قال الألوسي رحمه الله تعالى :
" أن القول بوجود الخضر وحياته والاعتقاد برجال الغيب وأمثاله؛ إن كان من واجبات الشريعة وأركان الديانة كالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ووجود الجن ونحو ذلك مما وردت نصوص الكتاب والسنة به، فلم لم ينص عليها في القرآن ولم يرد فيها حديث صحيح؟ فإذا سأل رب العالمين عبدا من عباده وقال له: لم لم تؤمن بحياة الخضر الأبدية، وكذبت بالأقطاب والأوتاد والأبدال؟ ونحوهم مما قال به الصوفية! ثم أجابه بقوله: يا رب العالمين، ويا خالق السموات والأرضين؛ إنك كلفت الناس أن يؤمنوا بك وإن لم ترك العيون ولم تحط بك الظنون، ولكن نصبت لهم دلائل في الآفاق والأنفس على وجودك عدا ما ورد من النصوص على لسان أنبيائك ورسلك، وأودعت في كل شيء آية تدل على أنك الواحد، بل كل ذرة من ذرات العوالم هي أعدل شاهد، ثم إنك ملأت كتابك الكريم من ذكر الملائكة والرسل والجن وغير ذلك مما لم نره، ثم إن نبيك صلى الله عليه وسلم وسائر الأنبياء كلهم أخبروا بذلك، فلذلك اعترفنا وصدقنا بما ذكر، وأما الخضر ومن ذكر معه فلم نر في كتابك الكريم آية تدل على خلوده ولا وجوده ووجودهم، وأما ما رواه الكذابون عن نبيك صلى الله عليه وسلم من ذلك فقال المحققون من أهل العلم: إنها كذب لا أصل لها، بل الوارد خلاف ذلك، فكيف يا إلهي أؤمن بأمور موهومة وأشخاص غير معلومة؟ وقد أنعمت علي بعقل أزن فيه الأمور وأجعله حكما عدلا، ودليلا هاديا إذا أعضلت علي المقاصد "
غاية الأماني (1/527)
وقال الألوسي رحمه الله تعالى نقلاً عن شيخ الإسلام رحمه الله :
"وموسى لم يعرف الخضر، والخضر لم يكن يعرف موسى، بل لما سلم عليه موسى قال له الخضر وإني بأرضك السلام؟ فقال له: أنا موسى، قال: موسى بني إسرائيل؟ قال نعم. فكان قد بلغه اسمه وخبره ولم يكن يعرف عينه. ومن قال: إنه نقيب الأولياء وأنه يعلمهم كلهم فقد قال الباطل.
والصواب الذي عليه المحققون، أنه ميت، وأنه لم يدرك الإسلام، ولو كان موجودا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لوجب عليه أن يؤمن به ويجاهد معه، كما أوجب الله ذلك عليه وعلى غيره، ولكان يكون بمكة والمدينة، وكان يكون حضوره مع الصحابة رضي الله عنهم للجهاد معهم وإعانتهم على الدين أولى له من حضوره عند قوم كفار ليرقع لهم سفينتهم، ولم يكن عن خير أمة خرجت للناس مختفيا، وهو قد كان بين المشركين ولم يحتجب عنهم.
ثم ليس للمسلمين به وبأمثاله حاجة لا في دينهم ولا دنياهم، فإن دينهم أخذوه عن الرسول صلى الله عليه وسلم النبي الأمي، الذي علمهم الكتاب والحكمة، وقال لهم نبيهم صلى الله عليه وسلم: "لو كان موسى حية ثم اتبعتموه وتركتموني لضللتم". وعيسى ابن مريم إذا نزل من السماء إنما يحكم فيهم بكتاب ربهم وسنة نبيهم، فأي حاجة لهم مع هذا إلى الخضر أو غيره والنبي صلى الله عليه وسلم قد أخبرهم بنزول عيسى من السماء، وحضوره مع المسلمين، فإذا كان هذان النبيان الكريمان اللذان هما مع إبراهيم وموسى ونوح أفضل الرسل ومحمد صلى الله عليه وسلم ولد آدم ولم يحتجبوا عن هذه الأمة لعوامهم ولا خواصهم فكيف يحتجب عنهم من ليس مثلهم؟ وإذا كان الخضر حيا دائما فكيف لم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك قط؟ ولا أخبر به أمته ولا خلفاءه الراشدين."
مجموع الفتاوى نقله في غاية الأماني (1/532)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق