الثلاثاء، 17 يوليو 2018

ذم الإكثار من العلم هو الجهل!

الحمدلله وصلى الله وسلم على مصطفاه و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.
🔸 أما بعد: فقد رأيت كتابة لأحدهم يذم الإكثار من العلم والدروس بحجج واهية وكلام ظاهره الرحمة وباطنه العذاب،   ومثل هذا إن أحسن الناس فيه الظن رموه بالجهل وحاله يصح أن يوصف بما قال القائل:
أتانا أن سهلاً ذم جهلاً  علوماً ليس يعرفهُن سهل
علوماً لو دراها ما قلاها  ولكن الرضا بالجهل سهل
وكذلك يوصف بما قاله الإمام ابن القيم رحمه الله :"  وَالْجَاهِلُ الظَّالِمُ لَا يَرَى الْإِحْسَانَ إلَّا إسَاءَةً ، وَلَا الْهُدَى إلَّا الضَّلَالَةَ .

فَقُلْ لِلْعُيُونِ الرُّمْدِ لِلشَّمْسِ أَعْيُنٌ ... سِوَاكِ تَرَاهَا فِي مَغِيبٍ وَمَطْلَعِ
وَسَامِحْ نُفُوسًا بِالْقُشُورِ قَدْ ارْتَضَتْ ... وَلَيْسَ لَهَا لِلُّبِّ مِنْ مُتَطَلَّعِ " إعلام الموقعين ( ٢٦/٤ )
🔸وإلا فمثله حريٌ أن يظن به أنه يريد أن يظل الشباب في جهل حتى يسهل عليه قيادتهم ووجودهم معه.
  وهؤلاء الذين يزهدون من الإكثار من العلم أو يقفون في طريق طلاب العلم  أضر على المسلمين من غيرهم،  قال الإمام ابن القيم رحمه الله: " نواب إبليس في الأرض : هم الذين يُثبطون الناس عن طلب العلم ، والتفقه في الدين ،
فهؤلاء أضرُّ عليهم من شياطين الجن ؛ فإنهم يَحُولون بين القلوب ، وبين هدى الله وطريقه " مفتاح دار السعادة (١/١٦٠).
🔸 وهذا الوقت ينبغي أن يوصى فيه الناس بالعلم ويحث الطلاب بالإكثار منه وعدم الانشغال عنه بشيء آخر لقلة طلابه ولكثرة نفور الناس عن الطلب وقلة العلماء. 
وما بَقيَتْ من اللَّذَّات إلا... محادثةُ الرِّجال ذوي العُقولِ
وقد كَانوا إذا ذُكِرُوا قليلاً... فقد صارُوا أقلَّ مِن القَليلِ
 والحال كما قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
"المصيبة حق المصيبة إعراض الناس عن هذا العلم العظيم  *ولم يبق إلا أفراد يلمون بشيء من ظاهره* ." الأنوار الكاشفة (٩١).
لكن حال هذا المزهد في الإكثار من العلم كما وصف الإمام ابن القيم بعضهم فقال : "فهذا سؤال له شأن ينبغي الاعتناء به ولا يهمل أمره ، وقلَّ من يُدرك سرّه إلا من رزقه الله فهما خاصا وعناية ، وليس هذا من شأن أبناء الزمان الذين غاية فاضلهم نقلا أن يحكي قيلا وقالا ! وغاية فاضلهم بحثا أن يبدي احتمالا ويبرز إشكالا ! وأما تحقيق العلم كما ينبغي :
فللحروب أناسٌ قائمون بها ... وللدواوين كتّاب وحسّاب
• - وقد كان الأولى بنا الإمساك وكفّ عنان القلم وأن نجري معهم في ميدانهم ونخاطبهم بما يألفونه ، وأن لا نجلوا عرائس المعاني على ضرير ، ولا نزُف خَوْدَها * إلى عنّين ، ولكن هذه سلعة وبضاعة لها طُلاب ، وعروس لها خطاب ، فستصير إلى أهلها وتهدي إلى بعلها..
 ولا تستطل الخطابة فإنها نفثة مصدور !!  بدائع الفوائد ( ٦٤١/٢ )
* الخَود: الفتاة الحسنة، والجارية الناعمة
🔸وأكثر الناس اهتماماً بالعلم هم السلفيون لذلك لا يتخيل من منتسب إليهم وهو يزهد في العلم فإنهم يجعلونه أصلاً من أصول دعوتهم ،  قال الشيخ عبدالسلام البرجس رحمه الله في محاضرة له بعنوان أصول الدعوة السلفية: " الاهتمام والعناية بطلب العلم الشرعي والتفقه في الدين :
في حين أن كثيراً من الجماعات الإسلامية اليوم متفلتة عن العلم الشرعي،  وفي حين أن كثيراً من أتباع تلك الجماعات متفلتون عن العلم الشرعي فإن الدعوة السلفية تولي طلب العلم الشرعي أهمية كبيرة،  إذ هو الركيزة والأساس المتين الذي تقوم عليه الحياة.
فبناء الفرد وبناء المجتمع لا يقومان ولا يصلحان إلا بالعلم الشرعي لذا فإن الله عز وجل أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بالعلم قبل القول والعمل فقال عز وجل: " فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين.. "
  ونحن إنما جعلنا العلم بداية الأصول،  لأن السبل كثيرة وكلها سبل متاهات إلا سبيل رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال الله تعالى: " وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله "
ولا سبيل إلى سلوك طريق السنة إلا بالعلم الذي يكشف الحقائق،  وينير الطريق... "
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"وأما العِلْمُ بالكتاب والحكمة فهو فرضٌ على الكفاية، لا يجب على كل أحدٍ بعينه أن يكون عالماً بالكتاب: لفظه ومعناه، عالماً بالحكمة جميعها، بل المؤمنون كلهم مخاطَبون بذلك، وهو واجبٌ عليهم، كما هم مخاطَبون بالجهاد، بل وجوب ذلك *أسبَقُ وأَوْكَدُ من وجوب الجهاد! فإنه أصل الجهاد، ولولاه لم يَعرفوا عَلامَ يقاتِلون! ولهذا كان قيام الرسول والمؤمنين بذلك قبل قيامهم بالجهاد، فالجهاد سنام الدين، وفَرْعُهُ وتَمَامُهُ، وهذا أصله وأساسُهُ وعَمودُهُ ورأسُهُ!"*  "مجموع الفتاوى" (٢٢٧/١٥)
لذلك فأهل السنة لا يعدلون بالعلم شيئاً،  عن الحسن بن الهيثم البزاز، قال: قلت لأحمد بن حنبل: يا أبا عبد الله " إني أطلب الحديث وإن أمي تمنعني من ذلك تريد مني أن أشتغل في التجارة فقال لي: دارها وأرضها ولا تدع الطلب "
الجامع للخطيب (2/228)
 🔸 فيا طالب العلم ويا مريد النجاة عليك بالعلم والصبر عليه ولا يشغلك عنه شاغل ولا يقطعك عنه قاطع ومن أمرك بغير الازدياد منه ففر منه فرارك من الأسد قال العلامة محمد البشير الإبراهيمي رحمه الله تعالى: " العلمَ العلمَ أيّها الشباب، لا يُلهيكم عنه سمسار أحزاب، ينفخ في ميزاب، ولا داعية انتخاب، في المجامع صخّاب، ولا يلفتنكم عنه معللٌ بسراب، ولا حاوٍ بجراب، ولا عاوٍ في خراب، يأتم بغراب، ولا يفتنّنكم عنه مُنزوٍ في خنقه، ولا مُلتوٍ في زنقةٍ، ولا جالس في ساباط، على بساط، يحاكي فيكم سنة الله في الأسباط، فكل واحد من هؤلاء مشعوذ خلاب وساحر كذّاب. إنكم إن أطعتم هؤلاء الغواة، وانصعتم إلى هؤلاء العواة، خسرتم أنفسكم، وخسركم وطنكم، وستندمون يوم يجني الزارعون ما حصدوا، ولات حين ندم. " عيون البصائر  (350-351).
🔸 وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم والله الموفق لا رب سواه.
عبدالله الحساني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق