الجمعة، 25 أغسطس 2017

الرد على محمد حسين في كلامه عن حكم قول (العفو لله ورسوله)

الحمدلله وصلى الله وسلم على مصطفاه و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.
  أما بعد: فقد كتب أبو المنذر محمد حسين منشوراً في صفحته على الفيس بوك تكلم فيه عن حكم قول (العفو لله ورسوله)  وخلاصة المنشور أن هذا القول ليس منهياً عنه وأن له مخرجاً ثم استدل بحديث عائشة رضي الله عنها وهذا القول منه فيه بعد وتكلم في مسألة عقدية بكلام ظني. وفي مسائل الاعتقاد لابد من رد المتشابه للواضحات ولابد من رد المسألة لمثيلاتها حتى يعرف الحق من الباطل فيها وماجاء في السنة في هذا الباب جعل أهل العلم في باب الشرك الأصغر قول ما شاء الله وشئت، كما روى النسائي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ما شاء الله وشئت، فقال: ((أجعلتني لله نداً؟ ما شاء الله وحده))  . ولأبي داود بسند صحيح عن حذيفة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تقولوا ما شاء الله وشاء فلان، ولكن قولوا ما شاء الله ثم شاء فلان))  .
 والفرق بين الواو وثم أنه إذا عطف بالواو كان مضاهياً مشيئة الله بمشيئة العبد إذ قرن بينهما، وإذا عطف بثم فقد جعل مشيئة العبد تابعة لمشيئة الله عز وجل كما قال تعالى: (وَمَا تَشَاؤُونَ إِلا أَن يَشَاء اللَّهُ )
  وأما في هذه المسألة فيقال ( أن العفو لله وحده ولا يقال لله ثم رسوله لأن العفو والمغفرة والتجاوز إنما تكون لله وحده  ( ومن يغفر الذنوب إلا الله) .
  أما قوله ( الكلام فيه محذوف...  اذا كان التقدير ( طاعة) ..
فيقال أن هذا من التلبيس وتحميل الكلام على غير ماهو مراد منه ولو سئل الناس عن مرادهم لما وجدنا هذا عند أحد منهم بل بعضهم يقول إذا طلب منه العفو ( لوجه الله والرسول) . فأنت ترى أن هذا الحمل فيه من التكلف مافيه ولو صح لوجب أن يسد حفظاً لجناب التوحيد وسداً لذريعة الشرك.
 
أما ماذكره من حديث عائشة رضي الله عنها المخرج في الصحيحين ( أَنَّهَا اشْتَرَتْ نُمْرُقَةً فِيهَا تَصَاوِيرُ فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ عَلَى الْبَابِ فَلَمْ يَدْخُلْ فَعَرَفْتُ أَوْ فَعُرِفَتْ فِي وَجْهِهِ الْكَرَاهِيَةُ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتُوبُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ فَمَاذَا أَذْنَبْتُ...؟)

الجواب:
كما  هو مقرر أن التوبة عبادة من أجل العبادات وأعظمها شأنا ، ولا يجوز أن تبذل لغير الله - شأنها في ذلك شأن كل عبادة - سواء كان  نبيا مرسلا ، أو ملكا مقربا ، أو عبدا صالحا ، وهي التوبة الشرعية التي في قوله تعالى : ( وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) [النور/31] .

وأما ما ورد في الحديث من قول عائشة رضي الله عنها : ( أتوب إلى الله وإلى رسوله ):

فالتوبة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم محمولة على معناها اللغوي لا الشرعي الاصطلاحي ، ومعناها الرجوع عن الخطأ ، فهي رضي الله عنها أرادت أنها راجعة عن خطئها في حق الله وفي حق رسوله ، إن كانت أخطأت ، مستغفرة من ذنبها، إن كانت أذنبت.

قال الطيبي رحمه الله :
" فيه أدب حسن من عائشة رضي الله عنها ، حيث قدمت التوبة على اطلاعها على الذنب " .
"شرح مشكاة المصابيح" للطيبي (8/274) .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
أن التوبة لا شك عبادة ، ولكن هذا من التوبة اللغوية ، والتوبة اللغوية تكون عبادة وغير عبادة ، ولهذا فصلتها رضي الله عنها وقالت : (وإلى رسوله) فأعادت حرف الجر لتكون توبة متميزة عن التوبة الأولى .

ويؤيد هذا المسلك أن التوبة في اللغة تعنى الرجوع ، قال ابن فارس رحمه الله :
" التاء والواو والباء كلمةٌ واحدةٌ تدلُّ على الرُّجوع . يقال تابَ مِنْ ذنبه ، أي رَجَعَ عنه "
انتهى . "مقاييس اللغة" (1/326) .

قال منك الرجوع إلى كل منهما " انتهى .
"مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" (13/ 234) .
وقد سئلت اللجنة الدائمة هذا السؤال:
هل يجوز قول : (تبت لله والرسول) ، و(أستودعك الله ورسوله) في الوداع ، و(حسبنا الله والنبي) ، في الأذكار ؟

الجواب :
الحمد لله
" التوبة والإنابة قربة أمر الله بها في قوله : (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) النور/31 ، وقوله : (وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ) الزمر/54 ، فلا يكون ذلك لأحد من خلقه ، لا ملك مقرب ، ولا نبي مرسل ، وكذا الحسب والكفاية لا يكونان إلا من الله تعالى ، ولذلك أثنى الله على أهل التوحيد ، حيث أفردوه بالحسب ، فقال تعالى : (الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) آل عمران/173 ، ولم يقولوا : حسبنا الله ورسوله.

قال ابن القيم رحمه الله في تفسير قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنْ اتَّبَعَكَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ)الأنفال/64 ، أي : الله كافيك ، وكافي أتباعك ، فلا تحتاجون معه إلى أحد . وذكر أن هذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ، ثم خَطَّأ من قال : المعنى : حسبك الله وحسبك المؤمنون ، وعلل ذلك بأن الحسب والكفاية لله وحده ، كالتوكل والتقوى والعبادة ، قال الله تعالى : (وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ) الأنفال/62 ، ففرق بين الحسب والتأييد ، فجعل الحسب لله وحده ، وجعل التأييد له بنصره وبعباده ، وأثنى على أهل التوحيد من عباده ، حيث أفردوه بالحسب ، فقال تعالى : (الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) آل عمران/173 ، ولم يقولوا حسبنا الله والرسول ، ونظير هذا قوله ، (وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ) التوبة/59 ، فتأمل كيف جعل الإيتاء لله والرسول ، وجعل الحسب له وحده فلم يقل : ( وقالوا حسبنا الله ورسوله) بل جعله خالص حقه ، كما قال : (إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ) التوبة/59 ، فجعل الرغبة إليه وحده ، كما قال : (وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ) الشرح/8 ، فجعل الرغبة والتوكل والإنابة والحسب لله وحده ، كما أن العبادة والتقوى والسجود والنذر والحلف لا يكون إلا له سبحانه وتعالى . اهـ .

وبهذا يعلم أن ما يقوله بعض الناس عند التوبة : (تبت إلى الله والرسول) أمر لا يجوز ، وكذا قولهم : (حسبنا الله والنبي) لا يجوز ، بل ذلك شرك ، وكذا قول بعضهم في وداع المسافر : (أستودعك الله ورسوله) ؛ لما رواه أبو داود والترمذي عن ابن عمر رضي الله عنهما ، أنه كان يقول للرجل إذا أراد سفراً : ادن مني أودعك كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يودعنا ، فيقول : (أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم أعمالك ) .

وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء .
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ...
الشيخ عبد الرزاق عفيفي ...
 الشيخ عبد الله بن غديان .
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (24/298) .
🔸 وفيما ذكر كفاية لطالب الحق وأختم قولي بتذكير نفسي والكاتب وغيرنا بالوقوف بين يدي الله وأن أعمالنا ستعرض عليه فلنستعد لذلك الوقوف.، وأيضاً من أعظم الذنوب القول على الله بلا علم والدعوة بلا بصيرة والسلامة لا يعدلها شيء.

ليلة الخميس 12/ شعبان / 1437
عبدالله الحساني⁠⁠⁠⁠

هناك تعليقان (2):