عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لما اقترف آدم الخطيئة قال: يا رب؛ أسألك بمحمد صلى الله عليه وسلم إلا ما غفرت لي. قال الله: يا آدم؛ كيف عرفت محمدا ولم أخلقه؟ قال: يا رب؛ لما خلقتني بيدك ونفخت في من روحك، رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوبا: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فعلمت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك. فقال له الله: صدقت يا آدم! إنه لأحب الخلق إلي، وإذ سألتني بحقه فقد غفرت لك، ولولا محمد ما خلقتك"
.
الرد عليها :
حديث باطل.
أخرجه الحاكم (٢/٦١٥) والبيهقي في "دلائل النبوة" (٥/٤٨٨) من طريق: أبي الحارث عبد الله بن مسلم الفهري، حدثنا إسماعيل بن مسلمة، أنبأنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن جده، عن عمر بن الخطاب مرفوعا.
وقال الحاكم: "صحيح الإسناد، وهو أول حديث ذكرته لعبد الرحمن بن زيد بن أسلم في هذا الكتاب".
وتعقبه الذهبي بقوله: "قلت: بل موضوع، وعبد الرحمن واه. قال الحاكم: وهو أول حديث ذكرته له في هذا الكتاب. (قلت) : رواه عبد الله بن مسلم الفهري؛ ولا أدري من ذا، عن إسماعيل بن مسلمة عنه".
وقال شيخ الإسلام- رحمه الله- في "قاعدة جليلة" (ص ٧٣- ط. المكتب الإسلامي) أو (١/٢٥٤- ٢٥٥- مجموع الفتاوى) : "ورواية الحاكم لهذا الحديث مما أنكر عليه، فإنه نفسه قد قال في كتاب "المدخل إلى معرفة الصحيح من السقيم": عبد الرحمن بن زيد بن أسلم روى عن أبيه أحاديث موضوعة، لا يخفى على من تأملها من أهل الصنعة أن الحمل فيها عليه" اهـ.
وكذا قال الحافظ في "النكت" (١/٣١٨) . وانظر كلام الحاكم في "المدخل إلى الصحيح" (١/١٩٩/٩٧) .
وقد قال عنه الطحاوي: "حديثه عند أهل العلم بالحديث في النهاية من الضعف".
وقال أبو حاتم كما في "الجرح والتعديل" (٥/٢٣٣- ٢٣٤) : " ليس بقوي في الحديث، كان في نفسه صالحا وفي الحديث واهيا".
وقال ابن حبان في "المجروحين" (٢/٥٧) : "كان ممن يقلب الأخبار وهو لا يعلم، حتى كثر ذلك في روايته من رفع المراسيل، وإسناد الموقوف؛ فاستحق الترك".
وقال البخاري والنسائي: " ضعفه علي جدا". وقال الساجي: "منكر الحديث".
وعبد الله بن مسلم الفهري؛ قال عنه الذهبي في "الميزان" (٣/٢١٨) : "روى عن إسماعيل بن مسلمة بن قعنب، عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم خبرا باطلا: "يا آدم لولا محمد ما خلقتك.." اهـ.
والحديث أخرجه الطبراني في "الصغير" (٢/٨٢- ٨٣) وفي "الأوسط" (٦٥٠٢) من طريق أخرى عن عبد الرحمن بن زيد به.
وقال: "لا يروى عن عمر إلا بهذا الإسناد؛ تفرد به أحمد بن سعيد". وقال في " الأوسط": "لم يرو هذا الحديث عن زيد بن أسلم إلا ابنه عبد الرحمن، ولا عن ابنه إلا عبد الله بن إسماعيل المدني، ولا يروى عن عمر إلا بهذا الإسناد".
قلت: لم يتفرد به عبد الله بن إسماعيل؛ بل تابعه إسماعيل بن مسلمة كما تقدم عند الحاكم والبيهقي.
وأخرجه الآجري في "الشريعة" (٢/٢٤٨- ٢٤٩/١٠١٢) موقوفا على عمر رضي الله عنه.
وهذا من خلط عبد الرحمن بن زيد ووهمه.
خلاصة القول: إن الحديث باطل موضوع؛ وانظر لزاما ما كتبه العلامة المحدث محمد ناصر الدين الألباني حول الحديث في "الضعيفة" (٢٥) .
تنبيه: قال العلامة الفقيه الأصولي الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ- حفظه الله ونفع به- في كتابه الماتع "هذه مفاهيمنا" (ص٢٥) هامش رقم (١) : "ومن اللطائف أن طبعة المستدرك الهندية وقع فيها خطأ مطبعي؛ هكذا: "هذا حديث صيح الإسناد"! وصيح الإسناد من قولك: تصيح الشيء؛ إذا تكسر. كما في "تاج العروس شرح القاموس" (٢/١٨٦) . فمعنى: صيح الإسناد: متكسر الإسناد. وهذه عجيبة، ولله حكمة في وقوع هذا الخطأ؛ فيتبصروا" اهـ.
قلت: وانظر لمزيد من الفائدة "التوسل أنواعه وأحكامه" للشيخ الألباني- رحمه الله- (ص١١٥- وما بعدها) .
قال الألوسي رحمه الله تعالى في رد شبهة هذا الحديث :
"الجواب: أن يقال: هذا الحديث لا أصل له، بل الثابت عند أهل العلم والمفسرين أن قوله تعالى: {فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم} ١. نزل في توبة آدم، وهذه الكلمات هي المفسرة بقوله تعالى: {ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين} ٢. وهذا مروي عن سعيد بن جبير، ومجاهد، وأبي العالية، والربيع بن أنس، والحسن، وقتادة، ومحمد بن كعب القرظي، وخالد بن معدان، وعطاء الخراساني، وعبد الرحمن بن يزيد.
وعن عبيد بن عمير أنه قال: قال آدم: يا رب؛ خطيئتي التي أخطأت شيء كتبته علي قبل أن تخلقني أو شيء ابتدعته من قبل نفسي؟ قال: بل كتبته عليك قبل أن أخلقك، قال: فكما كتبته علي فاغفره لي. فذلك قوله: {فتلقى آدم من ربه كلمات} ١.
وعن ابن عباس؛ قال آدم عليه السلام: ألم تخلقني بيدك؟ قيل له: بلى. ونفخت في من روحك؟ قيل له: بلى. وعطست فقلت: يرحمك الله، وسبقت رحمتك غضبك؟ قيل: بلى. وكتبت علي أن أعمل هذا؟ قيل له: بلى. قال: أفرأيت إن تبت هل أنت راجعي إلى الجنة؟ قال: نعم٢. وكذا رواه العوفي وسعيد بن جبير، وسعيد بن معبد. ورواه الحاكم في مستدركه إلى ابن عباس٣. وروى ابن أبي حاتم حديثا مرفوعا شبيها بهذا٤.
وعن مجاهد قال الكلمات: اللهم لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك، ربي إني ظلمت نفسي فاغفر لي إنك خير الغافرين، اللهم لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك إني ظلمت نفسي فاغفر لي إنك خير الراحمين، اللهم لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك رب إني ظلمت نفسي فتب علي إنك أنت التواب الرحيم"٥. وهذا ما عليه المفسرون، لا ما قاله الغلاة. فإن كان بعض من لا بصيرة له قد ذكره فالحجة فيما ثبت عن الصحابة وعن سلف الأمة وأئمتها، ولا يجوز تفسير القرآن بأقوال شاذة أو موضوعة لا تثبت عند أهل العلم والحديث وأئمة التصحيح والترجيح.
١ أخرجه ابن أبي حاتم (١/١ ٩/٤٠٩) وابن جرير في "تفسيره" (١/رقم: ٧٨١- ٧٨٤) وأبو نعيم في "الحلية" (٣/٢٧٣) وأبو الشيخ في "العظمة" (رقم: ١٠١١) .
وانظر: "تفسير ابن كثير"(٢/٣٠٨) .
٢ أخرجه ابن أبي حاتم (١/٩٠- ٩١/٤٠٧) بإسناد منقطع.
٣ "المستدرك" (٢/٥٤٥) وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
٤ أخرجه ابن أبي حاتم (١/٩٠/٤٠٦) وقال الحافظ ابن كثير: "هذا غريب من هذا الوجه، وفيه انقطاع".
٥ أخرجه ابن أبي حاتم (١/٩١/٤١١) .
"
غاية الأماني (1/ 372-373)
عبدالله بن محمد الحساني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق