الأربعاء، 18 يوليو 2018

علي الحلبي والمشترك اللفظي

الحمدلله وصلى الله وسلم على مصطفاه و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.
🔸 أما بعد:  فقد كتب شيخ علي الحلبي تغريدة في الرد على الأشاعرة في نفيهم صفات الله عز وجل وذكر أن العلاقة بين صفات الله وصفات المخلوق هي الاشتراك اللفظي وقوله هو: " فما الفرق بين ما أثبته ونفيته - أو عطلته =( أولته) - مع وجود *الاشتراك اللفظي* بين صفات الباري - تعالى - اللائقة بجلاله وكماله وبين صفات المخلوقين -  ...)  وماذكره هنا غير صحيح بل القول بأن العلاقة بين صفات الله وصفات المخلوقين هي المشترك اللفظي هو مذهب متأخري الأشاعرة الذين يريد أن يرد عليهم والخطأ لديه في استخدام الألفاظ وعدم فهم المشترك اللفظي لعله،  ويتبين ذلك بأن يقال أن الاشتراك اللفظي معناه اتفاق الكلمة في الرسم مع عدم وجود أي قدر مشترك بين الاسمين كقولك في العين الباصرة ( عين ) وكذلك الجاسوس ( عين ) وقولك في الماء ( عين )
وجعل العلاقة بين اسم الخالق واسم المخلوق اشتراكاً لفظياً في حقيقته تعطيل
وإنما الصواب أن يقال العلاقة التواطؤ ، كقولك نور الشمعة ونور الشمس فبينهما قدر مشترك وليس النور كالنور
والتعبير *بالقدر المشترك والقدر الفارق المميز* أولى وأوضح ومعناه  أن هناك قدرا مشتركا في أن المخلوق يسمع ويرى وأن الرب يسمع ويرى.
وهناك قدرا فارقا مميزا يميز بين الصفتين فالمخلوق سمعه وبصره يليق به وهو محدود
والرب جل وعلى له سمع وبصر يليق بعظمته سبحانه .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- :

(وأيضا فيقال: إنه ما من موجودين إلا بينهما قدر مشترك وقدر مميز فإنهما لا بد أن يشتركا في أنهما موجودان ثابتان حاصلان وأن كلا منهما له حقيقة : هي ذاته ونفسه وماهيته حتى لو كان الموجودان مختلفين اختلافا ظاهرا كالسواد والبياض فلا بد أن يشتركا في مسمى الوجود والحقيقة ونحو ذلك بل وفيما هو أخص من ذلك مثل كون كل منهما لونا وعرضا وقائما بغيره ونحو ذلك وهما مع هذا مختلفان؛ وإذا كان بين كل موجودين جامع وفارق فمعلوم أن الله تعالى ليس كمثله شيء : لا في ذاته ولا صفاته ولا أفعاله فلا يجوز أن يثبت له شيء من خصائص المخلوقين ولا يمثل بها، ولا أن يثبت لشيء من الموجودات مثل شيء من صفاته ولا مشابهة في شيء من خصائصه سبحانه عما يقول الظالمون علوا كبيرا ).
درء تعارض العقل و النقل (5-83/84)

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله رحمه الله كذلك :

" وَشِبْهُ الشَّيْءِ بِالشَّيْءِ يَكُونُ لِمُشَابَهَتِهِ لَهُ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ، وَذَلِكَ لَا يَقْتَضِي التَّمَاثُلَ الَّذِي يُوجِبُ أَنْ يَشْتَرِكَا فِيمَا يَجِبُ وَيَجُوزُ وَيَمْتَنِعُ، وَإِذَا قِيلَ هَذَا حَيٌّ عَلِيمٌ قَدِيرٌ، وَهَذَا حَيٌّ عَلِيمٌ قَدِيرٌ، فَتَشَابَهَا فِي مُسَمَّى الْحَيِّ وَالْعَلِيمِ وَالْقَدِيرِ - لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْمُسَمَّى مُمَاثِلًا لِهَذَا الْمُسَمَّى فِيمَا يَجِبُ وَيَجُوزُ وَيَمْتَنِعُ.

، بَلْ هُنَا ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ:

أَحَدُهَا: الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ، الَّذِي تَشَابَهَا فِيهِ، وَهُوَ مَعْنًى كُلِّيٌّ لَا يَخْتَصُّ بِهِ أَحَدُهُمَا، وَلَا يُوجَدُ كُلِّيًّا عَامًّا مُشْتَرَكًا إِلَّا فِي عِلْمِ الْعَالِمِ.

وَالثَّانِي: مَا يَخْتَصُّ بِهِ هَذَا، كَمَا يَخْتَصُّ الرَّبُّ بِمَا يَقُومُ بِهِ مِنَ الْحَيَاةِ وَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ.

وَالثَّالِثُ: مَا يَخْتَصُّ بِهِ (ذَاكَ، كَمَا يَخْتَصُّ بِهِ) الْعَبْدُ مِنَ الْحَيَاةِ وَالْعِلْمِ وَالْمَقْدِرَةِ، فَمَا اخْتَصَّ بِهِ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَشْرَكُهُ فِيهِ الْعَبْدُ، وَلَا يَجُوزُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنَ النَّقَائِصِ الَّتِي تَجُوزُ عَلَى صِفَاتِ الْعَبْدِ، وَمَا يَخْتَصُّ بِهِ الْعَبْدُ لَا يَشْرَكُهُ فِيهِ الرَّبُّ، وَلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ الَّتِي يَخْتَصُّ بِهَا الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ.

وَأَمَّا الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ كَالْمَعْنَى الْكُلِّيِّ الثَّابِتِ فِي ذِهْنِ الْإِنْسَانِ فَهَذَا لَا يَسْتَلْزِمُ خَصَائِصَ الْخَالِقِ وَلَا خَصَائِصَ الْمَخْلُوقِ، فَالِاشْتِرَاكُ فِيهِ لَا مَحْذُورَ فِيهِ."
الجواب الصحيح (3/ 442 ومابعدها)

وقد نص شيخ الإسلام على أن القول بأن العلاقة بين أسماء الخالق وصفاته وأسماء المخلوق وصفاته علاقة اشتراك لفظي هو قول متأخري الأشاعرة قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" وقد بسطنا الكلام على *هذه المسألة في غير هذا الموضع وبينا غلط من جعل اللفظ مشتركا اشتراكاً لفظيا*ً.

وهذا الذي نبه عليه الإمام أحمد من أن مسمى الشيء والوجود ونحو ذلك معنى عام كلي تشترك فيه الأشياء كلها والموجودات كلها هو المعلوم بصريح العقل الذي عليه عامة العقلاء.

ومن نازع فيه فلا بد أن يقول به أيضاً فيتناقض كلامه في ذلك *كما تناقض فيه كلام الشهر ستاني والرازي والآمدي وغيرهم إذ يجعلونه تارة عاماً مقسوماً مشتركاً اشتراكاً لفظيا ومعنوياً بين الأشياء الموجودات ويجعلونه تارة مشتركاً اشتراكاً لفظيا*ً فقط كلفظ المشتري المشترك بين المبتاع والكوكب ولفظ سهيل المشترك بين الكوكب وبين الرجل المسمى بسهيل ولفظ الثريا المشترك بين الكوكب وبين المرأة المسماة ثريا.

كما قيل:

أيها المنكح الثريا سهيلاً ... عمرك الله كيف يلتقيان

هي شامية إذا ما استقلت ... وسهيل إذا استقل يمان"
درء تعارض العقل والنقل (١٧٩/٥)

قال شيخ الإسلام في الرد على المنطقيين موضحاً مسألة التواطؤ (ص155) :" ولهذا كان الحذاق يختارون أن الأسماء المقولة عليه وعلى غيره مقولة بطريق التشكيك الذي هو نوع من التواطؤ العام ليست بطريق الاشتراك اللفظي ولا بطريق الاشتراك المعنوي الذي تتماثل أفراده بل بطريق الاشتراك المعنوي الذي تتفاضل أفراده كما يطلق لفظ البياض والسواد على الشديد كبياض الثلج وعلى ما دونه كبياض العاج فكذلك لفظ الوجود يطلق على الواجب والممكن وهو في الواجب أكمل وأفضل من فضل هذا البياض على هذا البياض "
🔸 ومما يحتاج إلى نظر ورد في المقال المذكور قوله تعليقاً على كلام نعيم بن حماد " من شبه بخلقه فقد كفر.... الخ " قال معلقاً ( فقد كفر)  المقصود به الفعل لا الفاعل - إلا بضوابط وشروط فتنبه وهذا كذلك عدم فهم لكلام نعيم بل كلامه رحمه الله فيه تكفير الفاعل والفعل ولو قال كلامه تكفير بالعموم لسلم لأن كلامه يفهم منه أن الفاعل لا يكفر، والمراد التنبيه على المسألة الأولى.
🔸 وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
عبدالله الحساني.
ليلة الاثنين 7 شعبان 1439

هناك تعليقان (2):

  1. اخي عبد الله
    السلام عليك ورحمة الله وبركاته
    الشيخ علي الحلبي لم يقل ان العلاقة بين صفات الله عز وجل وصفات المخلوقين اشتراك لفظي فاذا قرات التغريدة بتمعن اكثر اتضح لك ذلك وان هذا اللفظ اورده حجة عليهم .
    قل لمن لم يقبَل (!) منهجَ السلفِ الصالحِ في بابِ (أسماء الله-تعالى-وصفاته)-بعُمومِه-، وكونِه قائماً على (الإثباتِ) بغير تجسيم، و(التنزيهِ) بغير تعطيل=(تأويل):

    اعتبِر نفيَك-أو تعطيلَك=(تأويلَك)-ذاك-بأمرينِ اثنينِ-أحدِهما، أو كِليهِما-، وإلا: فأنت متناقضٌ:
     أما الأول: فما تثبتُه مِن أسماءٍ وصفاتٍ لله-تعالى-سواءٌ أكانت سبعاً، أو ثلاثَ عشرةَ، أو عشرين-وما بين هذه وتلك-؛ فما الفرقُ بين ما أثبتَّه ونفيتَه-أو عطّلتَه=(أوّلتَه)-مع وجود الاشتراك اللفظي بين صفات الباري-تعالى-اللائقة بجلاله وكماله، وبين صفات المخلوقين-اللائقة بعجزهم وهَوانِهم-كالسمع، والبصر، والكلام، و..و..؟!
    فكلُّ ما تزعمه وتدّعيه مسوِّغاً به النفيَ، أو التعطيلَ=(التأويلَ)لصفةٍ، أو صفاتٍ؛ فهو واردٌ عليك-باليقين-فيما أثبتَّه!
    حتى لو جمعتَ الصفاتِ المثبَتةَ-عندك!-جميعَها-، وحشرتَها(!)-بالتأويل-في معنى صفة واحدة-وهي(الإرادة)-هرباً من دعوى(التجسيم!)-زعموا-؛ فللمخلوق-على عجزه-(إرادة)؛ كما أن للخالق-تعالى-على كماله-(إرادة)!
    والفرقُ بين (الإرادتين) هو-ذاتُه-الفرقُ بين الموصوفَين-خالقاً جليلاً، ومخلوقاً ضعيفاً-(والكلامُ في الصفات فرعٌ عن الكلام في الذات)... 
    وما هَربوا منه: وقعوا فيه ﴿لو كانوا يفقهون﴾...
    والتفريقُ بين المتماثلات خَلَلٌ فكريّ، ودَخَلٌ علميّ..
     أما الثاني: فهو التفكُّر بموعود الله-سبحانه-في كتابه الكريم، وفي سنة نبيّه الأمين-عليه أفضلُ الصلاة وأتمّ التسليم- لعباده الصالحين: بالجنة، ونعيمِها، وشجرها، وأنهارها، وعسلها، وخمرها، وحور العين-فيها-، و..و..(اللهمّ إنا نسألك الجنةَ، ونعوذ بك من النار):
    وقد روى الشيخانِ الجليلانِ-البُخاريُّ ومسلمُ-رحمهما الله- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ –رضي الله عنه- أنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «قَالَ اللَّهُ-تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: أعددتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ: مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذن سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ.
    وَمِصْدَاقُ ذَلِكَ -فِي كِتَابِ اللَّهِ-:﴿فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخفي لَهُمْ مِنْ قُرة أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يعملون﴾».
    وصحّ عن عبد الله بن عباسٍ - رضي الله عنه -أنّه قال: «ليس في الجنَّةِ شيءٌ يُشْبِهُ ما في الدنيا إلَّا الأسماء».
    وقد عقّب شيخُ الإسلام ابن تيميّة-رحمه الله-في «الرسالة التدمرية»- على هذه النصوص-القرآنيةِ، والنبويةِ، والسلفيةِ-بقوله : 
    «...فإذا كانت تلك الحقائقُ التي أخبر الله عنها [في الجنّة]، هي موافقةً في الأسماء للحقائقِ الموجودةِ في الدنيا-وليست مماثلةً لها-؛ بل بينهما مِن التباين ما لا يعلمُه إلا الله -تعالى-؛ فالخالقُ -سبحانه وتعالى- أعظمُ مباينةً للمخلوقات مِن مبايَنة المخلوق للمخلوق، ومباينتُه لمخلوقاته أعظمُ مِن مباينة موجودِ الآخِرة لموجودِ الدنيا؛ إذ المخلوقُ أقربُ إلى المخلوق-الموافقِ له في الاسم-مِن الخالق إلى المخلوق.
    وهذا بيّنٌ واضحٌ».
    وقال-رحمه الله-كما في«مجموع الفتاوى»-:
    « وقد سمّى الله نفسَه: (عليماً، حليماً، رءوفاً، رحيماً، سميعاً، بصيراً، عزيزاً، ملِكاً، جباراً، متكبراً، مؤمناً، عظيماً، كريماً، غنياً، شكوراً، كبيراً، حفيظاً، شهيداً، حقاً، وكيلاً، ولياً)، وسمّى –أيضاً- بعضَ مخلوقاتِه بهذه الأسماء؛ فسمّى الإنسانَ: (سميعاً، بصيراً، وسمّى نبيَّه: (رءوفاً رحيماً)، وسمّى بعضَ عبادِه: (ملِكاً)، وبعضَهم: (شكوراً)، وبعضَهم: (عظيماً)، وبعضَهم: (حليماً، و(عليماً)-وسائر ما ذُكر من الأسماء-.
    مع العلم بأنّه ليس المسمّى بهذه الأسماء مِن المخلوقين مماثلاً للخالق -جل جلاله- في شيءٍ من الأشياء».
    وقال الإمامُ ابنُ قيِّم الجوزيّة -رحمه الله- في كتابِه«الصواعق المرسَلة»-تعليقاً-:
    « وقد أخبرَنا –سبحانه- عن تفاصيل يوم القيامة، وما في الجنة والنار؛ فقامت حقائقُ ذلك في قلوب أهل الإيمان، وشاهدَته عقولُـهم، ولم يعرفوا كيفيتَه وكُنهَه.
    فلا يشكُّ المسلمون أن في الجنة أنهاراً من خمر، وأنهاراً من عسل، وأنهاراً من لبن، ولكنْ؛ لا يعرفون كُنهَ ذلك، ومادتَه، وكيفيتَه؛ إذ كانوا لا يعرفون في الدنيا الخمرَ إلا: ما اعتُصر من الأعناب، والعسَلَ إلا: ما قذفت به النحلُ في بيوتها، واللبنَ إلا: ما خرج من الُّضروع، والحريرَ إلا ما خرج مِن فَمِ دود القَزّ.
    وقد فهموا معانيَ ذلك في الجنة -مِن غير أن يكونَ مماثلاً لما في الدنيا-..ولم يمنعْهم عدمُ النظير -في الدنيا- مِن فهم ما أُخبروا به




    ردحذف
  2. يمكنك مراسلة الشيخ علي الحلبي وسؤاله عن مراده

    ردحذف