الجمعة، 25 أغسطس 2017

لا شيء أقبح من الكذب

لحمدلله وصلى الله وسلم على مصطفاه و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.
🔸 أما بعد: فمن دنيئ الأخلاق وسيئها وأخسها خلق الكذب ولا خلاف بين الناس مسلمهم وكافرهم في ذم الكذب وأنه مما تنفر منه النفوس السوية، ففي الصحيحين أن أبا سفيان لما دعاه هرقل ليسأله عن النبي صلى الله عليه وسلم وكان كافراً يومئذٍ قال: " فَوَاللَّهِ لَوْلَا الْحَيَاءُ مِنْ أَنْ يَأْثِرُوا  عَلَيَّ كَذِبًا  لَكَذَبْتُ عَنْه ُ..  "
🔸 ومع قبح الكذب فإن كثيراً من المسلمين يكذبون حتى صار عادة لبعضهم وأصبح الصدق وتحريه من النادر عند بعض أهل الإسلام وإلى الله المشتكى.
🔸والأسوأ من ذلك أن يكذب من ينتسب إلى الشرع والدعوة إلى الله ومن هذا حاله ينبغي أن يبعد نفسه عن كل دنيئ لأنه يقرع سمعه من الزواجر ما يكفه عن ذلك بل هو داع إلى الله وأساس الدعوة هو الصدق والقول السديد وقد نفر علماء السلف من هذا الفعل بما فيه الكفاية للمنتسب للعلم " فقد دخل سليمان بن يسار على هشام بن عبد الملك:
فقال: يا سليمان، من الذي تولى كبره منهم؟
قال: عبد الله بن أبي ابن سلول.
قال: كذبت، هو علي.
فدخل ابن شهاب، فسأله هشام، فقال: هو عبد الله بن أبي.
قال: كذبت، هو علي.
فقال: أنا أكذب ؟ لا أبا لك ! فوالله لو نادى مناد من السماء: إن الله أحل الكذب، ما كذبت !
حدثني سعيد، وعروة، وعبيد، وعلقمة بن وقاص، عن عائشة:
أن الذي تولى كبره عبد الله بن أبي.
تاريخ دمشق (55/371)  .  فهذا شأن المنتسبين للشرع أنهم ينفرون من هذا الخلق ومن سار على دربهم ينبغي أن يكون كذلك.
🔸وقد ابتليت قديماً بأحدهم يكذب علي ويعلم أنه ينشر كذباً ولم أعر الأمر اهتماماً ثم تكرر الأمر من غيره معي فتيقنت أن هناك خللاً واضحاً وقد يظن هذا الذي يكذب أنه بذلك يستطيع أن يغير بكذبه ذلك،  ولكن لا يعلم أن عمله ذلك سيضمحل ويتلاشى والأمر كما كان التابعي الجليل الربيع بن خثيم يقول :
"كلما لا يبتغى به وجه الله عزوجل يضمحل"  المخلصيات (2569).
🔸 والكاذب يكذب لمهانة في نفسه ونقص فيها وإلا لو لم يكن كذلك ما لجأ للكذب،  قال التابعي محمد بن كعب القرظي :
" لا يكذبُ الكاذب إلا من مهانة نفسِهِ عليه " تاريخ ابن أبي خيثمة( ٣٦٩)
قال  ابن حزم  رحمه الله :
 " لا شيء أقبح من الكذب ؟
وما ظنُّك بعيبٍ يكون الكفر نوعاً من أنواعه ، فكل كفرٍ كذب ، فالكذب جنسٌ ، والكفر نوعٌ تحته .
والكذب متولِّدٌ من الجور والجبن والجهل ؛ لأنَّ الجبن يُولِّد مهانة النفس ، والكذَّاب مهين النفس بعيدٌ عن عزتها المحمودة  " .
مداواة النفوس (٦١/١).
🔸 والكاذب لا يترك الكذب ولا يتوب غالباً لأن ذنبه يجعل القلب منكوساً مطبوعاً عليه قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه :
" وَإِيَّاكُمْ  والكذب فَإِنَّهُ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ كَذَّابًا وَيَثْبُتُ الْفُجُورُ فِي قَلْبِهِ.
فَلَا يَكُونُ لِلْبَرِّ مَوْضِعُ إِبْرَةٍ يَسْتَقِرُّ فِيهَا "
الجعديات (88)
قال ابن حزم رحمه الله : " وما أحببت كذَّاباً قط ، وإنِّي لأسامح في إخاء كلِّ ذي عيب وإنْ كان عظيماً ، وأكل أمره إلى خالقه عز وجل ، وآخذ ما ظهر من أخلاقه حاشا من أعلمه يكذب ، فهو عندي ماحٍ لكلِّ محاسنه ، ومُعفٍ على جميع خصاله ، ومُذهبٌ كلَّ ما فيه, فما أرجو عنده خيراً أصلا ، وذلك لأنَّ كلَّ ذنبٍ فهو يتوب عنه صاحبه ، وكل ذمٍّ فقد يمكن الاستتار به والتوبة منه ، حاشا الكذب فلا سبيل إلى الرجعة عنه ولا إلى كتمانه حيث كان .
وما رأيت قط ولا أخبرني من رأى كذَّاباً ترك الكذب ولم يعد إليه ، ولا بدأت قط بقطيعة ذي معرفةٍ إلاَّ أنْ أطلع له على الكذب ، فحينئذ أكون أنا القاصد إلى مجانبته والمتعرض لمتاركته ، وهي سمةٌ ما رأيتها قط في أحدٍ إلا وهو مَزنونٌ إليه بشرٍّ في نفسه، مغموزٌ عليه لعاهة سوءٍ في ذاته ، نعوذ بالله من الخذلان .....
 فالكذب أصل كلِّ فاحشةٍ ، وجامع كلِّ سوءٍ ، وجالبٌ لمقت الله عز وجل ."  طـوَّق الـحـمـامـة (١٧٥/١).
ولعله قد كتب عند الله كذاباً لكثرة كذبه وتحريه له قال البخاري:  6094 حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ ، عَنْ مَنْصُورٍ ، عَنْ  أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ  رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :  " إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يَكُونَ صِدِّيقًا، وَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا ". والحديث اخرجه التسعة ما عدا النسائي.
🔸وهذا الكاذب من المنتمين للشرع هو سبب التفرق الحاصل بين المسلمين بسبب تركه حظاً مما أنزله الله تعالى  ﴿وَمِنَ الَّذينَ قالوا إِنّا نَصارى أَخَذنا ميثاقَهُم فَنَسوا حَظًّا مِمّا ذُكِّروا بِهِ فَأَغرَينا بَينَهُمُ العَداوَةَ وَالبَغضاءَ إِلى يَومِ القِيامَةِ وَسَوفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِما كانوا يَصنَعونَ﴾ [المائدة: ١٤].
🔸اللهم إني أعوذ بك من الكذب والنفاق والشقاق وسيئ الأخلاق اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين.
والله الموفق لا رب سواه وصلى الله على على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
عبدالله الحساني.
ليلة الثلاثاء 16-11-1438

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق