شرب الخمر وكلم علي عثمان في ذلك فأمره أن يجلده فامر علي عبد الله بن جعفر فجلده، ومنهم من يزيد أنه صلى بهم الصبح سكران فصلى أربعا ثم التفت فقال: أزيدكم؟ وكان الوليد أخا عثمان لأمه، فلما قتل عثمان صار الوليد ينشيء الأشعار يتهم عليا بالممالاة على قتل عثمان ويحرض معاوية على قتال علي.
هذا الرجل أشد ما يشنع به المعترضون على إطلاق القول بعدالة الصحابة، فإذا نظرنا إلى ريواياته عن النبي صلى الله عليه وسلم لنرى كم حديثا روى في فضل أخيه، وولى نعمته عثمان؟ وكم حديثا روى في ذم الساعي في جلده الممالي على قتل أخيه في ظنه، علي؟ وكم حديثا روى في فضل نفسه ليدافع ما لحقه من الشهرة بشرب الخمر؟ هالنا أننا لا نجد له رواية البتة، اللهم إلا أنه يوجد عنه حديث في غير ذلك لا يصح عنه، وهو ما رواه أحمد وأبو داود من طريق رجل يقال له أبو موسى عبد الله الهمداني عن الوليدبن عقبة قال: «لما فتح النبي صلى الله عليه وسلم مكة جعل أهل مكة يأتونه بصبيانهم فيمسح على رءوسهم ويدعو لهم، فجئ بي إليه وأنا مطيب بالخلوق فلم يمسح رأسي، ولم يمنعه من ذلك إلا أن أمي خلقتني بالخلوق، فلم يمسني من أجل الخلوق»
هذا جميع ما وجدناه عن الوليد عن النبي صلى الله عليه وسلم وأنت إذا تفقدت السند وجدته غير صحيح لجهالة الهمداني، وإذا تأملت المتن لم تجده منكرا ولا فيه ما يمكن أن يتهم فيه الوليد، بل الأمر بالعكس فإنه لم يذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا له، وذكر أنه لم يمسح رأسه، ولذلك قال بعضهم: قد علم الله تعالى حاله فحرمه بركة يد النبي صلى الله عليه وسلم ودعائه. أفلا ترى معي في هذا دلالة واضحة على أنه كان بين القوم وبين الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم حجر محجور؟ قال شيخ الإسلام ابن تيمية في رده على الاخنائي ص١٦٣ «فلا يعرف من من الصحابة من كان يتعمد الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن كان فيهم من له ذنوب لكن هذا الباب مما عصمهم الله فيه»"

الأنوار الكاشفة (271-273)

57- قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
"من الحكمة في اختصاص الله تعالى اصحاب رسوله بالحفظ من الكذب عليه أنه سبحانه كره أن يكونوا هدفا لطعن من بعدهم لأنه ذريعة إلى الطعن في الإسلام جملة. وليس هناك سبب مقبول للطعن إلا أن يقال: نحن مضطرون إلى بيان أحوالهم ليعرف من لا يحتج بروايته منهم، فاقتضت الحكمة حسم هذا لقطع العذر عمن يحاول الطعن في أحد منهم ."

الأنوار الكاشفة (274)

58- قال أبو رية في الصحابة :«ومن أساء منهم ذممناه، ومن أحسن منهم حمدناه»
 قال المعلمي اليماني رحمه الله :
" أنت وهواك، أما نحن فنقول:  (ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم) "
الأنوار الكاشفة (278)

59- قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
"والمقبلي نشأ في بيئة اعتزالية المعتقد، هادوية الفقه، شيعية تشيعا مختلفا، يغلظ في أناس ويخف في آخرين، فحاول التحرر فنجح تقريبا في الفقة، وقارب التوسط في التشيع، أما الاعتزال فلم يكد يتخلص إلا من تكفير أهل السنة مطلقا."
الأنوار الكاشفة (279)

60- قال أبو رية : «لكن المحدثون لم يعرفوا مقدار الخطأ في الكلام لأنه غير صنعتهم»
فقال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
"بل أنت لم تعرف مقدار الخطأ في العقيدة الإسلامية الحقة، ولا عرفت غور القضايا المخالفة لها."
الأنوار الكاشفة (280)

61- قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
" على أنه لو فرض أن البخاري احتج في الصحيح بمن لم يوثقه غيره فاحتجاجه به في الصحيح توثيق وزيادة."
الأنوار الكاشفة (282)

62- قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
"أما أهل العلم من أهل السنة فلا يقولون في عثمان ولا في غيره من آحاد الصحابة إنه معصوم مطلقا أو من الكبائر، وإنمايقولون في المبشرين  بالجنة: إنه لا يمكن أن يقع منهم ما يحول بينهم وبين ما بشروا به، وإن الصحابي الذي سمع من النبي صلى الله عليه وسلم ولم يعرف بنفاق في عهده ولا ارتد بعد موته لا يكذب عليه صلى الله عليه وسلم متعمدا، وقد تقدم بيان ذلك، ولا يظن به أن يرتكب كبيرة غير متأول ويصر عليها، والعارف المنصف لا يستطيع أن يجحد أن هذه الحال كانت هي الغالبة فيهم، فالواجب الحمل عليها ما دام ذلك محتملا، وعلماء السنة يجدون الاحتمال قائما في كل ما نقل نقلا ثابتا، نعم قد يبعد في بعض القضايا ولكنهم يرونه مع بعده أقرب من ضده، وذلك مبسوط في كتبهم "
الأنوار الكاشفة (282)

63- قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
"ومما يجب التنبيه له أنه قد يثبت من جهة السند نص يستنكره بعض النقاد، وحق مثل هذا أن لا يبادر إلى رده، بل يمعن النظر في أمرين: الأول معنى النص، فقد يكون المراد منه معنى غير الذي استنكر، الثاني سبب الاستنكار فكثيرا ما يجئ الخلل من قبله"
الأنوار الكاشفة (286)

64- قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
"أقول من أنعم النظر في الرواة والمرويات ومساعي أئمة الحديث في الجمع والتنقيب والبحث والتخليص والتمحيص عرف كيف يثني عليهم، وأبقى الله لمن بعدهم ما يتم به الابتلاء وتنال به الدرجات العلى ويمتاز هؤلاء عن هؤلاء"
الأنوار الكاشفة (292)

65- قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
" والعارف الخبير الممارس لا يتعذر عليه معرفة الراجح فيما اختلف فيه من قبله "
الأنوار الكاشفة (305)

66- ختم المعلمي اليماني رحمه الله تعالى كتابه الأنوار الكاشفة فقال :
" ثم ختم أبو رية كتابه بنحو ما ابتدأه من إطرائه وتقديمه إلى المثقفين، والبذاءة على علماء الدين، ثم الدعاء والثناء، وأنا لا أثني على كتابي، ولا أبرئ نفسي، بل أكل الأمر إلى الله تبارك وتعالى، فهو حسبي ونعم الوكيل، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على خاتم أنبيائه محمد وآله وصحبه.
  انتهى بعون الله تعالى جمع هذا الكتاب في أواخر شهر جمادي الآخر سنة ١٣٧٨ والحمد لله رب العالمين"

نقولات من الأنوار الكاشفة 1

1- قال رحمه الله " وفي الرواة جماعة يتسامحون عند السماع وعند التحديث، لكن الأئمة بالمرصاد للرواة، فلا تكاد تجد حديثا بين البطلان  إلا وجدت في سنده واحدا أو اثنين أو جماعة قد جرحهم الأئمة، والأئمة كثيرا ما يجرحون الراوي بخبر واحد منكر جاء به، فضلا عن خبرين أو أكثر.
ويقولون للخبر الذين تمتنع صحته أو تبعد: «منكر» أو «باطل» . وتجد ذلك كثيرا في تراجم الضعفاء، وكتب العلل والموضوعات، والمتثبتون لا يوثقون الراوي حتى يستعرضوا حديثه وينقدوه حديثا حديثا.
  فأما تصحيح الأحاديث فهم به أعنى وأشد احتياطا، نعم ليس كل من حكي عنه توثيق أو تصحيح متثبتا، ولكن العارف الممارس يميز هؤلاء من أولئك.
  هذا وقد عرف الأئمة الذين صححوا الأحاديث، أن منها أحاديث تثقل على بعض المتكلمين ونحوهم، ولكنهم وجدوها موافقة للعقل المعتد به في الدين، مستكملة شرائط الصحة الأخرى، وفوق ذلك وجدوا في القرآن آيات كثيرة توافقها أو تلاقيها، أو هي من قبيلها، قد ثقلت هي أيضا على المتكلمين، وقد علموا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدين بالقرآن ويقتدي به، فمن المعقول جدا أن يجيء في كلامه نحو ما في القرآن من تلك الآيات.
من الحقائق التي يجب أن لا يغفل عنها أن الفريق الأول وهم الصحابة ومن اهتدى بهديهم من التابعين وأتباعهم ومن بعدهم عاشوا مع الله ورسوله، فالصحابة مع النبي صلى الله عليه وسلم وهديه ومع القرآن، والتابعون مع القرآن والصحابة والسنة وهلم جرا. وأن الفريق الثاني وهم المتكلمون والمتفلسفون ونحوهم عاشوا مع النظريات والشبهات والأغلوطات والمخاصمات، والمؤمن يعلم أن الهدي بيد الله، وأنه سبحانه إذا شرع إلى الهدى سبيلا فالعدول إلى غيره لن يكون إلا تباعدا عنه وتعرضا للحرمان منه، وبهذا جاء القرآن، وعليه تدل أحوال السلف واعتراف بعض أكابرهم في أواخر أعمارهم، والدقائق الطبيعية شيء والحقائق الدينية شيء آخر، فمن ظن الطريق إلى تلك طريقا إلى هذه فقد ضل ضلالا بعيدا.
 واعلم أن أكثر المتكلمين لا يردون الأحاديث التي صححها أئمة الحديث، ولكنهم يتأولونها كما يتأولون الآيات التي يخالفون معانيها الظاهرة. لكن بعضهم رأى أن تأويل تلك الآيات والأحاديث تعسف ينكره العارف باللسان وبقانون الكلام وبطبيعة العصر النبوي، والذي يخشونه من تكذيب القرآن لا يخشونه من تكذيب الأحاديث، فأقدموا عليه وفي نفوسهم ما فيها، ولهم عدة مؤلفات في تأويل الأحاديث أو ردها - قد طبع بعضها - فلم يهملوا الأحاديث كما زعم أبو رية.."
الأنوار الكاشفة (7-8)
2- قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
"والحق أنه لم يكن في علماء الأمة المرضيين من يرد حديثا بلغه إلا لعذر يحتمله له أكثر أهل العلم على الأقل"

الأنوار الكاشفة(13)

3-قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
" تطلق السنة لغة وشرعا على وجهين:
 الأول : الأمر يبتدئه الرجل فيتبعه فيه غيره. ومنه ما في صحيح مسلم في قصة الذي تصدق بصرة فتبعه الناس فتصدقوا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سن في الإسلام سنة حسنة فعمل بها بعده كتب له مثل أجر من عمل بها ... » الحديث.
الوجه الثاني : السيرة العامة، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم بهذا المعنى هي التي تقابل الكتاب، وتسمى الهدى.
وفي صحيح مسلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في خطبته «أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة» هذا وكل شأن من شئون النبي صلى الله عليه وسلم الجزئية المتعلقة بالدين من قول أو فعل أو كف أو تقرير، سنة بالمعنى الأول، ومجموع ذلك هو السنة بالمعنى الثاني. ومدلولات الأحاديث الثابتة هو السنة أو من السنة حقيقة، فإن أطلقت «السنة» على ألفاظها فمجاز أو اصطلاح. وإنما أوضحت هذا لأن أبا رية يتوهم أو يوهم أنه لا علاقة للأحاديث بالسنة الحقيقية."
الأنوار الكاشفة (19)

4-قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :

"فأما منزلة السنة جملة من الدين فلا نزاع بين المسلمين في أن ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من أمر الدين فهو ثابت عن الله عز وجل، ونصوص القرآن في ذلك كثيرة، منها ( من يطع الرسول فقد أطاع الله) وكل مسلم يعلم أن الإيمان لا يحصل إلا بتصديق الرسول صلى الله عليه وسلم فيما بلغه عن ربه، وقد بلغ الرسول بسنته كما بلغ كتاب الله عز وجل.
  ثم تكلم الناس في الترتيب بالنظر إلى التشريع، فمن قائل: السنة قاضية على الكتاب وقائل: السنة تبين الكتاب. وقائل: السنة في المرتبة الثانية بعدالكتاب. وانتصر الشاطبي في الموافقات لهذا القول وأطال، ومما استدل به هو وغيره قول الله عز وجل (ويوم نبعث في كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم وجئنا بك شهيدا على هؤلاء، ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة للمسلمين. إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون)
قالوا: فقوله «تبيانا لكل شيء» واضح في أن الشريعة كلها مبينة في القرآن. ووجدنا الله تعالى قد قال في هذه السورة ( وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون) فعلمنا أن البيان الذي في قوله (تبيانا لكل شيء) غير البيان الموكول إلى الرسول.
ففي القرآن سوى البيان المفصل الوافي بيان مجمل وهو ضربان:
 الأول : الأمر بالصلاة والزكاة والحج والعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، والنهي عن الفحشاء والمنكر والبغي، وتحريم الخبائث، وأكل أموال الناس بالباطل، وغير ذلك.
الثاني: الأمر باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم وطاعته وأخذ ما أتى والانتهاء عما نهى ونحو ذلك. وفي الصحيحين وغيرهما عن علقمة بن قيس النخعي- وكان أعلم أصحاب عبد الله بن مسعود أو من أعلمهم - قال «لعن عبد الله الواشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله. فقالت أم يعقوب: ما هذا؟ قال عبد الله: ومالي لا ألعن من لعن سول الله وفي كتاب الله؟ قالت: والله لقد قرأت ما بين اللوحين فما وجدته، قال: والله لئن قرأتيه لقد وجدتيه (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) .
ظاهر صنيع ابن مسعود أن الاعتماد في كون القرآن مبينا لكل ما بينته السنة على الضرب الثاني. وتعقيب آية التبيان بالتي تليها كأنه يشير إلى أن الاعتماد على الضر بين مجتمعين، ورجحه الشاطبي وزعم أن الاستقراء يوافقه. فعلى هذا لا يكون للخلاف ثمرة.
ثم قال قوم: جميع ما بينه الرسول علمه بالوحي. وقال آخرون: منه ماكان باجتهاد أذن الله له فيه وأقره عليه. ذكرهما الشافعي في الرسالة."
الأنوار الكاشفة (21-22)

5-قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
" كان مالك رحمه الله يدين باتباع الأحاديث الصحيحة إلا أنه ربما توقف عن الأخذ بحديث ويقول: ليس عليه العمل عندنا. يرى أن ذلك يدل على أن الحديث منسوخ أو نحو ذلك.
 والانصاف أنه لم يتحرر لمالك قاعدة في ذلك فوقعت له أشياء مختلفة. راجع الأم للشافعي {١٧٧:٧ - ٢٤٩}. وقد اشتهر عن مالك قوله «كل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا صاحب هذا القبر» يعني النبي صلى الله عليه وسلم. وقوله للمنصور إذ عرض عليه أن يحمل الناس على الموطأ: إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تفرقوا في الأمصار فعند أهل كل مصر علم»"

الأنوار الكاشفة (23)

6-قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :

"أما الإبطال ونقض الخبر بمعنى تكذيبه فهذا لا يقع من السنة للقرآن ولا من بعض القرآن لبعض، فالقرآن كله حق وصدق (لا يأتيه البطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد) وأما التخصيص والتقييد ونحوهما والنسخ فليست بإبطال ولا تكذيب، وإنما هي بيان.
فالتخصيص مثلا إن اتصل بالخطاب بالعام كأن نزلت آية فيها عموم ونزلت معها آية من سورة أخرى فيها تخصيص للآية الأولى، أو نزلت الآية فتلاها النبي صلى الله عليه وسلم وبين ما يخصصها فالأمر واضح، إذ البيان متصل بالمبين فكان معه كالكلام الواحد، وإن تأخر المخصص عن وقت الخطاب بالعام ولكنه تبعه وقت العلم بالعام أو عنده فهذا كالأولى عند الجمهور، وهذا مرجعه إلى عرف العر ب في لغتهم كما بينه الشافعي في الرسالة .
أما إذا جاء بعد العمل بالعام ما صورته التخصيص فإنما يكون نسخا جزئيا، لكن بعضهم يسمى النسخ تخصيصا جزئيا كان أو كليا نظرا إلى أن اقتضاء الخطاب بالحكم لشموله لما يستقبل من الأوقات عموم، والنسخ إخراج لبعض تلك الأوقات وهو المستقبل بالنسبة إلى النص الناسخ، وهذا مما يحتج به من يجيز نسخ بعض أحكام الكتاب بالسنة."

الأنوار الكاشفة (24)

8-قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
" من عمل بالمتفق عليه كان مسلما ناجيا في الآخرة مقربا عند الله تعالى، وهذا المتفق عليه هو العلم بالدلائل القطعية والظنية من كتاب الله تعالى ومن سنة رسوله الثابتة قطعا أو ظنا، فالعالم يتحرى ذلك بالنظر في الأدلة، فإن اشتبهت عليه أو تعارضت أخذ بأحسنها مع تجنب خرق الإجماع الصحيح. والعامي يسأل العلماء ويأخذ بفتواهم، فإن اختلفوا عليه احتاط أو طلب ترجيحا ما، وإذا علم الله حسن نيته فلابد أن ييسر له ذلك. فأما تقليد الأئمة فمهما قيل فيه فلا ريب أنه خير بكثير من تتبع الرخص"

الأنوار الكاشفة (27)

9- قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
"وذكر قصة التأبير، فدونك تحقيقها: أخرج مسلم في صحيحه من حديث طلحة قال «مررت مع رسول الله صلىالله عل يوسلم بقوم على رءوس النخل فقال: ما يصنع هؤلاء؟ فقالوا: يلقحونه، يجعلون الذكر في الأنثى فيلقح، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أظن يغني ذلك شيئا. قال فأخبروا بذلك فتركوه، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، فقال: إن كان ينفعهم ذلك فليصنعوه، فإني إنما ظننت ظنا فلا تؤاخذوني بالظن، ولكن إذا حدثتكم عن الله شيئا فخذوا به فإني لن أكذب على الله عز وجل» .
ثم أخرجه عن رافع بن خديج وفيه «فقال لعلكم لولم تفعلوا كان خيرا. فتركوه فنقضت.. فقال: إنما أنا بشر، إذا أمرتكم بشيء من دينكم فخذوا به، وإذا أمرتكم بشيء من رأيي فإنما أنا بشر. قال عكرمة: أو نحو هذا»
ثم أخرجه عن حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، وعن ثابت عن أنس... » وفيه «فقال: لو لم تفلعوا لصلح» وقال في آخره «أنتم أعلم بأمر دنياكم»
عادة مسلم أن يرتب روايات الحديث بحسب قوتها: يقدم الأصح فالأصح. قوله صلى الله عليه وسلم في حديث طلحة «ما أظن يغني ذلك شيئا، إخبار عن ظنه، وكذلك كان ظنه، فالخبر صدق قطعا، وخطأ الظن ليس كذبا، وفي معناه قوله في حديث رافع «لعلكم ... »  وذلك كما أشار إليه مسلم أصح مما في رواية حماد، لأن حمادا كان يخطئ.
وقوله في حديث طلحة « (فإني لن أكذب على الله» فيه دليل على امتناع أن يكذب على الله خطأ، لأن السياق في احتمال الخطأ، وامتناعه عمدا معلوم من باب أولى، بل كان معلوما عندهم قطعا.
ونقل عن شفاء عياض قال «وفي حديث ابن عباس في الخرص: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما أنا بشر، فما حدثتكم عن الله فهو حق، وما قلت فيه من قبل نفسي فإنما أنا بشر أخطئ، وأصيب» .
أقول: ذكر شارح الشفاء أن البزار أخرجه بسند حسن، وتحسين المتأخرين فيه نظر، فإن صح فكأنهم مروا بشجر مثمر فخرصوه يجربون حدسهم، وخرصها النبي صلى الله عليه وسلم فجاءت على خلاف خرصه. ومعلوم أن الخرص حزر وتخمين، فكأن الخارص يقول: أظن كذا. وقد مر حكمه. والله أعلم."
 الأنوار الكاشفة (28-29)

10- قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
"فأما السنة فقد تكفل الله بحفظها أيضا، لأن تكفله بحفظ القرآن يستلزم تكفله بحفظ بيانه وهو السنة، وحفظ لسانه وهو العربية، إذ المقصود بقاء الحجة قائمة والهداية باقية بحيث ينالها من يطلبها، لأن محمدا صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء وشريعته خاتمة الشرائع. بل دل على ذلك قوله (ثم إن علينا بيانه) ، فحفظ الله السنة في صدور الصحابة والتابعين حتى كتبت ودونت كما يأتي، وكان التزام كتابتها في العهد النبوي شاقا جدا، لأنها تشمل جميع أقول النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله وأحواله وما يقوله غيره بحضرته أو يفعله وغير ذلك. والمقصود الشرعي منها معانيها، ليست كالقرآن المقصود لفظه ومعاناه، لأن كلام الله بلفظه ومعناه، ومعجز بلفظه ومعناه، ومتعبد بتلاوته بلفظه بدون أدنى تغيير، لاجرم خفف الله عنهم واكتفى من تبليغ السنة غالبا بأن يطلع عليها بعض الصحابة، ويكمل الله تعالى حفظها وتبليغها بقدرته التي لا يعجزها شيء، فالشأن في هذا الأمر هو العلم بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد بلغ ما أمر به التبليغ الذي رضيه الله منه، وأن ذلك مظنة بلوغه إلى من يحفظه من الأمة ويبلغه عند الحاجة ويبقى موجودا بين الأمة، وتكفل الله تعالى بحفظ دينه يجعل تلك المظنة مئنة، فتم الحفظ كما أراد الله تعالى، وبهذا التكفل يدفع ما يتطرق إلى تبليغ القرآن كاحتمال تلف بعض القطع التي كتبت فيها الآيات، واحتمال أن يغير فيها من كانت عنده ونحو ذلك.
ومن طالع تراجم أئمة الحديث من التابعين فمن بعدهم وتدبر ما آتاهم الله تعالى من قوة الحفظ والفهم والرغبة الأكيدة في الجد والتشمير لحفظ النسة وحياطتها بان له ما يحير عقله، وعلم أن ذلك ثمرة تكفل الله تعالى بحفظ دينه. وشأنهم في عظيم جدا، أو هو عبادة من أعظم العبادات وأشرفها، وبذلك يتبين أن ذلك من المصالح المترتبة على ترك كتابة الأحاديث كلها في العهد النبوي، إذ لو كتبت لانسد باب تلك العبادة وقد قال الله تعالى ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) .
وثم مصالح أخرى منها: تنشئة علوم تحتاج إليها الأمة، فهذه الثروة العظيمة التي بيد المسلمين من تراجم قدمائهم، إنما جاءت من احتياج المحدثين إلى معرفة أحوال الرواة، فاضطروا إلى تتبع ذلك، وجمع التواريخ والمعاجم،ثم تبعهم غيرهم.
ومنها: الإسناد الذي يعرف به حال الخبر، كان بدؤه في الحديث ثم سرى إلى التفسير والتاريخ والأدب.
هذا والعالم الراسخ هو الذي إذا حصل له العلم الشافي بقضية لزمها ولم يبال بما قد يشكك فيها، بل إما أن يعرض عن تلك المشككات، وإما أن يتأملها في ضوء ما قد ثبت، فههنا من تدبر كتاب الله وتتبع هدي رسوله ونظر إلى ما جرى عليه العمل العام في عهد أصحابه وعلماء أمته بوجوب العمل بأخبار الثقات عن النبي صلى الله عليه وسلم وأنها من صلب الدين، فمن أعرض عن هذا وراح يقول: لماذالم تكتب الأحاديث؟ بماذا، لماذا؟ ويتبع قضايا جزئية- إما أن لا تثبت، وإما أن تكون شاذة، وإما أن يكون لها محمل لا يخالف المعلوم الواضح - من كان شأنه فلا ريب في زيغه."
الأنوار الكاشفة (32-33)

11- قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
" أما الأحاديث فإنما هي حديث مختلف في صحته، وآخر متفق على
 ضعفه.
فالأول: حديث مسلم وغيره عن أبي سعيد الخدري مرفوعا «لا تكتبوا عني، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه، وحدثوا عني ولا حرج، ومن كذب علي-قال همام: أحسبه قال «متعمدا» – فليتبوأ مقعده من النار» هذا لفظ مسلم.
الثاني:  «دخل زيد بن ثابت على معاوية فسأله عن حديث وأمر إنسانا أن يكتبه فقال له زيد: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا أن لا نكتب شيئا من حديثه. فمحاه»
أقول: إما حديث أبي سعيد ففي فتح الباري (١٨٥:١) : «منهم (يعني الأئمة) من أعل حديث أبي سعيد وقال:  الصواب وقفه على أبي سعيد، قاله البخاري وغيره «أي الصواب أنه من قول أبي سعيد نفسه، وغلط بعض الرواة فجعله عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أورد ابن عبد البر في كتاب العلم (٦٤:١) قريبا من معناه موقوفا عن أبي سعيد من طرق لم يذكر فيها النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما حديث زيد بن ثابت فهو من طريق كثير بن زيد عن المطلب بن عبد الله بن حنطب قال: دخل زيد بن ثابت الخ.
وكثير غير قوي، والمطلب لم يدرك زيدا.
أما البخاري فقال في صحيحه «باب كتابة العلم» ثم ذكر قصة الصحيفة التي كانت عند علي رضي الله عنه، ثم خطبة النبي صلى الله عليه وسلم زمن الفتح وسؤال رجل أن يكتب له، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «اكتبوا لأبي فلان» وفي غير هذه الرواية «لأبي شاه»
ثم قول أبي هريرة «ما من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحد أكثر حديثا عنه مني إلا ما كان من عبد الله بن عمرو، فإنه كان يكتب وأنا لا أكتب»
ثم حديث ابن عباس في قصة مرض النبي صلى الله عليه وسلم، وقوله «ائتوني بكتاب أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده» وفي بعض روايات حديث أبي هريرة في شأن عبد الله بن عمرو «استأذن رسول الله صلى اله عليه وسلم أن يكتب بيده ما سمع منه فأذن له» رواه الإمام أحمد والبيهقي.
قال في فتح الباري (١٨٥:١) : «إسناده حسن، وله طريق أخرى ... » وله شاهد من حديث  عبد الله بن عمرو نفسه جاء من طرق، راجح فتح الباري والمستدرك (١٠٤:١) ومسند أحمد بتحقيق الشيخ أحمد محمد شاكر رحمه الله الحديث: ٠ ٦٥١ وتعليقه.
وقد اشتهرت صحيفة عبد الله بن عمرو التي كتبها عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يغتبط بها ويسميها «الصادقة» وبقيت عند ولده يروون منها، راجح ترجمة عمرو بن شعيب في تهذيب التهذيب.
  أما زيادة ما انتشر عن أبي هريرة من الحديث عما انتشر عن عبد الله بن عمرو؛ فلأن عبد الله لم يتجردللرواية تجرد أبي هريرة، وكان أبو هريرة بالمدينة وكانت دار الحديث لعناية أهلها بالرواية، ولرحلة الناس إليها لذلك، وكان عبد الله تارة بمصر، وتارة بالشام، وتارة بالطائف، مع أنه كان يكثر من الأخبار عما وجده من كتب قديمة باليرموك، وكان الناس لذلك كأنهم قليلو الرغبة في السماع منه، ولذلك كان معاوية وابنه قد نهياه عن التحديث.
  فهذه الأحاديث، وغيرها مما يأتي إن لم تدل على صحة قول البخاري وغيره: إن حديث أبي سعيد غير صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإنها تقضي بتأويله، وقد ذكر في فتح الباري أوجها للجمع، والأقرب ما يأتي: قد ثبت في حديث / زيد بن ثابت في جمعه القرآن «فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف» ، وفي بعض رواياته ذكر القصب وقطع الأديم. وقد مر قريبا ، وهذه كلها قطع صغيرة، وقد كانت تنزل على النبي صلى الله عليه وسلم الآية والآيتان فكان بعض الصحابة يكتبون في تلك القطع فتتجمع عند الواحد منهم عدة قطع في كل منها آية أو آيتان أو نحوها وان هذا هو المتيسر لهم، فالغالب أنه لو كتب أحدهم حديثا لكتبه في قطعة من تلك القطع، فعسى أن يختلط عند بعضهم القطع المكتوب فيها الأحاديث بالقطع المكتوب فيها الآيات، فنهوا عن كتابة الحديث سد للذريعة ."
الأنوار الكاشفة (35-36)

12- قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
". ومن عرف وضع الشريعة عرف الحقيقة: إن وضع الشريعة عدم الإعنات، وتوجيه معظم العناية إلى التقوى"
الأنوار الكاشفة (48)

13- قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :

"وإنما الواجب أن يكون في الأمة علماء، ثم على العامي أن يسأل عالما ويعمل بفتواه ، وكان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه يكتفى في العامل أن يكون – مع حفظه لما شاء الله من القرآن – عارفا بطائفة حسنة من السنة ثم يقال له: إذا لم تجد الحكم في الكتاب والسنة فاسأل من ترجو أن يكون عنده علم، فإن لم تجد فاجتهد رأيك، وقد كان أبو بكر وعمر إذا لم يجدا الحكم في الكتاب ولا فيما يعلمانه من السنة سألا الصحابة فإذا أخبرا بحديث أخذا به، وربما أخبرهما من هو دونهما في العلم والفضل بكثير. "

الأنوار الكاشفة (49)

14- قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
" إنما المحذور أن تدع الدليل الشرعي عمدا اتباعا منك لقول عالم قد يجهل ويذهل ويغفل ويغلط ويزل "
الأنوار الكاشفة (51)

15- قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
"وقد قدمنا أن العالم لا يكلف جمع السنة كلها، بل إذا كان عارفا بالقرآن وعنده طائفة صالحة من السنة بحيث يغلب على اجتهاده الصواب كان له أن يفتي، وإذا عرضت قضية لم يجدها في الكتاب والسنة سأل من عنده علم بالسنة، فإن لم يجد اجتهد رأيه"
الأنوار الكاشفة(51)

16- قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
"واعلم أن الأحاديث الصحيحة ليست كلها قولية، بل منها ما هو إخبار عن أفعال النبي صلى الله عليه وسلم وهي كثيرة. ومنها ما أصله قولي، ولكن الصحابي لا يذكر القول بل يقول: أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بكذا، أو نهانا عن كذا، أو قضى بكذا، أو أذن في كذا.. وأشباه هذا. وهذا كثير أيضا. وهذان الضربان ليسا محل نزاع، والكلام في مايقول الصحابي فيه: قال رسول الله كيت وكيت، أو نحو ذلك. ومن تتبع هذا في الأحاديث التي يرويها صحابيان أو أكثر ووقع اختلاف فإنما هو في بعض الألفاظ، وهذا يبين أن الصحابة لم يكونوا إذا حكوا قوله صلى الله عليه وسلم يهملون ألفاظه البتة، لكن منهم من يحاول أن يؤديها فيقع له تقديم وتأخير أو إبدال الكلمة بمرادفها ونحو ذلك. ومع هذا فقد عرف جماعة من الصحابة كانوا يتحرون ضبط الألفاظ،"
الأنوار الكاشفة (79)

17- قال المعلمي في الأنوار الكاشفة ص105 :

" أقول: لكعب ترجمة في تهذيب التهذيب، وليس فيها عن أحد من المتقدمين توثيقه ، إنما فيها ثناء بعض الصحابة عليه بالعلم، وكان المزي علم عليه علامة الشيخين مع أنه إنما جرى ذكره في الصحيحين عرضاً لم يسند من طريقه شيء من الحديث فيهما.


ولا أعرف له رواية يحتاج إليها أهل العلم.. فأما ما كان يحكيه عن الكتب القديمة فليس بحجة عند أحد من المسلمين، وإن حكاه بعض السلف لمناسبته عنده لما ذكر في القرآن

 وبعد فليس كل ما نسب إلى كعب في الكتب بثابت عنه، فإن الكذابين من بعده قد نسبوا إليه أشياء كثيرة لم يقلها.

وما صح عنه من الأقوال ولم يوجد في كتب أهل الكتاب الآن ليس بحجة واضحة على كذبه.

 فإن كثيراً من كتبهم انقرضت نسخها ثم لم يزالوا يحرفون ويبدلون، وممن ذكر ذلك السيد رشيد رضا في مواضع من التفسير وغيره.

واتهامه بالاشتراك في المؤامرة على قتل عمر لا يثبت، وكعب عربي النسب

 وإن كان قبل أن يسلم يهودي النحلة "

18- قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
"وكان الأئمة يعتبرون حديث كل راو فينظرون كيف حدث به في الأوقات المتفاوته فإذا وجدوه يحدث مرة كذا ومرة كذا بخلاف لا يحتمل ضعفوه. وربما سمعوا الحديث من الرجل ثم يدعونه مدة طويلة ثم يسألونه عنه. ثم يعتبر  مرواياته برواية من روى عن شيوخه وعن شيوخ شيوخه، فإذا رأوا في روايته مايخالف رواية الثقات حكموا عليه بحسبها. وليسوا يوثقون الرجل لظهور صلاحه في دينه فقط.، بل معظم اعتمادهم على حاله في حديثه كما مر، وتجدهم يجرحون الرجل بأنه يخطيء ويغلط، وباضطرابه في حديثه، وبمخالفته الثقات، وبتفرده، وهلم جرا. ونظرهم عند تصحيح الحديث أدق من هذا، نعم، إن هناك من المحدثين من يسهل ويخفف، لكن العارف لا يخفى عليه هؤلاء من هؤلاء. فإذا رأيت المحققين قد وثقوا رجلا مطلقا فمعنى ذلك أنه يروي الحديث بلفظه الذي سمعه، أو على الأقل إذا روى المعنى لم يغير المعنى، وإذا رأيتهم قد صححوا حديثا فمعنى ذلك أنه صحيح بلفظه أو على الأقل بنحو لفظه، مع تمام معناه، فإن بان لهم خلاف ذلك نبهوا عليه "
الأنوار الكاشفة (81)

19- قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
"فمنكر وجوب العمل بالأحاديث مطلقا تقام عليه الحجة، فإن أصر بأن كفره، ومنكر وجوب العمل ببعض الأحاديث إن كان له عذر من الأعذار المعروفة بين أهل العلم وما في معناها فمعذور، وإلا فهو عاص لله ورسوله، والعاصي آثم فاسق. وقد يتفق ما يجعله في معنى منكر وجوب العمل بالأحاديث مطلقا وقد مر"
الأنوار الكاشفة (81-82)

20- قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
"وكثيرا ما يقع في الكتاب والسنة ترك بيان بعض الأمور في موضع لائق به اعتمادا على بيانه في موضع آخر، وليس هذا بأكثر من مجيء عموم أو إطلاق في القرآن ومجيء تخصيصه أو تقييده في السنة."
الأنوار الكاشفة (85)

21- قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
" وكان عامة علماء القرون الأولى وهي قرون الحديث مقاطعين للخلفاء والأمراء، حتى كان أكثرهم لا يقبل عطاء الخلفاء والأمراء ولا يرضى بتولي القضاء، ومنهم من كان الخلفاء يتطلبونهم ليكونوا بحضرتهم ينشرون العلم. فلا يستجيبون، بل يفرون ويستترون. وكان أئمة النقد لا يكادون يوثقون محدثا يداخل الأمراء أو يتولى لهم شيئا، وقد جرحوا بذلك كثيرا من الرواة ولم يوثقوا ممن داخل الأمراء إلا أفراد علم الأئمة يقينا سلامة دينهم وأنه لا مغمز فيهم البتة. وكان محمد بن بشر الزنبري محدثا يسمع منه الناس، فاتفق أن خرج أمير البلد لسفر فخرج الزنبري يشيعه، فنقم أهل الحديث عليه ذلك وأهانوه ومزقوا ما كان كتبوا عنه."
الأنوار الكاشفة (90)

22- قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
"لكن المصيبة حق المصيبة إعراض الناس عن هذا العلم العظيم،( علم الحديث ) ولم يبق إلا أفراد يلمون بشيء من ظواهره، ومع ذلك فالناس لا يرجعون إليهم، بل في الناس من يمقتهم وببغضهم ويعاديهم ويتفنن في سبهم عند كل مناسبة ويدعي لنفسه ما يدعي، ولا ميزان عنده إلا هواه لا غيره، وما يخالف هواه لا يبالي به ولو كان في الصحيحين عن جماعة من الصحابة، ويحتج بما يحلو له من الروايات في أي كتاب وجد، وفيما يحتج به الواهي والساقط والموضوع"
الأنوار الكاشفة (89)

23- قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
"ومن تدبر ما تقدم من حال الصحابة وأنهم كانوا كلهم يراعون الرواية باللفظ، ومنهم من كان يبالغ في تحري ذلك. وكذا في التابعين وأتباعهم، وأن الحديث الواحد قد يرويه صحابيان أو أكثر، ويرويه عن الصحابي تابعيان فأكثر وهلم جرا، وأن التابعين كتبوا، وأن أتباعهم كتبوا ودونوا، وأن الأئمة اعتبروا حال كل راو في روايته لأحاديثه في الأوقات المتفاوته فإذا وجدوه يروي الحديث مرة بما يحيل معناه في روايته له مرة أخرى جرحوه، ثم اعتبروا رواية كل راو برواية الثقات فإذا وجدوه يخالفهم بما يحيل المعنى جرحوه، ثم بالغ محققوهم في العناية بالحديث عند التصحيح، فلا يصححون ما عرفوا له علةنعم قد يذكرون في المتابعات والشواهد ما وقعت فيه مخالفة ما وينبهون عليه، من تدبر هذا ولم يعمه الهوى اطمأن قلبه بوفاء الله تعالى بما تكفل به من حفظ دينه، وبتوفيقه علماء الأمة للقيام بذلك، ولله الحمد "
الأنوار الكاشفة (82-83)

24- لماذا الطعن  في السنة؟
قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
"وحق على من يبتلى بسماع شبهات دعاة النصرانية والإلحاد أن يقرأ ذاك الكتاب (إظهار الحق) ليتضح له غاية الوضوح أن الفساد لم يزل يعترى كتب أهل الكتاب جملة وتفصيلا، ومحققوهم حيارى ليس بيدهم إلا التظنى والتمني والتحسر والتأسف، ومن ثم يتبين السر الحقيقي لمحاولتهم الطعن في الأحايث النبوية، لأن دهاتهم حاولوا الطعن في القرآن فتبين لهم أنه ما إلى ذلكم من سبيل، فأقبلوا على النظر في الأحاديث فوجدوا أنه قد روي في جملة ما روي كثير من الموضوعات، وحيرهم المجهود العظيم الذي قام به علماء الأمة لاستخلاص الصحيح ونفي الواهي والساقط والموضوع حتى قال بعضهم «لتفتخر المسلمين بعلم حديثهم ما شاءوا» . ولكنهم اغتنموا انصراف المسلمين عن علم الحديث وجهل السواد الأعظم منهم بحقيقته فراحوا يشككون ويتهجمون، ولا غرابة أن يوقعهم الحسد في هذا وأكثر منه، وإنما الغرابة في تقليد بعض المسلمين لهم"
الأنوار الكاشفة (103)

25-قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
"وصاحب الاقتضاء ( ابن تيمية ) يورد في مؤلفاته الأحايث من حفظه. "
الأنوار الكاشفة (127)

26- قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :" أقول: لم يسند السبط ( سبط ابن الجوزي ) هذه الحكاية، وهو معروف بالمجازفة "
الأنوار الكاشفة (128)

27- المعلمي اليماني ينقل عن الألباني وهو أصغر منه بكثير
قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
"وفي كتاب (فضائل الشام) للربعي سبع عشرة حكاية عن كعب قال فيها مخرجه الشيخ ناصر الدين الأرناؤط «كل الأسانيد لا تصح» وفي هذا تصديق لما قلته مرارا أن غالب ما يروى عن كعب مكذوب عليه"
الأنوار الكاشفة (128)

28- قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
"والأحاديث الثابتة في شأن الدجال كثيرة، ويعلم منها أن كثيرا من شأنه خارج عن العادة، وكما أن الملائكة قد يأذن الله تعالى لهم فيتمثلون بشرا يراهم من حضر، ثبت ذلك بالقرآن في قصة الملائكة مع إبراهيم ومع لوط وفي تمثل الملك لمريم وغير ذلك، وثبت في السنة في عدة أحاديث، فكذلك قد يأذن الله تعالى للشياطين- لحكمة خاصة- فيتمثلون في صور يراها من حضر، فأما الجساسة فشيطان وأما الدجال فقد قال بعضهم إنه شيطان، وعلى هذا فلا إشكال، كشف الله تعالى لتميم وأصحابه فرأوا الدجال وجساسته وخاطبوهما ثم عاد حالهما إلى طبيعة الشياطين من الإستتار، وإن كان الدجال إنسانا فلا أرى ذلك إلا شيطانا مثل في صورة الدجال لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في أواخر حياته «أرأيتكم ليلتكم هذه، فإن رأس مائة سنة لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد» انظر فتح الباري {٦١:٢ } والحكمة في كشف الله تعالى لتميم وأصحابه عما كشف لهم عنه أن يخبروا بذلك فيكون موافقا لماكان النبي صلى الله عليه وسلم يخبر به فيزداد المسلمون وثوقا به وهذا بين في الحديث إذ قال النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذكره لتميم «وحدثني حديثا وافق الذي كنت أحدثكم عن مسيح الدجال» ثم قال «ألا هل كنت حدثتكم ذلك» ؟ فقال الناس: نعم. فقال «فإنه أعجبني حديث تميم أنه وافق الذي كنت أحدثكم عنه وعن المدينة ومكة».
"
الأنوار الكاشفة (134)

29- الحكمة من رؤية تميم وأصحابه للجساسة

قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
"والأحاديث الثابتة في شأن الدجال كثيرة، ويعلم منها أن كثيرا من شأنه خارج عن العادة، وكما أن الملائكة قد يأذن الله تعالى لهم فيتمثلون بشرا يراهم من حضر، ثبت ذلك بالقرآن في قصة الملائكة مع إبراهيم ومع لوط وفي تمثل الملك لمريم وغير ذلك، وثبت في السنة في عدة أحاديث، فكذلك قد يأذن الله تعالى للشياطين- لحكمة خاصة- فيتمثلون في صور يراها من حضر، فأما الجساسة فشيطان وأما الدجال فقد قال بعضهم إنه شيطان، وعلى هذا فلا إشكال، كشف الله تعالى لتميم وأصحابه فرأوا الدجال وجساسته وخاطبوهما ثم عاد حالهما إلى طبيعة الشياطين من الإستتار، وإن كان الدجال إنسانا فلا أرى ذلك إلا شيطانا مثل في صورة الدجال لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في أواخر حياته «أرأيتكم ليلتكم هذه، فإن رأس مائة سنة لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد» انظر فتح الباري {٦١:٢ } والحكمة في كشف الله تعالى لتميم وأصحابه عما كشف لهم عنه أن يخبروا بذلك فيكون موافقا لماكان النبي صلى الله عليه وسلم يخبر به فيزداد المسلمون وثوقا به وهذا بين في الحديث إذ قال النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذكره لتميم «وحدثني حديثا وافق الذي كنت أحدثكم عن مسيح الدجال» ثم قال «ألا هل كنت حدثتكم ذلك» ؟ فقال الناس: نعم. فقال «فإنه أعجبني حديث تميم أنه وافق الذي كنت أحدثكم عنه وعن المدينة ومكة».
"
الأنوار الكاشفة (134)

30- قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
"إن الفضل الذي يعتد كمالا تاما للإنسان هو ما كان بسعيه واجتهاده، ومن هنا كان فضل الخليلين إبراهيم ومحمد عليهما وعلى سائر الأنبياء الصلاة والسلام"
الأنوار الكاشفة (136)

31- قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
" المراد بقوله (إن عبادي) عباده المخلصون خاصة، فقوله (ليس لك عليهم سلطان) معناه والله أعلم: لن تسلط على إغوائهم الإغواء اللازم، لأن الكلام فيه لتقدم قوله (لأغوينهم أجمعين) وهذا لا ينافي أن يسلط على بعضهم لإغواء عارض، أو لإلحاق ضرر لا يضر الدين"
الأنوار الكاشفة (137)

32- في الأنوار الكاشفة للمعلمي اليماني ( 193 )
"قال أبو رية ( عن حديث من عادى لي ولياً الذي أخرجه البخاري ) «ومن له حاسة شم الحديث يجد في هذا الحديث رائحة إسرائيلية»
"أقول ( المعلمي اليماني ) : قد علمنا أن كلام الأنبياء كله حق من مشكاة واحدة، وأن الرب الذي أوحى إلى أنبياء بني إسرائيل هو الذي أوحى إلى محمد صلى الله عليه وسلم. ولو جاز الحكم بالرائحة لما ساغ أدنى تشكك في حكم البخاري لأنه أعرف الناس برائحة الحديث النبوي، وبالنسبة إليه يكون أبو رية أخشم فاقد الشم أو فاسده ."
مابين القوسين () للتوضيح

33- تحدث المعلمي اليماني رحمه الله تعالى عن ( صاحبي الأغاني والعقد الفريد ) فقال :
"عزاه إلى العقد الفريد، والحكاية فيه بلا سند، وحاول صاحب الأغاني إسنادها على عادته فلم يجاوز بها المدائني وأبي هريرة نحو قرن ونصف، وهؤلاء سمريون إذا ظفروا بالنكتة لم يهمهم أصدقاً كانت أم كذباً، والعلم وراء ذلك "
الأنوار الكاشفة (210)

34- قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
"وكان عمر رضي الله عنه للصحابة بمنزلة الوالد، يعطف ويشفق ويؤدب ويشدد وكان الصحابة رضي الله عنهم قد عرفوا له ذلك، وقد تناول بدرته بعض أكابرهم كسعد بن أبي وقاص وأبي بن كعب ولم يزده ذلك عندهم إلا حبا"
الأنوار الكاشفة (214)

35- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ :  أُرْسِلَ  مَلَكُ الْمَوْتِ إِلَى مُوسَى عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، فَلَمَّا جَاءَهُ صَكَّهُ، فَرَجَعَ إِلَى رَبِّهِ فَقَالَ :  أَرْسَلْتَنِي إِلَى عَبْدٍ لَا يُرِيدُ الْمَوْتَ. فَرَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِ عَيْنَهُ، وَقَالَ : ارْجِعْ فَقُلْ لَهُ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى مَتْنِ  ثَوْرٍ فَلَهُ بِكُلِّ مَا غَطَّتْ بِهِ يَدُهُ  بِكُلِّ شَعْرَةٍ سَنَةٌ. قَالَ : أَيْ رَبِّ، ثُمَّ مَاذَا ؟ قَالَ : ثُمَّ الْمَوْتُ، قَالَ : فَالْآن؟ قَالَ : فَسَأَلَ اللَّهَ أَنْ يُدْنِيَهُ مِنَ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ رَمْيَةً بِحَجَرٍ. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَوْ كُنْتُ ثَمَّ لَأَرَيْتُكُمْ قَبْرَهُ إِلَى جَانِبِ الطَّرِيقِ تَحْتَ الْكَثِيبِ الْأَحْمَرِ "
البخاري ومسلم

قال المعلمي اليماني رحمه الله :
" فأما القصة فقد أجاب عنها أهل العلم. وسألخص ذلك: ثبت في الكتاب والسنة أن الملائكة قد يتمثلون في صور الرجال، وقد يراهم كذلك بعض الأنبياء فيظنهم من بني آدم كما في قصتهم مع إبراهيم ومع لوط عليهما السلام- اقرا من سورة هود الآيات ٦٩-٨٠ وقال الله تعالى في مريم عليه السلام (١٧:١٩ - فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا. قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا) . وفي السنة أشياء من ذلك وأشهرها ما في حديث السؤال عن الإيمان والسلام والإحسان. فمن كان جاحدا لهذا كله أو مرتابا فيه فليس كلامنا معه، ومن كان مصدقا علم أنه لا مانع أن يتمثل ملك الموت رجلا ويأتي إلى موسى فلا يعرفه موسى.
 والجسد المادي الذي يتمثل به الملك ليس جسده الحقيقي، وليس من لازم تمثله فيه أن يخرج الملك عن ملكيته، ولا أن يخرج ذاك الجسم المادي عن ماديته، ولا أن تكون حقيقة الملك إلى ذاك الجسم كنسبة أرواح الناس إلى أجسامهم، فعلى هذا لو عرض ضرب أو طعن أو قطع لذاك الجسم لم يلزم أن يتألم بها الملك ولا أن تؤثر في جسمه الحقيقي. ما المانع أن تقتضي حكمة الله عز وجل أن يتمثل ملك الموت بصورة رجل ويأمره الله أن يدخل على موسى بغته ويقول له مثلا: سأقبض روحك. وينظر ماذا يصنع؟ لتظهر رغبة موسى في الحياة وكراهيته للموت فيكون في قص ذلك عبرة لمن بعده فعلى هذا فإن موسى لما رأى رجلا لا يعرفه دخل بغتة وقال ما قال، حمله حب الحياة على الاستعجال بدفعه، ولولا شدة حب الحياة لتأنى وقال: من أنت وما شأنك؟ ونحو ذلك ووقوع الصكة وتأثيرها كان على ذاك الجسد العارض، ولم ينل الملك بأس. فأما قوله في القصة «فرد الله عليه عينه» فحاصله أن الله تعالى أعاد تمثيل الملك في ذاك الجسد المادي سليما، حتى إذا رآه موسى قد عاد سليما مع قرب الوقت عرف لأول وهلة خطأه أول مرة."
الأنوار الكاشفة (219-220)

36- قال البخاري رحمه الله :

3320 حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ ، حَدَّثَنَاسُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ ، قَالَ : حَدَّثَنِي  عُتْبَةُ بْنُ مُسْلِمٍ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ بْنُ حُنَيْنٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ  رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :  " إِذَا وَقَعَالذُّبَابُ فِي شَرَابِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ ثُمَّ لِيَنْزِعْهُ ؛ فَإِنَّ فِي إِحْدَى جَنَاحَيْهِ دَاءً، وَالْأُخْرَى شِفَاءً ".

قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
"أقول: هذا الحديث قد وافق أبا هريرة على روايته أبو سعيد الخدري وأنس. راجع مسند أحمد بتحقيق وتعليق الشيخ أحمد محمد شاكر رحمه الله ( ١٢٤:١٢،) وعلماء الطبيعة يعترفون بأنهم لم يحيطوا بكل شيء علما، ولا يزالون يكتشفون الشيء بعد الشيء، فبأي إيمان ينفي أبو رية وأضرابه أن يكون الله تعالى أطلع رسوله صلى الله عليه وسلم على أمر لم يصل إليه علم الطبيعة بعد؟ هذا وخالق الطبيعة ومدبرها هو واضع الشريعة، وقد علم سبحانه أن كثيرا من عباده يكونون في ضيق من العيش، وقد يكون قوتهم اللبن وحده، فلو أرشدوا إلى أن يريقوا كل ما وقعت فيه ذبابة لأجحف بهم ذلك. فأغيثوا بما في الحديث، فمن خالف هواه وطبعه في استقذار الذباب فغمسه تصديقا لله ورسوله دفع الله عنه الضرر، فكان في غمس ما لم يكن انغمس ما يدفع ضرر ما كان انغمس، وعلماء الطبيعة يثبتون لقوة الاعتقاد تأثيرا بالغا، فما بالك باعتقاد منشؤه الإيمان بالله ورسوله؟"
الأنوار الكاشفة (221)

37- قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
"واعلم أن الناس تختلف مداركهم وأفهامهم وآراؤهم ولا سيما في ما يتعلق بالأمور الدينية والغيبية لقصور علم الناس في جانب علم الله تعالى وحكمته، ولهذا كان في القرآن آيات كثيرة يستشكلها كثير من الناس وقد ألفت في ذلك كتب وكذلك استشكل كثير من الناس كثيرا من الأحاديث الثابتةعن النبي صلى الله عليه وسلم، منها ما هو رواية كبار الصحابة أو عدد منهم كما مر، وبهذا يتبين أن استشكال النص لا يعني بطلانه. ووجود النصوص التي يستشكل ظاهرها لم يقع في الكتاب والسنة عفوا وإنما هو أمر مقصود شرعا ليبلو الله تعالى ما في النفوس ويمتحن ما في الصدور. وييسر للعلماء أبواباً من الجهاد يرفعهم الله به درجات. "
الأنوار الكاشفة (223)

38- قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
"والإناء إذا امتلأ بشيء  لم يبقَ فيه متّسع لغيره، فمن امتلأ جوفه شعرًا  امتنع أن يكون ممن استثنى في الآية ووصف بقوله: "وذكروا الله كثيرا".
الأنوار الكاشفة (279)

39- قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :

"والكوفيون نشأوا على الأحاديث التي عرفوها من رواية الصحابة الذين كانوا عندهم، ثم حاولوا تكميل فقههم بالرأي وجَروا على مقتضاه، ثم إذا جاءهم بعد ذلك حديث بخلاف ما قد جَروا عليه وأَلِفوه  تلكّأوا في قبوله، وضربوا له الأمثال"
.  الأنوار الكاشفة (246)

40- قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
"ذكر الخطيب ما يؤخَذ على المدلِّس، وهاك تلخيصه بتصرّف:
أولا: إيهامه السماع ممن لم يسمع منه.
ثانيا: إنما لم يبيِّن لعلمه أن الواسطة غير مرضي.
ثالثا: الأَنَفة من الرواية عمن حدَّثه.
رابعا: إيهام علو الإسناد.
خامسًا: عدوله عن الكشف إلى الاحتمال."
 الأنوار الكاشفة (221)

الأربعاء، 8 مارس 2017

حجة نافعة في جدال الصوفية في الخضر عليه السلام :



قال الألوسي رحمه الله تعالى :
" أن القول بوجود الخضر وحياته والاعتقاد برجال الغيب وأمثاله؛ إن كان من واجبات الشريعة وأركان الديانة كالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ووجود الجن ونحو ذلك مما وردت نصوص الكتاب والسنة به، فلم لم ينص عليها في القرآن ولم يرد فيها حديث صحيح؟ فإذا سأل رب العالمين عبدا من عباده وقال له: لم لم تؤمن بحياة الخضر الأبدية، وكذبت بالأقطاب والأوتاد والأبدال؟ ونحوهم مما قال به الصوفية! ثم أجابه بقوله: يا رب العالمين، ويا خالق السموات والأرضين؛ إنك كلفت الناس أن يؤمنوا بك وإن لم ترك العيون ولم تحط بك الظنون، ولكن نصبت لهم دلائل في الآفاق والأنفس على وجودك عدا ما ورد من النصوص على لسان أنبيائك ورسلك، وأودعت في كل شيء آية تدل على أنك الواحد، بل كل ذرة من ذرات العوالم هي أعدل شاهد، ثم إنك ملأت كتابك الكريم من ذكر الملائكة والرسل والجن وغير ذلك مما لم نره، ثم إن نبيك صلى الله عليه وسلم وسائر الأنبياء كلهم أخبروا بذلك، فلذلك اعترفنا وصدقنا بما ذكر، وأما الخضر ومن ذكر معه فلم نر في كتابك الكريم آية تدل على خلوده ولا وجوده ووجودهم، وأما ما رواه الكذابون عن نبيك صلى الله عليه وسلم من ذلك فقال المحققون من أهل العلم: إنها كذب لا أصل لها، بل الوارد خلاف ذلك، فكيف يا إلهي أؤمن بأمور موهومة وأشخاص غير معلومة؟ وقد أنعمت علي بعقل أزن فيه الأمور وأجعله حكما عدلا، ودليلا هاديا إذا أعضلت علي المقاصد "
غاية الأماني (1/527)

وقال الألوسي رحمه الله تعالى نقلاً عن شيخ الإسلام رحمه الله :
"وموسى لم يعرف الخضر، والخضر لم يكن يعرف موسى، بل لما سلم عليه موسى قال له الخضر وإني بأرضك السلام؟ فقال له: أنا موسى، قال: موسى بني إسرائيل؟ قال نعم. فكان قد بلغه اسمه وخبره ولم يكن يعرف عينه. ومن قال: إنه نقيب الأولياء وأنه يعلمهم كلهم فقد قال الباطل.
والصواب الذي عليه المحققون، أنه ميت، وأنه لم يدرك الإسلام، ولو كان موجودا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لوجب عليه أن يؤمن به ويجاهد معه، كما أوجب الله ذلك عليه وعلى غيره، ولكان يكون بمكة والمدينة، وكان يكون حضوره مع الصحابة رضي الله عنهم للجهاد معهم وإعانتهم على الدين أولى له من حضوره عند قوم كفار ليرقع لهم سفينتهم، ولم يكن عن خير أمة خرجت للناس مختفيا، وهو قد كان بين المشركين ولم يحتجب عنهم.
ثم ليس للمسلمين به وبأمثاله حاجة لا في دينهم ولا دنياهم، فإن دينهم أخذوه عن الرسول صلى الله عليه وسلم النبي الأمي، الذي علمهم الكتاب والحكمة، وقال لهم نبيهم صلى الله عليه وسلم: "لو كان موسى حية ثم اتبعتموه وتركتموني لضللتم". وعيسى ابن مريم إذا نزل من السماء إنما يحكم فيهم بكتاب ربهم وسنة نبيهم، فأي حاجة لهم مع هذا إلى الخضر أو غيره والنبي صلى الله عليه وسلم قد أخبرهم بنزول عيسى من السماء، وحضوره مع المسلمين،  فإذا كان هذان النبيان الكريمان اللذان هما مع إبراهيم وموسى ونوح أفضل الرسل ومحمد صلى الله عليه وسلم ولد آدم ولم يحتجبوا عن هذه الأمة لعوامهم ولا خواصهم فكيف يحتجب عنهم من ليس مثلهم؟ وإذا كان الخضر حيا دائما فكيف لم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك قط؟ ولا أخبر به أمته ولا خلفاءه الراشدين."
مجموع الفتاوى نقله في غاية الأماني (1/532)

رفع إشكال في حديث من عادى لي وليا :


عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله تعالى قال من عادى لي وليا ، فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه ، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته ، كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، ولئن سألني لأعطينه ، ولئن استعاذني لأعيذنه ، . رواه البخاري .
قال الألوسي رحمه الله تعالى :
"أقول قد زلت أقدام أقوام في معنى هذا الحديث واستشكل كيف يكون الباري جل وعلا سمع العبد وبصره.
والجواب على ما ذكره العسقلاني في شرحه من أوجه:
أحدها: أنه ورد على سبيل التمثيل، والمعنى: كنت سمعه وبصره في إيثاره أمري، فهو يحب طاعتي ويؤثر خدمتي كما يحب هذه الجوارح.
ثانيها: أن المعنى كليته مشغولة بي فلا يصغي بسمعه إلا ما يرضيني ولا يرى ببصره إلا ما أمرته به.
ثالثها: أجعل له مقاصده كأنه ينالها بسمعه وبصره إلخ.
رابعها: كنت له في النصرة كسمعه وبصره ويده ورجله في المعاونة على عدوه.
خامسها: قال الفاكهاني، وسبقه إلى معناه ابن هبيرة: هو فيما يظهر لي أنه. على حذف مضاف والتقدير كنت حافظ سمعه الذي يسمع به فلا يسمع إلا ما يحل استماعه وحافظ بصره كذلك إلخ.
سادسها: قال الفاكهاني: يحتمل معنى آخر أدق من الذي قبله وهو أن يكون معنى سمعه مسموعه، لأن المصدر قد جاء بمعنى المفعول مثل فلان أملي بمعنى مأمولي، والمعنى: أنه لا يسمع إلا ذكري، ولا يلتذ إلا بتلاوة كلامي، ولا يأنس إلا بمناجاتي، ولا ينظر إلا لعجائب ملكوتي، ولا يمد يده إلا فيما فيه رضاي، ورجله كذلك"
غاية الأماني في الرد على النبهاني (1/ 449-450)

شبهة توسل آدم بالنبي صلى الله عليه وسلم



عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لما اقترف آدم الخطيئة قال: يا رب؛ أسألك بمحمد صلى الله عليه وسلم إلا ما غفرت لي. قال الله: يا آدم؛ كيف عرفت محمدا ولم أخلقه؟ قال: يا رب؛ لما خلقتني بيدك ونفخت في من روحك، رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوبا: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فعلمت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك. فقال له الله: صدقت يا آدم! إنه لأحب الخلق إلي، وإذ سألتني بحقه فقد غفرت لك، ولولا محمد ما خلقتك"
.
الرد عليها :
حديث باطل.
 أخرجه الحاكم (٢/٦١٥) والبيهقي في "دلائل النبوة" (٥/٤٨٨) من طريق: أبي الحارث عبد الله بن مسلم الفهري، حدثنا إسماعيل بن مسلمة، أنبأنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن جده، عن عمر بن الخطاب مرفوعا.
وقال الحاكم: "صحيح الإسناد، وهو أول حديث ذكرته لعبد الرحمن بن زيد بن أسلم في هذا الكتاب".
وتعقبه الذهبي بقوله: "قلت: بل موضوع، وعبد الرحمن واه. قال الحاكم: وهو أول حديث ذكرته له في هذا الكتاب. (قلت) : رواه عبد الله بن مسلم الفهري؛ ولا أدري من ذا، عن إسماعيل بن مسلمة عنه".
وقال شيخ الإسلام- رحمه الله- في "قاعدة جليلة" (ص ٧٣- ط. المكتب الإسلامي) أو (١/٢٥٤- ٢٥٥- مجموع الفتاوى) : "ورواية الحاكم لهذا الحديث مما أنكر عليه، فإنه نفسه قد قال في كتاب "المدخل إلى معرفة الصحيح من السقيم": عبد الرحمن بن زيد بن أسلم روى عن أبيه أحاديث موضوعة، لا يخفى على من تأملها من أهل الصنعة أن الحمل فيها عليه" اهـ.
وكذا قال الحافظ في "النكت" (١/٣١٨) . وانظر كلام الحاكم في "المدخل إلى الصحيح" (١/١٩٩/٩٧) .
وقد قال عنه الطحاوي: "حديثه عند أهل العلم بالحديث في النهاية من الضعف".
وقال أبو حاتم كما في "الجرح والتعديل" (٥/٢٣٣- ٢٣٤) : " ليس بقوي في الحديث، كان في نفسه صالحا وفي الحديث واهيا".
وقال ابن حبان في "المجروحين" (٢/٥٧) : "كان ممن يقلب الأخبار وهو لا يعلم، حتى كثر ذلك في روايته من رفع المراسيل، وإسناد الموقوف؛ فاستحق الترك".
وقال البخاري والنسائي: " ضعفه علي جدا". وقال الساجي: "منكر الحديث".
وعبد الله بن مسلم الفهري؛ قال عنه الذهبي في "الميزان" (٣/٢١٨) : "روى عن إسماعيل بن مسلمة بن قعنب، عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم خبرا باطلا: "يا آدم لولا محمد ما خلقتك.." اهـ.
والحديث أخرجه الطبراني في "الصغير" (٢/٨٢- ٨٣) وفي "الأوسط" (٦٥٠٢) من طريق أخرى عن عبد الرحمن بن زيد به.
وقال: "لا يروى عن عمر إلا بهذا الإسناد؛ تفرد به أحمد بن سعيد". وقال في " الأوسط": "لم يرو هذا الحديث عن زيد بن أسلم إلا ابنه عبد الرحمن، ولا عن ابنه إلا عبد الله بن إسماعيل المدني، ولا يروى عن عمر إلا بهذا الإسناد".
قلت: لم يتفرد به عبد الله بن إسماعيل؛ بل تابعه إسماعيل بن مسلمة كما تقدم عند الحاكم والبيهقي.
وأخرجه الآجري في "الشريعة" (٢/٢٤٨- ٢٤٩/١٠١٢) موقوفا على عمر رضي الله عنه.
وهذا من خلط عبد الرحمن بن زيد ووهمه.
خلاصة القول: إن الحديث باطل موضوع؛ وانظر لزاما ما كتبه العلامة المحدث محمد ناصر الدين الألباني حول الحديث في "الضعيفة" (٢٥) .
تنبيه: قال العلامة الفقيه الأصولي الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ- حفظه الله ونفع به- في كتابه الماتع "هذه مفاهيمنا" (ص٢٥) هامش رقم (١) : "ومن اللطائف أن طبعة المستدرك الهندية وقع فيها خطأ مطبعي؛ هكذا: "هذا حديث صيح الإسناد"! وصيح الإسناد من قولك: تصيح الشيء؛ إذا تكسر. كما في "تاج العروس شرح القاموس" (٢/١٨٦) . فمعنى: صيح الإسناد: متكسر الإسناد. وهذه عجيبة، ولله حكمة في وقوع هذا الخطأ؛ فيتبصروا" اهـ.
قلت: وانظر لمزيد من الفائدة "التوسل أنواعه وأحكامه" للشيخ الألباني- رحمه الله- (ص١١٥- وما بعدها) .

قال الألوسي رحمه الله تعالى في رد شبهة هذا الحديث :
"الجواب: أن يقال: هذا الحديث لا أصل له، بل الثابت عند أهل العلم والمفسرين أن قوله تعالى: {فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم} ١. نزل في توبة آدم، وهذه الكلمات هي المفسرة بقوله تعالى: {ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين} ٢. وهذا مروي عن سعيد بن جبير، ومجاهد، وأبي العالية، والربيع بن أنس، والحسن، وقتادة، ومحمد بن كعب القرظي، وخالد بن معدان، وعطاء الخراساني، وعبد الرحمن بن يزيد.
وعن عبيد بن عمير أنه قال: قال آدم: يا رب؛ خطيئتي التي أخطأت شيء كتبته علي قبل أن تخلقني أو شيء ابتدعته من قبل نفسي؟ قال: بل كتبته عليك قبل أن أخلقك، قال: فكما كتبته علي فاغفره لي. فذلك قوله: {فتلقى آدم من ربه كلمات} ١.
وعن ابن عباس؛ قال آدم عليه السلام: ألم تخلقني بيدك؟ قيل له: بلى. ونفخت في من روحك؟ قيل له: بلى. وعطست فقلت: يرحمك الله، وسبقت رحمتك غضبك؟ قيل: بلى. وكتبت علي أن أعمل هذا؟ قيل له: بلى. قال: أفرأيت إن تبت هل أنت راجعي إلى الجنة؟ قال: نعم٢. وكذا رواه العوفي وسعيد بن جبير، وسعيد بن معبد. ورواه الحاكم في مستدركه إلى ابن عباس٣. وروى ابن أبي حاتم حديثا مرفوعا شبيها بهذا٤.
وعن مجاهد قال الكلمات: اللهم لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك، ربي إني ظلمت نفسي فاغفر لي إنك خير الغافرين، اللهم لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك إني ظلمت نفسي فاغفر لي إنك خير الراحمين، اللهم لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك رب إني ظلمت نفسي فتب علي إنك أنت التواب الرحيم"٥. وهذا ما عليه المفسرون، لا ما قاله الغلاة. فإن كان بعض من لا بصيرة له قد ذكره فالحجة فيما ثبت عن الصحابة وعن سلف الأمة وأئمتها، ولا يجوز تفسير القرآن بأقوال شاذة أو موضوعة لا تثبت عند أهل العلم والحديث وأئمة التصحيح والترجيح.

١ أخرجه ابن أبي حاتم (١/١ ٩/٤٠٩) وابن جرير في "تفسيره" (١/رقم: ٧٨١- ٧٨٤) وأبو نعيم في "الحلية" (٣/٢٧٣) وأبو الشيخ في "العظمة" (رقم: ١٠١١) .
وانظر: "تفسير ابن كثير"(٢/٣٠٨) .
٢ أخرجه ابن أبي حاتم (١/٩٠- ٩١/٤٠٧) بإسناد منقطع.
٣ "المستدرك" (٢/٥٤٥) وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
٤ أخرجه ابن أبي حاتم (١/٩٠/٤٠٦) وقال الحافظ ابن كثير: "هذا غريب من هذا الوجه، وفيه انقطاع".
٥ أخرجه ابن أبي حاتم (١/٩١/٤١١)  .
 "
غاية الأماني (1/ 372-373)

عبدالله بن محمد الحساني

مختارات من غاية الأماني

الحمدلله وصلى الله وسلم على مصطفاه و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم أما بعد: فهذه بعض النقولات من كتاب غاية الأماني في الرد على النبهاني للعلامة الألوسي رحمه الله تعالى قال الشيخ تقي الدين الهلالي رحمه الله :
  "غاية الأماني في الرد على النبهاني لمؤلفه العالم السَّلفي محمود الألوسي البغدادي- رحمه الله-، وهذا الكتاب من أنفس كتب السلفية؛ جادل المبتدعين من المتصوفة، وشدّد عليهم الخناق بعبارات بليغة، كأنها عقود الجمان في أجياد الحسان، فيه من المتعة والفوائد ما يقل نظيره في الكتب".
[الهدية الهادية إلى الطائفة التيجانية/ ص: ٢٢]

1- قال الألوسي عن النبهاني :
"وإذا أبى إلا المهارشة والمناقشة، والمواحشة والمفاحشة، فليصبر على حزّ الحلاقم، ونكز الأراقم، ونهش الضراغم، والبلاء المتراكم المتلاطم، ومتون الصوارم. فوالذي نفسي بيده؛ ما بارز أهل الحق قط قرن إلا كسروا قرنه، فقرع من ندم سنه، ولا ناحرهم خصم إلا بشّروه بسوء منقلبه، وسدّوا عليه طريق مذهبه لمهربه"
مقدمة غاية الأماني

2- قال الألوسي رحمه الله عن الأسباب التي تمنع من قبول الحق "ومن أعظم هذه الأسباب؛ الحسد، فإنه داء كامن في النفس، ويرى الحاسد المحسود قد فضل عليه، وأوتي ما لم يؤتَ نظيره، فلا يدعه الحسد أن ينقاد له ويكون من أتباعه، وهل منع إبليس من السجود لآدم إلا الحسد؟! فإنه لما رآه قد فضل عليه ورفع فوقه؛ غص بريقه واختار الكفر على الإيمان بعد أن كان بين الملائكة."
غاية الأماني (1/29)

3- قال الألوسي  رحمه الله :

"ومن خصالهم ( القبوريون ): أن دينهم كان مبنياً على أصول أعظمها التقليد، فهو القاعدة الكبرى لجميع من كان قبل ظهور الإسلام من الأمم الأولى، قال تعالى: {وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ * قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ} فأمرهم الله تعالى أن يتبعوا الحق فقال: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ} . وقال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ}  إلى غير ذلك مما يدل على أن أهل الجاهلية كانوا مقيدين بربقة التقليد لا يحكّمون لهم رأياً، ولا يستعملون نظراً، ولا يشغلون فكراً، فلذلك تاهوا في أودية الجهالة، وقضوا أعمارهم في الضلالة، وهكذا الغلاة وعبدة الأموات قلّدوا آباءهم في تلك العادات، فلا يمكن نقلهم عنها ولو ظهرت الآيات البينات، ولكم بحثت مع عقلائهم فما زادهم ذلك إلا نفوراً، وعتوا على الحق وغرّهم غروراً، فطابق بين الفريقين تجد الموافقة ظاهرة لكل ذي عينين."
غاية الأماني (1/ 34-35).

4- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه :
"فمن كان من المؤمنين مجتهداً في طلب الحق وأخطأ فإن الله يغفر له خطأه كائناً ما كان، سواء كان في المسائل النظرية والعلمية،"
المسائل الماردينية  نقله الألوسي في غاية الأماني (1/50)

5-قال الألوسي رحمه الله :
"والذي تحصّل مما سقناه من النصوص: أن الغلاةَ ودعاةَ غير الله وعَبَدَةَ القبور إذا كانوا جهلة بحكم ما هم عليه ولم يكن أحد من أهل العلم قد نبههم على خطئهم فليس لأحد أن يكفرهم.
وأما من قامت عليه الحجة وأصرّ على ما عنده واستكبر استكباراً، أو تمكّن من العلم فلم يتعلّم فسنذكر حكمه في الآتي."
غاية الأماني (1/52)

6-قال الألوسي رحمه الله :
"فنسبة أهل نجد ومن يتّبع السنن النبوية إلى الشيخ وعدّهم فرقة من فرق المسلمين غير فرقة أهل السنة؛ ظلم وعدوان وزور وبهتان"
غاية الأماني (1/84)

7- قال الألوسي رحمه الله :
"وأعجب من ذلك أن النسبة إلى الشيخ ينبغي أن تكون المحمدية، وأما عبد الوهاب فهو أبو الشيخ محمد، والموافقة في العقائد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إنما كان للشيخ نفسه لا لأبيه، فإطلاق الوهّابية على تلامذة الشيخ وموافقيه إما جهل ظاهر، وإما تنابز بالألقاب، وكلا الوجهين لا يخفى حاله."
غاية الأماني ( 1/85)

8- قال الألوسي رحمه الله :
"فقول من قال بانقطاع الاجتهاد قول بلا دليل، فلا يُلْتَفَتُ إليه، بل يُرمَى به على وجه قائله، ويُرَدُّ على صاحبه."
غاية الأماني (1/85)

9- قال الألوسي رحمه الله :
"فالعالم بما جاء به الرسول العامل به أطوع في أهل الأرض من كل أحد، فإذا مات أحيا الله ذكره، ونشر له في العالمين أحسن الثناء" غاية الأماني (1/166)

10- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :وقد ضمن الله لكل من أطاع الرسول أن يهديه وينصره، فمن خالف الرسول استحق العذاب ولم يغن عنه أحد من الله شيئاً، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يا عباس عم رسول الله لا أغني عنك من الله شيئاً، يا فاطمة بنت محمد لا أغني عنك من الله شيئاً"
الجواب الباهر ذكره عنه الألوسي في غاية الأماني (1/203)

11- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه :
"وليس في الأحاديث التي رُويت بلفظ زيارة قبره حديث صحيح عند أهل المعرفة، ولم يخرج أرباب الصحيح شيئاً من ذلك ولا أرباب السنن المعتمدة، كسنن أبي داود والنسائي والترمذي ونحوهم، ولا أهل المساند التي من هذا الجنس، كمسند أحمد وغيره، ولا في موطأ مالك، ولا في مسند الشافعي ونحو ذلك شيء من ذلك، ولا احتج إمام من أئمة المسلمين -كأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وغيرهم- بحديث فيه ذكر زيارة قبره، فكيف يكون في ذلك أحاديث صحيحة ولم يعرفها أحد من أئمة الدين ولا علماء الحديث؟ ومن أين لهذا وأمثاله أن تلك الأحاديث صحيحة وهو لا يعرف هذا الشأن؟!"
الرد على الأخنائي.
نقله الألوسي في غاية الأماني (1/215)

12- قال الألوسي رحمه الله :
"والسفر إلى زيارة القبور مسألة وزيارتها من غير سفر مسألة أخرى، ومن خلط هذه المسألة بهذه المسألة وجعلهما مسألة واحدة وحكم عليهم بحكم واحد وأخذ في التشنيع على من فرق بينهما وبالغ في التنفير عنه فقد حرم التوفيق، وحاد عن سواء الطريق."
غاية الأماني في الرد على النبهاني (1/281)

13- قاعدة نافعة في نقد المرويات المكذوبة :
 قال الألوسي رحمه الله تعالى :
"فالشيء الذي تتوفر الدواعي على نقله ولم يذكره أحد من الثقات بل ذكره الدجالون الضالون المضلون فهو لا شك تزوير وبهتان، وكذب من إفك شيطان."
غاية الأماني (1/294)

14- قال الالوسي رحمه الله :

‏(أنا قد قدمنا الكلام على كتب الشيخ ابن تيمية مفصلا ، وذكرنا ما ذكرنا من تقاريظ  أهل العلم عليها ، وما قالوه من الثناء الذي لم يكن لغيرها ، وهي الكتب التي فتح الله بها أعينا عميا  ، وآذانا صما ، وقلوبا غلفا ، وكانت من بعض آيات نبوة النبي صلى الله وعليه وسلم أن كان فرد من أفراد أمته بلغ ما بلغ من العلم بحمد الله وتوفيقه ، ويقال للنبهاني كما أنشدناه سابقا :
قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد  وينكر الفم طعم الماء من سقم ...)
‏ غاية الأماني في الرد على النبهاني (426/1)

15- "قال تعالى: {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عما يصفون}  فصلاح السموات والأرض بأن يكون الله سبحانه هو إلهها دون ما سواه، ومستغاثها الذي تفزع إليه وتلجأ إليه في مطالبها وحاجاتها."
غاية الأماني في الرد على النبهاني (1/350)

16- "وإنما نهى عن الصلاة عندها واتخاذها مساجد لما يفضي إليه من دعائها والاستغاثة بها، وقصدها للحوائج والمهمات، والتقرب إليها بالنذور والنحر، ونحو ذلك من القربات، فجاء الغلاة فهتكوا ستر الشريعة، واقتحموا الحمى، وشاقوا الله ورسوله، وقالوا: تدعى ويستغاث بها وترجى!!
ومن شم رائحة العلم، وعرف شيئا مما جاءت به الرسل؛ عرف أن هذا الذي قاله الغلاة من جنس عبادة الأصنام والأوثان، مناقض لما دلت عليه السنة والقرآن، ولا يستريب في ذلك عاقل من نوع الإنسان."
غاية الأماني (1/351)

17- "فرحم الله امرا آمن بالجنة والنار، وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم إمامه ومعلمه وقدوته، ولم يلتفت عن غير ما جاء به، ولم يبال بمن خالفه وسلك غير سبيله، وحن إلى ما كان عليه السلف الصالح وأئمة الهدى "
غاية الأماني (1/352)

18- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
"من زعم أن مسألة الله بجاه عبده تقتضي أن يسمى العبد مغيثا، أو يكون ذلك استغاثة بالعبد فهذا جهل، ونسبته إلى اللغة أو إلى أمة من الأمم كذب ظاهر، فإن المغيث هو فاعل الإغاثة ومحدثها لا من تطلب بجاهه وحقه، ولم يقل أحد أن التوسل بشيء هو الاستغاثة به، بل العامة الذين يتوسلون في أدعيتهم بأمور- كقول أحدهم: نتوسل إليك بحق الشيخ فلان، أو بحرمته، أو باللوح والقلم ، أو بالكعبة ، في أدعيتهم- يعلمون أنهم لا يستغيثون بهذه الأمور، وأن المستغيث بالشيء طالب منه سائل له، والمتوسل به لا يدعى ولا يطلب منه ولا يسأل وإنما يطلب به، فكل أحد يفرق بين المدعو به والمدعو"
نقله الألوسي في غاية الأماني (1/363)

19- قال الالوسي رحمه الله تعالى عن ابن تيمية رحمه الله :
"فإن من نظر إلى كتب الشيخ ابن تيمية وجدها دينا خالصا، وكلاما أشبه شيء بالذهب المصفى، وعلم منها حرصه رحمه الله على السنة والمحاماة للشريعة، والحط على أعداء الدين وخصماء السنة، ومزيد حبه للرسول صلى الله عليه وسلم، ومن راجع بعض فصول كتابه (الصارم المسلول) تبين له ما قلناه."
غاية الأماني في الرد على النبهاني (1/466)

20- قال الألوسي رحمه الله تعالى :
"وأما من طالع كتب السنة- ولاسيما كتب شيخ الإسلام- تراه قد انكشفت عن بصيرته غشاوة التعصب واتبع ما اقتضاه الدليل، وهكذا الفرق بين المبتدع والسني، ترى المبتدعة يصرفون النصوص والدلائل إلى ما تهواه أنفسهم، وأهل السنة يذهبون إلى ما يقوده إليهم الدليل، ويتركون له ما تهواه أنفسهم، وهذا بحمد الله بين."
غاية الأماني (1/467)

21- قال الألوسي رحمه الله تعالى :
" فينبغي لك أن تكون حريصا على التفتيش عن أحوال الصحابة وأعمالهم فهم السواد الأعظم، ومنهم يعرف الحسن من القبيح، والمرجوح من الرجيح، وإذا وقع أمر ينظر فيه إلى قواعد المجتهدين الذين هم السلف لمن خلف، فإن وافق أصولهم قبله المتبع بقلبه، وإلا فلينبذه وراء ظهره وليتبصر في جلية آمره، ولا تغرنك عوائد الناس فإنها السموم القاتلة والداء العضال، وعين المشاقة المؤدية إلى الضلال، وقد كان هشام بن عروة يقول: لا تسألوا الناس اليوم عما أحدثوه فإنهم قد أعدوا له جوابا، لكن سلوهم عن السنة فإنهم لا يعرفونها."
غاية الأماني (1/476)

22- قال الألوسي رحمه الله تعالى :
"والحاصل؛ أنه لو أراد الإنسان أن يفصل منكرات القبور وتكيات الصوفية ومنكرات الحيطان والآبار والصخور والأحجار والتماثيل، وكذا منكرات المساجد والحمامات والطرقات والأسواق والبوادي والأمصار، فضلا عن الدخول في منكرات المجالس والملابس والبيع والشراء، وما ابتدعوه فيها وجعلوه كالسنة المأمور بها ؛ لضاق عنه التحرير، وعجز عن ضبطه من تصدى للتسطير، وعسى الله سبحانه وتعالى أن يرسل في هذه الأمة من يجدد لها أمر الدين، ويتبع سبيل المؤمنين."
غاية الأماني (1/481)

23- قال الألوسي رحمه الله تعالى :
"مع أن الاعتماد على الكثرة والسواد الأعظم والاحتجاج على بطلان الشيء بقلة أهله من الجهل بمكان "
غاية الأماني في الرد على النبهاني (1/478)

24- قال الألوسي رحمه الله تعالى :
"فالكثرة على خلاف الحق لا تستوجب العدول عن اتباعه لمن كان له بصيرة وقلب.  فالحق أحق بالاتباع وإن قل أنصاره"
غاية الأماني في الرد على النبهاني (1/478)

25- قال الألوسي رحمه الله تعالى :
"فإن من له بصيرة نظر إلى الدليل، وأخذ بما اقتضاه البرهان وإن قل العارفون به والمنقادون له، ومن أخذ بما عليه الأكثر وما ألفته العامة من غير نظر إلى دليل؛ فهو مخطىء سالك غير سواء السبيل"
غاية الأماني (1/488)

26- قال الألوسي رحمه الله تعالى ناقلا كلام ابن القيم رحمه الله :

"فإن الكمال أن يكون الشخص كاملا في نفسه مكملا لغيره، وكماله بإصلاح قوتيه العلمية والعملية، فصلاح القوة العلمية بالإيمان، وصلاح القوة العملية بعمل الصالحات، وتكميله غيره بتعليمه إياه وصبره عليه، وتوصيته بالصبر على العلم والعمل "
غاية الأماني في الرد على النبهاني (1/504)

27- قال الألوسي رحمه الله تعالى :
"العمدة عند أهل العلم في مسائل أصول الدين وفروعه على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإجماع أهل العلم من هذه الأمة، ولا تذكر أقوال أهل العلم إلا تبعا وبيانا، لا أنها المقصودة بالذات والأصالة.
ثم المسائل التي لا يلزم بها المجتهد غيره هي ما كان للاجتهاد فيه مساغ، ولم تخالف كتابا ولا سنة صريحة ولا إجماعا، وما خالف ذلك فهو مردود على قائله، ويلزمه أهل العلم بصريح الكتاب والسنة وإجماع الأمة."
غاية الأماني (1/529)

28- قال الألوسي رحمه الله تعالى :
"وأما ما نسب النبهاني إلى الشيخ من القول بالجهة فهو من افتراءات السبكي وابن حجر المكي وغيرهما من أعدائه وخصومه، والنبهاني قلدهم في هذا القول تقليدا أعمى كما هو ديدنه وعادته، وكتب الشيخ طافحة من تنزيه الله تعالى عن الجهة والجسمية، ومدار كلامه على ما ثبت بالكتاب والسنة وأقوال السلف"
غاية الأماني في الرد على النبهاني (1/559)

29- قالل الألوسي رحمه الله تعالى :
"ذكر محمد بن طاهر المقدسي أن الشيخ أبا جعفر الهمداني حضر مجلس إمام الحرمين وهو يتكلم في نفي صفة العلو ويقول: كان الله تعالى ولا عرش وهو الآن على ما كان، فقال الشيخ أبو جعفر: أخبرنا يا أستاذ عن هذه الضرورة التي نجدها في قلوبنا فإنه ما قال عارف قط: يا الله إلا وجد في قلبه ضرورة بطلب العلو لا يلتفت يمنة ولا يسرة، فكيف تدفع هذه الضرورة عن أنفسنا؟! قال: فلطم الإمام على رأسه ونزل- وأظنه قال وبكى- وقال: حيرني الهمداني"
غاية الأماني في الرد على النبهاني (1/571).
كذلك أخرج القصة ابن تيمية "الفتاوى" (٤/ ٦١) وفي "الاستقامة" (١/ ١٦٧) و "العلو" للذهبي (٢/ ١٣٤٧/ ٥٣٨) و"السير" (١٨/ ٤٧٧) و"الطبقات" للسبكي (٥/١٩٠) و"اجتماع الجيوش " (ص ٢٧٥) . وقال الشيخ الألباني في "مختصر العلو" (٢٧٧/٣٠٨) : "وإسناد هذه القصة صحيح مسلسل بالحفاظ"

30- قال الألوسي رحمه الله تعالى :
"والنواب ( صديق حسن خان )رحمه الله لم يكن له حاجة لمعاونة أحد ولا خدمته، وفضله أشهر من أن ينبه عليه، ولم يكن على مذهب الوهابية فإنه ليس للوهابية مذهب يخصهم بل هم حنابلة كما سبق، والنواب رحمه الله كان من المحدثين، فكان يتبع ما صح لديه من الحديث، كما هو شأن أهل الحديث والأثر وأتباع سيد البشر، ومثله كثيرون في البلاد الهندية قبل عصره وبعده."
غاية الأماني (2/94)

31- قال الألوسي رحمه الله :
"كما هو شأن أهل السنة، فإنهم يتبعون ما ورد ولا يصرفون النصوص إلى ما تهواه أنفسهم، بل يردون المتشابه إلى المحكم منها، وهذا من علائم أهل الحق الناجين يوم القيامة."
غاية الأماني (2/103)

32- قال الألوسي رحمه الله تعالى :
"قال بعض أهل الفضل والتقوى: على العالم أن يتصف بالحلم والزهد والقناعة بالقليل وترك الدنيا، لأن، ذلك سيرة الأنبياء، وهو اللائق بحال العلماء، فإن كثيرا من النصوص مشتملة على ذم الدنيا وطلبها، فطلبها للعالم زيادة على الكفاية جمع بين المتنافيين، وإغراء للعامة على الانهماك فيها، وأن يقتصر في حاجته على قاضي الحوائج، المعطي على التحقيق، الذي بيده مقاليد السموات والأرض، كيف وقد تكفل بالرزق قال تعالى: {وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها}  وقال تعالى: {ومن يتق الله يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه}  وأن يكون بعيدا من ولاة الأمور داعيا لهم بالنصر والتأييد والعدل والتوفيق، وبعيدا من الظلمة لأن قرب العالم منهم والتردد إليهم لأجل السحت وتحسينه لهم ما هم عليه فتنة له ولهم ولغيره."
غاية الأماني في الرد على النبهاني (2/110)

33- قال الألوسي رحمه الله تعالى :
"اعلم أن ما ينقله الروافض عن الصحابة من المثالب نوعان:
أحدهما: ما هو كذب، إما كذب كله وإما محرف قد دخله من الزيادة والنقصان ما أخرجه إلى الذم والطعن، وأكثر المنقول من المطاعن الصريحة هو من هذا الباب يرويها الكذابون المعروفون بالكذب، مثل أبي مخنف لوط بن يحيى، ومثل هشام بن محمد بن السائب لكلبي، وأمثالهما من الكذابين.
النوع الثاني: ما هو صدق، وأكثر هذه الأمور لهم فيها معاذير تخرجها عن أن تكون ذنوبا، وتجعلها من موارد الاجتهاد التي إن أصاب المجتهد فيها فله أجران وإن أخطأ فله أجر، وعامة المنقول الثابت عن الخلفاء الراشدين من هذا الباب، وما قدر من هذه الأمور ذنبا محققا فإن ذلك لا يقدح فيما علم من فضائلهم وسوابقهم وكونهم من أهل الجنة، لأن الذنب المحقق يرتفع عقابه في الآخرة بأسباب متعددة"
غاية الأماني (2/133)

34- قال الألوسي رحمه الله تعالى :
"وقد أمر الله نبيه بالصبر على أذى المشركين في غير موضع، وهو إمام الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر، فإن الإنسان عليه أولا:
 أن يكون أمره لله،
 وقصده طاعة الله فيما أمر به
، وهو يحب صلاح المأمور
 أو إقامة الحجة عليه،
 فإن فعل ذلك لطلب الرياسة لنفسه ولطائفته وتنقيص غيره كان ذلك خطيئة لا يقبله الله،
وكذلك إذا فعل ذلك لطلب السمعة والرياء كان عمله حابطا،
ثم إذا رد عليه ذلك أو أوذي أو نسب إلى أنه مخطىء، وغرضه فاسد طلبت نفسه الانتصار لنفسه، وأتاه الشيطان فكان مبدأ عمله لله ثم صار له هوى يطلب به أن ينتصر على من آذاه، وربما اعتدى على ذلك المؤذي،
 وهكذا يصيب أصحاب المقالات المختلفة إذا كان كل منهم يعتقد أن الحق معه وأنه على السنة، فإن أكثرهم قد صار لهم في ذلك هوى أن ينتصر جاههم أو رياستهم وما نسب إليهم، لا يقصدون أن تكون كلمة الله هي العليا، وأن يكون الدين كله لله،
بل يغضبون على من خالفهم وإن كان مجتهدا معذورا لا يغضب الله عليه، ويرضون عمن كان يوافقهم وإن كان جاهلا سيىء القصد ليس له علم ولا حسن قصد
، فيفضي هذا إلى أن يحمدوا من لم يحمده الله ورسوله، ويذموا من لم يذمه الله ورسوله،
وتصير موالاتهم ومعاداتهم على أهواء أنفسهم لا على دين الله ورسوله، وهذا حال الكفار الذين لا يطلبون إلا أهواءهم ويقولون هذا صديقنا وهذا عدونا، لا ينظرون إلى موالاة الله ورسوله ومعاداة الله ورسوله، ومن هنا تنشأ الفتن بين الناس "
غاية الأماني (2/136)
35- قال الذهبي في ترجمة ابن تيمية رحمه الله تعالى :
"ولما كان معتقلا بالإسكندرية التمس منه صاحب سبتة أن يجيز له مروياته وينص على أسماء جملة منها، فكتب في عشر ورقات جملة من ذلك بأسانيدها من حفظه، بحيث يعجز أن يعمل بعضه أكبر محدث يكون، وله الآن عدة سنين لا يفتي بمذهب معين بل بما قام الدليل عليه عنده، ولقد نصر السنة المحضة والطريقة السلفية، واحتج لها ببراهين ومقدمات وأمور لم يسبق إليها، وأطلق عبارات أحجم عنها الأولون والآخرون وهابوا وجسر هو عليها، حتى قام عليه خلق من علماء مصر والشام قياما لا مزيد عليه، وبدعوه وناظروه وكابروه، وهو ثابت لا يداهن ولا يحابي بل يقول الحق المر الذي أداه إليه اجتهاده وحدة ذهنه وسعة دائرته في السنن والأقوال مع ما اشتهر منه من الورع وكمال الفكر وسرعة الإدراك والخوف من الله العظيم والتعظيم لحرمات الله، فجرى بينه وبينهم حملات حربية، ووقعات شامية ومصرية، وكم من نوبة قد رموه عن قوس واحدة فينجيه الله، فإنه دائم الابتهال كثير الاستغاثة قوي التوكل ثابت الجأش، له أوراد وأذكار يدمنها، وله من الطرف الآخر محبون من العلماء والصلحاء، ومن الجند والأمراء، ومن التجار والكبراء، وسائر العامة تحبه لأنه منتصب لنفعهم."
نقله في غاية الأماني (2/194)

36-قال البزار عن ابن تيمية رحمه الله تعالى :
"ولا والله ما رأيت أحدا أشد تعظيما لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحرص على اتباعه ونصر ما جاء به منه، حتى كان إذا أورد شيئا من حديثه في مسألة ويرى أنه لم يجد غيره من حديثه يعمل ويقضي ويفتي بمقتضاه، ولا يلتفت إلى قول غيره من المخلوقين كائنا من كان"
المناقب العلية
غاية الأماني (2/200)

37- قال الألوسي رحمه الله تعالى :
"وشأن أتباع الرسل والعلماء العاملين أن يرضوا الله ويغضبوا لله، وأن يتبعوا الكتاب والسنة، وأن يقبلوا ما وافقهما ويتركوا ما خالفهما، وبذلك تتحقق محبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وبخلاف ما هنالك تكون العدواة."
غاية الأماني (2/298)

38- قال الألوسي رحمه الله :
"وأما اسمه الله: فهو دال على الإلهية المتضمنة لسائر صفات الإلهية والكمال، مستلزم لجميع معاني الأسماء الحسنى، دال  على كونه مألوها معبودا، تألهه الخلائق محبة وتعظيما وخضوعا، ومفزعا إليه في الحوائج والنوائب، بخلاف من آله سواه ممن لا يستحق الإلهية ولم يخرج عن رتبة العبودية، وصار مفزعه في الحوائج والنوائب إليه، واعتماده في المهمات والملمات عليه.
فمن كان هكذا كعباد الملائكة والأنبياء والصالحين لم يعط هذا الاسم الشريف حقه من العبودية وإفراد الله بالإلهية "
غاية الأماني (2/359)

39- قال الألوسي رحمه الله تعالى :
"وأما الرب:  فهو دال على ربوبيته لجميع مخلوقاته، وكمال الربوبية هو بما اتصف به من صفات كمال كقدرته وعلمه ورحمته وقيوميته، وهو يرب عباده بالخلق والتدبير والملك، وهو من أكبر الأدلة وأوضحها وأجلاها على وجوب عبادته تعالى، وأن إلهية ما سواه وعبادة غيره من أبطل الباطل وأضل الضلال، ولهذا يستدل على إلهيته تعالى ووجوب توحيد بأفعاله الصادرة عن ربوبيته كخلقه وقيوميته، قال تعالى: {أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون}١ وقال تعالى: {أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت}  وقال: {قل أرأيتم ما تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض} . وهذا كثير في القرآن، ولكن يحول بين عباد القبور والصالحين وفهمه ما على قلوبهم من رين الشرك وطابعه."
غاية الأماني (2/360)

40- قال الألوسي رحمه الله تعالى :
"ومشهد الأسماء الحسنى والصفات العليا مشهد عظيم لا يعرفه ولا يسير به إلا الصديقون العارفون بالله وما يجب له وما يستحيل عليه، وأما من تعلق على غيره والتفت إلى سواه وصار مبلغ علمه وغاية حذقه وفهمه تعلقه على الأولياء والصالحين ورجاء رحمتهم وإحسانهم وعطفهم فهو محجوب عن هذا غير عارف"
غاية الأماني (2/360)

41- قال الألوسي رحمه الله تعالى :
"وأما مالك يوم الدين:  فهو وصف كمال ومجد يقتضي وجوب معاملته وحده لا شريك له، وإسلام الوجه له، لأن الاختصاص والانفراد بالملك يوجب خوفه ورجاءه وطاعته، والتعلق على المملوك المقهور الذي لا شركة له ولا ملك بوجه من الوجوه، وقصده في طلب الإعطاء والمنع، والخفض والرفع، والنجاة من النار، والفوز بدار الأبرار سفه وضلال مبين. قال تعالى: {ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه} وقد تمدح سبحانه باختصاصه بملك هذا اليوم في مواضع من كتابه مع أنه الملك المالك في الدنيا والآخرة لسر اقتضى ذلك وحكمة أوجبته، وهي انقطاع العلق والأسباب والمؤاخاة والوصل التي يتعامل بها أهل الدنيا في دنياهم، قال تعالى: {واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها عدل ولا تنفعها شفاعة ولا هم ينصرون}"
غاية الأماني (2/360)

42- قال الألوسي رحمه الله تعالى :
" لكن العبد قد تنزل به النازلة فيكون مقصوده طلب حاجاته وتفريج كرباته، فيسعى في ذلك بالسؤال والتضرع، وإن كان ذلك من العبادة والطاعة، ثم يكون من أول الأمر قصده حصول ذلك المطلوب من الرزق والنصر والعافية مطلقا، ثم الدعاء والتضرع يفتح له من أبواب الإيمان بالله عز وجل ومعرفته ومحبته والتنعم بذكره ودعائه ما يكون هو أحب إليه وأعظم قدرا عنده من تلك الحاجة التي أهمته، وهذا من رحمة الله بعباده يسوقهم بالحاجات الدنيوية إلى المقاصد العلية الدينية "

غاية الأماني (2/401)

43- قال الألوسي رحمه الله تعالى :
"في الصحيحين في قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث النزول: "ينزل ربنا إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الأخير، فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له، حتى يطلع الفجر". فذكر أولا إجابة الدعاء، ثم ذكر إعطاء السائل، ثم ذكر إعطاء المغفرة للمستغفر، فهذا جلب المنفعة، وهذا دفع المضرة، وكلاهما مقصود الداعي المجاب"
غاية الأماني (2/403)

44- قال الألوسي رحمه الله تعالى :
"لم يسلم أحد من الاعتراض عليه، وإلقاء التهمة بين يديه، وكل أحد يؤخذ منه ويرد عليه إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهؤلاء الذين ذكر من أقوالهم ما ذكر إن لم يكن لها وجه، فهي لا تزري بعلو شأنهم، ومزيد عرفانهم، فهم لم يكونوا معصومين، ولا أنبياء ولا مرسلين، وقد قيل إن الصارم قد ينبو، والجواد قد يكبو، والسعيد من عدت سقطاته، وقلت غلطاته "
غاية الأماني (2/442)

45- الرد على شبهة المتصوفة في أن السماء قبلة الدعاء
قال الألوسي رحمه الله تعالى في الرد على هذه الشبهة :
" أولا: فلأن كون السماء قبلة للدعاء لم يقله أحد من سلف الأمة ولا أنزل الله تعالى به من سلطان، والذي صح أن قبلة الدعاء هي قبلة الصلاة، فقد صرحوا بأنه يستحب للداعي أن يستقبل القبلة، وقد استقبل النبي صلى الله عليه وسلم الكعبة في دعائه .
 ثانيا: فلأن القبلة ما يستقبله الداعي بوجهه كما تستقبل الكعبة في الصلاة، وما حاذاه الإنسان برأسه أو يديه مثلا لا يسمى قبلة أصلا، فلو كانت السماء قبلة الدعاء لكان المشروع أن يوجه الداعي وجهه إليها، ولم يثبت ذلك في شرع أصلا."
غاية الأماني (1/570)

الثلاثاء، 7 مارس 2017

الرد على الصوفية في أثر مالك الدار



الحمدلله وصلى الله وسلم على مصطفاه و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم،.
🔸أما بعد: فقد أرسل إلي الصوفي صاحب المقال السابق مقالاً  آخر بعنوان؛ (سلسلة الإغاثة في رد دعاوي التكفيريين الذين يكفرون المسلمين بالتوسل والإستغاثة):  بقلم أ/ محمد عثمان محجوب. قال في مقاله :
"تخريج حديث مالك الدار الذي فيه الاستسقاء برسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاته،وبيان أنه من أصح الأسانيد،والرد على من ضعفه

*أخرج خرج ابن أبي شيبة في المصنّف (12/31-32) والبخاري في التاريخ الكبير (7/304) مختصرا والبيهقي في دلائل النبوّة (7/47) والخليلي في الإرشاد (1/314) كلهم من طريق أبي معاوية عن الاعمش عن أبي صالح عن مالك الدار عن مالك الدّار مولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال :" أصاب النّاس قحط في زمان عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فجاء رجل إلى قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال : يا نبي الله استسق الله لأمّتك. فرأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: ائت عمر، فأقرئه السّلام، وقل له : إنّكم
مُسْقَوْن، فعليك بالكَيّس، الكيّس، قال : فبكى عمر، وقال : يا ربّي ما آلو إلاّ ما عجزت عنه".

وقال الحافظ ابن حجر في الفتح (2/495): رواه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح، وقال ابن كثير في تاريخه (ج/ص: 7/  105) اسناده صحيح .

قلت: وله طريق آخر مغاير أخرجه عبد الرزاق في المصنّف (3/93-94).و
وأخرجه التقي السبكي في " شفاء السقام " وغيره، من حديث مالك الدار في استسقاء بلال بن الحارث المزني رضي الله عنه في عهد عمر بالنبي صلى الله عليه وسلم. "
أولاً: الأثر الوارد في جهة والعنوان الموضوع في جهة أخرى فالأثر لا علاقة له بالتوسل ولا الاستغاثة وغاية مافيه أنه جاء لقبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال عنده للنبي صلى الله عليه وسلم سل الله لأمّتك (وفعله بدعة كما سيتبين بعد) ولم يتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم ولم يستغث به عليه الصلاة والسلام والصوفية يخلطون بين التوسل والإستغاثة للتلبيس والتمويه على الاتباع وعلى من ينكر عليهم.
  🔸 ودعاء غير الله المنتشر لدى المتصوفة كفر وشرك بالله عز وجل والأدلة على ذلك أكثر من أن تحصى
منها قوله تعالى {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا (56) أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا} [الإسراء: 56 - 57]، وقوله: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} [النمل: 62]، وقوله في شأن الموتى والغائبين: {إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} [فاطر: 14]، وقوله: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (5) وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} [الأحقاف: 5-6].
وقوله : {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} [الزمر: 3].
وغيرها كثير فهذا محكم في كتاب الله فهم يأتون بالأدلة الضعيفة والموضوعة في الاستغاثة ويجعلونها في دعاء غير الله فلينتبه لذلك.
🔸*ثانياً*: الكلام على روايات هذا الأثر وأسانيده:
وهنا كلام للعلامة صالح آل الشيخ فيه استنباط نفيس جداً، قال: (الحافظ ابن كثير ساق قبل رواية البيهقي رواية سيف وفيها أنَّ عمر رضي الله عنه صعد المنبر فقال للناس: أُنشدكم الله الذي هداكم للإسلام هل رأيتم مني شيئاً تكرهون؟ فقالوا: اللهم لا. وعمَّ ذلك فأخبرهم بقول المزني وهو بلال ابن حارث. ففطنوا ولم يفطن. فقالوا: إنّما استبطأك في الاستسقاء فاستسقي بنا. انتهى المقصود. وهذه الرواية مُبيّنة أنَّ قول نبي الله لعمر في رواية سيف: "عهدي بك وفي العهد شديد العقد فالكيس الكيس يا عمر…" هو ما فسرها صحابة رسول الله "ففطنوا ولم يفطن" عمر، كما جاء صريحاً، وهو إرشاده للإستسقاء. وفي هذا سرٌّ لطيف وهو أنَّ قول القائل "يا رسول الله استسقي الله لأمتك" مُنكر جرّه تباطؤ عمر عن طلب السقيا، وعدم الفزع إلى المشروع يجرُّ إلى وجود غير المشروع. فلذا قال نبي الله صلى الله عليه وسلم "عهدي بك وفي العهد شديد العقد فالكيس الكيس يا عمر…" أقول هذا مع ضعف الرواية، لأبيّن مقصد ابن كثير حين ساق الروايتين الضعيفتين. إذا تبين هذا عُلمَ فضل عِلم ابن كثير رحمه الله حيث جعل رواية البيهقي هي الثانية ورواية سيف المُفصّلة معنى الكيس هي الأولى، فتأمّل هذا، وتبيّن مقاصد الحفّاظ في أحكامهم ).
هذه مفاهيمنا.
ثم تحدث كذلك عن سند القصة فقال في نفس كتابه :

قال الشيخ صالح آل الشيخ في كتابه هذه مفاهيمنا :

أن هذه الرواية التي ساقها الحافظ ابن كثير من رواية البيهقي في "دلائل النبوة" فيها علل يعلل بها المحدثون:


الأولى: عنعنة الأعمش، وهو مدلس، والمدلس لا يقبل من حديثه إلا ما قال فيه "حدثنا" و"أخبرنا" ونحوها، دون "قال" أو "عن"، إذ احتمال أنه أخذه عن ضعيف يهي الحديث بذكره، كما هو معلوم في "مصطلح الحديث"، مع أن الأعمش في الطبقة الثانية من المدلسين عند الحافظ وغيره. ( وقد حاول الصوفي جعل مسألة التدليس هي العلة الوحيدة للحديث  ثم دفعها بإخراج الشيخين لروايات الأعمش وليس فيها تصريحاً بالسماع ومعلوم أن الشيخين إذا أخرجا لمدلس فإنه غالباً ما يكون مصرحاً بالسماع لأنهما ينتقيان من روايات المدلسين ولو دفعت هذه العلة فليست الوحيدة ).
الثانية: مالك الذي في إسناده والذي هو  عمدة الرواية مجهول، وذكره البخاري وابن أبي حاتم، ولم يذكرا فيها تعديلا ولا جرحا، فهو مجهول، والمجهول لا يقبل حديثه. وابن كثير إنما صحح الإسناد على طريقته في توثيق مجاهيل كبار التابعين كما يعلم من تتبع صنيعه في التفسير وغيره. وإذا كان مجهولا فلا علم لنا بتأريخ وفاته. ( وهو غير معلوم العدالة والضبط وهذان شرطان أساسيان في قبول روايته)
الثالثة: أن أبا صالح وهو ذكوان الراوي عن مالك لا يعلم سماعه ولا إدراكه لمالك، إذ لم نتبين وفاة مالك، سيما ورواه بالعنعنة فهو مظنة انقطاع لا تدليس.
الرابعة: أن تفرد مالك المجهول به رغم عظم  الحادثة وشدة وقعها على الناس إذ هم في كرب شديد اسود معه لون عمر بن الخطاب، إن سببا يفك هذه الأزمة ويرشد إلى المخرج منها مما تتداعى همم الصغار فضلا عن الكبار لنقله وتناقله، كما في تناقلهم للمجاعة عام الرمادة، فإذا لم ينقلوه مع عظم سبب نقله دل على أن الأمر لم يكن كما رواه مالك، فلعله ظنه ظنا.
الخامسة : هب أن القصة صحيحة، فلا حجة فيها، لأن مدارها على رجل لم يسم، فهو مجهول أيضا، وتسميته بلالا في رواية سيف لا يساوي شيئا، لأن سيفا هذا – وهوابن عمر التميمي – متفق على ضعفه عند المحدثين، بل قال ابن حبان فيه: "يروي الموضوعات عن الأثبات، وقالوا: إنه كان يضع الحديث". فمن كان هذا شأنه لا تقبل روايته ولا كرامة، لا سيما عند المخالفة.
سادساً :أن رواية البخاري اقتصر فيها على قول عمر " ما آلو إلا ما عجزت عنه " [التاريخ الكبير 7/304 رقم 1295] . ولم يذكر مجيء الرجل إلى القبر. وهذه الزيادة دخلت في القصة وهي زيادة منكرة ومعارضة لما هو أوثق منها مما رواه البخاري في صحيحه في ترك جمهور الصحابة التوسل بالنبي إلى التوسل بالعباس.
سابعاً:   استشهد الصوفي برواية عبدالرازق الصنعاني وهي مما يدل أيضاً على أن قصة مجيء الرجل إلى القبر ضعيفة فقال عبدالرزاق بن همام الصنعاني :عن معمر بن راشد عن أسماعيل أبي المقدام عن عبدالله بن عبيد بن عمير قال : ((أصاب الناس سنة ، وكان رجل في بادية فخرج فصلى بأصحابه ركعتين ، واستسقى ثم نام ، فرأى في المنام أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه ، وقال : اقرىء عمر السلام وأخبره أن الله قد استجاب لكم وكان عمر قد خرج فاستسقى أيضاً ، وأمره فليولف العهد وليشد العقد ، قال : فانطلق الرجل حتى أتى عمر فقال : استأذنوا لرسول رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : فسمعه عمر فقال : من هذا المفتري على رسول الله ؟ فقال الرجل : لا تعجل علي يا أمير المؤمنين فأخبره الخبر ، فبكى عمر ))
وهذا الإسناد رجاله ثقات ...
 وهذا الأثر يبين أن الرجل فعل المشروع وهو الخروج إلى الصحراء ثم الصلاة وطلب السقيا من الله تعالى ، ولم يأت القبر ، والذي رآه في المنام بعد فعل المشروع لا مانع منه من ناحية الشرع .
وهذا يدل على أن الرواية التي فيها أنه أتى القبر غير صحيحة.
ثامناً :3- ومما يؤيد أثر عبدالله بن عبيد بن عمير رواية سيف بن عمر عن سهل بن يوسف السلمي عن عبدالرحمن بن كعب بن مالك قال : كان عام الرمادة في آخر سنة سبع عشرة وأول سنة ثماني عشرة ، أصاب أهل المدينة وما حولها جوع فهلك كثير من الناس حتى جعلت الوحوش تأوي إلى الأنس ، فكان الناس بذلك حتى أقبل بلال بن الحارث المزني فاستأذن على عمر فقال : أنا رسول الله إليك ، يقول لك رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((لقد عهدتك كيساً ، وما زلت على ذلك فما شأنك ؟ قال : متى رأيت هذا ؟ قال : البارحة ، فخرج فنادى في الناس الصلاة جامعة ، فصلى بهم ركعتين ثم قام ، فقال : أيها الناس أنشدكم الله هل تعلمون مني أمراً غيره خير منه ؟ فقالوا : اللهم لا ، فقال : إن بلال بن الحارث يزعم ذية و ذية . قالوا : صدق بلال فاستغث بالله ثم بالمسلمين ... وأخرج الناس إلى الاستسقاء فخرج وخرج معه العباس بن عبدالمطلب ماشياً فخطب وأوجز وصلى ثم جثا لركبته وقال : ((اللهم إياك نعبد وإياك نستعين ، اللهم اغفر لنا وارحمنا وارض عنا ... )) (3) .

فهذا الأثر وإن كان ضعيفاً لضعف سيف  إلا أنه يدل على أن ما يتوهم من عبارة الحافظ في الفتح من أن الرجل الذي أتى القبر هو بلال بن الحارث المزني – كما رواه سيف في الفتوح – غير صحيح لأن الحافظ لم ينقل لنا لفظ الأثر عند سيف كما هو ، وفي الحقيقة الأثر يدل بوضوح وجلاء على ان بلالاً لم يأت القبر وإنما رأى رؤيا في المنام ، وهو يؤيد ما تقدم من أثر ابن عمير وبهذا تسقط دعوى أن الرجل الذي أتى القبر صحابي وأن الحافظ صححه .
🔸 ثالثاً: مخالفته من حيث المتن :
إن في الحديث المذكور أعلاه : أن الرجل الأعرابي أتى قبر النبي صلى الله عليه وسلم من أجل الاستسقاء به . وهذا أمر مخالف لما عليه الصحابة أجمعون . لأن الصحابه كانوا إذا أرادوا أن يستسقوا فعلوا أحد الأمرين : إما أن يصلوا صلاة الاستسقاء ، أو يتوسلوا بدعاء أحد منهم كما فعل عمر بالعباس رضي الله عنهما . ولكن إتيان القبر مخالف لعمل الصحابة بالاتفاق .
قال عبد السلام آل عبد الكريم البرجس رحمه الله في تحقيقه ل (الصواعق المُرسلة الشهابية: ص 173): (أنَّ هذه القصة منكرة المتن، لمخالفتها ما ثبت في الشرع من استحباب إقامة صلاة الاستسقاء في مثل هذه الحالات. ولمخالفتها ما اشتهر وتواتر عن الصحابة والتابعين، إذ ما جاء عنهم أنّهم كانوا يرجعون إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم أو قبر غيره من الأموات عند نزول النوازل واشتداد القحط يستدفعونها بهم وبدعائهم وشفاعتهم. بل كانوا يرجعون إلى الله واستغفاره وعبادته، وإلى التوبة النصوح، قال تعالى: (وأنْ لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقاً..) وقال تعالى: (ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يُرسل السماء عليكم مدراراً..) وقال تعالى: (ولو أنَّ أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض…).وفي كتاب المعرفة والتاريخ ليعقوب بن سفيان 2/280 بإسناد صححه الحافظ ابن حجر في الإصابة 10/382 عن سليم بن عامر الخبائري قال:ـ إنَّ السماء قحطت، فخرج معاوية وأهل دمشق يستسقون، فلما قعد معاوية على المنبر قال: "أين يزيد بن الأسود الجرشي؟ فناداه الناس، فأقبل يتخطى الناس، فأمره معاوية فصعد على المنبر، فقعد عند رجليه، فقال معاوية: (اللهم إنّا نستشفع إليك اليوم بخيرنا وأفضلنا، اللهم إنّا نستشفع إليك اليوم بيزيد بن الأسود الجرشي، يا يزيد ارفع يدك إلى الله، فرفع يديه، ورفع الناس أيديهم، فما كان أوشك أنْ فارت سحابة في الغرب كأنها ترس، وهبت ريح، فسقتنا حتى كاد الناس أنْ لا يبلغوا منازلهم).
وأبلغ من هذا فعل عمر بن الخطاب الذي كان بجوار قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيعدل عنه إلى التوسل بالعباس لكونه حيّاً قادراً ـ أخرجه البخاريوهذا الأثر مع ضعفه ونكارته، قد خالف هذه الوقائع الصحيحة الثابتة عن خير القرون بأجمعهم. فلو كان ما تضمنه هذا الأثر صحيحاً لفعلوه ولو مرّة لبيان الجواز، ومن المعلوم أنَّ المضطر يتعلق بأدنى ما يجده لكشف ضرّه، فلما لم يفعلوا ذلك مع وجود الدافع تبيّن بطلان هذا الأثر وسقوطه) أهـ.

قال الشيخ سليمان بن سحمان رحمه الله في كتابه: [الصواعق المرسلة الشهابية على الشبه الداحضة الشامية: ص196] رداً على من يحتجّون بهذا الحديث: (وليس فيه دلالة على جواز دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، والتوسل به، والإلتجاء إليه، والاستغاثة به بل هو من جنس المنامات التي لا يعتمد عليها في الأحكام، ولا يثبت بها حكم شرعي) .
 🔸 وقد أجاد المعلمي اليماني رحمه الله في بيان حال الرؤى حيث قال :
"قد صح عن النبي أن الرؤيا منها ما هو حق ومنها ما هو من حديث النفس  ومنها ماهو من الشيطان وتضافرت الأدلة على أن الرؤيا الحق تكون غالبا على خلاف ظاهرها حتى رؤيا الأنبياء عليهم السلام كرؤيا يوسف إذ رأى الكواكب والشمس والقمر وتأويلها أبواه وإخوته وكرؤيا النبي درعا حصينا فأولها المدينة وبقرا تنحر فأولها بمن يقتل من أصحابه وسوارين من ذهب فأولهما بمسيلمة والأسود العنسي وغير ذلك كثير فمن رأى النبي على صفته التي كان عليها فرؤياه حق ولكن إذا رآه فعل أو قال شيئا فذلك القول او الفعل يحتاج إلى تعبير فقد تراه يأمرك بشئ ويكون تعبيره أنه ينهاك عنه وعكس ذلك ولهذا أجمع الأئمة على عدم الاحتجاج بالرؤيا..."
رسالة في تحقيق البدعة( ٢٧)

قال عبد السلام آل عبد الكريم رحمه الله :
"فإنْ قيل: إنَّ وجه الاحتجاج بالقصة عدم إنكار عمر على ذلك الرجل مجيئه إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم. قيل: من أين لكم أنّه أخبر عمر بهذا الاستسقاء؟ فالروايات التي بين أيدينا ليس فيها إلاّ الإخبار بالرؤيا. فمن زعم غير ذلك فعليه الإثبات.
وقد رأيت جواباً لبعضهم يقول فيه: " وأما إخباره عمر فلا نُسلّم أنّه أخبره باستسقائه بالرسول صلى الله عليه وسلم، ولعلّه أخبره بالرؤيا فقط، أو ببعضها وهو قوله: "قل له عليك بالكيس الكيس" والفعل الماضي في الإثبات بلسان العرب بمنزلة النكرة في الإثبات، فكما لا يعم قولنا: حصل منا إخبار، كذلك لا يعمم قولنا: أخبرنا……)أهـ.
[الصواعق المرسلة الشهابية: 172-173].
🔸 رابعاًختم الصوفي رسالته بفحش من القول وهُجر من الكلام ورمي لأهل السنة بأنهم تكفيريون وغيرها من الجهالات التي هي حجة العاجز ومعتمد الضعيف وهذا هو الميدان الذي يحسنه الصوفية ولكن بيننا وبينهم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والله الموفق لا رب سواه وصلى الله على مصطفاه.

عبدالله بن محمد الحساني. 
ليلة الأربعاء 9/6/1438

السبت، 4 مارس 2017

هل نهي الصحابة عن كتابة الحديث عن النبي صلى الله عليه؟


قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
" أما الأحاديث فإنما هي حديث مختلف في صحته، وآخر متفق على
 ضعفه.
فالأول: حديث مسلم وغيره عن أبي سعيد الخدري مرفوعا «لا تكتبوا عني، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه، وحدثوا عني ولا حرج، ومن كذب علي-قال همام: أحسبه قال «متعمدا» – فليتبوأ مقعده من النار» هذا لفظ مسلم.
الثاني:  «دخل زيد بن ثابت على معاوية فسأله عن حديث وأمر إنسانا أن يكتبه فقال له زيد: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا أن لا نكتب شيئا من حديثه. فمحاه»
أقول: إما حديث أبي سعيد ففي فتح الباري (١٨٥:١) : «منهم (يعني الأئمة) من أعل حديث أبي سعيد وقال:  الصواب وقفه على أبي سعيد، قاله البخاري وغيره «أي الصواب أنه من قول أبي سعيد نفسه، وغلط بعض الرواة فجعله عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أورد ابن عبد البر في كتاب العلم (٦٤:١) قريبا من معناه موقوفا عن أبي سعيد من طرق لم يذكر فيها النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما حديث زيد بن ثابت فهو من طريق كثير بن زيد عن المطلب بن عبد الله بن حنطب قال: دخل زيد بن ثابت الخ.
وكثير غير قوي، والمطلب لم يدرك زيدا.
أما البخاري فقال في صحيحه «باب كتابة العلم» ثم ذكر قصة الصحيفة التي كانت عند علي رضي الله عنه، ثم خطبة النبي صلى الله عليه وسلم زمن الفتح وسؤال رجل أن يكتب له، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «اكتبوا لأبي فلان» وفي غير هذه الرواية «لأبي شاه»
ثم قول أبي هريرة «ما من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحد أكثر حديثا عنه مني إلا ما كان من عبد الله بن عمرو، فإنه كان يكتب وأنا لا أكتب»
ثم حديث ابن عباس في قصة مرض النبي صلى الله عليه وسلم، وقوله «ائتوني بكتاب أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده» وفي بعض روايات حديث أبي هريرة في شأن عبد الله بن عمرو «استأذن رسول الله صلى اله عليه وسلم أن يكتب بيده ما سمع منه فأذن له» رواه الإمام أحمد والبيهقي.
قال في فتح الباري (١٨٥:١) : «إسناده حسن، وله طريق أخرى ... » وله شاهد من حديث  عبد الله بن عمرو نفسه جاء من طرق، راجح فتح الباري والمستدرك (١٠٤:١) ومسند أحمد بتحقيق الشيخ أحمد محمد شاكر رحمه الله الحديث: ٠ ٦٥١ وتعليقه.
وقد اشتهرت صحيفة عبد الله بن عمرو التي كتبها عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يغتبط بها ويسميها «الصادقة» وبقيت عند ولده يروون منها، راجح ترجمة عمرو بن شعيب في تهذيب التهذيب.
  أما زيادة ما انتشر عن أبي هريرة من الحديث عما انتشر عن عبد الله بن عمرو؛ فلأن عبد الله لم يتجردللرواية تجرد أبي هريرة، وكان أبو هريرة بالمدينة وكانت دار الحديث لعناية أهلها بالرواية، ولرحلة الناس إليها لذلك، وكان عبد الله تارة بمصر، وتارة بالشام، وتارة بالطائف، مع أنه كان يكثر من الأخبار عما وجده من كتب قديمة باليرموك، وكان الناس لذلك كأنهم قليلو الرغبة في السماع منه، ولذلك كان معاوية وابنه قد نهياه عن التحديث.
  فهذه الأحاديث، وغيرها مما يأتي إن لم تدل على صحة قول البخاري وغيره: إن حديث أبي سعيد غير صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإنها تقضي بتأويله، وقد ذكر في فتح الباري أوجها للجمع، والأقرب ما يأتي: قد ثبت في حديث / زيد بن ثابت في جمعه القرآن «فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف» ، وفي بعض رواياته ذكر القصب وقطع الأديم. وقد مر قريبا ، وهذه كلها قطع صغيرة، وقد كانت تنزل على النبي صلى الله عليه وسلم الآية والآيتان فكان بعض الصحابة يكتبون في تلك القطع فتتجمع عند الواحد منهم عدة قطع في كل منها آية أو آيتان أو نحوها وان هذا هو المتيسر لهم، فالغالب أنه لو كتب أحدهم حديثا لكتبه في قطعة من تلك القطع، فعسى أن يختلط عند بعضهم القطع المكتوب فيها الأحاديث بالقطع المكتوب فيها الآيات، فنهوا عن كتابة الحديث سد للذريعة ."
الأنوار الكاشفة (35-36)
حفظ الله للسنة:
قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
"فأما السنة فقد تكفل الله بحفظها أيضا، لأن تكفله بحفظ القرآن يستلزم تكفله بحفظ بيانه وهو السنة، وحفظ لسانه وهو العربية، إذ المقصود بقاء الحجة قائمة والهداية باقية بحيث ينالها من يطلبها، لأن محمدا صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء وشريعته خاتمة الشرائع. بل دل على ذلك قوله (ثم إن علينا بيانه) ، فحفظ الله السنة في صدور الصحابة والتابعين حتى كتبت ودونت كما يأتي، وكان التزام كتابتها في العهد النبوي شاقا جدا، لأنها تشمل جميع أقول النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله وأحواله وما يقوله غيره بحضرته أو يفعله وغير ذلك. والمقصود الشرعي منها معانيها، ليست كالقرآن المقصود لفظه ومعاناه، لأن كلام الله بلفظه ومعناه، ومعجز بلفظه ومعناه، ومتعبد بتلاوته بلفظه بدون أدنى تغيير، لاجرم خفف الله عنهم واكتفى من تبليغ السنة غالبا بأن يطلع عليها بعض الصحابة، ويكمل الله تعالى حفظها وتبليغها بقدرته التي لا يعجزها شيء، فالشأن في هذا الأمر هو العلم بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد بلغ ما أمر به التبليغ الذي رضيه الله منه، وأن ذلك مظنة بلوغه إلى من يحفظه من الأمة ويبلغه عند الحاجة ويبقى موجودا بين الأمة، وتكفل الله تعالى بحفظ دينه يجعل تلك المظنة مئنة، فتم الحفظ كما أراد الله تعالى، وبهذا التكفل يدفع ما يتطرق إلى تبليغ القرآن كاحتمال تلف بعض القطع التي كتبت فيها الآيات، واحتمال أن يغير فيها من كانت عنده ونحو ذلك.
ومن طالع تراجم أئمة الحديث من التابعين فمن بعدهم وتدبر ما آتاهم الله تعالى من قوة الحفظ والفهم والرغبة الأكيدة في الجد والتشمير لحفظ النسة وحياطتها بان له ما يحير عقله، وعلم أن ذلك ثمرة تكفل الله تعالى بحفظ دينه. وشأنهم في عظيم جدا، أو هو عبادة من أعظم العبادات وأشرفها، وبذلك يتبين أن ذلك من المصالح المترتبة على ترك كتابة الأحاديث كلها في العهد النبوي، إذ لو كتبت لانسد باب تلك العبادة وقد قال الله تعالى ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) .
وثم مصالح أخرى منها: تنشئة علوم تحتاج إليها الأمة، فهذه الثروة العظيمة التي بيد المسلمين من تراجم قدمائهم، إنما جاءت من احتياج المحدثين إلى معرفة أحوال الرواة، فاضطروا إلى تتبع ذلك، وجمع التواريخ والمعاجم،ثم تبعهم غيرهم.
ومنها: الإسناد الذي يعرف به حال الخبر، كان بدؤه في الحديث ثم سرى إلى التفسير والتاريخ والأدب.
هذا والعالم الراسخ هو الذي إذا حصل له العلم الشافي بقضية لزمها ولم يبال بما قد يشكك فيها، بل إما أن يعرض عن تلك المشككات، وإما أن يتأملها في ضوء ما قد ثبت، فههنا من تدبر كتاب الله وتتبع هدي رسوله ونظر إلى ما جرى عليه العمل العام في عهد أصحابه وعلماء أمته بوجوب العمل بأخبار الثقات عن النبي صلى الله عليه وسلم وأنها من صلب الدين، فمن أعرض عن هذا وراح يقول: لماذالم تكتب الأحاديث؟ بماذا، لماذا؟ ويتبع قضايا جزئية- إما أن لا تثبت، وإما أن تكون شاذة، وإما أن يكون لها محمل لا يخالف المعلوم الواضح - من كان شأنه فلا ريب في زيغه."

الأنوار الكاشفة (32-33)

الخميس، 2 مارس 2017

دحض شبهة صوفية في التوسل

الحمدلله وصلى الله وسلم على مصطفاه و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.
أما بعد: فقد أرسل إلي أحد المتصوفة هذه الرسالة : (وأخرج الطبراني في معجميهِ الكبير والصغير عن عثمان بن حُنيف أنّ رجلاً كان يختلف –أي يتردد- إلى عثمان بن عفان، فكان عثمان لا يلتفت إليه ولا ينظرُ في حاجته، فلقيَ عثمان بن حنيف فشكى إليه ذلك، فقال: ائتِ الميضأة فتوضأ ثم صل ركعتين ثم قل: اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبينا محمد نبي الرحمة، يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي في حاجتي لتُقضى لي، ثم رح حتى أروحَ معك. فانطلق الرجل ففعل ما قال، ثم أتى باب عثمان فجاء البواب فأخذ بيده فأدخله على عثمان بن عفان فأجلسه على طِنفسته –أي سجادته- فقال: ما حاجتك؟ فذكر له حاجته، فقضى له حاجته وقال: ما ذكرتُ حاجتك حتى كانت هذه الساعة، ثم خرج من عنده فلقي عثمان بن حُنيف فقال: جزاك الله خيرًا، ما كان ينظر في حاجتي ولا يلتفتُ إليّ حتى كلمته فيَّ، فقال عثمان بن حنيف: والله ما كلّمته ولكن شهدتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أتاه ضريرٌ فشكى إليه ذهاب بصره، فقال: إن شئتَ صبرتَ وإن شئتَ دعوتُ لك، قال: يا رسول الله إنه شقَّ عليَّ ذهابَ بصري وإنه ليسَ لي قائدٌ فقال له: ائتِ الميضأةَ فتوضأ وصلّ ركعتين ثم قل هؤلاء الكلمات، ففعل الرجل ما قال، فوالله ما تفرقنا ولا طال بنا المجلس حتى دخل علينا الرجل وقد أبصر كأنه لم يكن بن ضر قط قال الطبراني في كل من "معجميه": والحديث صحيح، والطبراني من عادته أنه لا يصحح حديثًا مع اتساع كتابه المعجم الكبير، ما قال عن حديث أورده ولو كان صحيحًا: الحديث صحيح، إلا عن هذا الحديث، وكذلك أخرجه في الصغير وصححه.
ففيه دليلٌ أن الأعمى توسل بالنبي في غير حضرته بدليل قول عثمان بن حُنيف: "حتى دخل علينا الرجل"، وفيه أن التوسل بالنبي جائز في حالة حياته وبعد مماته فبطل قول ابن تيمية: لا يجوز التوسل إلا بالحي الحاضر، وكل شرط ليس في كتاب الله فهو باطلٌ وإن كان مائة شرط.).
مستدلا بها على جواز التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم وهذه شبهة ساقطة وحجة بينة البطلان وبيان ذلك أن يقال  :
القصة المذكورة أخرجها الطبراني في "المعجم الصغير" "ص١٠٣-١٠٤" وفي "الكبير" "٣/٢/١/١-٢" من طريق عبد الله بن وهب عن شبيب بن سعيد المكي عن روح بن القاسم عن أبي جعفر الخطمي المدني عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن عمه عثمان بن حنيف.... وذكر القصة..
ثم قال الطبراني بعدها :قال الطبراني: لم يرواه عن روح بن القاسم إلا شبيب بن سعيد أبو سعيد المكي وهو ثقة، وهو الذي يحدث عنه أحمد بن شبيب عن أبيه عن يونس بن يزيد الأيلي، وقد روى هذا الحديث شعبة عن أبي جعفر الخطمي – واسمه عمير بن يزيد – وهو ثقة تفرد به عثمان بن عمر بن فارس عن شعبة، والحديث صحيح.
قال الألباني رحمه الله :
لا شك في صحة الحديث، وإنما البحث الآن في هذه القصة التي تفرد بها شبيب بن سعيد كما قال الطبراني، وشبيب هذا متكلم فيه، وخاصة في رواية ابن وهب عنه، لكن تابعه عنه إسماعيل وأحمد ابنا شبيب بن سعيد هذا، أما اسماعيل  فلم أجد من ذكره، ولقد أغفلوه حتى لم يذكروه في الرواة عن أبيه، بخلاف أخيه أحمد فإنه صدوق، وأما أبوه شبيب فملخص كلامهم فيه: أنه ثقة في حفظه ضعف، إلا في رواية ابنه أحمد هذا عنه عن يونس خاصة فهو حجة، فقال الذهبي في "الميزان": صدوق يغرب، ذكره ابن عدي في "كامله" فقال..له نسخة عن يونس بن يزيد مستقيمة، حدث عنه ابن وهب بمناكير، قال ابن المديني: كان يختلف في تجارة إلى مصر، وكتابه صحيح قد كتبته عن ابنه أحمد. قال ابن عدي: كان شبيب لعله يغلط ويهم إذ حدث من حفظه، وأرجو أنه لا يتعمد، فإذا حدث عنه ابنه أحمد بأحاديث يونس فكأنه يونس آخر. يعني يجود".
فهذا الكلام يفيد أن شبيبا هذا لا بأس بحديثه بشرطين اثنين:
الأول: ان يكون من رواية ابنه أحمد عنه،
الثاني: أن يكون من رواية شبيب عن يونس، والسبب في ذلك أنه كان عنده كتب يونس بن يزيد، كما قال ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" عن أبيه "٢/١/٣٥٩"، فهو إذا حدث من كتبه هذه أجاد، وإذا حدث من حفظه وهو كما قال ابن عدي
إذا تبين هذا يظهر لك ضعف هذه القصة، وعدم صلاحية الاحتجاج بها. ثم ظهر لي فيها علة أخرى وهي الاختلاف على أحمد فيها، فقد أخرج الحديث ابن السني في "عمل اليوم والليلة" "ص٢٠٢" والحاكم "١/٥٢٦" من ثلاثة طرق عن أحمد بن شبيب بدون القصة، وكذلك رواه عون بن عمارة البصري ثنا روح ابن القاسم به، أخرجه الحاكم، وعون هذا وإن كان ضعيفا، فروايته أولى من رواية شبيب، لموافقتها لرواية شعبة وحماد بن سلمة عن أبي جعفر الخطمي.
وخلاصة القول: إن هذه القصة ضعيفة منكرة، لأمور ثلاثة:
1- ضعف حفظ المتفرد بها،
 2- والاختلاف عليه فيها،
3- ومخالفته للثقات الذين لم يذكروها في الحديث،
 وأمر واحد من هذه الأمور كاف لإسقاط هذه القصة، فكيف بها مجتمعة؟

ثم قال في الرسالة المرسلة وهذا الحديث صححه الطبراني في معجميهِ الصغير والكبير!
 يقول الألباني رحمه الله: وفي هذا القول على صغره جهالات:
أولا: أن الطبراني لم يصحح الحديث في "الكبير" بل في "الصغير" فقط، وأنا نقلت الحديث عنه للقارئين مباشرة
ثانيا: أن الطبراني إنما صحح الحديث فقط دون القصة، بدليل قوله وقد سبق: قد روى الحديث شعبة ... والحديث صحيح فهذا نص  على أنه أراد حديث شعبة، وشعبة لم يرو هذه القصة، فلم يصححها إذن الطبراني، فلا حجة لهم في كلامه.
ثالتا: أن عثمان بن حنيف لو ثبتت عنه القصة لم يعلم ذلك الرجل فيها دعاء الضرير بتمامه، فإنه أسقط منه جملة "اللهم شفعه في وشفعني فيه" لأنه يفهم بسليقته العربية أن هذا القول يستلزم أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم داعيا لذلك الرجل، كما كان داعيا للأعمى، ولما كان هذا منفيا بالنسبة للرجل، لم يذكر هذه الجملة؟ قال شيخ الإسلام "ص١٠٤": "ومعلوم أن الواحد بعد موته صلى الله عليه وسلم إذا قال: "اللهم فشفعه في وشفعني فيه" – مع أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدع له – كان هذا كلاما باطلا، مع أن عثمان بن حنيف لم يأمره ان يسأل النبي صلى الله عليه وسلم شيئا، ولا أن يقول: "فشفعه في"، ولم يأمره بالدعاء المأثور على وجهه، وإنما أمره ببعضه، وليس هناك من النبي صلى الله عليه وسلم شفاعة، ولا ما يظن أنه شفاعة، فلو قال بعد موته: "فشفعه في" لكان كلاما لا معنى له، ولهذا لم يأمر به عثمان، والدعاء المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر به، والذي أمر به ليس مأثورا عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومثل هذا لا تثبت به شريعة، كسائر ما ينقل عن آحاد الصحابة في حسن العبادات أو الإباحات أو الايجابات أو التحريمات، إذ لم يوافقه غيره من الصحابة عليه، وكان ما يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم يخالفه ولا يوافقه ، لم يكن فعله سنة يجب على المسلمين اتباعها، بل غايته ان يكون ذلك مما يسوغ فيه الاجتهاد، ومما تنازعت فيه الأمة، فيجب رده إلى الله والرسول.
ثم ذكر أمثلة كثيرة مما تفرد به بعض الصحابة، ولم يتبع عليه مثل إدخال ابن عمر الماء في عينيه في الوضوء، ونحو ذلك فراجعه.
ثم قال: وإذا كان في ذلك كذلك، فمعلوم أنه إذا ثبت عن عثمان بن حنيف أو غيره أنه جعل من المشروع المستحب أن يتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد موته من غير أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم داعيا له، ولا شافعا فيه فقد علمنا أن عمر وأكابر الصحابة لم يروا هذا مشروعا بعد مماته كما كان يشرع في حياته، بل كانوا في الاستسقاء في حياته صلى الله عليه وسلم يتوسلون فلما مات لم يتوسلوا به، بل قال عمر في دعائه الصحيح المشهور الثابت بإتفاق أهل العلم بمحضر من المهاجرين والأنصار في عام الرمادة المشهور، لما اشتد بهم الجدب حتى حلف عمر: لا يأكل سمينا حتى يخصب الناس، ثم لما استسقى بالناس قال: اللهم إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك بنبينا، فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا. فيسقون. وهذا دعاء أقره عليه جميع الصحابة، ولم ينكره أحد مع شهرته، وهو من أظهر الإجماعات الإقرارية، ودعا بمثله معاوية بن أبي سفيان في خلافته، فلو كان توسلهم بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد مماته كتوسلهم في حياته لقالوا: كيف نتوسل بمثل العباس ويزيد بن الأسود ونحوهما، ونعدل عن التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم الذي هو أفضل الخلائق، وهو أفضل الوسائل وأعظمها عند الله؟ فلما لم يقل ذلك أحد منهم، وقد علم أنهم في حياته إنما توسلوا بدعائه وشفاعته، وبعد مماته توسلوا بدعاء غيره، وشفاعة غيره، علم أن المشروع عندهم التوسل بدعاء المتوسل به، لا بذاته.
هذا، وفي القصة جملة إذا تأمل فيها العاقل العارف بفضائل الصحابة وجدها من الأدلة الأخرى على نكارتها وضعفها، وهي أن الخليفة الراشد عثمان - رضي الله عنه - كان لا ينظر في حاجة ذلك الرجل، ولا يلتفت إليه! فكيف يتفق هذا مع ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الملائكة تستحي من عثمان، ومع ما عرف به - رضي الله عنه - من رفقه بالناس، وبره بهم، ولينه معهم؟ هذا كله يجعلنا نستبعد وقوع ذلك منه، لأنه ظلم يتنافى مع شمائله - رضي الله عنه - وأرضاه.
 إذا تبين ضعف القصة فإن الحديث لا حجة لهم فيه على التوسل بالذات، بل هو دليل على التوسل المشروع لأن توسل الأعمى إنما كان بدعائه. والأدلة على ذلك من الحديث نفسه كثيرة، وأهمها:
أولا: أن الأعمى إنما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليدعو له، وذلك قوله: "أدع الله أن يعافيني"، فهو توسل إلى الله تعالى بدعائه صلى الله عليه وسلم، لأنه يعلم أن دعاءه صلى الله عليه وسلم أرجى للقبول عند الله بخلاف دعاء غيره، ولو كان قصد الأعمى التوسل بذات النبي صلى الله عليه وسلم أو جاهه أو حقه لما كان ثمة حاجة به إلى أن يأتي النبي صلى الله عليه وسلم، ويطلب منه الدعاء له، بل كان يقعد في بيته، ويدعو ربه بأن يقول مثلا: اللهم إني أسألك بجاه نبيك ومنزلته عندك أن يشفيني، وتجعلني بصيرا. ولكنه لم يفعل، لماذا؟ لأنه عربي يفهم معنى التوسل في لغة العرب حق الفهم، ويعرف أنه ليس كلمة يقولها صاحب الحاجة، يذكر فيها اسم الموسل به، بل لابد أن يشتمل على المجيء إلى من يعتقد فيه الصلاح والعلم بالكتاب والسنة، وطلب الدعاء منه له.
ثانيا: أن النبي صلى الله عليه وسلم وعده بالدعاء مع نصحه له ببيان ما هو الأفضل له، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "إن شئت دعوت، وإن شئت صبرت فهو خير لك". وهذا الأمر الثاني هو ما أشار إليه صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه عن ربه تبارك وتعالى أنه قال: "إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه – أي عينيه – فصبر، عوضته منهما الجنة" اخرجه البخاري عن أنس رضي الله عنه.
ثالثا: إصرار الأعمى على الدعاء وهو قوله: "فادع" فهذا يقتضي أن الرسول صلى الله عليه وسلم دعا له، لأنه صلى الله عليه وسلم خير من وفى بما وعد، وقد وعده بالدعاء له إن شاء كما سبق، فقد شاء الدعاء وأصر عليه، فإذن لا بد أنه صلى الله عليه وسلم دعا له، فثبت المراد، وقد وجه النبي صلى الله عليه وسلم الأعمى بدافع من رحمته، وبحرص منه أن يستجيب الله تعالى دعاءه فيه، وجهه إلى النوع الثاني من التوسل المشروع، وهو التوسل بالعمل الصالح، ليجمع له الخير من أطرافه، فأمرهأن يتوضأ ويصلي ركعتين ثم يدعو لنفسه وهذه الأعمال طاعة لله سبحانه وتعالى يقدمها بين يدي دعاء النبي صلى الله عليه وسلم له، وهي تدخل في قوله تعالى: {وابتغوا إليه الوسيلة}
وهكذا فلم يكتف الرسول صلى الله عليه وسلم بدعائه للأعمى الذي وعده به، بل شغله بأعمال فيها
طاعة لله سبحانه وتعالى وقربة إليه، ليكون الأمر مكتملا من جميع نواحيه، وأقرب إلى القبول والرضا من الله سبحانه وتعالى، وعلى هذا، فالحادثة كلها تدور حول الدعاء – كما هو ظاهر – وليس فيها ذكر شيء مما يزعمون.
رابعا: أن في الدعاء الذي علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم إياه أن يقول: "اللهم فشفعه في" اخرجه احمد في المسند وهذا يستحيل حمله على التوسل بذاته صلى الله عليه وسلم، أو جاهه، أو حقه، إذ أن المعنى: اللهم اقبل شفاعته صلى الله عليه وسلم في، أي اقبل دعائه في أن ترد علي بصري، والشفاعة لغة الدعاء، وهو المراد بالشفاعة الثابتة له صلى الله عليه وسلم ولغيره من الأنبياء والصالحين يوم القيامة، وهذا يبين أن الشفاعة أخص من الدعاء، إذ لا تكون إلا إذا كان هناك اثنان يطلبان أمرا، فيكون أحدهما شفيعا للآخر، بخلاف الطالب الواحد الذي لم يشفع غيره، قال في "لسان العرب": "الشفاعة كلام الشفيع للملك في حاجة يسألها لغيره، والشافع الطالب لغيره، يتشفع به إلى المطلوب، يقال بشفعت بفلان إلى فلان، فشفعني فيه".
فثبت بهذا الوجه أيضا أن توسل الأعمى إنما كان بدعائه صلى الله عليه وسلم لا بذاته.
خامسا: إن مما علم النبي صلى الله عليه وسلم الأعمى أن يقوله: "وشفعني فيه" أي اقبل شفاعتي، أي دعائي في أن تقبل شفاعته صلى الله عليه وسلم، أي دعاءه في أن ترد علي بصري. هذا الذي لا يمكن أن يفهم من هذه الجملة سواه.
ولهذا ترى المخالفين يتجاهلونها ولا يتعرضون لها من قريب أو من بعيد، لأنها تنسف بنيانهم من القواعد، وتجتثه من الجذور، وإذا سمعوها رأيتهم ينظرون إليك نظر المغشي عليه. ذلك أن شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم في الأعمى مفهمومة، ولكن شفاعة الأعمى في الرسول صلى الله عليه وسلم كيف تكون؟ لا جواب لذلك عندهم البتة. ومما يدل على شعورهم بأن هذه الجملة تبطل تأويلاتهم أنك لا ترى واحدا منهم يستعملها، فيقول في دعائه مثلا: اللهم شفع في نبيك، وشفعني فيه.
سادسا: إن هذا الحديث ذكره العلماء في معجزات النبي صلى الله عليه وسلم ودعائه المستجاب، وما أظهره الله ببركة دعائه من الخوارق والإبراء من العاهات، فإنه بدعائه صلى الله عليه وسلم لهذا الأعمى أعاد الله عليه بصره، ولذلك رواه المصنفون في "دلائل النبوة" كالبيهقي وغيره، فهذا يدل على ان السر في شفاء الأعمى إنما هو دعاء النبي صلى الله عليه وسلم. ويؤيده كل من دعا به من العميان مخلصا إليه تعالى، منيبا إليه قد عوفي، بل على الأقل لعوفي واحد منهم، وهذا ما لم يكن ولعله لا يكون أبدا.
كما أنه لو كان السر في شفاء الأعمى أنه توسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم وقدره وحقه، كما يفهم عامة المتأخرين، لكان من المفروض أن يحصل هذا الشفاء لغيره من العميان الذين يتوسلون بجاهه صلى الله عليه وسلم، بل ويضمون إليه أحيانا جاه جميع الأنبياء المرسلين، وكل الأولياء والشهداء والصالحين، وجاه كل من له جاه عند الله من الملائكة، والإنس والجن أجمعين! ولم نعلم ولا نظن أحدا قد علم حصول مثل هذا خلال القرون الطويلة بعد وفاته صلى الله عليه وسلم إلى اليوم.
إذا تبين للقارىء الكريم ما أوردناه من الوجوه الدالة على أن حديث الأعمى إنما يدور حول التوسل بدعائه صلى الله عليه وسلم، وأنه لا علاقة له بالتوسل بالذات، فحينئذ يتبين له أن قول الأعمى في دعائه: "اللهم إني أسألك، وأتوسل إليك بنبيك محمد صلى الله عليه وسلم" إنما المراد به: أتوسل إليك بدعاء نبيك، أي على حذف المضاف، وهذا أمر معروف في اللغة.

 *يقال آخيراً أن الصوفية يخلطون بين الاستغاثة والتوسل وقد سبق بيان أن التوسل لا يجوز أما ما يفعلونه من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم فهو كفر فمن يقول يا رسول الله أتى بمكفر ولا يجوز فعله هذا
وقد منع النبي صلي الله عليه وسلم  الاستغاثة به في حياته فقال: " إنه لا يستغاث بي وإنما يستغاث بالله " ، رواه الطبراني وصححه الألباني.

 فالاستغاثة والدعاء عبادة، والعبادة صرفها لغير الله شرك، كما قال سبحانه وتعالى: وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ * وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ . {يونس: 106-107}.

وقال تعالى: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ {الأحقاف:5}.

وقال: وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ  * إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ. {فاطر: 14ـ 13}..
فهذا بيان لأهم مافي الرسالة وإعراض عن ما فيها من خطأ على شيخ الإسلام والطبراني والله الموفق لا رب سواه وصلى الله على مصطفاه.

عبدالله بن محمد الحساني