الأربعاء، 18 يوليو 2018

هل المناظرات طريقة السلف؟

الحمدلله وصلى الله وسلم على مصطفاه و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.
🔸 أما بعد: فمن المقرر في كتب العلم أن الأصل تعليم العلم وتبيينه للناس بذكر الأدلة من الكتب والسنة بلا جدال ولا نقاش ولا مناظرة وكذلك من المقرر أن المجادلة بالتي هي أحسن تكون لطالب الحق ومريد النجاة أما المجادلة على وجه المغالبة والمناظرة فلم يكن ذلك من هدي السلف ومن طريقة العلماء السالفين،  قال صالح في مسائله لأبيه [734 ] :
كتب رجل إِلَى أبي يسْأَله عَن مناظرة أهل الْكَلَام وَالْجُلُوس مَعَهم ؟
فأملى عَليّ جَوَابه :
أحسن الله عاقبتك وَدفع عَنْك كل مَكْرُوه ومحذور
*الَّذِي كُنَّا نسْمع وأدركنا عَلَيْهِ من أدركنا من أهل الْعلم أَنهم كَانُوا يكْرهُونَ الْكَلَام والخوض مَعَ أهل الزيغ* ، وَإِنَّمَا الْأَمر فِي التَّسْلِيم والانتهاء إِلَى مَا فِي كتاب الله جلّ وَعز لَا يعد ذَلِك
وَلم يزل النَّاس يكْرهُونَ كل مُحدث من وضع كتاب
أَو جُلُوس مَعَ مُبْتَدع ليورد عَلَيْهِ بعض مَا يلبس عَلَيْهِ فِي دينه
فالسلامة إِن شَاءَ الله فِي ترك مجالستهم والخوض مَعَهم فِي بدعتهم وضلالتهم
فليتق الله رجل وليصر إِلَى مَا يعود عَلَيْهِ نَفعه غَدا
من عمل صَالح يقدمهُ لنَفسِهِ
وَلَا يكون مِمَّن يحدث أمرا فَإِذا هُوَ خرج مِنْهُ أَرَادَ الْحجَّة لَهُ فَيحمل نَفسه على المحك فِيهِ وَطلب الْحجَّة لما خرج مِنْهُ بِحَق أَو بَاطِل ليزين بِهِ بدعته وَمَا أحدث
وَأَشد ذَلِك أَن يكون قد وَضعه فِي كتاب فَأُخذ عَنهُ فَهُوَ يُرِيد يزين ذَلِك بِالْحَقِّ وَالْبَاطِل وَإِن وضح لَهُ الْحق فِي غَيره
نسْأَل الله التَّوْفِيق لنا وَلَك وَلِجَمِيعِ الْمُسلمين
وَالسَّلَام عَلَيْك. "
وقال الإمام أبو عبد الله أحمد بن حنبل رحمه الله: "*فإياكم أن تزلكم المرجئة عن أمر دينكم، وليكن ذلك في لين وترك المجادلة لهم حتى تبلغوا ما تريدون من ذلك*.

حدثنا أزهر عن ابن عون، قال: قال محمد: «كانوا يرون ما دام على الأثر، فهو على الطريق».

*واعلم أن ترك الخصومة والجدال هو طريق من مضى، ولم يكونوا أصحاب خصومة ولا جدال؛ ولكنهم كانوا أصحاب تسليم وعمل*.
نسأل الله التوفيق لنا ولكم في جميع أمورنا لما يحب ويرضى، وأن يسلمنا وإياكم من كل سوء برحمته، والسلام عليكم. "
الجامع في عقائد ورسائل أهل السنة والأثر (ص ٤٠٨)
🔸 ومن أراد نصرة دين الله فليأت ذلك من بابه وليسلك مسلك العلماء في ذلك وليتذكر أن دين الله محفوظ فما على الدعاة إلا أن يبحثوا عن طريقة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فليسلكوها، قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
"والخالق الذي هيأ لعباده ما يحفظون به مصالح دنياهم هو الذي شرع لهم دين الإسلام وتكفل بحفظه إلى الأبد وعنايته بحفظ الدين أشد وأكد لأنه هو المقصود بالذات من هذه النشأة الدنيا قال الله عز وجل: {وما خلقت الجن والأنس إلا ليعبدون} ."
التنكيل (234).
🔸 لذلك ما نراه هنا وهناك من مناظرات مع أهل البدع،  وما نراه من تمكينهم أن يبثوا شبهاتهم بين عامة المسلمين ليس من السلفية في شيء وإن كان ظاهرها نصرة والغالب خلافه فإن من طريقة أهل السنة والجماعة أنهم لا ينظرون للنتائج فحسب وإنما ينظرون لها وللطريق الموصل إليها،  وقد يستدل مستدل بما وقع من مناظرات وما قاله بعض العلماء الثقات ولكن هذه لا يقاس عليها بل أن كثيراً من المناظرين غير متمكنين من مذهب أهل السنة والجماعة حتى يناظروا عنه وقد رأينا كيف يحيد المناظر من أهل السنة عن كثير من الشبه ويتركها لغيرها مما يدل على عدم تمكنه من ردها.
🔸 وقد ذكر أهل العلم أن ما وقع للسلف من مناظرات لا يخرج عن اجتماع عدة أمور فيه:
الأول : أن يكون ذلك في حالة اضطرار كالمناظرة عند السلطان كما حصل للإمام أحمد
الثاني : أن يكون المناظر من أهل السنة عالماً أو متمكناً من مادته فإن المناظرة بمنزلة المبارزة التي تكون قبل التحام الجيشين لنتجيتها أثر نفسي على الجيش فلا يخرج إليها إلا القوي الصنديد
الثالث : أن يكون المناظر من أهل البدع ممن يرجى رجوعه كما نبه على هذا المعنى ابن سيرين
الرابع : أن يكون المناظر من أهل السنة سالماً من حظوظ النفس
الخامس : أن يكون المرجع عند المناظرة إلى الكتاب والسنة ، ولهذا كان الشافعي يكره محاورة أهل الكلام بل يكره التصنيف في الرد عليهم ، مع أنه كان يناظر أهل الرأي الذين هم مع بعدهم عن الأثر يقرون بالاحتجاج بالسنة في الجملة على منهج لهم غريب في ذلك أظهر الشافعي تناقضه وضعفه في كتابه الرسالة
السادس : لم يكن من ديدن السلف المناظرة في مسائل الاعتقاد والثوابت السنية ، ومن كان ديدنه المناظرات في العقيدة أو غيرها لا يسلم من حظوظ في الغالب وقل أن تجد رجلاً مثل الشافعي يقول ( ما ناظرت أحداً وتمنيت أن يخطيء ) بل اليوم يتمنى له العطب ليظهر الانتصار عليه
فإن كان الأمر على غير ما ذكرت فحال المناظرة كما وصف البربهاري،قال رحمه الله في شرح السنة [10] والكلام والخصومة والجدال والمراء محدث يقدح الشك في القلب، وإن أصاب صاحبه الحق والسنة.
وقال أبو نعيم في الحلية [ 4/222 ]: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، ثَنَا عَمِّي أَبُو بَكْرٍ، ثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا الْعَوَّامُ بْنُ حَوْشَبٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى { فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ } [المائدة: 14] قَالَ: أَغْرَى بَيْنَهُمْ فِي الْخُصُومَاتِ وَالْجِدَالِ فِي الدِّينِ .
وقال ابن سعد في الطبقات [ 9181 ] : قَالَ أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ ، وَقَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ ، قَالُوا : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَمْرٍو ، قَالَ : قَالَ إِبْرَاهِيمُ : مَا خَاصَمْتُ رَجُلاَّ قَطُّ .
🔸 هذه إشارة تكفي مريد الهدى والله الموفق لا رب سواه وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
عبدالله الحساني.
ليلة الخميس 20-6-1439

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق