قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
" أما الأحاديث فإنما هي حديث مختلف في صحته، وآخر متفق على
ضعفه.
فالأول: حديث مسلم وغيره عن أبي سعيد الخدري مرفوعا «لا تكتبوا عني، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه، وحدثوا عني ولا حرج، ومن كذب علي-قال همام: أحسبه قال «متعمدا» – فليتبوأ مقعده من النار» هذا لفظ مسلم.
الثاني: «دخل زيد بن ثابت على معاوية فسأله عن حديث وأمر إنسانا أن يكتبه فقال له زيد: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا أن لا نكتب شيئا من حديثه. فمحاه»
أقول: إما حديث أبي سعيد ففي فتح الباري (١٨٥:١) : «منهم (يعني الأئمة) من أعل حديث أبي سعيد وقال: الصواب وقفه على أبي سعيد، قاله البخاري وغيره «أي الصواب أنه من قول أبي سعيد نفسه، وغلط بعض الرواة فجعله عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أورد ابن عبد البر في كتاب العلم (٦٤:١) قريبا من معناه موقوفا عن أبي سعيد من طرق لم يذكر فيها النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما حديث زيد بن ثابت فهو من طريق كثير بن زيد عن المطلب بن عبد الله بن حنطب قال: دخل زيد بن ثابت الخ.
وكثير غير قوي، والمطلب لم يدرك زيدا.
أما البخاري فقال في صحيحه «باب كتابة العلم» ثم ذكر قصة الصحيفة التي كانت عند علي رضي الله عنه، ثم خطبة النبي صلى الله عليه وسلم زمن الفتح وسؤال رجل أن يكتب له، فقال النبي صلى الله عليه وسلم «اكتبوا لأبي فلان» وفي غير هذه الرواية «لأبي شاه»
ثم قول أبي هريرة «ما من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحد أكثر حديثا عنه مني إلا ما كان من عبد الله بن عمرو، فإنه كان يكتب وأنا لا أكتب»
ثم حديث ابن عباس في قصة مرض النبي صلى الله عليه وسلم، وقوله «ائتوني بكتاب أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده» وفي بعض روايات حديث أبي هريرة في شأن عبد الله بن عمرو «استأذن رسول الله صلى اله عليه وسلم أن يكتب بيده ما سمع منه فأذن له» رواه الإمام أحمد والبيهقي.
قال في فتح الباري (١٨٥:١) : «إسناده حسن، وله طريق أخرى ... » وله شاهد من حديث عبد الله بن عمرو نفسه جاء من طرق، راجح فتح الباري والمستدرك (١٠٤:١) ومسند أحمد بتحقيق الشيخ أحمد محمد شاكر رحمه الله الحديث: ٠ ٦٥١ وتعليقه.
وقد اشتهرت صحيفة عبد الله بن عمرو التي كتبها عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يغتبط بها ويسميها «الصادقة» وبقيت عند ولده يروون منها، راجح ترجمة عمرو بن شعيب في تهذيب التهذيب.
أما زيادة ما انتشر عن أبي هريرة من الحديث عما انتشر عن عبد الله بن عمرو؛ فلأن عبد الله لم يتجردللرواية تجرد أبي هريرة، وكان أبو هريرة بالمدينة وكانت دار الحديث لعناية أهلها بالرواية، ولرحلة الناس إليها لذلك، وكان عبد الله تارة بمصر، وتارة بالشام، وتارة بالطائف، مع أنه كان يكثر من الأخبار عما وجده من كتب قديمة باليرموك، وكان الناس لذلك كأنهم قليلو الرغبة في السماع منه، ولذلك كان معاوية وابنه قد نهياه عن التحديث.
فهذه الأحاديث، وغيرها مما يأتي إن لم تدل على صحة قول البخاري وغيره: إن حديث أبي سعيد غير صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإنها تقضي بتأويله، وقد ذكر في فتح الباري أوجها للجمع، والأقرب ما يأتي: قد ثبت في حديث / زيد بن ثابت في جمعه القرآن «فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف» ، وفي بعض رواياته ذكر القصب وقطع الأديم. وقد مر قريبا ، وهذه كلها قطع صغيرة، وقد كانت تنزل على النبي صلى الله عليه وسلم الآية والآيتان فكان بعض الصحابة يكتبون في تلك القطع فتتجمع عند الواحد منهم عدة قطع في كل منها آية أو آيتان أو نحوها وان هذا هو المتيسر لهم، فالغالب أنه لو كتب أحدهم حديثا لكتبه في قطعة من تلك القطع، فعسى أن يختلط عند بعضهم القطع المكتوب فيها الأحاديث بالقطع المكتوب فيها الآيات، فنهوا عن كتابة الحديث سد للذريعة ."
الأنوار الكاشفة (35-36)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق