الأربعاء، 1 مارس 2017

الأخذ عن المبتدع

الحمدلله وصلى الله وسلم على مصطفاه و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.
🔸 أما بعد: فإن طلب العلم من أفضل ما يتقرب به العبد إلى الله تعالى باتفاق العقلاء وله مراتب ودرجات وأصول لا ينبغي أن يتعداها مريد العلم ومن أراد أن يحوزه فعليه بسلوك جادة السلف الصالح رحمة الله عليهم  في طلب العلم.
🔸ومما ندب إليه العلماء وأمروا به الرحلة في طلب العلم ومفارقة الأهل والأوطان للقاء المشايخ والأخذ عن الأكابر وألّفوا في ذلك المؤلفات وذكروه في ما سطّر من كتب أدب الطلب وأريد هنا أن أنبه لأمرين :
أحدهما: أنه ينبغي لمن هاجر وترك أهله وخاصته أن ينشغل بالعلم الذي قد لا يجده في بلده وينشغل كذلك بلقاء الأكابر من العلماء حتى لا يكون مغبوناً في رحلته،  قال الخطيب البغدادي رحمه الله :
" وليعلم الطالب أن شهوة السماع لا تنتهي والنهمة من الطلب لا تنقضي والعلم كالبحار المتعذر كيلها والمعادن التي لا ينقطع نيلها فلا ينبغي له أن يشتغل في الغربة إلا بما يستحق لأجله الرحلة " الجامع للخطيب (2/243).
الآخر: أنه ينبغي له أن يتخير من يأخذ عنهم من أهل العلم فلا يأخذ عن المبتدع الذي قد وضحت بدعته وتبينت ضلالته وهذه جادة السلف التي لا ينبغي تعديها قال الشيخ حماد الأنصاري رحمه الله: "إن أهل العلم ينصحون طالب  العلم  إذا رحل لطلب العلم أن لا يأخذ  العلم  عن عالم أو شيخ حتى يعرف عقيدته ، فإن كانت عقيدة سلفية أخذ عليه  العلم، وإن كان خلاف ذلك فلا". المجموع (٥٨٥/٢.).  فهذه وصية العلماء لمن رحل أن ينظر لمعتقد الآخذ عنه فإن كان سلفياً في معتقده فالعق العسل ولا تسل أما إن كان صوفياً أو أشعرياً أو رافضياً أو جهمياً فإنهم ينزهون أسماعهم عن الأخذ عنه بل قد صح عن السلف هجرهم ومباعدتهم وصون آذانهم عن سماع كلامهم بل احتقارهم والاستخفاف بهم قال الذهبي رحمه الله: " وقرأتُ بخط الشيخ الموفق قال: سمعنا درسه - أي: ابن أبي عصرون - مع أخي أبي عمر وانقطعنا، فسمعت أخي يقول دخلت عليه بعد، فقال: لم انقطعتم عني؟ قلت إن ناسا يقولون إنك أشعري، فقال: والله ما أنا أشعري. هذا معنى الحكاية " سير أعلام النبلاء (21/129). فانظر إلى صنيع الموفق ابن قدامة الإمام وقارنه بحال من تأخر من طلاب العلم يتبين لك الفرق فمن أراد الإمامة في الدين لا يأخذ عن كل أحد وإنما ينتقي من اهل العلم ممن يحسن الأخذ عنه، قال الحافظُ عبدُ الرَّحمن بن مهدي رحمهُ الله: " لا يكونُ إمامًا أبدًا رجلٌ يحدِّثُ عن كُلِّ أحدٍ.
 ولا يكونُ إمامًا أبدًا رجلٌ: لا يعرفُ مخارجَ الحديثِ"،  الجامع للخطيبِ البغداديِّ (٩٠/٢، برقم: ١٢٦٣).

 وما أعظم ما ذكر في ترجمة الإمام  ابن منده  رحمه الله  حيث قال : "طفت الشرق والغرب مرتين ، فلم أتقرب إلى مُذبْذَب ؛ و لم أسمع من المبتدعين حديثًا واحدًا" . طبقات الحنابلة( 167/2.) فقد كان مكثراً من الخروج لطلب العلم مؤثراً للرحلة فيه ومع هذا تجنب الرواية عنهم لعلمه بضرر ذلك عليه.
 🔸والأخذ من صاحب البدعة من توقيره وهذا يعود على الدين بالهدم كما قال الشاطبي رحمه الله:
" فإن توقير صاحب البدعة مظنة لمفسدتين تعودان بالهدم على الإسلام :
أحدهما: التفات الجهال والعامة إلى ذلك التوقير ، فيعتقدون في المبتدع أنه أفضل الناس ، وأن ما هو عليه خير مما عليه غيره ، فيؤدي ذلك إلى اتباعه على بدعته دون اتباع أهل السنة على سنتهم .
والثانية: أنه إذا وقر من أجل بدعته صار ذلك كالحادي المحرض له على انشاء الابتداع في كل شيء .
وعلى كل حال ؛ فتحيا البدع ، وتموت السنن ، وهو هدم الإسلام بعينه " انتهى من " الاعتصام " ( 1 / 202 ) .
🔸قد يقول قائل أن هذا المبتدع خلله في المعتقد وأنا ادرس معه اللغة أو الأصول أو الفقه؟
فيقال: أن الجلوس عنده قد يكون سبباً في قتل الغيرة لله تعالى فكيف تجلس مع الذي ينفي صفات الله عز وجل أو ينفي علوه تعالى أو من يعتقد أن الأولياء يتوسل بهم وماشابه من البدع المنتشرة عند الأشاعرة والمتصوفة وأضرابهم أما فيك غضب لله،  قال أبو نعيم في الحلية (2/372) : حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ حَمْدَانَ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: ثَنَا سيار، قَالَ: ثَنَا جَعْفَرٌ، قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكًا، يَقُولُ:

" كَانَ حَبْرٌ مِنْ أَحْبَارِ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَغْشَى بِمَنْزِلِهِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ فَيَعِظُهُمْ وَيُذَكِّرُهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ قَالَ: فَرَأَى بَعْضَ بَنِيهِ يَوْمًا غَمَزَ النِّسَاءَ فَقَالَ: مَهْلًا يَا بُنَيَّ قَالَ: فَسَقَطَ عَنْ سَرِيرِهِ، فَانْقَطَعَ نُخَاعُهُ وَأَسْقَطَتِ امْرَأَتُهُ وَقُتِلَ بَنُوهُ فِي الْجَيْشِ فَأَوْحَى الله عَزَّ وَجَلَّ إِلَى نَبِيِّهِمْ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْ أَخْبِرْ فُلَانًا الْحَبْرَ أَنِّي لَا أُخْرِجُ مِنْ صُلْبِكَ صِدِّيقًا أَبَدًا
 مَا كَانَ غَضَبُكَ لِي إِلَّا أَنْ قُلْتَ يَا بُنَيَّ مَهْلًا ".
   فهذا الحبر ما غضب لله كما ينبغي فكيف ياطالب العلم ويامريد النجاة تجلس مع ذاك الأشعري الذي يعطل صفات الله عز وجل أما لك غيرة لله تعالى كيف ترضى نفسك أن تجلس أمامه وتأخذ منه العلم وكان حقك أن تهجره وتبتعد عنه ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" وهؤلاء المبتدعون الضالّون يجب على كل قادرٍ أن ينهاهم عن هذه البدع المُضِلَّة، ويَذُمَّ من يفعلها، فإن لم ينتهِ وإلاّ عاقبَه بما يستحقه شرعًا، وأقل ذلك أن يهجرهم، فلا يقربهم ولا يعاشرهم حتى يتوبوا، ويتبعوا الكتاب والسنة والطريق التي بعثَ الله بها رسوله "  جامع المسائل (1/92).
قال اللالكائي في السنة 914 - أخبرنا محمد بن علي بن النضر قال : أخبرنا علي بن عبد الله بن مبشر قال : ثنا أبو حاتم محمد بن إدريس قال : ثنا محمود بن غيلان أبو أحمد قال : سمعت مؤمل بن إسماعيل يقول في غير مجلس : يقبل علينا ، أحرج على كل مبتدع جهمي ، أو رافضي ، أو قدري ، أو مرجئ سمع مني ، والله لو عرفتكم لم أحدثكم "
 🔸اختم بهذا النقل للشيخ العثيمين رحمه الله :
"ولهذا نرى أن الإنسان لا يجلس إلى أهل الأهواء والبدع مطلقا حتى وإن كان لا يجد علم العربية والصرف والبلاغة مثلا إلا فيهم فسيجعل الله له خيرا منهم لأن كوننا نأتي إلى هؤلاء ونتردد إليهم لا شك أنه يوجب غرورهم واغترار الناس بهم .
وقال رحمه الله
: حذر المؤلف من أهل البدع هذا التحذير البليغ وهم جديرون بذلك ولا سيما إذا المبتدع سليط اللسان فصيح البيان لإن شره يكون أكبر .
ثم قال رحمه الله : وقد مر علينا في الدرس الماضي أنه وإن كان المبتدع عنده علوم لا توجد عند أهل السنة و لا تعلق بالعقيدة كمسائل النحو والبلاغة وماأشبهها فلا تأخذ منه لأنه يتولد من ذلك مفسدتان
الأولى : اغتراره بنفسه والثاني اغترار الناس به لأن الناس لا يعلمون ، لذلك يجب الحذر .
الشريط الخامس من شرح حلية طالب العلم

عبدالله بن محمد الحساني
ليلة الخميس 16 ربيع الأول 1438

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق