الأربعاء، 18 يوليو 2018

حديث الصورة

الحمدلله وصلى الله وسلم على مصطفاه و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.
🔸 أما بعد: فهذا بحث مختصر يتعلق بحديث الصورة تدعو إليه الحاجة وهو مختصر جداً والكلام فيه في عدة نقاط :
🔸أولاً: ذكر الحديث المراد الحديث عنه وذكر الصحيح من رواياته :
روى البخاري (6227) ومسلم (2841) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا فَلَمَّا خَلَقَهُ قَالَ اذْهَبْ فَسَلِّمْ عَلَى أُولَئِكَ النَّفَرِ مِنْ الْمَلائِكَةِ جُلُوسٌ فَاسْتَمِعْ مَا يُحَيُّونَكَ فَإِنَّهَا تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ فَقَالَ السَّلامُ عَلَيْكُمْ فَقَالُوا السَّلامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ فَزَادُوهُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ فَكُلُّ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ آدَمَ فَلَمْ يَزَلْ الْخَلْقُ يَنْقُصُ بَعْدُ حَتَّى الآن".
وروى مسلم كذلك (2612) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِذَا قَاتَلَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيَجْتَنِبْ الْوَجْهَ فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورته..... "
 وروى ابن أبي عاصم (516) أيضا عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا قاتل أحدكم فليجتب الوجه فإن الله تعالى خلق آدم على صورة وجهه" قال الشيخ الألباني : إسناده صحيح
أما حديث: " خلق الله آدم على صورة الرحمن " فقد ضعفه أهل العلم وأعلوه بعدة علل.
🔸 ثانياً: معنى هذا الحديث :
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" لفظ الصورة في الحديث كسائر ما ورد من الأسماء والصفات ، التي قد يسمى المخلوق بها ، على وجه التقييد ، وإذا أطلقت على الله اختصت به ، مثل العليم والقدير والرحيم والسميع والبصير ، ومثل خلقه بيديه ، واستواءه على العرش ، ونحو ذلك "
نقض التأسيس (3/396).
 وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كذلك :
"وَقَوْلُهُ: " «خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَةِ الرَّحْمَنِ» " لَمْ يُرِدْ بِهِ تَشْبِيهَ الرَّبِّ وَتَمْثِيلَهُ بِالْمَخْلُوقِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ تَحْقِيقَ الْوَجْهِ وَإِثْبَاتَ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالْكَلَامِ صِفَةً وَمَحَلًّا" الفتاوى الكبرى (1/539)
وكذلك سئل الشيخ ابن باز رحمه الله : ورد حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ينهى فيه عن تقبيح الوجه ، وأن الله سبحانه خلق آدم على صورته . فما الاعتقاد السليم نحو هذا الحديث ؟
فأجاب رحمه الله :
" الحديث ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إذا ضرب أحدكم فليتق الوجه فإن الله خلق آدم على صورته" وفي لفظ آخر : " على صورة الرحمن " وهذا لا يستلزم التشبيه والتمثيل .

*والمعنى عند أهل العلم أن الله خلق آدم سميعا بصيرا ، متكلما إذا شاء ، وهذا وصف الله فإنه سميع بصير متكلم إذا شاء ، وله وجه جل وعلا* .

وليس المعنى التشبيه والتمثيل ، بل *الصورة التي لله غير الصورة التي للمخلوق، وإنما المعنى أنه سميع بصير متكلم إذا شاء ومتى شاء ، وهكذا خلق الله آدم سميعا بصيرا ذا وجه وذا يد وذا قدم* ، لكن ليس السمع كالسمع وليس البصر كالبصر ، وليس المتكلم كالمتكلم ، بل لله صفاته جل وعلا التي تليق بجلاله وعظمته ، وللعبد صفاته التي تليق به ، صفات يعتريها الفناء والنقص ، وصفات الله سبحانه كاملة لا يعتريها نقص ولا زوال ولا فناء ، ولهذا قال عز وجل : ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) الشورى / 11 ، وقال سبحانه : ( وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ ) الإخلاص / 4 ، فلا يجوز ضرب الوجه ولا تقبيح الوجه "
مجموع فتاوى الشيخ (4/ 226).
🔸 ثالثاً: هل هذا الحديث يقتضي التشبيه؟
لا علاقة لهذا الحديث بما يتوهمونه من التشبيه فمعنى الحديث أن لله وجهاً وسمعاً وبصراً ، وقد خلق الآدمي له وجه وسمع وبصر ، وليس الوجه كالوجه ولا السمع كالسمع ولا البصر كالبصر غير أن هذه هيئة مكرمة ومما يزيد الأمر وضوحاً ما أخرجه البخاري في صحيحه 3327 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ عُمَارَةَ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ أَوَّلَ زُمْرَةٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ عَلَى أَشَدِّ كَوْكَبٍ دُرِّيٍّ فِي السَّمَاءِ إِضَاءَةً لَا يَبُولُونَ وَلَا يَتَغَوَّطُونَ وَلَا يَتْفِلُونَ وَلَا يَمْتَخِطُونَ أَمْشَاطُهُمْ الذَّهَبُ وَرَشْحُهُمْ الْمِسْكُ وَمَجَامِرُهُمْ الْأَلُوَّةُ الْأَنْجُوجُ عُودُ الطِّيبِ وَأَزْوَاجُهُمْ الْحُورُ الْعِينُ عَلَى خَلْقِ رَجُلٍ وَاحِدٍ عَلَى صُورَةِ أَبِيهِمْ آدَمَ سِتُّونَ ذِرَاعًا فِي السَّمَاءِ " وأخرجه مسلم كذلك.  فمراده صلى الله عليه وسلم أن أول زمرة هم على صورة البشر ، ولكنهم في الوضاءة والحسن والجمال واستدارة الوجه ، وما أشبه ذلك على صورة القمر ، فصورتهم فيها شبه بالقمر.
قال الشيخ صالح آل الشيخ حفظه الله تعالى :
"وأنا أعجب كثير من بعض من ينتسب إلى العلم، ويظن أن الحديث فيه تمثيل أو فيه تشبيه، وهذا لأجل فساد اللغة؛ فإن (على) في اللغة ليست بمعنى (مثل) بالاتفاق؛ (على) ليست بمعنى المثلية، خلق آدم على صورته، على صورة الرحمن، ليس معناه مثل صورة الرحمن، نقول هذا أخلاقه على أخلاق فلان، هذا عمله على عمل فلان؛ يعني أنه يتصف بصفات عمله؛ يشترك معه؛ لكن إذا أتيت إلى الكيفية إلى مقدار العمل لا يقتضي المماثلة في ذلك، قد يقتضي المشابهة (على) قد تقتضي التشابه والتشابه في أصل المعنى لا ننفيه، إنما ننفي التشابه في تمام المعنى يعني في كماله أو في الكيفية."
[شرحه للحموية]
إذن أصل ضلال من ضل في هذا الباب أنه يشبه أولاً ثم بعد ذلك يعطل والأمر كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
"  وهذا أصلُ ضلالِ الجهمية من المعتزلة ومن وافقهم على مذهبهم، فإنهم يُظهرون للناس التنزيهَ، وحقيقةُ كلامهِم التعطيل، فيقولون: نحن لا نُجسِّم، بل نقول: إن الله ليس بجسم، ومرادُهم بذلك نفيُ حقيقة أسمائه وصفاتِه، فيقولون: ليس لله علمٌ ولا حياةٌ ولا قدرةٌ ولا كلام ولا سمعٌ ولا بصرٌ، ولا يُرى في الآخرة، ولا عُرِجَ بالنبي إليه، ولا يَنزِل منه شيء، ولا يصعد إليه شيء، ولا يتجلى لشيء، ولا يقرب إلى شيء، ولا يقرب منه شيء. ويقولون: إنه لم يتكلم بالقراَن، بل القرآن مخلوق، أو هو كلام جبريل، وأمثال ذلك من مقالات المعطّلة الفرعونية الجهمية."
جامع المسائل(3/ 207).
لذلك قال ابن قتيبة رحمه الله :
"  الصورة ليست بأعجب من اليدين والأصابع والعين ، وإنما وقع الإلف لتلك لمجيئها في القرآن ، ووقعت الوحشة من هذه لأنها لم تأت في القرآن ، ونحن نؤمن بالجميع ، ولا نقول في شيء منه بكيفية ولا حد"
تأويل مختلف الحديث ص( 221)
🔸رابعاً: هل هناك خلاف في عود الضمير؟
الوارد عن السلف والذي لا خلاف بينهم هو أن الضمير يعود إلى الله وأول من قال بعود الضمير إلى آدم أبو ثور رحمه وقد اشتد نكير السلف عليه ثم تبعه بعد ذلك ابن خزيمة رحمه الله تعالى وكذلك خطّأه أهل السنة وقد نقل إجماع أهل السنة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في أكثر من موضع من كتبه منها :
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
" *لم يكن بين السلف من القرون الثلاثة نزاع في أن الضمير في الحديث عائد إلى الله تعالى* ، فإنه مستفيض من طرق متعددة ، عن عدد من الصحابة ، وسياق الأحاديث كلها تدل على ذلك ... ولكن لما انتشرت الجهمية في المائة الثالثة جعل طائفة الضمير فيه عائدا إلى غير الله تعالى ، حتى نقل ذلك عن طائفة من العلماء المعروفين بالعلم والسنة في عامة أمورهم ، كأبي ثور وابن خزيمة وأبي الشيخ الأصفهاني وغيرهم ، ولذلك أنكر عليهم أئمة الدين وغيرهم من علماء السنة "
 نقض التأسيس (3/202)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

" لم يكن بين السلف من القرون الثلاثة نزاع في أن الضمير عائد إلى الله فإنه مستفيض من طرق متعددة عن عدد من الصحابة وسياق الأحاديث كلها يدل على ذلك "
بيان تلبيس الجهمية 6/ 373)

قال ابن بطة العكبري في الإبانة:
حَدثنَا أَبُو بكر أَحْمد بن عَليّ الشيلماني نَا عبد الله بن الْعَبَّاس الطَّيَالِسِيّ نَا إِسْحَاق بن مَنْصُور قَالَ قلت لِأَحْمَد لَا تقبحوا الْوُجُوه فَإِن الله خلق آدم على صورته أَلَيْسَ تَقول بِهَذِهِ الْأَحَادِيث قَالَ أَحْمد صَحِيح

قَالَ ابْن رَاهَوَيْه صَحِيح وَلَا يَدعه إِلَّا مُبْتَدع أَو ضَعِيف الرَّأْي

وقال: حَدثنَا أَبُو حَفْص عمر بن مُحَمَّد بن رَجَاء نَا أَبُو نصر عصمَة بن أبي عصمَة قَالَ نَا أَبُو طَالب قَالَ سَمِعت أَبَا عبد الله يَقُول من قَالَ إِن الله تَعَالَى خلق آدم على صُورَة آدم فَهُوَ جهمي وَأي صُورَة كَانَت لآدَم قبل أَن يخلقه.
والأمر كما قال الإمام أحمد ( وأي صورة كانت لآدم قبل أن يخلقه الله ) فأنت حين تقول ( صنعت هذا الكرسي على مثال الكرسي الفلاني ) فلا بد أن يكون هذا الكرسي الثاني موجوداً عند صنعك للأول حتى تصنع على مثاله وآدم لا وجود له قبل خلقه وهذا بديهي وكذلك القول بعود الضمير على آدم لا يعتبر كلاماً مفيداً فجعل الحديث : " إن الله خلق آدم على صورة آدم " لا معنى له
ومن قال بعود الضمير إلى آدم فإنه لا يتابع على قوله ويعتذر له إن كان إماماً في السنة يُعرف عنه تحري السنة واتباعها لذلك لا يصح أن يحتج أي محتج من أن ابن خزيمة إمام الأئمة رحمه الله ضعف هذا اللفظ, فهذه زلة منه لا يتابع عليها ؛ قال الشيخ أبو الحسن محمد بن عبد الملك الكرجي الشافعي في كتابه الذي سماه الفصول في الأصول فيما نقله عنه ابن تيمية رحمه الله:" *فأما تأويل من لم يتابعه عليه الأئمة فغير مقبول وإن صدر ذلك التأويل عن إمام معروف غير مجهول نحو ما ينسب إلى أبي بكر محمد بن خزيمة تأويل الحديث خلق الله آدم على صورته فإنه يفسر ذلك بذلك التأويل ولم يتابعه عليه من قبله من أهل الحديث* لما روينا عن أحمد رحمه الله تعالى ولم يتابعه أيضاً من بعده حتى رأيت في كتاب الفقهاء للعبادي الفقيه أنه ذكر الفقهاء وذكر عن كل واحد منهم مسألة تفرد بها فذكر الإمام ابن خزيمة وأنه تفرد بتأويل هذا الحديث خلق الله آدم على صورته على أني سمعت عدة من المشايخ رووا أن ذلك التأويل مزور مربوط على ابن خزيمة وإفك افتُرى عليه فهذا وأمثال ذلك من التأويل لا نقيله ولا يُلتفت إليه بل نوافق ونتابع ما اتفق الجمهور عليه"
بيان تلبيس الجهمية (6/400)
🔸 هذا تعليق يسير ومن أراد أن يتوسع فليرجع لجواب الاعتراضات المصرية على الفتوى الحموية لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى فإنه ذكر في آخره فصلاً على هذا الحديث والله الموفق لا رب سواه وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
عبدالله الحساني.
ليلة الثلاثاء 18 - 6- 1439

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق