الثلاثاء، 28 فبراير 2017

الرد على شبهات الدكتور الخنجر في استحبابه الصلاة في مسجد فيه قبر3


الحمدلله وصلى الله وسلم على مصطفاه و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.
🔸 أما بعد: فهذا مقال آخر في بيان خطأ الدكتور الخنجر الصوفي في استحبابه الصلاة في مسجد فيه قبر وكنت قد رددت على بعض الشبهات التي ذكرها وهذا رد على شبهات آخرى والله الموفق .
4- أما ماذكره الخنجر عن مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فيدل على عدة جهالات علمية وأنه مقلد فقط لغيره من أهل الشبه وليس له تحقيق في العلم وبيان ذلك أن يقال :
١-أن مسجده صلى الله عليه وسلم لم يبن على القبر بل بني المسجد أولاً في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
٢- أن النبي صلى الله عليه وسلم دفن في بيته وكان خارج المسجد للخبر المروي أن الأنبياء يدفنون حيث ماتوا ولإجماع الصحابة على دفنه في بيته ولخشيتهم من الافتتان بالقبر إذا أبرز قبره.
٣- أن إدخال القبر المسجد كان في زمن الوليد بن عبدالملك وكان غير محمود السيرة وقد أنكر ادخال القبر في المسجد سعيد بن المسيب.
٤- أنّ قبر النبي صلّى الله عليه وسلّم ليس من المسجد حتى بعد إدخاله فيه؛ لأنّ القبر جُعل في حجرة مستقلّة عن المسجد، وقد جُعلت هذه الحجرة محوطة بثلاثة جدران، على شكل مثلث، في زاوية منحرفة عن القبلة ، حتى لا يُستقبل القبر إذا صُلي إلى جهته.
٥- أن المسجد النبوي لا يقاس عليه غيره من المساجد التي فيها قبور لوجود فضائل ثابتة له وهذه الفضائل لا توجد لغيره.
٦- أن عامة أهل العلم على منع البناء على القبور ومنع إدخالها في المسجد ومنع اتخاذها مسجداً ولم يستدل واحداً منهم بقبر النبي صلى الله عليه وسلم والمعهود أن الدكتور مالكي مقلد فمن أين له بالاجتهاد في هذه المسألة ومخالفة أهل العلم قبله بل المعهود من أهل العلم والدين التشجيع على هدم البناء على القبور وعدم إنكار هذا الهدم،، ِقال الشافعي في الأم (2/631) :" أُحِبُّ أَنْ لاَ يُزَادَ فِي الْقَبْرِ تُرَابٌ مِنْ غَيْرِهِ وَلَيْسَ بِأَنْ يَكُونَ فِيهِ تُرَابٌ مِنْ غَيْرِهِ بَأْسٌ إذًا إذَا زِيدَ فِيهِ تُرَابٌ مِنْ غَيْرِهِ ارْتَفَعَ جِدًّا , وَإِنَّمَا أُحِبُّ أَنْ يُشَخِّصَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ شِبْرًا أَوْ نَحْوَهُ وَأُحِبُّ أَنْ لاَ يُبْنَى , وَلاَ يُجَصَّصَ فَإِنَّ ذَلِكَ يُشْبِهُ الزِّينَةَ وَالْخُيَلاَءَ , وَلَيْسَ الْمَوْتُ مَوْضِعَ وَاحِدٍ مِنْهُمَا , وَلَمْ أَرَ قُبُورَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ مُجَصَّصَةً ( قَالَ الرَّاوِي ) : عَنْ طَاوُسٍ : { إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -ه نَهَى أَنْ تُبْنَى الْقُبُورُ أَوْ تُجَصَّصَ }

قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَقَدْ رَأَيْت مِنْ الْوُلاَةِ مَنْ يَهْدِمَ بِمَكَّةَ مَا يُبْنَى فِيهَا فَلَمْ أَرَ الْفُقَهَاءَ يَعِيبُونَ ذَلِكَِ

فهذا هو صنيع أهل العلم  بل هذا هو مذهب المالكية لمن يدري وبإذن الله سيكون في آخر مقال ذكر طائفة من أقوالهم في ذلك قال القرطبي في تفسيره (10 / 38) بعد أن ذكر الحديث الخامس: " قال علماؤنا: وهذا يحرم على المسلمين أن يتخذوا قبور الأنبياء والعلماء مساجد ".
🔸ثم أن الخنجر غلط غلطاً فاحشاً وذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بوجود قبره في مسجده فقال : ( بين بيتي و قبري روضة من رياض الجنة)  وهذا خطأ شنيع يدل على أن الدكتور ليس له اطلاع على كتب السنة ولا معرفة له بالصحيح والضعيف والمكذوب فإن ﺣﺪﻳﺚ ‏( ﻣَﺎ ﺑَﻴْﻦَ ﻗﺒﺮﻱ ﻭﻣﻨﺒﺮﻱ ﺭَﻭْﺿَﺔٌ ﻣِﻦْ ﺭِﻳَﺎﺽِ ﺍﻟْﺠَﻨَّﺔِ ‏) ﻻ ﻳﺼﺢ ﻋﻦ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﻠﻔﻆ وقد روي ﻓﻲ ﺍﻟﺼﺤﻴﺤﻴﻦ ﻋَﻦْ ﺃَﺑِﻲ ﻫُﺮَﻳْﺮَﺓَ، ﺃَﻥَّ ﺭَﺳُﻮﻝَ ﺍﻟﻠﻪِ ﺻَﻠَّﻰ ﺍﻟﻠﻪُ ﻋَﻠَﻴْﻪِ ﻭَﺳَﻠَّﻢَ ﻗَﺎﻝَ :
” ﻣَﺎ ﺑَﻴْﻦَ ﺑَﻴْﺘِﻲ ﻭَﻣِﻨْﺒَﺮِﻱ ﺭَﻭْﺿَﺔٌ ﻣِﻦْ ﺭِﻳَﺎﺽِ ﺍﻟْﺠَﻨَّﺔِ، ﻭَﻣِﻨْﺒَﺮِﻱ ﻋَﻠَﻰ ﺣَﻮْﺿِﻲ ”
  ﻗﺎﻝ ﺍﻟﺤﺎﻓﻆ ﺍﺑﻦ ﺣﺠﺮ ﺍﻟﻌﺴﻘﻼﻧﻲ ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ ﻓﻲ “ ﻓﺘﺢ ﺍﻟﺒﺎﺭﻱ :”
“ ﻭﺭﺩ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ ﻃﺮﻗﻪ ﺑﻠﻔﻆ ‏( ﺍﻟﻘﺒﺮ ‏) ﻗﺎﻝ ﺍﻟﻘﺮﻃﺒﻲ ﺍﻟﺮﻭﺍﻳﺔ ﺍﻟﺼﺤﻴﺤﺔ ‏( ﺑﻴﺘﻲ ‏) "
قال ﺷﻴﺦ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﺍﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ ﺣﻴﺚ ﻗﺎﻝ ﻓﻲ ‏( ﺍﻟﻘﺎﻋﺪﺓ ﺍﻟﺠﻠﻴﻠﺔ ‏) ﺹ :58
“ ﻭﻫﻮ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺣﻴﻦ ﻗﺎﻝ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﻮﻝ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻗﺪ ﻗﺒﺮ ﺑﻌﺪ ﺻﻠﻮﺍﺕ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺳﻼﻣﻪ ﻋﻠﻴﻪ .
ﻭﻟﻬﺬﺍ ﻟﻢ ﻳﺤﺘﺞ ﺑﻪ ﺃﺣﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﺣﻴﻨﻤﺎ ﺗﻨﺎﺯﻋﻮﺍ ﻓﻲ ﻣﻮﺿﻊ ﺩﻓﻨﻪ، ﻭﻟﻮ ﻛﺎﻥ ﻫﺬﺍ ﻋﻨﺪﻫﻢ ﻟﻜﺎﻥ ﻧﺼﺎ ﻓﻲ ﻣﺤﻞ ﺍﻟﻨﺰﺍﻉ ،ﻭﻟﻜﻦ ﺩﻓﻦ ﻓﻲ ﺣﺠﺮﺓ ﻋﺎﺋﺸﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻮﺿﻊ ﺍﻟﺬﻱ ﻣﺎﺕ ﻓﻴﻪ – ﺑﺄﺑﻲ ﻫﻮ ﻭﺃﻣﻲ – ﺻﻠﻮﺍﺕ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺳﻼﻣﻪ ﻋﻠﻴﻪ ”
 فالصحيح في ذلك ماورد في الصحيح وما بينه الحفاظ رحمة الله عليهم وهو الموجود في النسخ الخطية أما ما أورده الخنجر فإما أنه من تصرف النساخ أو ورد في غير كتب السنة.
5- استدل الدكتور بقوله  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  في حديث جابر رضي الله عنه «إنَّ الشَّيْطانَ قدْ أَيسَ أَنْ يَعْبُدَهُ المصَلوْنَ في جَزِيْرَةِ العَرَبِ» اخرجه مسلم
على صحة ما يفعل عند القبور وأن فعلهم هذا ليس ممنوعاً واستدلاله بالحديث استدلال في غير موضعه وعدم فهم لمراد الله ومراد النبي صلى الله عليه وسلم وقد بين أهل العلم خطأ مثل هذا الاستدلال فكان مما قالوا :
١- أَنَّ يَأْسَ المخْلوْق ِ- أَيا كانَ، وَلوْ كانَ صَالِحًا فضْلا ً عَنْ غيرِهِ -: لا يدُلُّ عَلى انتِفاءِ مَا يئِسَ مِنْهُ، بَلْ رُبمَا كانَ مَا يئِسَ مِنْهُ أَقرَبَ إليْهِ مِنْ شِرَاكِ نعْلِهِ، قالَ سُبْحَانهُ: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنْ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ}.
فيَأْسُ الرُّسُل ِ لمْ يَكنْ صَحِيْحًا في حَقِيْقةِ الأَمْرِ مِنَ الميْؤُوْس ِ مِنْهُ، بَلْ كانَ قرْبُ الميْؤُوْس ِ مِنْهُ شَدِيْدًا، لكِنْ لِخفاءِ ذلِك َ عَنْهُمْ ظنُّوْا مَا ظنُّوْا.
وَهَذَا مِنْ قصُوْرِ البشرِ، وَعَدَمِ عِلمِهمْ باِلغيْبِ إلا َّ مَا أَظهَرَهُمُ الله ُ عَليْهِ: رَوَى الإمَامُ أَحْمَدُ في «مُسْنَدِهِ» (٤/ ١١ - ١٢) وَأَبوْ دَاوُوْدَ الطيالِسِيُّ في «مُسْنَدِهِ» (ص١٤٧) (١٠٩٢) وَابْنُ مَاجَهْ في «سُننِهِ» (١٨١) كلهُمْ عن أبي رَزِيْن ٍ رَضِيَ الله ُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ضَحِك َ رَبنا مِنْ قنوْطِ عِبَادِهِ، وَقرْبِ غِيَرِه».
وَالقنوْط ُ: اليأْسُ. والغِيَرُ: سُقيا اللهِ عَزَّ وَجَلَّ لِعِبَادِهِ باِلأَمْطار.
فلمّا كانَ العِبَادُ لا يرَوْنَ فرَجًا قرِيْبًا، وَيئسُوْا مِنْ فرَجهمْ وَقنِطوْا، وَكانَ فرَجُهُمْ في الحقِيْقةِ قرِيبا: كانَ ذلِك َ سببا لِضَحِكِ الرَّحْمَن ِ جَلَّ وَعَلا. فيَأْسُ الشَّيْطان ِ لا يدُلُّ عَلى انتِفاءِ مَا يَئِسَ مِنْهُ، لأَنَّ ذلِك َ ضَرْبٌ مِنْ ضُرُوْبِ الغيْبِ، وَقدْ خَفِيَ عَنْهُ كمَا تقدَّم. وَإنمَا يدُلُّ عَلى انتِشَارِ الخيرِ في ذلِك َ الزَّمَان ِ، حَتَّى ظنَّ الشَّيْطانُ - لِكثْرَةِ مَا يرَاهُ مِنَ الخيرِ وَانتِشَارِ الحقِّ وَالهدَى، وَظهُوْرِ أَهْلِهِ-: أَنْ لا يُضِلَّ أَحَدًا مِنَ المؤْمِنِينَ في جَزِيْرَةِ العَرَبِ، وَلا يُعْبَدُ فِيْهَا شَيءٌ غيرَ اللهِ عَزَّ وَجَلّ.
٢-أَنَّ تأْوِيْلَ القبوْرِيِّيْنَ ذلِك َ، مُخالِفٌ لِمَا ثبتَ عَن ِ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عَوْدَةِ الشِّرْكِ إلىَ جَزِيْرَةِ العَرَبِ في أَمَاكِنَ مِنْهَا، وَحُدُوْثِهِ في أَحْيَاءٍ مِنْهُمْ، وَمِنْ ذلِك َ:
* قوْلهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا تقوْمُ السّاعَة ُ حَتَّى تلحَقَ قبائِلُ مِنْ أُمَّتِي باِلمشْرِكِيْنَ، وَحَتَّى يَعْبُدُوْا الأَوْثانَ، وَإنهُ سَيَكوْنُ في أُمَّتِي ثلاثوْنَ كذّابوْنَ، كلهُمْ يَزْعُمُ أَنهُ نبيٌّ، وَأَنا خَاتمُ النَّبيِّيْنَ لا نبيَّ بَعْدِي». وهو حديث صحيح على شرط مسلم رواه أبو داود والترمذي بسند صحيح.

* وَمِنْ ذلِك َ أَيْضًا: قوْلهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا تقوْمُ السّاعَة ُ حَتَّى تضْطرِبَ أَلياتُ نِسَاءِ دَوْس ٍ عَلى ذِي الخلصَة».
وَذو الخلصَةِ: طاغِيَة ُ دَوْس ٍ التِي كانوْا يَعْبُدُوْنَ في الجاهِليَّة. رَوَاهُ  َالبُخارِيُّ  وَمُسْلِمٌ.
🔸فهذان خبران يدلان على أن الشرك واقع في جزيرة العرب وأن بعضهم سيعبد غير الله والمخبر بهما هو الذي أخبر بذاك الحديث ولا تعارض بين الجميع لكن الدكتور فهم على هواه هو لا على ما جاء به الشرع .
٣-ارْتِدَادُ كثِيْرٍ مِنْ قبائِل ِ الجزِيْرَةِ بَعْدَ وَفاةِ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقِتَالُ أبي بَكرٍ الصِّدِّيق ِ مَعَ الصَّحَابةِ رَضِيَ الله ُ عَنْهُمْ جَمِيْعًا لهمْ: دَلِيْلٌ عَلى بُطلان ِ قول القبوريين في هذا الحديث وأمثاله.
٤-خُرُوْجُ الزَّنادِقةِ في خِلافةِ الخلِيْفةِ الرّاشِدِ عَلِيِّ بْن ِ أبي طالِبٍ رَضِيَ الله ُ عَنْهُ، المدَّعِيْنَ أُلوْهِيَّتَهُ، وَقتْلهُ لهمْ بحَرْقِهمْ باِلنّارِ وهؤلاء قالوا بألوهية علي رضي الله عنه فكفرهم رضي الله عنه فكيف يقال أن الشرك لن يرجع.
٥-إخْبَارُ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بخرُوْجِ الدَّجّال ِ، وَأَنهُ يَدَّعِي الإلهِيَّة َ، وَأَنهُ يَطأُ الأَرْضَ كلهَا، حَتَّى لا يَسْلمَ مِنْ فِتنتِهِ أَحَدٌ إلا َّ مَا شاءَ الله ُ، إلا َّ أَهْلُ المدِينتيْن ِ المقدَّسَتيْن ِ مَكة َ وَالمدِيْنَةِ، فإنهُ يُمْنَعُ مِنْ دُخُوْلهِمَا، وَتَحُوْلُ الملائِكة ُ دُوْنهُ، فيقِفُ عَلى مَشَارِفِهمَا، فتَرْجُفُ المدِينة ُ بأَهْلِهَا، فيخْرُجُ خَبَثهَا إليْهِ، فيؤْمِنُوْنَ بهِ رَبا، وَيَكفرُوْنَ باِللهِ، عِيَاذاً باِلله. وَهَذَا يُخالِفُ تَأْوِيْلَ القبوْرِيينَ.
🔸ثم نقل الدكتور كلاماً للبيضاوي وفيه: ( أن. من اتخذ مسجداً بجوار رجل صالح أو صلى في مقبرته فلا حرج عليه ومجرد اتخاذ مسجد بجوار صالح غير ممنوع)  انتهى كلامه وهذا الكلام خطأ بين وبطلانه واضح جداً يكفي معارضته لما شذ صح عن النبي صلى الله عليه وسلم وما تتابع عليه العلماء والحجة ليست في كلام أحد من الناس غير النبي صلى الله عليه وسلم ويبدو أن الدكتور أعياه أن يجد من كلام أهل العلم ما يصحح له مذهبه من علماء الإسلام إلا هذا النقل وسأورد نقلاً للحافظ السيوطي الصوفي يبين فيه حكم المسألة إذ قال في كتابه اتباع السنة ص113 :"  فأما بناء المساجد عليها، وإشعال القناديل والشموع أو السُّرج عندها، فقد لعن فاعله، كما جاء عن النبي (، قال: " لعن الله زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج ". حديث حسن، وقد تقدم. وصرح عامة علماء الطوائف بالنهي عن ذلك متابعة للأحاديث الواردة في النهي عن ذلك. ولا ريب في القطع بتحريمه لما بينت في صحيح مسلم عن جندب ابن عبد الله البجلي رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله (قبل أن يموت بخمس يقول: " إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل، فإن الله تعالى قد اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً، ولو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد. إني أنهاكم عن ذلك ".
وفي الصحيحين عن عائشة وابن عباس رضي الله عنهما، قال: لما نزل رسول الله (طفق يطرح خميصة له على وجهه فإذا اغتم بها كشفها عن وجهه، فقال وهو كذلك: " لعنة الله على اليهود والنصارى؛ اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " يحذر ما صنعوا.
وفي الصحيحين أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله (، قال: " قاتل الله اليهود، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ".
وقالت عائشة رضي الله عنها: قال رسول الله (في مرضه الذي مات فيه: " لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " قالت: ولولا ذلك لأبرز قبره، غير أنه خشي أن يتخذ مسجداً، متفق عليه.
وروى الإمام أحمد عن أبي مسعود رضي الله عنه أن النبي (قال: " إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء، والذين يتخذون القبور مساجد ".
وعن ابن مسعود رضي الله عنه، قال: " لعن رسول الله زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج ". رواه الإمام أحمد وأبو داود، والترمذي، والنسائي."

ثم صرح السيوطي بوجوب هدم المساجد المبنية على القبور فقال بعد كلامه السابق مع نقله الإجماع على ذلك  :" وفي الباب أحاديث كثيرة وآثار، فهذه المساجد المبنية على القبور يتعين إزالتها، هذا مما لا خلاف فيه بين العلماء المعروفين"
والله الموفق لا رب سواه وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

عبدالله بن محمد الحساني. 
فجر الثلاثاء 8/2/1438

رد شبهات دكتور الخنجر في استحبابه الصلاة في مسجد فيه قبر 2

الحمدلله وصلى الله وسلم على مصطفاه و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.
🔸 أمابعد بعد فهذا هو الرد على الشبهات التي ذكرها الدكتور الخنجر في مقاله وكان مرادي أن يكون هذا المقال فيه مناقشة لجميع ما ذكره في مقاله ولكن آثرت تقسيم الرد إلى أكثر من مقال لسببين اثنين :
1- لكثرة الشبهات المذكورة.
2- ولأن إطالة المقال قد تكون سبباً لعدم النظر فيه.
🔸والناظر في الشبه التي ذكرها وضعفها يتبين له ما ذكرته في المقال الأول أن ما يذكره إما صحيح فهمه على غير وجهه أو ضعيف وموضوع.
وهذا أوان الشروع في المقصود والله الموفق لا رب سواه :
 🔸زعمه بإلزام من يحرم الصلاة في مسجد فيه قبر أن يحرمها في المسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجد الأقصى لان بها قبور فقال أن في المسجد الحرام اسماعيل وأمه هاجر ونوح وصالح وهود وشعيب. وذكر دليلاً على هذا الزعم وهو ما أخرجه الأزرقي في تاريخ مكة: ( مابين الركن إلى المقام إلى زمزم قبر تسعة وتسعين نبياً....) الحديث واستدل كذلك بحديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: ( قبر في مسجد الخيف سبعون نبياً)  ثم استدل بدفن النبي صلى الله عليه وسلم في مسجده وذكر حديث :(بين بيتي  وقبري روضة من رياض الجنة)... إلى آخر ماقال :
1- أما كون إسماعيل عليه السلام دفن هو وأمه في الحجر فبيانه أن يقال :

أن هذا الخبر روي في ﺳﻴﺮﺓ ﺍﺑﻦ ﻫﺸﺎم ‏( /1 111 ‏) ": ﻗﺎﻝ ﺍﺑﻦ ﺍﺳﺤﺎﻕ : ﻭﻛﺎﻥ ﻋﻤﺮ ﺍﺳﻤﺎﻋﻴﻞ ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺬﻛﺮﻭﻥ ﻣﺎﺋﺔ ﺳﻨﺔ ﻭﺛﻼﺛﻴﻦ ﺳﻨﺔ ﺛﻢ ﻣﺎﺕ ﺭﺣﻤﺔ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺑﺮﻛﺎﺗﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺩﻓﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺠﺮ ﻣﻊ ﺃﻣﻪ ﻫﺎﺟﺮ ﺭﺣﻤﻬﻢ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ "
ﻭﺫﻛﺮ ﻧﺤﻮ ﺫﻟﻚ ﺍﺑﻦ ﺳﻌﺪ ﻓﻲ ‏( ﻃﺒﻘﺎﺗﻪ ‏) ‏( /1 52 ‏) ، ﻭﺍﻟﺬﻫﺒﻲ ﻓﻲ ‏( ﺗﺎﺭﻳﺦ ﺍﻹﺳﻼﻡ ‏) ‏( /1 20 ‏) ﻭﺍﺑﻦ ﺧﻠﺪﻭﻥ ﻓﻲ ‏( ﺗﺎﺭﻳﺨﻪ ‏) ‏( /2 44 ‏) .
ﻭﻓﻲ ‏( ﺃﺧﺒﺎﺭ ﻣﻜﺔ ‏) ﻟﻸﺯﺭﻗﻲ ‏( /1 81 ‏) ": ﻭﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﺣﺪﻳﺚ ﺟﺮﻫﻢ ﻭﺑﻨﻲ ﺇﺳﻤﺎﻋﻴﻞ ﺃﻥ ﺇﺳﻤﺎﻋﻴﻞ ﻟﻤﺎ ﺗﻮﻓﻲ ﺩﻓﻦ ﻣﻊ ﺃﻣﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺠﺮ ﻭﺯﻋﻤﻮﺍ ﺃﻥ ﻓﻴﻪ ﺩﻓﻨﺖ ﺣﻴﻦ ﻣﺎﺗﺖ ."
ﻭﻫﺬﺍ ﻛﻤﺎ ﺗﺮﻯ ‏( ﻓﻴﻤﺎ ﻳﺬﻛﺮﻭﻥ ‏) ﻭ ‏( ﺯﻋﻤﻮﺍ ‏) ؛ ﻭﻫﺬﻩ ﺍﻷﻟﻔﺎﻅ ﻻ ﻳﺜﺒﺖُ ﺑﻬﺎ ﺷﻲﺀٌ .
ﻭﻟيس هناك ﺭﻭﺍﻳﺔ ﺻﺤﻴﺤﺔ ﻋﻦ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﺗﺜﺒﺖُ ﺫﻟﻚ .
ﻭﺇﻧﻤﺎ ﺃﺧﺮﺝ ﺍﺑﻦ ﺳﻌﺪ ﻓﻲ ‏( ﺍﻟﻄﺒﻘﺎﺕ ‏) ‏( /1 52 ‏) ﻭﻣﻦ ﻃﺮﻳﻘﻪ ﺍﺑﻦ ﺍﻟﺠﻮﺯﻱ ﻓﻲ ‏( ﺍﻟﻤﻨﺘﻈﻢ ‏) ‏( /1 306 ‏) ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﺍﻟﺠﻬﻢ ﺑﻦ ﺣﺬﻳﻔﺔ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﻲ ﻗﺎﻝ ": ﺃﻭﺣﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﺇﻟﻰ ﺇﺑﺮﺍﻫﻴﻢ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ ﺃﻥ ﻳﺒﻨﻲ ﺍﻟﺒﻴﺖ ﻭﻫﻮ ﻳﻮﻣﺌﺬ ﺑﻦ ﻣﺎﺋﺔ ﺳﻨﺔ ﻭﺇﺳﻤﺎﻋﻴﻞ ﻳﻮﻣﺌﺬ ﺑﻦ ﺛﻼﺛﻴﻦ ﺳﻨﺔ ﻓﺒﻨﺎﻩ ﻣﻌﻪ ﻭﺗﻮﻓﻲ ﺇﺳﻤﺎﻋﻴﻞ ﺑﻌﺪ ﺃﺑﻴﻪ ﻓﺪﻓﻦ ﺩﺍﺧﻞ ﺍﻟﺤﺠﺮ ﻣﻤﺎ ﻳﻠﻲ ﺍﻟﻜﻌﺒﺔ ﻣﻊ ﺃﻣﻪ ﻫﺎﺟﺮ ."
ﻭﻓﻲ ﺇﺳﻨﺎﺩﻩ :
1 - ﻣﻮﺳﻰ ﺑﻦ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺇﺑﺮﺍﻫﻴﻢ : ﻓﻲ ‏( ﺍﻟﺘﻘﺮﻳﺐ ‏) : " ﻣﻨﻜﺮ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ."
2 - ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﻤﺮ ﺍﻟﻮﺍﻗﺪﻱ : ﻓﻲ ‏( ﺍﻟﺘﻘﺮﻳﺐ ‏) ": ﻣﺘﺮﻭﻙ ﻣﻊ ﺳﻌﺔ ﻋﻠﻤﻪ ."
 ﻓﺎﻷﺛﺮ ﺿﻌﻴﻒٌ ﺟِﺪًﺍ .
ﻭﺃﺧﺮﺝ ﺍﺑﻦ ﺳﻌﺪ ‏( /1 52 ‏) ـــ ﻭﻣﻦ ﻃﺮﻳﻘﻪ ﺍﺑﻦ ﺍﻟﺠﻮﺯﻱ ﻓﻲ ‏( ﺍﻟﻤﻨﺘﻈﻢ ‏) ‏( /1 306 ‏) ـــ ﻋﻦ ﺇﺳﺤﺎﻕ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﻓﺮﻭﺓ ﻗﺎﻝ ": ﻣﺎ ﻳﻌﻠﻢ ﻣﻮﺿﻊ ﻗﺒﺮ ﻧﺒﻲ ﻣﻦ ﺍﻷﻧﺒﻴﺎﺀ ﺇﻻ ﺛﻼﺛﺔ : ﻗﺒﺮ ﺇﺳﻤﺎﻋﻴﻞ ﻓﺈﻧﻪ ﺗﺤﺖ ﺍﻟﻤﻴﺰﺍﺏ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺮﻛﻦ ﻭﺍﻟﺒﻴﺖ ، ﻭﻗﺒﺮ ﻫﻮﺩ ﻓﺈﻧﻪ ﻓﻲ ﺣﻘﻒ ﻣﻦ ﺍﻟﺮﻣﻞ ﺗﺤﺖ ﺟﺒﻞ ﻣﻦ ﺟﺒﺎﻝ ﺍﻟﻴﻤﻦ ﻋﻠﻴﻪ ﺷﺠﺮﺓ ﺗﻨﺪﻯ ﻭﻣﻮﺿﻌﻪ ﺃﺷﺪ ﺍﻷﺭﺽ ﺣﺮﺍ ، ﻭﻗﺒﺮ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ."
وهذا  ﺁﻓﺘﻪ ﻗﺎﺋﻞ ﺍﻟﻜﻼﻡِ ﻧﻔﺴُﻪ : ﺇﺳﺤﺎﻕ ﺑﻦ ﻋﺒﺪﺍﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﻓﺮﻭﺓ ﺍﻟﻤﺘﻮﻓﻰ ‏( 144 ﻫـ ‏) .
ﻗﺎﻝ ﻟﻪ ﺍﻟﺰﻫﺮﻱ : ﻗﺎﺗﻠﻚ ﺍﻟﻠﻪ ﻳﺎ ﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﻓﺮﻭﺓ ﻣﺎ ﺃﺟﺮﺃﻙ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﺃﻻ ﺗﺴﻨﺪ ﺍﺣﺎﺩﻳﺜﻚ ﺗﺤﺪﺙ ﺑﺄﺣﺎﺩﻳﺚ ﻟﻴﺲ ﻟﻬﺎ ﺧﻄﻢ ﻭﻻ ﺃﺯﻣﺔ ؟ !
ﻭﻗﺎﻝ ﺑﻦ ﺳﻌﺪ : ﻛﺎﻥ ﻛﺜﻴﺮ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﻳﺮﻭﻱ ﺃﺣﺎﺩﻳﺚ ﻣﻨﻜﺮﺓ ﻻ ﻳﺤﺘﺠﻮﻥ ﺑﺤﺪﻳﺜﻪ .
ﺑﻞ ﻗﺎﻝ ﺍﻹﻣﺎﻡ ﺃﺣﻤﺪ : ﻻ ﺗﺤﻞ ﻋﻨﺪﻱ ﺍﻟﺮﻭﺍﻳﺔ ﻋﻨﻪ . ﻟﺬﻟﻚ ﻗﺎﻝ ﻓﻲ ‏( ﺍﻟﺘﻘﺮﻳﺐ ‏) ": ﻣﺘﺮﻭﻙ ."
ﺛُﻢّ ﺇﻥ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻷﻣﺮ ﻳﺤﺘﺎﺝُ ﺇﻟﻰ ﻧﻘﻞِ ﺍﻟﻤﻌﺼﻮﻡِ ﺍﻟﺬﻱ ﻻ ﻳﻨﻄِﻖُ ﻋﻦ ﺍﻟﻬﻮﻯ ﺇﻥ ﻫﻮ ﺇﻻ ﻭﺣﻲٌ ﻳﻮﺣﻰ ﺑﺄﻥّ ﺇﺳﻤﺎﻋﻴﻞ ﺩُﻓِﻦَ ﻓﻲ ﺍﻟﺤِﺠﺮِ ، ﻭﺃﻧّﻰ ﻟﻬﻢ ﺫﻟﻚ ، ﻓﺈﻥّ ﺑﻴﻨﻨﺎ ﻭﺑﻴﻦ ﺇﺳﻤﺎﻋﻴﻞ ﻭﺃﺟﻴﺎﻝٌ ﻭﺃﺟﻴﺎﻝٌ ﺑﻞ ﺃﻟﻮﻑٌ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻨﻴﻦَ ؛ ﻓﻤﻦ ﺃﻳﻦ ﻳُﺠﺰَﻡُ ﺑﻤﻜﺎﻥِ ﻗﺒﺮِﻩِ ﺃﻭ ﻣﺤﻞِّ ﺩﻓﻨِﻪِ ؟ !!
ﻭﻟﻤّﺎ ﻟﻢ ﻳﺼﺢ في ذلك شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا حجة فيه البتة وكذلك ماذكرهم من الأنبياء

2- أما حديث مابين الركن إلى المقام...  فبيانه أن يقال أن حديثه المراد هو ما قاله الأزرقي في أخبار مكة حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بْنُ أَبِي الْمَهْدِيِّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ، عَنْ أَبِي خَيْثَمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سَابِطٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ ضَمْرَةَ السَّلُولِيَّ، يَقُولُ: «مَا بَيْنَ الرُّكْنِ إِلَى الْمَقَامِ إِلَى زَمْزَمَ إِلَى الْحِجْرِ قَبْرُ تِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ نَبِيًّا، جَاءُوا حُجَّاجًا فَقُبِرُوا هُنَالِكَ، فَتِلْكَ قُبُورُهُمْ غَوْرُ الْكَعْبَةِ» فهذه الرواية التي أرادها الخنجر والأزرقي لا توجد له ترجمة وتوثيق من أهل العلم وشيخه مهدي لا يعرف وهو ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم فلا يلتفت له لذلك قال  ﺍﻟﺸﻴﺦ ﺍﻟﻌﻼﻣﺔ ﻣﺤﻤﺪ ﻧﺎﺻﺮ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺍﻷﻟﺒﺎﻧﻲ ﻓﻲ " ﺗﺤﺬﻳﺮ ﺍﻟﺴﺎﺟﺪ " ﺹ ‏( 69 ‏) :
" ﻟﻢ ﻳﺜﺒﺖ ﻓﻲ ﺣﺪﻳﺚ ﻣﺮﻓﻮﻉ ﺃﻥ ﺍﺳﻤﺎﻋﻴﻞ - ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ - ، ﺃﻭ ﻏﻴﺮﻩ ﻣﻦ ﺍﻷﻧﺒﻴﺎﺀ ﺍﻟﻜﺮﺍﻡ ﺩﻓﻨﻮﺍ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺴﺠﺪ ﺍﻟﺤﺮﺍﻡ ، ﻭﻟﻢ ﻳﺮﺩ ﺷﺊ ﻣﻦ ﺫﻟﻚ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺏ ﻣﻦ ﻛﺘﺐ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﺍﻟﻤﻌﺘﻤﺪﺓ ﻛﺎﻟﻜﺘﺐ ﺍﻟﺴﻨﺔ ، ﻭﻣﺴﻨﺪ ﺃﺣﻤﺪ ، ﻭﻣﻌﺎﺟﻢ ﺍﻟﻄﺒﺮﺍﻧﻲ ﺍﻟﺜﻼﺛﺔ ، ﻭﻏﻴﺮﻫﺎ ﺿﻌﻴﻔًﺎ ﺑﻞ ﻣﻮﺿﻮﻋًﺎ ﻋﻨﺪ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻤﺤﻘﻘﻴﻦ .
ﻭﻏﺎﻳﺔ ﻣﺎ ﻭﺭﻱ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﻣﻦ ﺁﺛﺎﺭ ﻣﻌﻀﻼﺕ ﺑﺄﺳﺎﻧﻴﺪ ﻭﺍﻫﻴﺎﺕ ﻣﻮﻗﻮﻓﺎﺕ ﺃﺧﺮﺟﻬﺎ ﺍﻷﺯﺭﻗﻲ ﻓﻲ " ﺃﺧﺒﺎﺭ ﻣﻜﺔ " ‏( ﺹ 39 ﻭ 219 ﻭ 220 ‏) ﻓﻼ ﻳﻠﺘﻔﺖ ﺇﻟﻴﻬﺎ ، ﻭﺇﻥ ﺳﺎﻗﻬﺎ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻤﺒﺘﺪﻋﺔ ﻣﺴﺎﻕ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﺎﺕ .
ﻭﻧﺤﻮ ﺫﻟﻚ ﻣﺎ ﺃﻭﺭﺩ ﺍﻟﺴﻴﻮﻃﻲ ﻓﻲ " ﺍﻟﺠﺎﻣﻊ " ﻣﻦ ﺭﻭﺍﻳﺔ ﺍﻟﺤﺎﻛﻢ ﻓﻲ " ﺍﻟﻜﻨﻰ " ﻋﻦ ﻋﺎﺋﺸﺔ ﻣﺮﻓﻮﻋﺎ ﺑﻠﻔﻆ : ﺇﻥ ﻗﺒﺮ ﺇﺳﻤﺎﻋﻴﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺠﺮ " .
 وقد أحسن العلامة المباركفوري إذ قال - ﺗﺤﻔﺔ ﺍﻷﺣﻮﺫﻱ ‏( /2 227 ‏) - ﺭﺩﺍ ﻋﻠﻰ ﻣﻦ ﻳﺴﺘﺪﻝ ﺑﻮﺟﻮﺩ ﻗﺒﺮ ﺇﺳﻤﺎﻋﻴﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺠﺮ ﻋﻠﻰ ﺟﻮﺍﺯ ﺍﺗﺨﺎﺫ ﻣﺴﺎﺟﺪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻘﺒﻮﺭ - :
‏[ ﻣَﺎ ﺃَﺑْﺮَﺩَ ﻫَﺬِﻩِ ﺍﻟﺘَّﺤْﺮِﻳﺮَ ﻭَﺍﻟِﺎﺳْﺘِﺪْﻟَﺎﻝَ ﻋَﻠَﻴْﻪِ ﺑِﺬَﻟِﻚَ ﺍﻟﺘَّﻘْﺮِﻳﺮِ ﻟِﺄَﻥَّ ﻛَﻮْﻥَ ﻗَﺒْﺮِ ﺇِﺳْﻤَﺎﻋِﻴﻞَ ﻋَﻠَﻴْﻪِ ﺍﻟﺴَّﻠَﺎﻡُ ﻭَﻏَﻴْﺮِﻩِ ﻣِﻦَ ﺍﻟْﺄَﻧْﺒِﻴَﺎﺀِ ﺳَﻮَﺍﺀٌ ﻛَﺎﻧُﻮﺍ ﺳَﺒْﻌِﻴﻦَ ﺃَﻭْ ﺃَﻗَﻞَّ ﺃَﻭْ ﺃَﻛْﺜَﺮَ :
ﻟَﻴْﺲَ ﻣِﻦْ ﻓِﻌْﻞِ ﻫَﺬِﻩِ ﺍﻟْﺄُﻣَّﺔِ ﺍﻟْﻤُﺤَﻤَّﺪِﻳَّﺔِ
ﻭَ ﻟَﺎ ﻫُﻮَ ﻭَﻫُﻢْ ﺩُﻓِﻨُﻮﺍ ﻟِﻬَﺬَﺍ ﺍﻟْﻐَﺮَﺽِ ﻫُﻨَﺎﻙَ
ﻭَ ﻟَﺎ ﻧَﺒَّﻪَ ﻋَﻠَﻰ ﺫَﻟِﻚَ ﺭَﺳُﻮﻝُ ﺍﻟﻠَّﻪِ ﺻَﻠَّﻰ ﺍﻟﻠَّﻪُ ﻋَﻠَﻴْﻪِ ﻭَﺁﻟِﻪِ ﻭَﺳَﻠَّﻢَ
ﻭَ ﻟَﺎ ﻋَﻠَﺎﻣَﺎﺕِ ﻟِﻘُﺒُﻮﺭِﻫِﻢْ ﻣُﻨْﺬُ ﻋَﻬْﺪِ ﺍﻟﻨَّﺒِﻲِّ ﺻَﻠَّﻰ ﺍﻟﻠَّﻪُ ﻋَﻠَﻴْﻪِ ﻭَﺳَﻠَّﻢَ
ﻭَ ﻟَﺎ ﺗَﺤَﺮَّﻯ ﻧَﺒِﻴُّﻨَﺎ ﻋَﻠَﻴْﻪِ ﺍﻟﺼَّﻠَﺎﺓُ ﻭَﺍﻟﺴَّﻠَﺎﻡُ ﻗَﺒْﺮًﺍ ﻣِﻦْ ﺗِﻠْﻚَ ﺍﻟْﻘُﺒُﻮﺭِ ﻋَﻠَﻰ ﻗَﺼْﺪِ ﺍﻟْﻤُﺠَﺎﻭَﺭَﺓِ ﺑِﻬَﺬِﻩِ ﺍﻟْﺄَﺭْﻭَﺍﺡِ ﺍﻟْﻤُﺒَﺎﺭَﻛَﺔِ
ﻭَ ﻟَﺎ ﺃَﻣَﺮَ ﺑِﻪِ ﺃَﺣَﺪًﺍ ﻭَﻟَﺎ ﺗَﻠَﺒَّﺲَ ﺑِﺬَﻟِﻚَ ﺃَﺣَﺪٌ ﻣِﻦْ ﺳَﻠَﻒِ ﻫَﺬِﻩِ ﺍﻟْﺄُﻣَّﺔِ ﻭَﺃَﺋِﻤَّﺘِﻬَﺎ
ﺑَﻞِ ﺍﻟَّﺬِﻱ ﺃَﺭْﺷَﺪَﻧَﺎ ﺇِﻟَﻴْﻪِ ﻭَﺣَﺜَّﻨَﺎ ﻋَﻠَﻴْﻪِ ﺃَﻥْ ﻟَﺎ ﻧَﺘَّﺨِﺬَ ﻗُﺒُﻮﺭَ ﺍﻟْﺄَﻧْﺒِﻴَﺎﺀِ ﻣَﺴَﺎﺟِﺪَ ﻛَﻤَﺎ ﺍﺗَّﺨَﺬَﺕِ ﺍﻟْﻴَﻬُﻮﺩُ ﻭَﺍﻟﻨَّﺼَﺎﺭَﻯ ﻭَﻗَﺪْ ﻟَﻌَﻨَﻬُﻢْ ﻋَﻠَﻰ ﻫَﺬَﺍ ﺍﻟِﺎﺗِّﺨَﺎﺫِ
ﻓَﺎﻟْﺤَﺪِﻳﺚُ ﺑُﺮْﻫَﺎﻥٌ ﻗَﺎﻃِﻊٌ ﻟِﻤَﻮَﺍﺩِّ ﺍﻟﻨِّﺰَﺍﻉِ ﻭَﺣُﺠَّﺔٌ ﻧَﻴِّﺮَﺓٌ ﻋَﻠَﻰ ﻛَﻮْﻥِ ﻫَﺬِﻩِ ﺍﻟْﺄَﻓْﻌَﺎﻝِ ﺟَﺎﻟِﺒَﺔً ﻟِﻠَّﻌْﻦِ ﻭَﺍﻟﻠَّﻌْﻦُ ﺃَﻣَﺎﺭَﺓُ ﺍﻟْﻜَﺒِﻴﺮَﺓِ ﺍﻟْﻤُﺤَﺮَّﻣَﺔِ ﺃَﺷَﺪَّ ﺍﻟﺘَّﺤْﺮِﻳﻢِ
ﻓَﻤَﻦِ ﺍﺗَّﺨَﺬَ ﻣَﺴْﺠِﺪًﺍ ﺑِﺠِﻮَﺍﺭِ ﻧَﺒِﻲٍّ ﺃَﻭْ ﺻَﺎﻟِﺢٍ ﺭَﺟَﺎﺀَ ﺑَﺮَﻛَﺘِﻪِ ﻓِﻲ ﺍﻟْﻌِﺒَﺎﺩَﺓِ ﻭَﻣُﺠَﺎﻭَﺭَﺓِ ﺭُﻭﺡِ ﺫَﻟِﻚَ ﺍﻟْﻤَﻴِّﺖِ ﻓَﻘَﺪْ ﺷَﻤِﻠَﻪُ ﺍﻟْﺤَﺪِﻳﺚُ ﺷُﻤُﻮﻟًﺎ ﻭَﺍﺿِﺤًﺎ ﻛَﺸَﻤْﺲِ ﺍﻟﻨَّﻬَﺎﺭِ ﻭَﻣَﻦْ ﺗَﻮَﺟَّﻪَ ﺇِﻟَﻴْﻪِ ﻭَﺍﺳْﺘَﻤَﺪَّ ﻣِﻨْﻪُ ﻓَﻠَﺎ ﺷَﻚَّ ﺃَﻧَّﻪُ ﺃَﺷْﺮَﻙَ ﺑِﺎﻟﻠَّﻪِ ﻭَﺧَﺎﻟَﻒَ ﺃَﻣْﺮَ ﺭَﺳُﻮﻝِ ﺍﻟﻠَّﻪِ ﺻَﻠَّﻰ ﺍﻟﻠَّﻪُ ﻋَﻠَﻴْﻪِ ﻭَﺁﻟِﻪِ ﻭَﺳَﻠَّﻢَ ﻓِﻲ ﻫَﺬَﺍ ﺍﻟْﺤَﺪِﻳﺚِ ﻭَﻣَﺎ ﻭَﺭَﺩَ ﻓِﻲ ﻣَﻌْﻨَﺎﻩُ
ﻭَﻟَﻢْ ﻳُﺸْﺮَﻉِ ﺍﻟﺰِّﻳَﺎﺭَﺓُ ﻓِﻲ ﻣِﻠَّﺔِ ﺍﻟْﺈِﺳْﻠَﺎﻡِ ﺇِﻟَّﺎ ﻟِﻠْﻌِﺒْﺮَﺓِ ﻭَﺍﻟﺰُّﻫْﺪِ ﻓِﻲ ﺍﻟﺪُّﻧْﻴَﺎ ﻭَﺍﻟﺪُّﻋَﺎﺀِ ﺑِﺎﻟْﻤَﻐْﻔِﺮَﺓِ ﻟِﻠْﻤَﻮْﺗَﻰ
ﻭَﺃَﻣَّﺎ ﻫَﺬِﻩِ ﺍﻟْﺄَﻏْﺮَﺍﺽُ ﺍﻟَّﺘِﻲ ﺫَﻛَﺮَﻫَﺎ ﺑَﻌْﺾُ ﻣَﻦْ ﻳُﻌْﺰَﻯ ﺇِﻟَﻰ ﺍﻟْﻔِﻘْﻪِ ﻭَﺍﻟﺮَّﺃْﻱِ ﻭَﺍﻟْﻘِﻴَﺎﺱِ ﻓَﺈِﻧَّﻬَﺎ ﻟَﻴْﺴَﺖْ ﻋَﻠَﻴْﻬَﺎ ﺃَﺛَﺎﺭَﺓٌ ﻣِﻦْ ﻋِﻠْﻢٍ ﻭَﻟَﻢْ ﻳَﻘُﻞْ ﺑِﻬَﺎ ﻓِﻴﻤَﺎ ﻋَﻠِﻤْﺖُ ﺃَﺣَﺪٌ ﻣِﻦَ ﺍﻟﺴَّﻠَﻒِ ﺑَﻞِ ﺍﻟﺴَّﻠَﻒُ ﺃَﻛْﺜَﺮُ ﺍﻟﻨَّﺎﺱِ ﺇِﻧْﻜَﺎﺭًﺍ ﻋَﻠَﻰ ﻣِﺜْﻞِ ﻫَﺬِﻩِ ﺍﻟْﺒِﺪَﻉِ ﺍﻟﺸِّﺮْﻛِﻴَّﺔِ ﺍﻧْﺘَﻬَﻰ ‏]  فما أشد هذا البيان وما أوضح هذه الكلمات لمبتغي الهدى وطالب الحق المريد له.

و ﻗﺎﻝ ﺍﻟﺸﻴﺦ ﺍﻟﺸﻴﺦ ﺍﻷﻟﺒﺎﻧﻲ - ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ - ﻓﻲ ﺗﺤﺬﻳﺮ ﺍﻟﺴﺎﺟﺪ ‏( ﺹ : 69 ‏) :
‏[ ﺍﻟﻮﺟﻪ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ : ﺃﻥ ﺍﻟﻘﺒﻮﺭ ﺍﻟﻤﺰﻋﻮﻡ ﻭﺟﻮﺩﻫﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺴﺠﺪ ﺍﻟﺤﺮﺍﻡ ﻏﻴﺮ ﻇﺎﻫﺮﺓ ﻭﻻ ﺑﺎﺭﺯﺓ ﻭﻟﺬﻟﻚ ﻻ ﺗﻘﺼﺪ ﻣﻦ ﺩﻭﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻓﻼ ﺿﺮﺭ ﻣﻦ ﻭﺟﻮﺩﻫﺎ ﻓﻲ ﺑﻄﻦ ﺃﺭﺽ ﺍﻟﻤﺴﺠﺪ ﻓﻼ ﻳﺼﺢ ﺣﻴﻨﺌﺬ ﺍﻻﺳﺘﺪﻻﻝ ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻵﺛﺎﺭ ﻋﻠﻰ ﺟﻮﺍﺯ ﺍﺗﺨﺎﺫ ﺍﻟﻤﺴﺎﺟﺪ ﻋﻠﻰ ﻗﺒﻮﺭ ﻣﺮﺗﻔﻌﺔ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻪ ﺍﻷﺭﺽ ﻟﻈﻬﻮﺭ ﺍﻟﻔﺮﻕ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺼﻮﺭﺗﻴﻦ ﻭﺑﻬﺬﺍ ﺃﺟﺎﺏ ﺍﻟﺸﻴﺦ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻘﺎﺭﻱ ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻓﻘﺎﻝ ﻓﻲ " ﻣﺮﻗﺎﺓ ﺍﻟﻤﻔﺎﺗﻴﺢ " ‏( 1 / 456 ‏) ﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﺣﻜﻰ ﻗﻮﻝ ﺍﻟﻤﻔﺴﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﺷﺮﺕ ﺇﻟﻴﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻖ :
ﻭﺫﻛﺮ ﻏﻴﺮﻩ ﺃﻥ ﺻﻮﺭﺓ ﻗﺒﺮ ﺇﺳﻤﺎﻋﻴﻞ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺠﺮ ﺗﺤﺖ ﺍﻟﻤﻴﺰﺍﺏ ﻭﺃﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻄﻴﻢ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺤﺠﺮ ﺍﻷﺳﻮﺩ ﻭﺯﻣﺰﻡ ﻗﺒﺮ ﺳﺒﻌﻴﻦ ﻧﺒﻴﺎ
ﻗﺎﻝ ﺍﻟﻘﺎﺭﻱ : ‏[ ﻭﻓﻴﻪ ﺃﻥ ﺻﻮﺭﺓ ﻗﺒﺮ ﺇﺳﻤﺎﻋﻴﻞ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ ﻭﻏﻴﺮﻩ ﻣﻨﺪﺭﺳﺔ ﻓﻼ ﻳﺼﻠﺢ ﺍﻻﺳﺘﺪﻻﻝ ‏]
ﻭﻫﺬﺍ ﺟﻮﺍﺏ ﻋﺎﻟﻢ ﻧﺤﺮﻳﺮ ﻭﻓﻘﻴﻪ ﺧﺮﻳﺖ ﻭﻓﻴﻪ ﺍﻹﺷﺎﺭﺓ ﺇﻟﻰ ﻣﺎ ﺫﻛﺮﻧﺎﻩ ﺁﻧﻔﺎ ﻭﻫﻮ ﺃﻥ ﺍﻟﻌﺒﺮﺓ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﺑﺎﻟﻘﺒﻮﺭ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﻭﺃﻥ ﻣﺎ ﻓﻲ ﺑﻄﻦ ﺍﻷﺭﺽ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺒﻮﺭ ﻓﻼ ﻳﺮﺗﺒﻂ ﺑﻪ ﺣﻜﻢ ﺷﺮﻋﻲ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮ ﺑﻞ ﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ﺗﻨﺰﻩ ﻋﻦ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺤﻜﻢ ﻷﻧﻨﺎ ﻧﻌﻠﻢ ﺑﺎﻟﻀﺮﻭﺭﺓ ﻭﺍﻟﻤﺸﺎﻫﺪﺓ ﺃﻥ ﺍﻷﺭﺽ ﻛﻠﻬﺎ ﻣﻘﺒﺮﺓ ﺍﻷﺣﻴﺎﺀ ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ }: ﺃﻟﻢ ﻧﺠﻌﻞ ﺍﻷﺭﺽ ﻛﻔﺎﺗﺎ ﺃﺣﻴﺎﺀ ﻭﺃﻣﻮﺍﺗﺎ { . ﻗﺎﻝ ﺍﻟﺸﻌﺒﻲ : ﺑﻄﻨﻬﺎ ﻷﻣﻮﺍﺗﻜﻢ ﻭﻇﻬﺮﻫﺎ ﻷﺣﻴﺎﺋﻜﻢ ‏]

3- أما ما يتعلق بمسجد الخيف فبيانه  أن هذا الحديث  رواه الفاكِهيُّ في «أَخْبَارِ مَكة» (٤/ ٢٦٦) (٢٥٩٤) قالَ: حَدَّثنَا مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ حَدَّثنَا أَبوْ هَمّامٍ الدَّلالُ ُ عَنْ إبْرَاهِيْمِ بْن ِ طهْمَانَ عَنْ مَنْصُوْرِ بْن ِ المعْتَمِرِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَن ِ ابْن ِ عُمَرَ رَضِيَ الله ُ عَنْهُمَا قالَ: قالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «في مَسْجِدِ الخيْفِ قبْرُ سَبْعِيْنَ نبيًّا».
وكذلك الطبَرَانِيُّ في «مُعْجَمِهِ الكبيْرِ» (١٢/ ٤١٤) (١٣٥٢٥) قالَ: حَدَّثنَا عَبْدَانُ بْنُ أَحْمَدَ حَدَّثنَا عِيْسَى بْنُ شاذانَ حَدَّثنَا أَبوْ هَمّامٍ الدَّلالُ به.
وَهُوَ حَدِيْثٌ لمْ يُصَحِّحْهُ أَحَدٌ مِنَ الأَئِمَّةِ، بَلْ وَلمْ يَسْتَدِلَّ بهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْل ِ العِلمِ المعْتبرِيْنَ المتقدِّمِيْنَ عَلى شَيْءٍ مِنْ مَسَائِل ِ الصَّلاةِ في المقابرِ، لاطرَاحِهِ وَظهُوْرِ نكارَتِهِ. ويظهر ذلك من وجوه ذكرها أهل العلم :
أَحَدُهَا: أَنهُ مُخالِفٌ لِلأَحَادِيْثِ الصَّحِيْحَةِ بَلْ وَالمتوَاتِرَةِ عَن ِ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ لعْنِهِ لِليهُوْدِ وَالنَّصَارَى، المتخِذِيْنَ قبوْرَ أَنبيَائِهمْ مَسَاجِدَ، بَلْ لعْنهُ المتخِذِيْنَ القبوْرَ مَسَاجِدَ مُطلقا.
بَلْ مُخالِفٌ لأَحَادِيْثَ صَحِيْحَةٍ كثِيْرَةٍ أُخْرَى، فِيْهَا تَحْرِيْمُ الصَّلاةِ إلىَ القبوْرِ، وَتَحْرِيْمُ وَطئِهَا وَالمشْيُ عَليْهَا، وَإيْقادُ السُّرُجِ فِيْهَا. فكيْفَ يتخِذُ النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسْجِدَ الخيْفِ مَسْجِدًا؟! وَيُصَلي فِيْهِ؟! وَيَدَعُ المسْلِمِيْنَ يُصَلوْنَ فِيْهِ؟! ثمَّ يحْذَرُ عَليْهمْ مِنَ اتخاذِ قبْرِهِ مَسْجِدًا وَعِيْدًا، وَلا يَحْذَرُ عَليْهمُ اتخاذَ قبْرِ سَبْعِيْنَ نبيًّا مَسْجِدًا وَعِيْدًا؟! {سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ}.
فلا شَك َّ أَنَّ حَدِيْثَ ابْن ِ عُمَرَ رَضِيَ الله ُ عَنْهُمَا هَذَا: حَدِيْثٌ بَاطِلٌ مُنْكر.
الثانِي: أَنهُ مُخالِفٌ لِلإجْمَاعِ، وَقدْ ذكر الإجماع السيوطي فقال  بعد كلام له طويل  في كتابه اتباع السنة (113):" وفي الباب أحاديث كثيرة وآثار، فهذه المساجد المبنية على القبور يتعين إزالتها، هذا مما لا خلاف فيه بين العلماء المعروفين " وقد تقدم في المقال الأول وذكره ابن تيمية رحمه الله وغيرهم.
الثالث :أَنَّ هَذَا الحدِيْثَ لوْ كانَ صَحِيْحًا: لحَرُمَ وَطئُ قبوْرِهِمْ، وَالجلوْسُ عَليْهَا، وَالصَّلاة ُ فِيْهَا وَإليْهَا، وَلوَجَبَ عَلى النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيَانُ ذلِك َ لأُمَّتِهِ، فلمَّا لمْ يَكنْ ذلِك َ: ظهَرَ بُطلانهُ، وَخُلوُّ المسْجِدِ مِنَ القبوْر.
الرابع ُ: أَنهُ مُخالِفٌ لِلرِّوَايَاتِ الصَّحِيْحَةِ في بابهِ، التي فِيْهَا: أَنَّ مَسْجِدَ الخيْفِ صَلى فِيْهِ سَبْعُوْنَ نبيًّا، وَقدْ رَوَاهُ جَمَاعَة ٌ مِنَ الأَئِمَّةِ مَوْقوْفا وَمَرْفوْعًا، لا قبْرُ سَبْعِيْنَ نبيًّا! فصَوَابهُ «صَلى» لا «قبْر».
فالرِّوَاية ُ المرْفوْعَة ُ: رَوَاهَا مُحَمَّدُ بْنُ فضَيْل ٍ عَنْ عَطاءِ بْن ِ السّائِبِ عَنْ سَعِيْدِ بْن ِ جُبيْرٍ عَن ِ ابْن ِ عَبّاس ٍ رَضِيَ الله ُ عَنْهُمَا قالَ: قالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صَلى في مَسْجِدِ الخيْفِ سَبْعُوْنَ نبيًّا، مِنْهُمْ مُوْسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كأَني أَنظرُ إليْهِ وَعَليْهِ عَبَاءَتان ِ قِطرَانِيَّتَان ِ، وَهُوَ مُحْرِمٌ عَلى بَعِيْرٍ مِنْ إبْل ِ شَنُوْءَةٍ، مَخْطوْمٍ بخِطامٍ مِنْ لِيْفٍ لهُ ضَفِيْرَتان».
وأَخْرَجَها :
- الفاكِهيُّ في «أَخْبَارِ مَكة» (٤/ ٢٦٦) (٢٥٩٣) قالَ: حَدَّثنَا عَلِيُّ بْنُ المنذِرِ الكوْفيُّ، وَعَبْدَة ُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيْمِ قالا: حَدَّثنَا مُحَمَّدُ بْنُ فضَيْل ٍ به.
- وَالطبَرَانِيُّ في مُعْجَمَيْهِ: «الكبيْرِ» (١١/ ٤٥٢ - ٤٥٣) (١٢٢٨٣) وَ «الأَوْسَطِ» (٦/ ١٩٣ - ١٩٤) (٥٤٠٣) قالَ: حَدَّثنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدِ بْن ِ أَبي خَيْثمَة َحَدَّثنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ هَاشِمٍ الطوْسِيُّ حَدَّثنَا مُحَمَّدُ بْنُ فضَيْل ٍ به.
ثمَّ قالَ الطبَرَانِيُّ بَعْدَهُ في «الأَوْسَطِ» (٦/ ١٩٤):
(لمْ يَرْوِ هَذَا الحدِيْثَ عَنْ عَطاءِ بْن ِ السّائِبِ إلا َّ مُحَمَّدُ بْنُ فضَيْل. تفرَّدَ بهِ: عَبْدُ اللهِ بْنُ هَاشِمٍ الطوْسِيّ).
وَهَذَا إسْنَادٌ رِجَالهُ حُفاظ ٌ ثِقاتٌ، احْتَجَّ بهمْ أَصْحَابُ الصَّحِيْح.
وَتفرُّدُ مُحَمَّدِ بْن ِ فضَيْل ٍ بهِ عَنْ عَطاءٍ - الذِي ذكرَهُ الطبَرَانِيُّ - لا يَضُرُّهُ، فإنَّ مُحَمَّدًا ثِقة ٌ حُجَّة ٌ، احْتَجَّ بهِ الشَّيْخان.
أَمّا زَعْمُ الطبَرَانِيِّ رَحِمَهُ الله ُ: تفرُّدَ عَبْدِ اللهِ بْن ِ هَاشِمٍ الطوْسِيِّ بهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْن ِ فضَيْل ٍ: فغيْرُ مُسَلمٍ وَلا صَحِيْحٍ، بَلْ قدْ شَارَكهُ في رِوَايتِهِ لهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْن ِفضَيْل ٍ: رَاوِيان ِ ثِقتان ِ، هُمَا عَلِيُّ بْنُ المنذِرِ، وَعَبْدَة ُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيْمِ، كمَا تقدَّم.
أَمّا الرِّوَاية ُ الموْقوْفة ُ: فجَاءَتْ عَن ِ ابْن ِ عَبّاس ٍ أَيْضًا مِنْ طرِيْقيْن ِ، وَعَنْ أَبي هُرَيرَة َ رَضِيَ الله ُ عَنْهُمَا.
فإحْدَى طرِيقيْ ابْن ِ عَبّاس ٍ: رَوَاهَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَة َ عَنْ أَشْعَثِ بْن ِ سَوّارٍ عَنْ عِكرِمَة َ عَن ِ ابْن ِ عَبّاس ٍ رَضِيَ الله ُ عَنْهُمَا قالَ: «صَلى في مَسْجِدِ الخيْفِ سَبْعُوْنَ نبيًّا، كلهُمْ مُخَطمِيْنَ باِلليْف» قالَ مَرْوَانُ: (يَعْنِي رَوَاحِلهُمْ).
أَخْرَجَهُ مِنْ هَذِهِ الطرِيْق ِ:
- الفاكِهيُّ في «أَخْبَارِ مَكة َ» (٤/ ٢٦٩) (٢٦٠٣) قالَ: حَدَّثنَا ابْنُ أَبي عُمَرَ حَدَّثنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِية َ به.
- وَالأَزْرَقِيُّ في «أَخْبَارِ مَكة» (٢/ ١٧٤) أَيْضًا قالَ: حَدَّثنِي جَدِّي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبي عُمَرَ العَدَنِيُّ قالا: حَدَّثنَا مَرْوَانُ به.
وَهَذَا إسْنَادٌ رِجَالهُ رِجَالُ الصَّحِيْح
هذا وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

عبدالله بن محمد الحساني. 
ليلة الأحد 6-2-1438

الرد على الدكتور الخنجر في استحبابه الصلاة في مسجدٍ فيه قبر1



الحمدلله وصلى الله وسلم على مصطفاه و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.
🔸 أمابعد: فقد رأيت مقالاً للدكتور الخنجر يتحدث فيه عن مسألة الصلاة في مسجدٍ فيه قبر فزعم أن الصلاة فيه صحيحة بل مستحبة عند العلماء وهذا القول منه يدل على أحد أمرين :
1- إما جهله بسنة النبي صلى الله عليه وسلم وكلام أهل العلم.
2- أو إرادته التلبيس على المسلمين.
🔸ومهما يكن من أمر فسأقوم ببيان خطأ الدكتور في هذه المسألة وشذوذ قوله وبعده عن الصواب ولم يأتي في مقاله هذا بشيء يستند عليه ويكون حجة له فيما ذهب إليه فعامة ماذكره إما دليل صحيح قد حرف فهمه أو دليل ضعيف أو موضوع لا يصح.
🔸وقد قسمت الرد عليه على أكثر من مقال , هذا مقال ومضمونه بيان عدم صحة الصلاة في مسجدٍ فيه قبر ونقل الأدلة على ذلك وكلام أهل العلم،  ومقال لمناقشة ما أورده من شبهات وما ذكره من جهالات والله الموفق وهو المستعان.
🔸 ذكر الأدلة على حرمة البناء على القبور وعدم اتخاذها مساجد وأنها من فعل اليهود والنصارى:

1-  عَنْ أَبي هُرَيْرَة َ أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: «قاتلَ الله ُ اليَهُوْدَ، اتخذُوْا قبوْرَ أَنبيَائِهمْ مَسَاجِد » البخاري ومسلم
2-  عَنْ عَائِشَة َ رَضِيَ الله ُعَنْهَا قالتْ: (لمّا نزِلَ برَسُوْل ِاللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طفِقَ يَطرَحُ خَمِيْصَة ً لهُ عَلى وَجْههِ، فإذا اغتمَّ بهَا كشفهَا عَنْ وَجْههِ فقالَ وَهُوَ كذَلِك َ: «لعْنَة ُ اللهِ عَلى الْيَهُوْدِ وَالنَّصَارَى، اتخذُوْا قبوْرَ أَنبيَائِهمْ مَسَاجِدَ» يُحَذِّرُ مَا صَنعُوْا، لوْلا ذلِك َ أُبرِزَ قبْرُهُ، غيْرَ أَنهُ خَشِيَ أَنْ يُتَّخذَ مَسْجِدًا).  البخاري ومسلم
3-  عَنْ جُنْدُبِ بْن ِ عَبْدِ اللهِ البَجَلِيِّ رَضِيَ الله ُعَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قبْلَ أَنْ يَمُوْتَ بخمْس ٍ وَهُوَ يقوْلُ: «إني أَبرَأُ إلى اللهِ أَنْ يَكوْنَ لِي مِنْكمْ خَلِيْلٌ، فإنَّ الله َ تَعَالىَ قدِ اتخذَني خَلِيْلا ً، كمَا اتخذَ إبْرَاهِيْمَ خَلِيْلا ً، وَلوْ كنتُ مُتخِذًا مِنْ أُمَّتِي خَلِيْلا ً، لاتخذْتُ أَبا بَكرٍ خَلِيْلا ً. أَلا وَإنَّ مَنْ كانَ قبْلكمْ كانوْا يتخذُوْنَ قبوْرَ أَنْبيَائِهمْ وَصَالِحِيْهمْ مَسَاجِدَ، أَلا فلا تتخِذُوْا الْقبُوْرَ مَسَاجِدَ، إني أَنهَاكمْ عَنْ ذلك» رَوَاهُ مُسْلِمٌ
4-  عَن ِ ابْن ِعُمَرَ قالَ: قالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اِجْعَلوْا مِنْ صَلاتِكمْ فِي بُيوْتِكمْ، وَلا تتَّخِذُوْهَا قبوْرًا» البخاري ومسلم . وفي هذا الحديث دلالة واضحة أن القبور لا يصلى فيها فقد أمر عليه الصلاة والسلام أن يصلى في البيت ولا يجعل كالقبر.
5- َعَنْ عَبْدِ اللهِ بْن ِمَسْعُوْدٍ قالَ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقوْلُ: «إنّ مِنْ شِرَارِ الناس ِ، مَنْ تدْرِكهُمُ السّاعَة ُ وَهُمْ أَحْياءٌ، وَمَنْ يَتَّخِذُ القبوْرَ مَسَاجِد» رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي «المسْنَدِ» ، وَأَبوْ حَاتِمٍ ابْنُ حِبّانَ فِي «صَحِيْحِه» . فشرار الخلق عند الله تعالى من يتخذون القبور على المساجد وهذا في سنة النبي صلى الله عليه وسلم والدكتور يقول أن الصلاة مستحبة فما أبعد قوله عن الصواب.
6- وَعَنْ أَبي سَعِيْدٍ رَضِيَ الله ُ عَنْهُ أَنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: «الأَرْضُ كلهَا مَسْجِدٌ، إلا َّ المقبَرَة َ وَالحمّام»  رَوَاهُ الإمَامُ أَحْمَدُ وغيره بسند جيد.
7- عَنْ أَبي عُبيْدَة َ عَامِرِ بْن ِ الجرّاحِ رَضِيَ الله ُ عَنْهُ قالَ: (كانَ آخِرَ مَا تَكلمَ بهِ نبيُّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنْ أَخْرِجُوْا يَهُوْدَ الحِجَازِ مِنْ جَزِيْرَةِ العَرَبِ، وَاعْلمُوْا أَنَّ شِرَارَ النّاس ِ الذِيْنَ يَتَّخِذُوْنَ الْقبوْرَ مَسَاجِد) رَوَاهُ الإمَامُ أَحْمَدُ فِي «مُسْنَدِهِ» ، وَرَوَاهُ الدّارِمِي
ُّ 8- عَنْ أَبي هُرَيْرَة َ رَضِيَ الله ُ عَنْهُ عَن ِالنَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللهُمَّ لا تَجْعَلْ قبْرِي وَثنَا، لعنَ الله ُ قوْمًا اتخذُوْا قبوْرَ أَنبيَائِهمْ مَسَاجِد».وَرَ رواه أحمد في المسند .
🔸 فهذه الأحاديث وغيرها مما هو في معناها تدل دلالة واضحة أن البناء على القبور واتخاذها مساجداً والصلاة فيها أمر منهي عنه بل صاحبه ملعون متشبه باليهود والنصارى.
🔸 ذكر كلام أهل العلم ممن نص على حرمة الصلاة في مسجد فيه قبر  أو نص على حرمة البناء على القبور
1-قال الشافعي في الأم (2/631) :" أُحِبُّ أَنْ لاَ يُزَادَ فِي الْقَبْرِ تُرَابٌ مِنْ غَيْرِهِ وَلَيْسَ بِأَنْ يَكُونَ فِيهِ تُرَابٌ مِنْ غَيْرِهِ بَأْسٌ إذًا إذَا زِيدَ فِيهِ تُرَابٌ مِنْ غَيْرِهِ ارْتَفَعَ جِدًّا , وَإِنَّمَا أُحِبُّ أَنْ يُشَخِّصَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ شِبْرًا أَوْ نَحْوَهُ وَأُحِبُّ أَنْ لاَ يُبْنَى , وَلاَ يُجَصَّصَ فَإِنَّ ذَلِكَ يُشْبِهُ الزِّينَةَ وَالْخُيَلاَءَ , وَلَيْسَ الْمَوْتُ مَوْضِعَ وَاحِدٍ مِنْهُمَا , وَلَمْ أَرَ قُبُورَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ مُجَصَّصَةً ( قَالَ الرَّاوِي ) : عَنْ طَاوُسٍ : { إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى أَنْ تُبْنَى الْقُبُورُ أَوْ تُجَصَّصَ }

قَالَ الشَّافِعِيُّ : وَقَدْ رَأَيْت مِنْ الْوُلاَةِ مَنْ يَهْدِمَ بِمَكَّةَ مَا يُبْنَى فِيهَا فَلَمْ أَرَ الْفُقَهَاءَ يَعِيبُونَ ذَلِكَ َ" فانظر إلى نقله فعل الولاة بهدم القبور وعدم إنكار أهل العلم عليهم واستحبابه عدم البناء على القبر قبل ذلك يتضح لك جلياً بعد ماذهب إليه الدكتور.
2- قال النووي في روضة الطالبين (2/136) :" الْمُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُزَادَ فِي الْقَبْرِ عَلَى تُرَابِهِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ، وَلَا يُرْفَعُ إِلَّا قَدْرَ شِبْرٍ لِيُعْرَفَ فَيُزَارَ وَيُحْتَرَمَ. قَالَ فِي (التَّتِمَّةِ) : إِلَّا إِذَا مَاتَ مُسْلِمٌ فِي بِلَادِ الْكُفَّارِ، فَلَا يُرْفَعُ قَبْرُهُ، بَلْ يُخْفَى لِئَلَّا يَتَعَرَّضُوا لَهُ إِذَا رَجَعَ الْمُسْلِمُونَ. وَيُكْرَهُ تَجْصِيصُ الْقَبْرِ، وَالْكِتَابَةُ، وَالْبِنَاءُ عَلَيْهِ. وَلَوْ بُنِيَ عَلَيْهِ، هُدِمَ "  وتأمل كذلك أيها الموفق قوله وإذا بني عليه هدم!!
3- قالَ  ابْنُ حَجَرٍ فِي «الفتْحِ» فِي شَرْحِ حَدِيْثِ ابْن ِ عُمَرَ مَرْفوْعًا: «اِجْعَلوْا فِي بُيوْتِكمْ مِنْ صَلاتِكمْ، وَلا تتخِذُوْهَا قبوْرًا» [خ (٤٣٢)]: (وَقدْ نقلَ ابنُ المنذِرِ عَنْ أَكثرِ أَهْل ِالعِلمِ: أَنهُمُ اسْتَدَلوْا بهَذَا الحدِيْثِ عَلى أَنَّ المقبَرَة َ، ليْسَتْ بمَوْضِعٍ لِلصَّلاةِ، وَكذَا قالَ البَغوِيُّ فِي «شَرْحِ السُّنَّةِ» وَالخطابيّ)
4- قالَ الحافِظ ُ العِرَاقِيُّ رَحِمَهُ الله ُ: (وَالظاهِرُ أَنهُ لا فرْقَ : فلوْ بَنى مَسْجِدًا يَقصِدُ أَنْ يُدْفنَ في بَعْضِهِ: دَخَلَ في اللعْنَةِ، بَلْ يَحْرُمُ الدَّفنُ في المسْجِد. وَإنْ شَرَط َ أَنْ يُدْفنَ فِيْهِ: لمْ يَصِحَّ الشَّرْط ُ، لِمُخالفتِهِ وَقفهُ مَسْجِدًا) اه نقلهُ عَنْهُ المنَاوِيُّ في «فيْض ِ القدِيْر» (٥/ ٢٧٤).
5- وَقالَ ابنُ المنْذِرِ في الأوسط (٥/ ٤١٧ - ٤١٨): (وَفي حَدِيْثِ ابْن ِ عُمَرَ عَن ِ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنهُ قالَ: «اِجْعَلوْا في بُيوْتِكمْ مِنْ صَلاتِكمْ، وَلا تتخِذُوْهَا قبوْرًا»: أَبيَنُ البيان ِ عَلى أَنَّ الصَّلاة َ في المقبَرَةِ غيْرُ جَائِزَة) اه.
6- قالَ شَيْخُ الإسْلامِ رَحِمَهُ الله ُ في مجموع الفتاوى (٢٧/ ٤٨٨): (بَلْ أَئِمَّة ُ الدِّين ِ مُتَّفقوْنَ عَلى النَّهْيِّ عَنْ ذلِك َ، وَأَنهُ ليْسَ لأَحَدٍ أَنْ يقصِدَ الصَّلاة َ عِنْدَ قبْرِ أَحَدٍ، لا نبيٍّ وَلا غيْرِ نبيّ. وَكلُّ مَنْ قالَ: «إنَّ قصْدَ الصَّلاةِ عِنْدَ قبْرِ أَحَدٍ، أَوْ عِنْدَ مَسْجِدٍ بُنِيَ عَلى قبْرٍ أَوْ مَشْهَدٍ أَوْ غيْرِ ذلِك َ: أَمْرٌ مَشْرُوْعٌ»، بحيْثُ يَسْتَحِبُّ ذلِك َ، وَيَكوْنُ أَفضَلَ مِنَ الصَّلاةِ فِي المسْجِدِ الذِي لا قبَرَ فِيْهِ: فقدْ مَرَقَ مِنَ الدِّين ِ، وَخَالفَ إجْمَاعَ المسْلِمِيْنَ، وَالوَاجِبُ أَنْ يُسْتتَابَ قائِلُ هَذَا وَمُعْتَقِدُهُ، فإنْ تابَ وَإلا َّ قتِل).
7-  وقد صرح السيوطي  الصوفي بوجوب هدم المساجد المبنية على القبور فقال بعد كلام له طويل  في كتابه اتباع السنة (113):" وفي الباب أحاديث كثيرة وآثار، فهذه المساجد المبنية على القبور يتعين إزالتها، هذا مما لا خلاف فيه بين العلماء المعروفين" والسيوطي من ائمة الصوفية وقد نقل الإجماع على وجوب هدم المساجد التي تحتوي على قبور فكيف بالصلاة فيها؟
8- قال ابن حجر الهيتمي الصوفي في "الزواجر": ومن أعظم أسباب الشرك؛ الصلاة عند القبور، واتخاذها مسجداً، ويجب إزالة كل منكر عليها، ويجب المبادرة لهدمها وهدم القباب التي على القبور، إذ هي أضر من مسجد الضرار، لأنها أُسِّسَتْ على معصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنه نهى عن ذلك وأمر بهدم القبور، ويجب إزالة كل قنديل أو سراج على قبر، ولا يصح وقفه أو نذره"
🔸 ليت الدكتور وقف على كلام أهل العلم وبحث عن الصواب في المسألة قبل أن يفتي بما قال فالله سيسأله عن قوله هذا فهو موقوف بين يديه وأكتفي بما ذكر وسيكون في المقالة الثانية مناقشة لما ذكره من شبهات والله الموفق لا رب سواه وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

عبدالله بن محمد الحساني. 
ليلة الجمعة 4/2/1438

علو الله جل وعلا على خلقه معلوم بالاضطرار من دين الإسلام



الحمدلله وصلى الله وسلم على مصطفاه و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.
🔸 أما بعد: فمن أظهر مسائل الشرع إثبات علو الله على خلقه ولا أعرف مسألة أظهر منها إلا وجود الله تعالى وهذه المسألة (علو الله)  دل عليها الشرع والعقل والفطرة. قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (5/121) :" قَدْ وَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى نَفْسَهُ فِي كِتَابِهِ وَعَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ " بِالْعُلُوِّ وَالِاسْتِوَاءِ عَلَى الْعَرْشِ وَالْفَوْقِيَّةِ " فِي كِتَابِهِ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ حَتَّى قَالَ بَعْضُ أَكَابِرِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ : فِي الْقُرْآنِ " أَلْفُ دَلِيلٍ " أَوْ أَزْيَدُ : تَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَالٍ عَلَى الْخَلْقِ وَأَنَّهُ فَوْقَ عِبَادِهِ "
فهذه أدلة القرآن فقط فكيف بأدلة القرآن والسنة والإجماع والفطرة، لذلك فقد ذكر ابن القيم رحمه الله أن الأدلة على العلو بلغت ألفي دليل فقال في النونية :
ﻳﺎ ﻗﻮﻣﻨﺎ ﻭﺍﻟﻠﻪ ﺍﻥ ﻟﻘﻮﻟﻨﺎ * ﺃﻟﻔﺎً ﺗﺪﻝ ﻋﻠﻴﻪ ﺑﻞ ﺍﻟﻔﺎﻥ
ﻋﻘﻼ ﻭﻧﻘﻼ ﻣﻊ ﺻﺮﻳﺢ ﺍﻟﻔﻄﺮﺓ ﺍﻷ * ﻭﻟﻰ ﻭﺫﻭﻕ ﺣﻼﻭﺓ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ
ﻛﻞ ﻳﺪﻝ ﺑﺄﻧﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ * ﻓﻮﻕ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ ﻣﺒﺎﻳﻦ ﺍﻷﻛﻮﺍﻥ.
🔸وهذه بعض الإشارات في هذه المسألة العظيمة أوضح فيها بعض الحقائق مدعومة بنقولات لأهل العلم تعين المسلم على معرفة عقيدته :
🔸 بعض الأدلة من القرآن على إثبات العلو:
1- ﻗﻮﻟـﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ : ‏( ﻳَﺨَﺎﻓُﻮﻥَ ﺭَﺑَّﻬُﻢْ ﻣِﻦْ ﻓَﻮْﻗِﻬِﻢْ ‏) ‏[ ﺍﻟﻨﺤﻞ : 50 ‏] . وهذه الأية تتحدث عن الملائكة.
2- ﻭﻗﻮﻟـﻪ : ‏( ﺳَﺒِّﺢْ ﺍﺳْﻢَ ﺭَﺑِّﻚَ ﺍﻷَﻋْﻠَﻰ ‏) ‏[ ﺍﻷﻋﻠﻰ : 1 ‏] .
3- ﻭﻗﻮﻟـﻪ : ‏( ﻭَﻫﻮَ ﺍﻟْﻘَﺎﻫِﺮُ ﻓَﻮْﻕَ ﻋِﺒَﺎﺩِﻩ (ِ ‏[ ﺍﻷﻧﻌﺎﻡ : 18 ‏] .
4-ﻭﻗﻮﻟـﻪ : ‏( ﺃَﺃَﻣِﻨﺘُﻢْ ﻣَﻦْ ﻓِﻲ ﺍﻟﺴَّﻤَﺎﺀِ ﺃَﻥْ ﻳَﺨْﺴِﻒَ ﺑِﻜُﻢْ ﺍﻷَﺭْﺽَ ‏) ‏[ ﺍﻟﻤﻠﻚ 16: ‏]
5- ﻭﻗﻮﻟـﻪ : ‏( ﺇِﻟَﻴْﻪِ ﻳَﺼْﻌَﺪُ ﺍﻟْﻜَﻠِﻢُ ﺍﻟﻄّﻴّﺐُ ﻭَﺍﻟْﻌَﻤَﻞُ ﺍﻟﺼّﺎﻟِﺢُ ﻳَﺮْﻓَﻌُﻪُ ‏) ‏[ ﻓﺎﻃﺮ : 10 ‏].
6- ﻭﻗﻮﻟـﻪ : ‏( ﺇﻧﻲ ﻣﺘﻮﻓﻴﻚ ﻭﺭﺍﻓﻌﻚ ﺇﻟﻲ ‏) ‏[ ﺁﻝ ﻋﻤﺮﺍﻥ 55: ‏]
7 - ﻭﻗﻮﻟـﻪ : ‏( ﺗﻌﺮﺝ ﺍﻟﻤﻼﺋﻜﺔ ﻭﺍﻟﺮﻭﺡ ﺇﻟﻴﻪ ‏) ‏[ ﺍﻟﻤﻌﺎﺭﺝ 4: ‏]
8 - ﻭﻗﻮﻟـﻪ : ‏( ﻳﺪﺑﺮ ﺍﻷﻣﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ ﺇﻟﻰ ﺍﻷﺭﺽ ﺛﻢ ﻳﻌﺮﺝ ﺇﻟﻴﻪ ‏) ‏[ ﺍﻟﺴﺠﺪﺓ 5: ‏]
ﺍﻟﺘﺼﺮﻳﺢ ﺑﺘﻨﺰﻳﻞ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﻣﻨﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻓﻤﻦ ﺫﻟﻚ :
9- ﻓﻤﻦ ﺫﻟﻚ ﻗﻮﻟـﻪ : ‏( ﺗﻨﺰﻳﻞ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﻣﻦ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﻌﺰﻳﺰ ﺍﺍﻟﻌﻠﻴﻢ ‏) ‏[ ﻏﺎﻓﺮ : 2 ‏]
10 - ﻭﻗﻮﻟـﻪ : ‏( ﺗﻨﺰﻳﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﺮﺣﻤﻦ ﺍﻟﺮﺣﻴﻢ ‏) ‏[ ﻓﺼﻠﺖ : 2 ‏]
ﺍﻟﺘﺼﺮﻳﺢ ﺑﺎﻻﺳﺘﻮﺍﺀ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﺮﺵ ﻓﻤﻦ ﺫﻟﻚ :
11- ﻗﻮﻟـﻪ : ‏( ﺇﻥ ﺭﺑﻜﻢ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﺬﻱ ﺧﻠﻖ ﺍﻟﺴﻤﻮﺍﺕ ﻭﺍﻷﺭﺽ ﻓﻲ ﺳﺘﺔ ﺃﻳﺎﻡ ﺛﻢ ﺍﺳﺘﻮﻯ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﺮﺵ ‏) ‏[ ﻳﻮﻧﺲ : 3 ‏]
12 - ﻭﻗﻮﻟـﻪ : ‏( ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﺬﻱ ﺭﻓﻊ ﺍﻟﺴﻤﻮﺍﺕ ﺑﻐﻴﺮ ﻋﻤﺪ ﺗﺮﻭﻧﻬﺎ ﺛﻢ ﺍﺳﺘﻮﻯ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﺮﺵ ‏) ‏[ ﺍﻟﺮﻋﺪ : 2 ‏]
13 - ﻭﻗﻮﻟـﻪ : ‏( ﺍﻟﺮﺣﻤﻦ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﺮﺵ ﺍﺳﺘﻮﻯ ‏) ‏[ ﻃﻪ : 5 ‏]
ﺇﺧﺒﺎﺭﻩ ﻋﻦ ﻓﺮﻋﻮ ﺃﻧﻪ ﺭﺍﻡ ﺍﻟﺼﻌﻮﺩ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ ﻟﻴﻄّﻠﻊ ﺇﻟﻰ ﺇﻟﻪ ﻣﻮﺳﻰ ﻓﻴﻜﺬﺑﻪ ﻓﻴﻤﺎ ﺃﺧﺒﺮﻩ ﻣﻦ ﺃﻧﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻓﻮﻕ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ .
14-‏( ﻭﻗﺎﻝ ﻓﺮﻋﻮﻥ ﻳﺎ ﻫﺎﻣﺎﻥ ﺍﺑﻦ ﻟﻲ ﺻﺮﺣﺎ ﻟﻌﻠﻲ ﺃﺑﻠﻎ ﺍﻷﺳﺒﺎﺏ ‏( 36 ‏) ﺃﺳﺒﺎﺏ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ ﻓﺄﻃّﻠﻊ ﺇﻟﻰ ﺇﻟﻪ ﻣﻮﺳﻰ ﻭﺇﻧﻲ ﻷﻇﻨﻪ ﻛﺎﺫﺑﺎ ‏) ‏[ ﻏﺎﻓﺮ ‏]
فسحقاً لأناس كذبوا بأمر صدق به أكفر البشر
🔸 اﻷﺩﻟﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﺃﻳﻀﺎً ﻛﺜﻴﺮﺓ ﺟﺪﺍً ﻣﻨﻬﺎ :

1- ﺣـﺪﻳﺚ :  (ﺃﻻ ﺗﺄﻣﻨﻮﻧﻲ ﻭﺃﻧﺎ ﺃﻣﻴﻦ ﻣَﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ ؟ !)  . ﺭﻭﺍﻩ : ﺍﻟﺒﺨﺎﺭﻱ  ، ﻭﻣﺴﻠﻢ ‏ .
2- ﻋﻦ ﻣﻌﺎﻭﻳﺔ ﺑﻦ ﺍﻟﺤﻜﻢ ﺍﻟﺴﻠﻤﻲ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ ﻗﺎﻝ : ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻲ ﺟﺎﺭﻳﺔ ﺗﺮﻋﻰ ﻏﻨﻤﺎً ﻟﻲ ﻗِﺒَـﻞَ ﺃﺣﺪ ﻭ ﺍﻟﺠﻮﺍﻧﻴﺔ ، ﻓﺎﻃّـﻠﻌﺖ ﺫﺍﺕ ﻳﻮﻡ ﻓﺈﺫﺍ ﺍﻟﺬﻳﺐ ﻗﺪ ﺫﻫﺐ ﺑﺸﺎﺓ ﻣﻦ ﻏﻨﻤﻬﺎ ، ﻭ ﺃﻧﺎ ﺭﺟﻞ ﻣﻦ ﺑﻨﻰ ﺁﺩﻡ ﺁﺳﻒ ﻛﻤﺎ ﻳﺄﺳﻔﻮﻥ ، ﻟﻜﻨﻲ ﺻﻜﻜﺘﻬﺎ ﺻﻜّـﺔ ﻓﺄﺗﻴﺖ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻓﻌﻈّﻢ ﺫﻟﻚ ﻋﻠﻲّ .
ﻗﻠﺖ : ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺃﻓﻼ ﺃﻋﺘﻘﻬﺎ ؟
ﻗﺎﻝ : ﺍﺋﺘﻨﻲ ﺑﻬﺎ .
ﻓﺄﺗﻴﺘﻪ ﺑﻬﺎ ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻬﺎ : ﺃﻳﻦ ﺍﻟﻠﻪ ؟
ﻗﺎﻟﺖ : ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ .
ﻗﺎﻝ : ﻣﻦ ﺃﻧﺎ ؟
ﻗﺎﻟﺖ : ﺃﻧﺖ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ .
ﻗﺎﻝ : ﺃﻋﺘﻘﻬﺎ ، ﻓﺈﻧﻬﺎ ﻣﺆﻣﻨﺔ . ﺭﻭﺍﻩ ﻣﺴﻠﻢ .
3- ﻭﻋﻦ ﺃﻧﺲ ﺃﻥ ﺯﻳﻨﺐ ﺑﻨﺖ ﺟﺤﺶ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻔﺨﺮ ﻋﻠﻰ ﺃﺯﻭﺍﺝ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺗﻘﻮﻝ : ﺯﻭﺟﻜﻦ ﺃﻫﺎﻟﻴﻜﻦ، ﻭﺯﻭﺟﻨﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻡ ﻥ ﻓﻮﻕ ﺳﺒﻊ ﺳﻤﺎﻭﺍﺕ . ﻭﻓﻲ ﻟﻔﻆ : ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻘﻮﻝ : ﺇﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﺃﻧﻜﺤﻨﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ . ﻭﻓﻲ ﻟﻔﻆ ﺃﻧﻬﺎ ﻗﺎﻟﺖ ﻟﻠﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ : ﺯﻭﺟﻨﻴﻚ ﺍﻟﺮﺣﻤﻦ ﻣﻦ ﻓﻮﻕ ﻋﺮﺷﻪ .
4 - ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﻫﺮﻳﺮﺓ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ : ﺃﻥ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻗﺎﻝ؛ ( ﻳﺘﻌﺎﻗﺒﻮﻥ ﻓﻴﻜﻢ ﻣﻼﺋﻜﺔٌ ﺑﺎﻟﻠﻴﻞ , ﻭﻣﻼﺋﻜﺔٌ ﺑﺎﻟﻨﻬﺎﺭ , ﻭﻳﺠﺘﻤﻌﻮﻥ ﻓﻲ ﺻﻼﺓ ﺍﻟﻌﺼﺮ ﻭﺻﻼﺓ ﺍﻟﻔﺠﺮ . ﺛﻢ ﻳﻌﺮﺝ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺑﺎﺗﻮﺍ ﻓﻴﻜﻢ ﻓﻴﺴﺄﻟﻬﻢ ﻭﻫﻮ ﺍﻋﻠﻢُ ﺑﻬﻢ ﻓﻴﻘﻮﻝ : ﻛﻴﻒ ﺗﺮﻛﺘﻢ ﻋﺒﺎﺩﻱ ﻓﻴﻘﻮﻟﻮﻥ : ﺗﺮﻛﻨﺎﻫﻢ ﻭﻫﻢ ﻳﺼﻠﻮﻥ , ﻭﺃﺗﻴﻨﺎﻫﻢ ﻭﻫﻢ ﻳﺼﻠﻮﻥ)  ﺃﺧﺮﺟﻪ ﺍﻟﺒﺨﺎﺭﻱ
5 - ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﻫﺮﻳﺮﺓ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ ﻗﺎﻝ ﻗﺎﻝ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ : ‏( ﻣﻦ ﺗﺼﺪﻕ ﺑﻌﺪﻝ ﺗﻤﺮﺓ ﻣﻦ ﻛﺴﺐ ﻃﻴﺐ , ﻻ
ﻳﺼﻌﺪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﺇﻻ ﺍﻟﻄﻴﺐ ..... ‏) ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺃﺧﺮﺟﻪ ﺍﻟﺒﺨﺎﺭﻱ ﻭﻣﺴﻠﻢ
6 - ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﻫﺮﻳﺮﺓ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ ﻗﺎﻝ : ﻗﺎﻝ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ‏( ﻭﺍﻟﺬﻱ ﻧﻔﺴﻲ ﺑﻴﺪﻩ ﻣﺎ ﻣﻦ ﺭﺟﻞ ﻳﺪﻋﻮ ﺍﻣﺮﺃﺗﻪ ﺇﻟﻰ ﻓﺮﺍﺷﻬﺎ , ﻓﺘﺄﺑﻲ ﻋﻠﻴﻪ , ﺇﻻ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ ﺳﺎﺧﻄﺎ ﻋﻠﻴﻬﺎ , ﺣﺘﻰ ﻳﺮﺿﻰ ﻋﻨﻬﺎ ‏) ﺭﻭﺍﻩ ﻣﺴﻠﻢ

7 - ﺇﺧﺒﺎﺭﻩ ﺃﻧﻪ ترﺩﺩ ﺑﻴﻦ ﻣﻮﺳﻰ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ ﻭﺑﻴﻦ ﺭﺑﻪ ﺟﻞ ﻭﻋﻼ ﻟﻴﻠﺔ ﺍﻟﻤﻌﺮﺍﺝ ﺑﺴﺒﺐ ﺍﻟﺼﻼﺓ ﻓﻴﺼﻌﺪ ﺇﻟﻰ ﺭﺑﻪ ﺛﻢ ﻳﻌﻮﺩ ﺇﻟﻰ ﻣﻮﺳﻰ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ ﻋﺪﺓ ﻣﺮﺍﺕ ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﻣﻌﺮﻭﻑ ﺃﺧﺮﺟﻪ ﺍﻟﺒﺨﺎﺭﻱ ﻭﻣﺴﻠﻢ
8 - ﻭﻋﻦ ﺃﺳﺎﻣﺔ ﺑﻦ ﺯﻳﺪ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ ﻗﺎﻝ : ﻗﻠﺖ ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﻟﻢ ﺃﺭﻙ ﺗﺼﻮﻡ ﺷﻬﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﻬﻮﺭ ﻛﻤﺎ ﺗﺼﻮﻡ ﺷﻌﺒﺎﻥ؟ ﻗﺎﻝ ‏( ﺫﻟﻚ ﺷﻬﺮ ﻳﻐﻔﻞ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻋﻨﻪ ﺑﻴﻦ ﺭﺟﺐ ﻭﺭﻣﻀﺎﻥ ﻭﻫﻮ ﺷﻬﺮ ترﻓﻊ ﻓﻴﻪ ﺍﻷﻋﻤﺎﻝ ﺇﻟﻰ ﺭﺏ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻦ ...... ‏) ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺭﻭﺍﻩ ﺍﻟﻨﺴﺎﺋﻲ
9 - ﻭﻋﻦ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﻋﻤﺮﻭ ﺑﻦ ﺍﻟﻌﺎﺹ : ﺃﻥ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻗﺎﻝ : ‏( ﺍﻟﺮﺍﺣﻤﻮﻥ ﻳﺮﺣﻤﻬﻢ ﺍﻟﺮﺣﻤﻦ، ﺍﺭﺣﻤﻮﺍ ﻣﻦ ﻓﻲ ﺍﻷﺭﺽ ﻳﺮﺣﻤﻜﻢ ﻣﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ ‏) .
ﺃﺧﺮﺟﻪ ﺃﺑﻮ ﺩﺍﻭﺩ ﻭﺍﻟﺘﺮﻣﺬﻱ ﻭﺻﺤﺤﻪ

🔸 ذكر اجماع المسلمين على علو الله عز وجل:
ذكر جماعة من أهل العلم اجماع الأمة على علوه سبحانه وأكتفي بذكر بعضها للإشارة على هذا الأمر :
قال ﺍﻹﻣﺎﻡ ﺍﻷﻭﺯﺍﻋﻲ رحمه الله :
ﻗﺎﻝ : " ﻛﻨﺎ ﻭﺍﻟﺘﺎﺑﻌﻮﻥ ﻣﺘﻮﺍﻓﺮﻭﻥ ﻧﻘﻮﻝ : ﺍﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﺰ ﻭﺟﻞ ﻓﻮﻕ ﻋﺮﺷﻪ ﻭﻧﺆﻣﻦ ﺑﻤﺎ ﻭﺭﺩﺕ ﺑﻪ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﻣﻦ ﺻﻔﺎﺗﻪ "
ﻣﺨﺘﺼﺮ ﺍﻟﻌﻠﻮ ﻟﻠﺬﻫﺒﻲ 137 ﻭﺍﻷﺳﻤﺎﺀ ﻭﺍﻟﺼﻔﺎﺕ ﻟﻠﺒﻴﻬﻘﻲ ، ﻭﻓﺘﺢ ﺍﻟﺒﺎﺭﻱ (13/417).
قال ابن بطة رحمه الله :
ﺑﺎﺏ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﺑﺄﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻰ ﻋﺮﺷﻪ ﺑﺎﺋﻦ ﻣﻦ ﺧﻠﻘﻪ ﻭﻋﻠﻤﻪ ﻣﺤﻴﻂ ﺑﺨﻠﻘﻪ
ﺃﺟﻤﻊ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻮﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﻭﺍﻟﺘﺎﺑﻌﻴﻦ ﻭﺟﻤﻴﻊ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻌﻠﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﺃﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﺒﺎﺭﻙ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻠﻰ ﻋﺮﺷﻪ ﻓﻮﻕ ﺳﻤﻮﺍﺗﻪ ﺑﺎﺋﻦ ﻣﻦ ﺧﻠﻘﻪ ﻭﻋﻠﻤﻪ ﻣﺤﻴﻂ ﺑﺠﻤﻴﻊ ﺧﻠﻘﻪ , ﻭﻻ ﻳﺄﺑﻰ ﺫﻟﻚ ﻭﻻ ﻳﻨﻜﺮﻩ ﺇﻻ ﻣﻦ ﺍﻧﺘﺤﻞ ﻣﺬﺍﻫﺐ ﺍﻟﺤﻠﻮﻟﻴﺔ ﻭﻫﻢ ﻗﻮﻡ ﺯﺍﻏﺖ ﻗﻠﻮﺑﻬﻢ ﻭﺍﺳﺘﻬﻮﺗﻬﻢ ﺍﻟﺸﻴﺎﻃﻴﻦ ﻓﻤﺮﻗﻮﺍ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻭﻗﺎﻟﻮﺍ : ﺇﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﺫﺍﺗﻪ ﻻ ﻳﺨﻠﻮ ﻣﻨﻪ ﻣﻜﺎﻥ ."
ﺍﻹﺑﺎﻧﺔ (3/ 136)
قال أبو عثمان الصابوني :
‏( وعلماء_الأمة وأعيان الأئمة من السلف رحمهم الله لم يختلفوا في أن الله تعالى على عرشه، وعرشه فوق سماوته  )
‏* إعتقاد السلف وأصحاب الحديث (ص176)
قال شيخ الإسلام  ابن تيمية رحمه الله :
" وجواب هذا أن يقال القول بأن الله تعالى فوق العالم معلوم بالاضطرار من الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة بعد تدبر ذلك كالعلم بالأكل والشرب في الجنة والعلم بإرسال الرسل وإنزال الكتب والعلم بأن الله بكل شيء عليم وعلى كل شيء قدير والعلم بأنه خلق السماوات والأرض وما بينهما بل نصوص العلو قد قيل إنها تبلغ مئين من المواضع والأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين متواترة موافقة لذلك فلم يكن بنا حاجة إلى نفي ذلك من لفظ معين قد يقال إنه يحتمل التأويل ولهذا لم يكن بين الصحابة والتابعين نزاع في ذلك كما تنطق بذلك كتب الآثار المستفيضة المتواترة في ذلك وهذا يعلمه من له عناية بهذا الشأن أعظم مما يعلمون أحاديث الرجم والشفاعة والحوض والميزان وأعظم مما يعلمون النصوص الدالة على خبر الواحد والإجماع والقياس وأكثر مما يعلمون النصوص الدالة على الشفعة وسجود السهو ومنع نكاح المرأة على عمتها وخالتها ومنع ميراث القاتل ونحو ذلك مما تلقاه عامة الأمة بالقبول ولهذا كان السلف مطبقين على تكفير من أنكر ذلك لأنه عندهم معلوم بالاضطرار من الدين .  "
درء تعارض العقل و النقل (7/27)

🔸 ذكر كلام أهل العلم في كفر منكر العلو:
 إنكار العلو كفر بالله عز وجل لذلك يجد الناظر في كتب أئمة الإسلام المصنفة في أصول الدين عند ذكرهم للجهمية وتكفيرهم لهم أن مما كُفّروا به إنكارهم لعلو الله عز وجل،  وكذلك فإن علو الله عز وجل معلوم بالاضطرار من دين الإسلام وعندما أراد النبي صلى الله عليه وسلم اختبار الجارية لمعرفة إيمانها سألها بقوله: ( أين الله)  فلما أجابت بأنه في السماء حكم عليها بالإيمان.
قال عبدالله بن الإمام أحمد في كتابه السنة :
٤١ - حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، وَعَلِيُّ بْنُ مُسْلِمٍ الطُّوسِيُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ حَمَّادَ بْنَ زَيْدٍ: " وَذُكِرَ، هَؤُلَاءِ الْجَهْمِيَّةُ، قَالَ: «إِنَّمَا يُحَاوِلُونَ أَنْ يَقُولُوا لَيْسَ فِي السَّمَاءِ شَيْءٌ» فنفي العلو هي قول الجهمية الكفار
  قال عبدالله بن الإمام أحمد بن حنبل في كتاب السنة :
٢٢ - حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، ثنا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ، قَالَ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْمُبَارَكِ كَيْفَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَعْرِفَ، رَبَّنَا عَزَّ وَجَلَّ؟ قَالَ: عَلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ عَلَى عَرْشِهِ، وَلَا نَقُولُ كَمَا تَقُولُ الْجَهْمِيَّةُ إِنَّهُ هَاهُنَا فِي الْأَرْضِ "

 قال عبدالله بن الإمام أحمد في كتابه السنة :
٦٥ - حَدَّثَنِي زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ دَلُّوَيْهِ، سَمِعْتُ يَحْيَىَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ الْوَاسِطِيَّ، قَالَ : سَمِعْتُ عَبَّادَ بْنَ الْعَوَّامِ، يَقُولُ: «كَلَّمْتُ بِشْرَ الْمَرِيسِيَّ وَأَصْحَابَ بِشْرٍ فَرَأَيْتُ آخِرَ كَلَامِهِمْ يَنْتَهِي أَنْ يَقُولُوا لَيْسَ فِي السَّمَاءِ شَيْءٌ» وبشر المريسي كافر ونفي العلو مما كفر به
قال عبد الله بن أحمد في السنة 168 - حدثني أبو الحسن بن العطار محمد بن محمد قال : سمعت محمد بن مصعب العابد ، يقول : « من زعم أنك لا تتكلم ولا ترى في الآخرة فهو كافر بوجهك لا يعرفك ، أشهد أنك فوق العرش فوق سبع سماوات ليس كما يقول أعداء الله الزنادقة »
قال الهروي في ذم الكلام 1315 - ((ورأيت يحيى بن عمار ما لا أحصي من مرة على منبره يكفرهم ويلعنهم، ويشهد على أبي الحسن الأشعري بالزندقة، وكذلك رأيت عمر بن إبراهيم ومشائخنا))

قال الذهبي في سير أعلام النبلاء (14/396) :" أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيْلُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ فِي كِتَابِهِ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ تَمِيْمٍ اللَّبْلِيُّ ببَعْلَبَكَّ، أَخْبَرَنَا أَبُو رَوْحٍ بِهَرَاةَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوَاحِدِ بنُ أَحْمَدَ المَلِيْحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ الخَفَّافُ، حَدَّثَنَا أَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ إِمْلاَءً، قَالَ:
مَنْ لَمْ يُقِرَّ بِأَنَّ اللهَ - تَعَالَى - يَعْجَبُ، وَيَضْحَكُ ، وَيَنْزِلُ كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَقُوْلُ: (مَنْ يَسْأَلُنِي، فَأُعْطِيَهُ ) ، فَهُوَ زِنْدِيْقٌ كَافِرٌ يُسْتَتَابُ، فَإِنْ تَابَ، وَإِلاَّ ضُرِبَتْ عُنُقه، وَلاَ يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَلاَ يُدْفَنُ فِي مَقَابِرِ المُسْلِمِيْنَ"

قال الحاكم في معرفة علوم الحديث 161 - سمعت محمد بن صالح بن هانئ يقول : سمعت أبا بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة يقول : « من لم يقر بأن الله تعالى على عرشه قد استوى فوق سبع سماواته ، فهو كافر بربه يستتاب ، فإن تاب ، وإلا ضربت عنقه ، وألقي على بعض المزابل حيث لا يتأذى المسلمون ، والمعاهدون بنتن ريح جيفته  ، وكان ماله فيئا لا يرثه أحد من المسلمين ، إذ المسلم لا يرث الكافر كما قال صلى الله عليه وسلم »

 قال شيخ الإسلام الرد على البكري (2/494) :" و لهذا كنت أقول للجهمية من الحلولية و النفاة الذين نفوا أن الله تعالى فوق العرش لما وقعت محنتهم أنا لو وافقتكم كنت كافرا لأني أعلم أن قولكم كفر و أنتم عندي لا تكفرون لأنكم جهال وكان هذا خطابا لعلمائهم و قضاتهم و شيوخهم وأمرائهم و أصل جهلهم شبهات عقلية حصلت لرؤوسهم في قصور من معرفة المنقول الصحيح و المعقول الصريح الموافق له وكان هذا خطابنا".

قال ابن الحنبلي في الرسالة الواضحة في الرد على الأشاعرة (2/451) : "فهؤلاء الأصناف كلها جهمية وهم كفار زنادقة"
والنقل في هذا الباب أكثر من أن يحصر وهذه إشارة كافية لمن تدبرها والله الموفق لا رب سواه وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

عبدالله بن  محمد  الحساني
20/2/1438

﴿َ يَتلونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهَِ﴾

 الحمد لله وصلى الله وسلم على مصطفاه و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.
🔸 أما بعد: ففيما يلي بيان لأهمية الاعتناء بكتاب الله وحث أهل الإيمان أن يعتنوا به تلاوة وتدبراً وحفظاً وفهماً،  وأن ذلك سبيل من رضي الله عنهم من الصحابة ومن بعدهم وتحذير المسلم من هجر كلام الله والانشغال بغيره ، والقرآن أصل كل خير وسبب كل هدى وفيه خيري الدنيا والآخرة قال  فروة بن نوفل الأشجعي : كنت جارا لخباب ، فخرجت يوما معه إلى المسجد ، وهو آخذ بيدي ، فقال : " تقرب إلى الله بما استطعت ،
فإنك لن تتقرب إليه بشيء أحب إليه من كلامه"
السير ( ٢٨٤ / ١١).
 قال تعالى : { الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ } .
وقال : { اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ }
 وقال تعالى : { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ } .
وقال ﴿إِنَّ هذَا القُرآنَ يَهدي لِلَّتي هِيَ أَقوَمُ وَيُبَشِّرُ المُؤمِنينَ الَّذينَ يَعمَلونَ الصّالِحاتِ أَنَّ لَهُم أَجرًا كَبيرًا﴾.
🔸وحقيقٌ على المسلم أن يقف مع نفسه وينظر في حاله هل هو مقصر مع القرآن أم أنه يوليه اهتمامه ويجعله حاديه وسميره في سيره إلى الله تعالى ومن لايبالي بتقصيره فمانصح لنفسه.  أخرج البيهقيّ في الشعب (٨٦٧) :
عَنْ ابْنُ الْمُبَارَكِ رحمه الله قال :
"مِنْ أَعْظَمِ الْمَصَائِبِ لِلرَّجُلِ أَنْ يَعْلَمَ مِنْ نَفْسِهِ تَقْصِيرًا، ثُمَّ لَا يُبَالِي، وَلَا يَحْزَنُ عَلَيْهِ ".  وأعظم التقصير مايكون مع كتاب الله.
 قال المعلمي اليماني رحمه الله :
"وإنه لعارٌ وشنارٌ وفضيحة الأبد أن يكون كلام الله تعالى الذي أنزله على نبيه مخاطباً لنا خطاباً يتناول كل واحد منا،  موجوداً بين أيدينا،  ميسّرةٌ الطريق إلى فهمه والعمل به،  ثم نُعرض عنه ونهجره!  إنا لله وإنا إليه راجعون"
مجموع آثاره (4/112).
🔸وقد كان الانشغال بالقرآن والوصاية به هدي السلف رحمهم الله قال التابعي الحسن البصري :
" كانوا (يعني الصحابة وكبار التابعين) يُرَغِّبِون في تعليم القرآن  والفرائض  والمناسك "
  مسند الدارمي (٢٨٩١)
وقال إمام أهل الشام الأوزاعي :
"بلغنا أن خمساً كان عليها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعون لهم بإحسان :
اتباع السنة وتلاوة القرآن ولزوم الجماعة وعمارة المساجد والجهاد في سبيل الله "
 المعرفة والتاريخ ليعقوب بن سفيان (٢ /٣٩١).
قال ابن مسعود رضي الله عنه :
"عليكم بالقرآن فإنه حبل الله عزوجل"
فضائل القرآن لأبي عبيد ( 35)
قال أبو عبيد : أراد قوله تعالى { واعتصموا بحبل الله جميعا }.
وكان أيضاً يقول أي (عبد الله بن مسعود رضي الله عنه) :
"عليكم بالشفائين :
القرآن , والعسل وكان يقول : العسل شفاء من كل داء والقرآن شفاء لما في الصدور"
مصنف ابن أبي شيبة (30642).
وقال الإمام أحمد  في الزهد (١١٢٦):
"حَدَّثَنَا بَهْزُ بْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ يُونُسَ بْنَ جُبَيْرٍ، قَالَ:
شَيَّعْنَا جُنْدُبَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ - رضي الله عنه - فَلَمَّا بَلَغْنَا حِصْنَ الْمُكَاتِبِ قُلْنَا لَهُ:
أَوْصِنَا !
قَالَ: " أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالْقُرْآنِ فَإِنَّهُ نُورُ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ وَهُدَى النَّهَارِ فَاعْمَلُوا بِهِ عَلَى مَا كَانَ مِنْ جَهْدٍ وَفَاقَةٍ  ".
🔸 لذلك كان من الأمور المقررة عندهم أن المسلم لابد له من حزب وورد يومي يقرأه من كتاب الله ولا يفرط فيه مهما حصل من شاغل وطرأ من صارف فعن أوس بن حذيفة – رضي الله عنه - قال:" قدمنا على رسول الله - صلى الله عليه وسلّم - في وفد ثقيف، فنزلت الأحلافُ على المغيرة بن شعبة، وأنزلَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بني مالك في قبّة له، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلّم - كل ليلةٍ يأتينا بعد العشاء يحدّثنا قائماً على رجليه حتى يراوح بين رجليه من طول القيام، فأكثر ما يحدثنا ما لقيَ من قومه قريش، ثم يقول: لا سواءٌ، وكنّا مستضعفين مستذلين بمكة، فلما خرجنا إلى المدينة كانت سجالُ الحربِ بيننا وبينهم، نُدال عليهم ويدالون علينا؛ فلما كانت ليلة أبطأ عن الوقت الذي كان يأتينا فيه، فقلنا: لقد أبطأتَ عنّا الليلة! قال : "إنّه طرأ عليَّ حزبي من القرآن، فكرهت أن أجيء حتى أتمّه" قال أوس: سألت أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: كيف تحزبون القرآن؟ فقالوا: ثلاثٌ، وخمسٌ، وسبعٌ، وتسعٌ، وإحدى عشرة، وثلاث عشرة، وحزبُ المفصَّل وحده."
 أخرجه أحمد في المسند، وأبو داود، وابن ماجه.  فهدي الصحابة رضي الله عنهم أنهم يختمون في سبع أيام وبيان ذلك كالآتي :(اليوم الأول : 3 سور هي: البقرة وآل عمران والنساء.
اليوم الثاني : 5 سور هي: المائدة والأنعام والأعراف والأنفال والتوبة.
 اليوم الثالث : 7 سور هي: يونس وهود ويوسف والرعد وإبراهيم والحجر والنحل.
 اليوم الرابع : 9 سور هي: الإسراء والكهف ومريم وطه والأنبياء والحج والمؤمنون والنور والفرقان
 اليوم الخامس : 11 سورة: الشعراء والنمل والقصص والعنكبوت والروم ولقمان والسجدة والأحزاب وسبأ وفاطر ويس.
 اليوم السادس : 13 سورة: الصافات وص والزمر وغافر وفصّلت والشورى والزخرف والدخان والجاثية والأحقاف ومحمد والفتح والحجرات.
 اليوم السابع : 65 سورة وهي المفصّل: من سورة ق إلى آخر المصحف) .
وقد صح الأمر بختمه في سبع
فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( اقْرَإِ الْقُرْآنَ فِي شَهْرٍ ) قُلْتُ : إِنِّي أَجِدُ قُوَّةً ... حَتَّى قَالَ ( فَاقْرَأْهُ فِي سَبْعٍ وَلَا تَزِدْ عَلَى ذَلِكَ ) .
رواه البخاري ( 4767 ) ومسلم ( 1159 ) .
وجاء الأمر كذلك أنه لا يختم في أقل من ثلاث فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ يَعْنِي ابْنَ عَمْرٍو قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( لَا يَفْقَهُ مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ ) . رواه الترمذي ( 2949 ) وأبو داود ( 1390 ) وصححه الألباني.
  وعلى ذلك كان هدي الصحابة رضي الله عنهم كذلك فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال : " اقرؤوا القرآن في سبع ، ولا تقرؤوه في أقل من ثلاث " .
رواه سعيد بن منصور في " سننه "
🔸 وبين الثلاث والثلاثين يوماً كان هديهم واليوم بعض المسلمين يمر عليهم الأسبوع والأسبوعان بل الشهر والشهران والثلاث ولا يختمون القرآن بل قد يوجد بين المنشغلين بالعلم من حاله كذلكفإلى الله المشتكى وهو المستعان.
قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها :"إني لأقرأ حزبي ( يعني من القرآن ) أو عامة حزبي ، وأنا مضطجعة على فراشي "
  مصنف ابن أبي شيبة (٢ / ٣٨٤).
وقال ابن الفرضي أخبرني العباس بن أصبغ ، قال : حدثني محمد بن قاسم بن سيَّار  ، قال : قلتُ لأبي : يا أبتِ ، أوصني . فقال : أوصيك بكتاب الله ، فلا تنس حظك منه ، واقرأ منه كلَّ يومٍ جُزءًا ، واجعل ذلك عليك واجباً ."
تاريخ علماء الأندلس لابن الفرضي   (1/457)
 فعلى المسلم أن يكثر من تلاوته لكلام ربه وأن يكن هجيراه تلاوة القرآن ‏قال ابن رجب رحمه الله:
‏( ومن أعظم ما يتقرب به إلى الله تعالى من النوافل كثرة تلاوة القرآن وسماعه بتفكر وتدبر وتفهم)
‏جامع العلوم والحكم (342).
🔸 ومما ينبغي أن يُنتبه له أن المراد من القرآن فهمه وتدبره لا مجرد تلاوته بلا تدبر ولا تعقل ولا فهم قال تعالى :﴿أَفَلا يَتَدَبَّرونَ القُرآنَ وَلَو كانَ مِن عِندِ غَيرِ اللَّهِ لَوَجَدوا فيهِ اختِلافًا كَثيرًا﴾ [النساء: ٨٢]
 وقال ﴿كِتابٌ أَنزَلناهُ إِلَيكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّروا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلبابِ }[ص: ٢٩]
وقال :﴿أَفَلا يَتَدَبَّرونَ القُرآنَ أَم عَلى قُلوبٍ أَقفالُها﴾ [محمد: ٢٤]
‏قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "من أراد العلم فَلْيُثَوِّرِ القرآن فإن فيه علم الأولين والآخرين"
[مسند مسدد/المطالب3100] يثور:يتفكر في معانيه وتفسيره
قال ابن تيمية رحمه الله :
"فإن الْإِنْسَانَ إذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ وَتَدَبَّرَهُ،  كَانَ ذَلِكَ مِنْ أَقْوَى الْأَسْبَابِ الْمَانِعَةِ لَهُ مِنْ الْمَعَاصِي ."
 مجموع الفتاوى (٢٠-١٢٣)
قال ابن القيم  رحمه الله :
"ليس شيء أنفع للعبد في معاشه ومعاده وأقرب إلى نجاته من تدبُّر القرآن"
مدارج السالكين ( ١/٤٥١)
وقال - رحمه الله - :
" فإن القرآن لم ينزل لمجرد التلاوة وانعقاد الصلاة عليه ، بل أنزل ليتدبر ويعقل ويهدى به علما وعملا ، ويبصر من العمى ، ويرشد من الغي ، ويعلم من الجهل ، ويشفي من الغي ، ويهدي إلى صراط مستقيم ."
الصواعق المرسلة ( ١\٣١٦)
قال أيضاً أي (ابن القيم) رحمه الله :
" التِّلَاوَة الْحَقِيقِيَّة وَهِي تِلَاوَة الْمَعْنىٰ ، واتباعه تَصْدِيقًا بِخَبَرِهِ ، وائتماراً بأَمْره ، وانتهاءً بنهيه ، وائماما بِهِ ، حَيْثُ مَا قادك انقدت مَعَه ، فتلاوة الْقُرْآن تتَنَاوَل تِلَاوَة لَفظه وَمَعْنَاهُ ، وتلاوة الْمَعْنىٰ أشرف من مُجَرّد تِلَاوَة اللَّفْظ ، وَأَهْلهَا هم أهل الْقُرْآن الَّذين لَهُم الثَّنَاء فِي الدُّنْيَا والاخرة فَإِنَّهُم اهل تِلَاوَة ومتابعة حَقًا " .
مفتاح دار السعادة ( ٢٠٣/١ )
  وقال البشير الإبراهيمي رحمه الله :
"سر القرآن ليس في هذا الحفظ الجاف الذي نحفظه ، ولا في هذه التلاوة الشلاء التي نتلوها ، وليس من المقاصد التي أُنزل لتحقيقها تلاوته على الأموات ، ولا اتخاذه مكسبة ، والاستشفاء به من الأمراض الجسمانية .
وإنما السر كل السر في تدبره وفهمه ، وفي اتباعه والتخلق بأخلاقه . ومن آياته ( كتاب أنزلناه إليك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب ) ، ومن آياته ( اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ) ( وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون ) ( وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ) و ( واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها ) هذه هي الطريقة الواحدة التي اتبعها المسلمون الأولون فسعدوا باتباعها والاستقامة عليها ، وهذا هو الإسلام متجلياً في آيات القرآن  . " آثاره (1/ 160-161)
فالله أرجو أن ينفع بهذه الكلمات وأن يوفق الجميع لتلاوة كتابه والعمل به وتدبره والله الموفق لا رب سواه.
عبدالله بن محمد  الحساني 
الجمعة 15/4/1438

حول زيارة الشيخ خالد الغامدي للصوفية

الحمدلله وصلى الله وسلم على مصطفاه و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
🔸أما بعد: فلا يخفى على أحد ما يدور هذه الأيام من زيارة لبعض المنتسبين للسنة لمعقل من معاقل المتصوفة بل هو من أكبر معاقلهم وسواء تم في هذه الزيارة منكرات ( كما هو ظاهر في الصور)  أو لم تتم ( كما نفى ذلك جماعة)  فإن الزيارة قد أحدثت شرخاً عظيماً وبينت خللاً جليلاً في مسألة الولاء والبراء وفي مسائل الدفاع عن الأشخاص والجماعة وليست هذه أول فاقرة تحدث ولا أظنها تكون الأخيرة ومبدأ الخلل في نظري هو دخول الجماعة على السلطان ومحاولة مشاركته فجرهم ذلك لأن يخالفوا ما كانوا يدعون إليه من أصول ومسلّمات فسمع مشاركهم الغناء ونظم الآخر مهرجان البركل وصافحوا النساء وأحيوا آثار الهالكين في أشياء كثيرة تناقلتها وسائل الإعلام وماخفي الله أعلم به.
🔸ومن المعلوم لدى كل طالب علم وطالب حق كذلك أنه لابد من النصح وأنه لا أحد أكبر منه والعصمة للنبي صلى الله عليه وسلم وحده لا لغيره والله عز وجل يسأل الناس عن موافقته هو ومخالفته،  قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
"لَوْ خَالَفَ الْعَبْدُ جَمِيعَ الْخَلْقِ وَاتَّبَعَ الرَّسُولَ ﷺ مَا سَأَلَهُ اللَّهُ عَنْ مُخَالَفَةِ أَحَدٍ ، فَإِنَّ مَنْ يُطِيعُ أَوْ يُطَاعُ إنَّمَا يُطَاعُ تَبَعًا لِلرَّسُولِ وَإِلَّا لَوْ أَمَرَ بِخِلَافِ مَا أَمَرَ بِهِ الرَّسُولُ مَا أُطِيعَ ، فَاعْلَمْ ذَلِكَ وَاسْمَعْ وَأَطِعْ وَاتَّبِعْ وَلَا تَبْتَدِعْ ، تَكُنْ أَبْتَرَ مَرْدُودًا عَلَيْك عَمَلُك بَلْ لَا خَيْرَ فِي عَمَلٍ أَبْتَرَ مِنْ الِاتِّبَاعِ وَلَا خَيْرَ فِي عَامِلِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ." مجموع الفتاوى  (٥٢٩/١٦) وهذا معلوم كما قلت والدين النصيحة والنصح يقبل وإن جاء من بعيد بغيض والحق يقبل وإن جاء من صغير السن والعلم ولا يشترط في النصح أن يصدر من عالم بل لو جاء الحق من أي أحد فإنه يقبل.
🔸وكما أسلفت فإن الدخول على السلطان إذا جر لهذه المفاسد فإنه ينهى عنه وهذه طائفة من معتقد السلف أهل السنة والجماعة في هذا الأمر لعلها تجد آذاناً صاغية :
🔸قال ابن أبي الدنيا في كتاب العلم:
 ( 73 ) حدثنا القاسم بن هاشم قال حدثني عمر بن حفص العسقلاني قال حدثني إبراهيم بن أدهم قال حدثنا أبو عيسى المرزوي قال سمعت سعيد بن المسيب في خلافة عبد الملك بن مروان يقول :

 لا تملاوا أعينكم من أئمة الجور وأعوانهم إلا بالانكار من قلوبكم لكي لا تحبط أعمالكم الصالحة .


( 74 ) حدثني محمد بن عباد بن موسى قال حدثنا كثير بن هشام قال :

 كان سفيان الثوري قاعد بالبصرة فقيل له هذا مساور بن سوار يمر وكان على شرطة محمد بن سليمان فوثب فدخل داره وقال أكره أن أرى من يعصي الله ولا أستطيع أن أغير عليه .


( 75 ) حدثني علي بن الحسن قال قال فضيل بن عياض :

 لا تنظروا إلى مراكبهم فإن النظر إليها يطفئ نور الانكار عليهم.


( 76 ) حدثنا يوسف بن موسى قال حدثنا الحسن بن الربيع عن يحيى بن يمان قال :

 كنت مع سفيان الثوري فرأى دارا فرفعت رأسي أنظر إليها فقال سفيان لا تنظر إليها فإنما بنيت لكي ينظر إليها مثلك.
وقال المروذي في أخبار الشيوخ :
55 - حُدِّثْتُ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ، قَالَ: إِنْ دَعَاكَ الأَمِيرُ أَنْ تَقْرَأَ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ فَلا تَأْتِهِ.


56 - وَحُدِّثْتُ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ سَلامِ بْنِ مِسْكِينٍ، أَنَّهُ حَدَّثَهُمْ قَالَ: كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ يَقُولُ: إِنْ دَعَاكَ الْوَالِي أَنْ تَقْرَأَ عَلَيْهِ سُورَةً مِنَ الْقُرْآنِ فَلا تَأْتِهِ.


57 - سَمِعْتُ عُقْبَةَ بْنَ مُكْرَمٍ يَقُولُ: حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ كَثِيرٍ قَالَ: سَمِعْتُ يُونُسَ بْنَ عُبَيْدٍ يَقُولُ: ثَلاثَةٌ مَا أُحِبُّ مُجَالَسَتَهُمْ: أَمِيرٌ مَا أُحِبُّ أَنْ أُجَالِسَهُ، وَإِنْ قَالَ: اقْرَأْ عَلَيَّ سُورَةً مِنَ الْقُرْآنِ، وَلا أُحِبُّ مُجَالَسَةَ امْرَأَةٍ لَيْسَتْ لِي بِمَحْرَمٍ، وَلا صَاحِبُ بِدْعَةٍ.


58 - سَمِعْتُ أَبَا بَكْرِ بْنَ أَبِي عَوْنٍ يَقُولُ: حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ، عَنْ مُحْرِزِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: قَدِمَ عَلَيْنَا سَوَّارُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَلَى الْقَضَاءِ فِي زَمَنِ أَبِي جَعْفَرٍ، قَالَ: فَأَرْسَلَ إِلَى سَلامِ بْنِ أَبِي مُطِيعٍ: ائْتِنِي أُشَاوِرْكَ، فَذَهَبَ سَلامٌ إِلَى يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ، قَالَ: فَوَافَقَهُ قَدْ قَرَأَ وَهُوَ يَشْرَحُ الْمُصْحَفَ، قَالَ: فَقَالَ لَهُ: إِنَّ سَوَّارَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَرْسَلَ إِلَيَّ: ائْتِنِي أُشَاوِرْكَ، فَمَا تَرَى؟ قَالَ: فَقَالَ إِنْ سَأَلَكَ أَنْ تَقْرَأَ عَلَيْهِ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ اللَّوْحَيْنِ فَلا تُجِبْهُ.


59 - وَحُدِّثْتُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو شِهَابٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سُفْيَانَ يَقُولُ لِرَجُلٍ: إِنْ دَعَاكَ لِتَقْرَأَ عَلَيْهِمْ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ {1} اللَّهُ الصَّمَدُ {2} } [الإخلاص: 1-2] فَلا تَأْتِهِمْ، قُلْتُ لأَبِي شِهَابٍ: مَنْ يَعْنِي؟ قَالَ: السُّلْطَانَ.


60 - وَحُدِّثْتُ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: قَالَ لِي حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ: إِنْ دَعَاكَ الأَمِيرُ تَقْرَأُ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ فَلا تَأْتِهِ.


61 - وَحُدِّثْتُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مَهْدِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنِي هِشَامٌ أَبُو هَمَّامٍ، قَالَ: لَقِيتُ سَعِيدَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ التَّنُوخِيَّ، فَذَكَرَ سُفْيَانَ، فَقَالَ: وَلا الْحَسَنَ، قَالَ: ثُمَّ قَالَ لِي سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: تَدْرِي مَا قَالَ لِي سُفْيَانُ؟ قَالَ: إِنْ دَعَاكَ هَؤُلاءِ أَنْ تَقْرَأَ فِي الْمُصْحَفِ فَلا تَأْتِهِمْ.

قَالَ أَبُو هَمَّامٍ: فَأَتَيْتُ مَكَّةَ، فَلَقِيتُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ، قَالَ لِي سُفْيَانُ: لا تُعَامِلْ مَنْ يُعَامِلُ السُّلْطَانَ.
🔸وغير هذه الآثار مما لم يذكر كثير جداً  ويكفي الإشارة لهذه المسألة لعل الله أن ينفع بها من كان متجرداً للحق بعيداً عن الهوى. والله الموفق لا رب سواه.
عبدالله بن محمد  الحساني 
ليلة الخميس 26 شهر الله المحرم 1438

جراحات المسلمين

الحمدلله وصلى الله وسلم على مصطفاه و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.
🔸أما بعد فلا يخفى على أحد ما يمر به إخواننا المسلمون في أماكن مختلفة من ابتلاء كقتل وتعذيب وتهجير وحصار وتكالب لملل الكفر عليهم،  وماكنت أظن أن أعيش وأرى ما رأيت مما يتقطع له القلب ويكوي الفؤاد ويندى له الجبين مما يراه الناس كل يوم ويرونه
🔸ولست بصدد بيان أسباب ذلك التكالب وتلك الفتن التي تمر بالمسلمين فهذا شيء مشهور وأمر معلوم للفضلاء ومزبور في كتب العلماء وإنما قصدي التنبيه على حق هؤلاء المنكوبين من إخواننا- فرج الله عنهم-.
🔸اعلم - قذف الله في قلبك الإيمان به - أنه يجب عليك حقوق لجميع المسلمين والمسلمات من عونهم ومساعدتهم في مصابهم ومحبة الخير لهم والدعاء لهم،  وأقل ما هنالك مما ينبغي عليك أن يسوءك ما يسوؤهم وأن تغضب لمصابهم وأن تحزن لما أهمهم وآلمهم وإذا ترحّل ذلك من القلب فعلى الأخوة السلام.
🔸قال تعالى: {  وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ }، قال الشوكاني رحمه الله عند هذه الآية: "أي قلوبهم متحدة في التوادد والتحابب والتعاطف بسبب ما جمعهم من أمر الدين وضمهم من الإيمان بالله. فنسبتهم بطريق القرابة الدينية المبنية على المعاقدة المستتبعة للآثار من المعونة والنصرة وغير ذلك." فتح القدير (2/343).
🔸وقال تعالى ﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ﴾. فهذا بيان من الله عن صفة من صفات المؤمنين مع النبي صلى الله عليه وسلم أنهم رحماء بينهم.
🔸عن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)). أخرجاه في الصحيحين واللفظ لمسلم وجاء في رواية في صحيح مسلم في هذا الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ( المسلمون كرجل واحد، إن اشتكى عينُه اشتكى كلُّه، وإن اشتكى رأسُه اشتكى كلُّه) فهذه الأوصاف تقتضي أن يتألم المسلم لمصاب أخيه إذا علمه وفيه تعظيم لحقوق المسلمين وهذا التشبيه فيه كما قال ابن حجر رحمه الله: "وجه التشبيه فيه: التوافق في التعب والراحة"  (فتح الباري (10/439).
 🔸واعلم كذلك أيها الموفق إذا لم يوجد في قلبك ذلك أنه يجب عليك مراجعة إيمانك،  قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله تعالى- ولهذا كان المؤمن يسره ما يسر المؤمنين ويسوءه ما يسوؤهم ومن لم يكن كذلك لم يكن منهم"
مجموع الفتاوى (2/373).
🔸ومن أسباب رحمة الله لك رحمتك لجميع المسلمين،  عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده لا يضع الله رحمته إلا على رحيم». قالوا: كلنا يرحم. قال: «ليس برحمة أحدكم صاحبه، يرحم الناس كافة» رواه الحافظ العراقي الأمالي وصححه الألباني .
🔸وقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم أمثلة في مثل هذه الأحوال فحينما علم بحال أهل مضر الذين جاءوا إليه ومالحقهم من بلاء اضطرب لذلك وأصبح يدخل ويخرج ثم خطب ولم يتهلل حتى رأى إعانة إخوانهم لهم، عن جرير رضي الله عنه قال: "كنا في صدر النهار عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءه قوم غزاة مجتابي النمار والعباء متقلدي السيوف عامتهم من مضر بل كلهم من مضر فتمعر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى ما بهم من الفاقة فدخل ثم خرج فأمر بلالا فأذن وأقام فصلى ثم خطب....... فجاء رجل من الأنصار بصرة كادت كفه تعجز عنها بل قد عجزت قال ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين من طعام وثياب حتى رأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتهلل.....)  رواه مسلم والنسائي وابن ماجه والترمذي بإختصار فتمعر وجهه وأخذ يدخل ويخرج ثم خطب وذكر وخوف ثم تهلل وجهه - بأبي وأمي - عليه الصلاة والسلام.
🔸ولا نزال نقرأ لعلماء المسلمين من القصص ما لا يحتمل فبعضهم يحزن على إخوانه حتى يفارق الدنيا كما قال عبد الغافر في " تاريخه "
( حكى الثقات أن أبا عثمان الصابوني كان يعظ ، فدفع إليه كتاب ورد من بخارى ، مشتمل على ذكر وباء عظيم بها ، ليدعو لهم ، ووصف في الكتاب أن رجلا أعطى خبازا درهما ، فكان يزن والصانع يخبز ، والمشتري واقف ، فمات ثلاثتهم في ساعة . فلما قرأ الكتاب هاله ذلك ، واستقرأ من القارئ (أفأمن الذين مكروا السيئات ...)الآيات ، ونظائرها ، وبالغ في التخويف والتحذير ، وأثر ذلك فيه وتغير ، وغلبه وجع البطن ، وأنزل من المنبر يصيح من الوجع ، فحمل إلى حمام ، فبقي إلى قريب المغرب يتقلب ظهرا لبطن ، وبقي أسبوعا لا ينفعه علاج ، فأوصى وودع أولاده ، ومات )
سير أعلام النبلاء (18/40).
🔸 ولما علم الشَّعرِي بما وقع لابن أبي المعالي على يد عميد خراسان: حزن لذلك، وتقطَّعت مرارته،ومات من ليلته!
طبقات السبكي (١١٣/٤). والآن كم نرى من يقتل بدم بارد و من يدفن وهو حي ومن يذل في عرضه ولا يستطيع أن ينطق بكلمة فاللهم رحماك رحماك اللهم لطفك لطفك.
🔸وأختم بكلمة للشيخ ابن باز رحمه الله والشيخ كان له القدح المعلى واليد الطولى في الاهتمام بشأن المسلمين قال رحمه الله :
"إخواننا في فلسطين لهم حق على جميع الدول الإسلامية وأغنياء المسلمين أن يساعدوهم في جهادهم حتى يتخلصوا من عدو الله اليهود"
الفتاوى (٢٧-١٢٣).
 🔸اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد تعز فيه أهل الطاعة وتهدي فيه  أهل المعصية اللهم أرحم المسلمين وتب عليهم ووفقهم للخروج من هذه الإبتلاء والله الموفق لا رب سواه.
يوم السبت 6 رمضان 1437
عبدالله الحسان

خاطرة في علم الاثر

من عجيب ما حصل اليوم في درس صحيح مسلم لشيخنا عبدالمحسن العباد ( وقد ختم الشيخ الكتب الستة كاملة)  : وقد كان القارئ يقرأ في حديث الثلاثة الذين تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا الحديث من أطول أحاديث الصحيحين.
   أن القارئ لم يستطع القراءة سرداً فقد كانت العبرات توقفه كثيراً بل أن كثيراً ممن حولي كانوا يبكون ويدافعون عبراتهم وهذا الأمر يفتقده طالب العلم فلا يجد مثل هذه الأحوال إلا في مجالس حديث رسول الله صلى الله عليه وهذا كان مشهورا عن علماء الحديث كما حكى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى عن بعضهم فقد قال:  وَقَالَ مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ : كَانَ مَالِكٌ إذَا ذُكِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَغَيَّرُ لَوْنُهُ وَيَنْحَنِي حَتَّى يَصْعُبَ ذَلِكَ عَلَى جُلَسَائِهِ ، فَقِيلَ لَهُ يَوْمًا فِي ذَلِكَ فَقَالَ :لَوْ رَأَيْتُمْ مَا رَأَيْت لَمَا أَنْكَرْتُمْ عَلَيَّ مَا تَرَوْنَ لَقَدْ كُنْت أَرَى مُحَمَّدَ بْنَ الْمُنْكَدِرِ - وَكَانَ سَيِّدَ الْقُرَّاءِ - لَا نَكَادُ نَسْأَلُهُ عَنْ حَدِيثٍ أَبَدًا إلَّا يَبْكِي حَتَّى نَرْحَمَهُ.
وَلَقَدْ كُنْت أَرَى جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ - وَكَانَ كَثِيرَ الدُّعَابَةِ وَالتَّبَسُّمِ - فَإِذَا ذُكِرَ عِنْدَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اصْفَرَّ لَوْنُهُ وَمَا رَأَيْته يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا عَلَى طَهَارَةٍ ، وَلَقَدْ اخْتَلَفْت إلَيْهِ زَمَانًا فَمَا كُنْت أَرَاهُ إلَّا عَلَى ثَلَاثِ خِصَالٍ :إمَّا مُصَلِّيًا وَإِمَّا صَامِتًا وَإِمَّا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ ، وَلَا يَتَكَلَّمُ فِيمَا لَا يَعْنِيهِ وَكَانَ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَالْعُبَّادِ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ اللَّهَ .وَلَقَدْ كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ
يَذْكُرُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُنْظَرُ إلَى لَوْنِهِ كَأَنَّهُ نُزِفَ مِنْهُ الدَّمُ وَقَدْ جَفَّ لِسَانُهُ فِي فَمِهِ هَيْبَةً لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،
وَلَقَدْ كُنْت آتِي عَامِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ فَإِذَا ذُكِرَ عِنْدَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَكَى حَتَّى لَا يَبْقَى فِي عَيْنَيْهِ دُمُوعٌ ،
 وَلَقَدْ رَأَيْت الزُّهْرِيَّ - وَكَانَ لَمِنْ أَهْنَأِ النَّاسِ وَأَقْرَبِهِمْ -فَإِذَا ذُكِرَ عِنْدَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَأَنَّهُ مَا عَرَفَك وَلَا عَرَفْته وَلَقَدْ كُنْت آتِي صَفْوَانَ بْنَ سُلَيْمٍ وَكَانَ مِنْ الْمُتَعَبِّدِينَ الْمُجْتَهِدِينَ فَإِذَا ذُكِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَكَى فَلَا يَزَالُ يَبْكِي حَتَّى يَقُومَ النَّاسُ عَنْهُ وَيَتْرُكُوهُ ."
مجموع الفتاوى ٢٢٦/١ -٢٢٧.
   وأيضاً أحصيت في هذا الحديث وحده ذكر النبي صلى الله عليه وسلم والصلاة عليه خمسين مرة أو يزيد وهذا أيضاً لا تجده كثيراً إلا في مجالس حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي الحديث عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه: ( إن أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاةً)  الترمذي وابن حبان.
قال ابن حبان عقب هذا الحديث :( في الخبر بيان صحيح على أن أولى الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم القيامة أصحاب الحديث إذ ليس في هذه الأمة قوم أكثر صلاة منهم).
قال الخطيب البغدادي في شرف أصحاب الحديث :( قال لنا أبو نعيم: هذه منقبة شريفة يختص بها رواة الآثار ونقلتها لأنه لا يعرف لعصابة من العلماء من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أكثر مما يعرف لهذه العصابة نسْخاً وذِكْراً).
قال صديق حسن خان رحمه الله :
 ( نزل الأبرار بالعلم المأثور من الأدعية والأذكار) بعد أن سا ق أحاديث كثيرة في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم و الاكثار منها- قال (ص161):
(( لاشك في أن أكثر المسلمين صلاة عليه صلى الله عليه وسلم هم أهل الحديث و رواة السنة المطهرة، فأن من وظائهم في العلم الشريف التصلية عليه أمام كل حديث، ولا يزال لسانهم رطبا بذكره صلى الله عليه وسلم, وليس كتاب من كتب السنة ولا ديوان من دواوين الحديث- على اختلاف أنواعها، من (الجوامع) و (المسانيد) و (المعاجم) و (الأجزاء) وغيرها -إلا وقد أشتمل على الألف الاحاديث، حتى أقصرها حجم كتاب((الجامع الصغير)) للسيوطى عشرة آلاف حديث, وقس على ذلك سائرا لصحف النبوية فهذه العصابة الناجية والجماعة الحديثية أولى الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم ويوم القيامة, وأسعدهم بشفا عته صلى الله عليه وسلم - بأبي هو و أمي -ولا يساويهم في هذه الفضيلة أحد من الناس إلا من جاء بأفضل مماجأووا به, ودونه خرط القتاد, فعليك ياباغى الخير ! وطالب النجاة بلا ضمير !أن تكون محدثا أو متطفلا على المحدثين).
   وهنا تذكير لإخواننا المنشغلين بكتب الفقه الخالية من الحديث والآثار أن يلتفتوا لأنفسهم ويحرصوا على هذا الخير العظيم بدل الانشغال بهذه المختصرات التي لولم يكن من عيوبها إلا أنها متأخرة لكفى به سبباً للبعد عنها،  قال ابن حزم رحمه الله تعالى :
"وهل طريقة من مضى ومن به يقتدى إلا التمسك بالقرآن، والأخذ بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما الطريقة التي لم تكن قط طريقة من مضى، ولا من به يقتدى، هي طريقتهم في تقليد إنسان بعينه، فهذه البدعة المنفية التي لم تكن قط صدر الإسلام، وإنما حدثت في القرن الرابع، ونعوذ بالله من الحدثان"مجموع رسائله
 الثاني من رجب 1437
عبدالله بن محمد الحساني

تنبيه المتعبدين إلى أن ليلة القدر هي ليلة سبع وعشرين

الحمدلله وصلى الله وسلم على مصطفاه و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فمن مظان العلم ومدارك العلم حصر الخلاف في مسائل الشرع وتنقيح المناط في هذه الأقوال ومن ثم اختيار الراجح بين هذه الأقوال. ومن المسائل العظيمة التي طال فيها الخلاف تحديد ليلة القدر فقد ذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله: أن أهل العلم اختلفوا على خمسة وأربعين قولاً وبعد ذكرها رجح منها قولاً رحمه الله.
والذي يهمنا ذكره هنا من هذه الأقوال هو القول: الحادي والعشرون مما نقله الحافظ إذ قال فيه: "أنها ليلة سبع وعشرين وهو الجادة من مذهب أحمد ورواية عن أبي حنيفة وبه جزم أبي بن كعب وحلف عليه كما أخرجه مسلم وروى مسلم أيضا من طريق أبي حازم عن أبي هريرة قال تذاكرنا ليلة القدر فقال صلى الله عليه و سلم أيكم يذكر حين طلع القمر كأنه شق جفنه قال أبو الحسن الفارسي أي ليلة سبع وعشرين فإن القمر يطلع فيها بتلك الصفة وروى الطبراني من حديث بن مسعود سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن ليلة القدر فقال أيكم يذكر ليلة الصهباوات قلت أنا وذلك ليلة سبع وعشرين ورواه بن أبي شيبة عن عمر وحذيفة وناس من الصحابة وفي الباب عن بن عمر عند مسلم رأى رجل ليلة القدر ليلة سبع وعشرين ولأحمد من حديثه مرفوعا ليلة القدر ليلة سبع وعشرين
ولابن المنذر من كان متحريها فليتحرها ليلة سبع وعشرين وعن جابر بن سمرة نحوه أخرجه الطبراني في أوسطه وعن معاوية نحوه أخرجه أبو داود وحكاه صاحب الحلية من الشافعية عن أكثر العلماء وقد تقدم استنباط بن عباس عند عمر فيه وموافقته له وزعم بن قدامة أن بن عباس استنبط ذلك من عدد كلمات السورة وقد وافق قوله فيها هي سابع كلمة بعد العشرين وهذا نقله بن حزم عن بعض المالكية وبالغ في إنكاره نقله بن عطية في تفسيره وقال أنه من ملح التفاسير وليس من متين العلم واستنبط بعضهم ذلك في جهة أخرى فقال ليلة القدر تسعة أحرف وقد اعيدت في السورة ثلاث مرات فذلك سبع وعشرون وقال صاحب الكافي من الحنفية وكذا المحيط من قال لزوجته أنت طالق ليلة القدر طلقت ليلة سبع وعشرين لأن العامة تعتقد أنها ليلة القدر "فتح الباري (4/ 264-265).
 فالذي يظهر من هذا النقل أنه قول لكثير من العلماء من الصحابة ومن بعدهم وإليك بعض البيان والأدلة لهذا القول وترجيح هذا الاختيار :
1-قال الإمام مسلم رحمه الله :
«وحدثني عمرو الناقد وزهير بن حرب قال زهير حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سالم عن أبيه رضي الله عنه قال رأى رجل أن ليلة القدر ليلة سبع وعشرين. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أرى رؤياكم في العشر الأواخر فاطلبوها في الوتر منها)).
2- و قال أيضاً رحمه الله : وحدثنا محمد بن حاتم وابن أبي عمر كلاهما عن ابن عيينة- قال ابن حاتم حدثنا سفيان بن عيينة- عن عبدة وعاصم بن أبي النجود سمعا زر بن حبيش يقول سألت أبي بن كعب رضي الله عنه فقلت إن أخاك ابن مسعود يقول من يقم الحول يصب ليلة القدر. فقال رحمه الله أراد أن لا يتكل الناس أما إنه قد علم أنها في رمضان وأنها في العشر الأواخر وأنها ليلة سبع وعشرين. ثم حلف لا يستثني أنها ليلة سبع وعشرين فقلت بأي شيء تقول ذلك يا أبا المنذر قال بالعلامة أو بالآية التي أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها تطلع يومئذ لا شعاع لها. وايضاً أخرج عبدالرزاق هذا الأثر برقم (7700).

3-  قال أُبيُّ بنُ كَعبٍ رضِيَ اللهُ عنهُ في لَيلةِ القَدْرِ:((واللهِ، إنِّي لأَعلمُها، وأكثرُ عِلمي هي اللَّيلةُ التي أَمرَنا رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّمَ بقِيامِها، هي ليلةُ سَبعٍ وعِشرينَ))
رواه مسلم (762)

4- عن أبي هُرَيرَةَ رضِيَ اللهُ عنهُ قال: تَذاكَرْنا ليلةَ القَدْرِ عند رسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّمَ. فقال: ((أيُّكم يَذكُرُ حين طلَع القمرُ وهو مِثلُ شِقِّ جَفْنَةٍ))؟
رواه مسلم (1170)
(شِقِّ جَفْنَةٍ: أيْ: نِصف قَصعةٍ؛ قال أبو الحُسَينِ الفارسيُّ: أيْ: ليلة سَبْع وعِشرين؛ فإنَّ القَمَر يطلُع فيها بتلك الصِّفة).

 5-قال أبو داود: 1385 حدثنا عبيد الله بن معاذ ثنا أبي أخبرنا شعبة عن قتادة أنه سمع مطرفا عن معاوية بن أبي سفيان عن النبي صلى الله عليه وسلم :   " في ليلة القدر قال ليلة القدر ليلة سبع وعشرين  "
 قال الشيخ الألباني : صحيح.
 5- قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله في المسند :
2149 - حدثنا معاذ بن هشام حدثني أبي عن قتادة عن عكرمة عن عبدالله بن عباس: " أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا نبي الله إني شيخ كبير عليل يشق علي القيام فأمرني بليلة لعل الله يوفّقني فيها لليلة القدر قال: عليك السابعة "
6- قال السيوطي رحمه في الجامع الصغير:
عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم: "تحروا ليلة القدر فمن كان متحريها فليتحرها في ليلة سبع و عشرين" ( حم ) .
قال الشيخ الألباني : ( صحيح ) انظر حديث رقم : 2920 في صحيح الجامع.
7- قال ابن أبي شيبة في المصنف :
8667 - حدثنا مروان بن معاوية عن قنان بن عبد الله النهمي قال سألت زرا عن ليلة القدر فقال كان عمر وحذيفة وناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يشكون أنها ليلة سبع وعشرين تبقى ثلاث قال زر فواصلها.".
8-  وقال أيضاً 8677-حدثنا  وكيع  قال ثنا سفيان عن عبد الله بن شريك العامري قال سمعت زر بن حبيش يقول: " إذا كانت ليلة سبع وعشرين فاغسلوا ومن استطاع منكم أن يؤخر فطره إلى السحر فليفعل وليفطر على ضياح من لبن . "
🔸وممن قال أنها ليلة سبع وعشرين أيضاً :
9-  العلامة الألباني رحمه الله تعالى قال  :
 "وأفضل لياليه ليلةُ القَدْرِ ، لقوله صلى الله عليه وسلم: (  من قام ليلة القدر ( ثم وُفقَتْ له ) ، إيماناً واحتساباً ، غُـفِـرَ له ما تقدم من ذنبه)

❸ - وهي ليلة سابع وعشرين من رمضان على الأرجح ، وعليه أكثر الأحاديث منها حديث زِر بن حُبَيش قال : سمعت أٌبيَّ ابن كعب يقول ـ وقيل له : إن عبد الله بن مسعود يقول : من قام السنة أصاب ليلة القدر ! ـ فقال أٌبَيٌّ رضي الله عنه : رحمه الله ، أراد أن لا يتكل الناس ، والذي لا إله إلا هو ، إنها لفي رمضان - يحلف ما يستثني - ووالله إني لأعلمُ أيَّ ليلةٍ هي ؟ هي الليلة التي أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقيامها هي ليلة صبيحة سبع وعشرين، وأمارتُها أن تطلع الشمس في صبيحة يومها بيضاء لا شعاع لها.
ورفع ذلك في رواية إلى النبي صلى الله عليه وسلم ."
🔹رسالة قيام رمضان.
10- قال الشيخ الخثلان :
الأقرب في ليلة القدر أنها ثابتة في ليلة معينة في جميع الأعوام؛ لأنها إنما اكتسبت شرفها بنزول القرآن فيها ، والقول بالتنقل ينافي هذا المعنى ولأنها لوكانت تتنقل لكان النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يخبر أمته بها فأنسيها بعدما تلاحى رجلان أخبر بها في الأعوام التي بعد تلك السنة والقول بأنها ثايتة هو ظاهر المنقول عن الصحابة كعمر وابن مسعود وأبي وابن عباس بل لم يثبت عن أحد منهم القول بأنها تتنقل أما حديث أبي سعيد انه رأى النبي صلى الله عليه وسلم وعليه أثر الماء والطين صبيحة (21)فيعارضه حدبث عبدالله بن أنيس أنه رآه صبيحة(23) والحديثان في صحيح مسلم وليسا بصريحين في تحديد ليلة القدر فإن المطر إذا نزل تتابع نزوله غالبا والقول بالتنقل هو الأشهر عند المعاصرين بينما القول بأنها ثابتة في ليلة معينة من السنة هو الأشهر عند المتقدمين من أهل العلم وهو الأرجح...
 11- ويقول الشيخ  خالد الهويسين :
ان ليلة القدر ليلة 27 لاتتغير ولاتتبدل وعندي احاديث صحيحه كثيره على ذلك فعليكم الاجتهاد في هذه الليله من بعد صلاة المغرب الى طلوع الفجر .وقال ترقبت ليلة القدر في اخر عشرين عام مضت أو أكثرفوجدتها كلها ليلة 27. "
  وهناك نقولات أخرى ومناقشات يضيق عنها هذا الجمع المختصر والله الموفق لا رب سواه.
ليلة الخميس 11 رمضان 1437
عبدالله بن محمد  الحساني

التمذهب 3

الحمدلله وصلى الله وسلم على مصطفاه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم
اما بعد: فهذه كلمات تتبع ما مضى من كلام وتتعلق به ومقصودها بيان أشياء لم تذكر في المقال السابق وبيان طريقة التفقه وذكر بعض كتب الفقه المهمة.  ولست في هذا المقال وما قبله إلا  جامعا لكلام العلماء مع تعليق يسير يقتضيه المقام والله الموفق لا رب سواه.
ومن الأمور التي كان ينبغي أن ينبه لها أن يقال: كان ينبغي عليه أن يجعل الحوار الوهمي بين المذهبي ومتعالم فهذا الأنسب له بدل التعريض بهذا العلم الشريف فهو من أجل العلوم وأشرفها وعلم الأثر قديم لأن المنتسبين له ينتسبون للنبي صلى الله عليه وسلم ومن بعده من الصحب الكرام فإمامهم الاول هو رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال ابن كثير رحمه الله في قوله تعالى ( يوم ندعو كل أناس بإمامهم..)  ( ليس لأهل الحديث منقبة أشرف منه؛  لأنهم لا إمام لهم غيره صلى الله عليه وسلم).
ولا ينكر أن هناك بعض من انتسب لأهل الحديث ولكنه جاهل بالحديث ولا معرفة عنده فأفسد وتكلم بما لا علم عنده ونفر عن السنة وأساء للعلماء بجهله ومثله موجود في كل طائفة من طوائف الأمة. قال ابومحمد بن حزم : " وسيرد الجميع الى عالم الغيب والشهادة فيحكم بيننا فيما فيه نختلف ، وتالله لتطولن ندامة من لم يجعل حظه من الدين الا نصر قول فلان بعينه ، ولايبالي ما أفسد من الحقائق في تلك السبيل " الاحكام.
 وصاحب المقال بمقاله يدعو الناس إلى طريقته في الطلب مع توهينه لطريقة أهل الأثر لكن بغير حجج بينات وأدلة واضحات ولم يعضد كلامه بنقولات لتكون مقالته أبلغ في الحجة وأقطع في المحجة وان رام ذلك فلن يجد  وانظر لهذه المقالة،
 ‏قال الشِّهاب الآلوسي في:"رًوح المَعاني"(1/39):
"وعلى المرء نُصرة مذهبِه،والذَّبُّ عنه؛وذلك بإقامة الحُجج على إثباته،وتَوهين أدلَّة نُفاته"
  ومن هنا انتقل بك أخي الموفق وأدعوك دعوة صدق وأنصحك نصيحة مشفق أن تطلب الفقه بطريقة أهل الأثر،قال النووي رحمه الله تعالى :" وينبغي ( أي: لطالب العلم ) أن يرشد رفقته وغيرهم من الطلبة الى مواطن الاشتغال والفائدة ، ويذكر لهم ما استفاده على جهة النصيحة والمذاكرة.
وبإرشادهم يبارك له في علمه ويستنير قلبه وتتأكد المسائل معه مع جزيل ثواب الله عزوجل ، ومن بخل بذلك كان بضده فلا يثبت معه وإن ثبت لم يثمر ". مقدمة المجموع ١/٣٩
 ولا تجعل ما نشأت عليه وقاله لك شيوخك حاجزاً من سماع كلامي وعائقا عن تدبر مافيه وخذ هذه الكلمة من الشيخ الألباني واجعلها نصب قلبك واحفر لها في فؤادك :قال رحمه الله تعالى : "على طالب العلم أن يستمر في البحث لأن العلم لا يقبل الجمود." سلسلة الهدى والنور(٦٥٤/١)
ومما يبدأ به التنبيه إلى أن بعض الكتب التي تدرس ويقضي طالب العلم فيها سني عمره عصية الفهم صعبة الأخذ ومع هذا فيها مافيها من الخطأ والمرجوح والضعيف،  قال العلامة محمد خضر حسين رحمه الله تعالى: " ومما رمى الأفكار في خمول ، ووقف بها حقبة عن الخوض في عباب العلوم إلى أمد بعيد ، هذهِ المختصرات التي يقضي الطالب في فتح مغلقها ، وحل عقدها قطعة من حياته جديرة بأن تصرف في اكتساب مسائل هي من صميم العلم ، والملكات تقوى بالبحث في لباب العلم أكثر مما تقوى بالمناقشة في ألفاظ المؤلفين . " الأعمال الكاملة (5/ 164)،
وقال العلامة محمد البشير الإبراهيمي رحمه الله تعالى: "التجارب انتهت بي إلى أنه ما أفسد العلم ورجاله إلا الكُتب الفاسدة ."
 الآثار (٢٠٣/٤)
وقال العلامة المعلمي اليماني: "والذي لا أشك فيه أن في كل مذهب من المذاهب فروعًا غير مرضيّة بل وأصولًا ضعيفة، وأن فرض الله عز وجل على العالِم أن يتفقّد ذلك تفقّد محترِسٍ من هواه مؤثرٍ لعبادة الله، والله المستعان والمسؤول منه الهداية والتوفيق."
مجموع آثاره (٣٣٠/١٥).

ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها ** إن السفينة لاتمش على اليبس

 وتأمل هذه الكلمة من الشيخ الألباني رحمه الله تعالى إذ يقول : "حمل السلف على التقليد والمقلدين وصرحوا بذمه وتحريمه،  ذلك لأنه يؤدي بصاحبه إلى الإعراض عن الكتاب والسنة في سبيل التمسك بآراء الأئمة وتقليدهم فيها كما هو الواقع بين المقلدين مما هو مشهور عنهم بل هو ما قرره بعض متأخريهم من الحنفية" مجلة المسلمون.
   إذا عرفت هذا وتأملته حق التأمل مع البعد التام من التعصب والمؤثر الخارجي لك أن تسأل ماهو الطريق الموصل لما تريد؟
 الجواب يتضح بتأمل هذا أيضاً: قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " وقل طائفة من المتأخرين إلا وقع في كلامها نوع غلط لكثرة ماوقع من شبه أهل البدع؛  ولهذا يوجد في كثير من المصنغات في أصول الفقه،  وأصول الدين، والفقه،  والزهد والتفسير ، والحديث؛  من يذكر في الأصل العظيم عدة أقوال،  ويحكي من مقالات الناس ألوانا ، والقول الذي بعث الله به رسوله لا يذكره ؛ لعدم علمه به لا لكراهته لما جاء به الرسول.  "  مجموع الفتاوى ( 5 484) ،
 وقال ابن بدران الدمشقي رحمه الله تعالى: "كلما ارتقى المشتغل إلى كتب المتقدمين= ازداد معرفة بالأدلة، وسمت نفسه إلى منصب الاجتهاد"العقود الياقوتية( ص182)
 وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : "لا ريب أن أهل الحديث أعلم الأمة وأخصها بعلم الرسول صلى الله عليه وسلم وعلم خاصّته." الفتاوى ٩١/٤
 فعليك أيها الموفق بالتدرج شيئاً فشيئاً في كتب الحديث من مختصراته المعروفة مع شروحها حتى تصل إلى الدعائم الأساسية لعلم فقه الأثر مع الاهتمام بلغة العرب بكافة فنونها ومراعاة الإخلاص لله تعالى ومداومة اللجوء إلى الله تعالى وخذ هذه النقولات تبصر لك الطريق :
قال الحافظ الذهبي رحمه الله  : "قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام - وكان أحد المجتهدين -: " ما رأيت في كتب الإسلام في العلم
 مثل " المحلى " لابن حزم ، وكتاب " المغني " للشيخ موفق الدين - يعني ابن قدامة المقدسي - " . قلت: - أي الذهبي - : لقد صدق الشيخ عز الدين ، وثالثهما " السنن الكبير " للبيهقي ، ورابعها " التمهيد " لابن عبد البر ، فمن حصَّل هذه الدواوين وكان من أذكياء المفتين وأدمن المطالعة فيها فهو العالم حقاً" " سير أعلام النبلاء " (18/193 ).

قال السبكي رحمه الله تعالى: "الكتب الستة (البخاري-مسلم-الترمذي-النسائي-أبوداود-ابن ماجه)هي أصول الإسلام,وتكفي من أحاط بها,ولا يبقى بعدها إلا فهم يؤتيه الله من يشاء." فتاوى السبكي (1/41)،
 ذكر ابن حزم رحمه الله في المحلى5/10 : أن مصنف عبدالرزاق ومصنف ابن أبي شيبة مما كان يتداوله حتى الصبيان.
وأختم لك بهذين النقلين لما فيهما من طرفة :
قال الحافظ أبو بكر محمد بن عبد الله بن الجد الفهري الأندلسي المالكي [ت: 586هـ]: "دخلت على أمير المؤمنين أبي يوسف، فوجدت بين يديه كتاب ابن يونس، فقال: أنا أنظر في هذه الآراء التي أحدثت في الدين، أرأيت المسألة فيها أقوال ففي أيها الحق، وأيها يجب أن يأخذ به المقلد ؟فافتتحت أبين له، فقطع كلامي، وقال:ليس إلا هذا؛ وأشار إلى: المصحف.أو هذا؛ وأشار إلى: سنن أبي داود.
أو هذا؛ وأشار إلى: السيف، السير (314/21)

أرسل ابن بسام رحمه الله لابن عقيل الظاهري رسالة داعبه فيها وتمنى أن يكون حنبليًا.
فأجابه برسالة جاء فيها:
وهي مفاتحة كريمة من فضيلتكم  أتاحت لي الفرصة لأن أدعوكم إلى الدينونة لله بظاهر كتاب الله وسنة رسوله ﷺ واطراح آراء "الحنفشيين"!
ابن حزم خلال ألف عام (٩/٤)

  وصلى الله وسلم على نبيه وآله وصحبه وسلم

عبدالله بن محمد الحساني 
ليلة الجمعة 25 ربيع الثاني 1437

التمذهب 2

الحمدلله وصلى الله وسلم على مصطفاه.
اما بعد فقد رأيت رسالة صغيرة مبدوءة بجدال بين ابي عبدالله الاثري وابي عبدالله المذهبي وهما شخصيتان وهميتان من شخص مجهول مذكور في اخرها ولم اكن لاعيرها اهتماماً لولا اني رأيتها قد انتشرت ووردت الي من اكثر من شخص فاستعنت الله تعالى في كتابة تعليق حول موضوعها لما تحمله من بعض التحامل فيظن من لا دراية له ان من يطلب الاثر ويروم الدليل شخص لامعرفة له.
وهذا الشخص لما قلت بضاعته من علوم الكتاب والسنة وآثار الماضين ظن انه يمكن ان يؤصل لمنهجه بمثل هذا النوع من الحجاج ولن يكون الرد على منشوره على طريقته التي احدث وان كانت ميسورة.
مدخل :
قال  الشاطبي رحمه الله: ( ان تحكيم الرجال من غير التفات الى كونهم وسائل للحكم الشرعي المطلوب شرعا ضلال وان الحجة القاطعة والحكم الأعلى هو الشرع لاغيره) الاعتصام.
  من المعلوم بديهة ان الكتب والمذاهب وماتبعها من امور لم يكن موجودا في زمان النبي صلى الله عليه وسلم ولا خلفائه الراشدين ولا صحابته المهديين ولم تشع الا بعد القرون المفضلة التي اثنى النبي صلى الله عليه وسلم على اهلها. قال ابوطالب المكي في قوت القلوب : " إن الكتب والمجموعات محدثة والقول بمقالات الناس، والفتيا بمذهب الواحد من الناس، واتخاذ قوله والحكاية له في كل شئ والتفقه على مذهبه، لم يكن الناس قديماً على ذلك في القرنين الأول والثاني. "
   "ثم انتشرت المذاهب وأنتجت بدعة التعصب وليدها المشؤوم وولد التعصب أبناء مشؤومين كان ابرزهم مخالفة النصوص الصحيحة وتقديم الرأي عليها ونشر الخلاف والفتن بين المسلمين والجمود على التقليد والانشغال بالافتراضات الخيالية وغيرها"
  قال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى " ان الذي عنده اهليه لفهم كتب المذاهب وعباراتهم سيما من كان منها للمتأخرين فإنها تشبه الألغاز احياناً يستطيع أن يفهم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فإنهما بدون ريب أبين وأوضح من كل ما سواهما من الكلام خصوصاً اذا استعان على ذلك بكتب اهل العلم من التفسير وشروح الحديث.... "
  فمن فضل الله تعالى على عباده ان يسر لهم فهم الكتاب والسنة لمن اراد والعلم بالكتاب والسنة من اشرف العلوم قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " فإن معرفة مراد الرسول ومراد الصحابة هو أصل العلم، وينبوع الهدى . " مجموع الفتاوى ( 5 / 413).  فالمنشغل بالحديث والآثار منشغل بافضل العلوم واجلها واعظمها قدرا فكيف يذم من جعل طريقه الاكتفاء بذلك فيالله العجب.
 قال أبو محمد بن حزم رحمه الله:
"وليعلموا أن طلاب سنن رسول الله صلى الله عليه وسلـــم حيث كانت,  والعاملين بها والمتفقهين في القرآن,  الذين لايقلدون أحداً هم على منهاج الصحابة والتابعين والأعصار المحمودة , وأنهــــم أهل الحق في كــل عصر,  والأكثرون عند الله تعالى بلا شك وإن قل عددهم. " الإحكام
قال أبو محمد ابن حزم رحمه الله:
"اللهم إنك تعلم أنا لا نحكم أحداً إلا كلامك وكلام نبيك…ولو أسخطنا بذلك جميع من في الأرض، وصرنا دونهم حزباً، وعليهم حرباً! "  الإحكام(1/99)
قال بشر بن السري السقطي رحمه الله تعالى:
(نظرت في العلم فإذا هو الحديث والرأي فوجدت في الحديث ذكر النبيين والمرسلين وذكر الموت وذكر ربوبيةالرب وجلاله وعظمته وذكر الجنة والنار وذكر الحلال والحرام والحث على صلة الأرحام وجماع الخير ونظرت في الرأي فإذا فيه المكر والخديعة والتشاح واستقصاء الحق والمماكسة في الدين واستعمال الحيل والبعث على قطيعة الأرحام والتجرؤ علی الحرام)
 شرف أصحاب الحديث للخطيب
وايضاً تجد في كلام الائمة الذم على من ينظر في غير الحديث والاثر
عن محمد بن يسر قال : "سألت أبا عبد الله عن النظر في الرأي ؟ فقال : عليك بالسنة . فقلت له : يا أبا عبد الله ، صاحب حديث ينظر في الرأي إنما يريد أن يعرف رأي من خالفه ؟ فقال : عليك بالسنة ."
طبقات الحنابلة (1/ 327).

"سأل رجل أحمد بن حنبل: أكتب كتب الرأي؟
قال: لا تفعل، عليك بالآثار والحديث.
فقال له السائل: إن عبدالله بن المبارك قد كتبها؟
فقال له أحمد: ابن المبارك لم ينزل من السماء، إنما أُمرنا أن نأخذ العلم من فوق."
طبقات الحنابلة (٣٩٢/٢.)
‏•• هل الرأي علم عند المتقدمين من علمائنا؟
قال ابن جريج: "كان عطاء إذا حدَّث بشيء قلتُ: علمٌ أو رأي؟ فإن كان أثرًا قال: علم، وإن كان رأيًا قال: رأي."
طبقات ابن سعد.
ثم ان الانشغال بالكتب المذهبية قد اورث بلايا وانتج رزايا كان الأولى بمن ينكر على المتفقه بالآثار   انكارها والعمل على محاربتها بدل ان ينفقوا اوقاتهم ويسلطوا طاقاتهم في الانتقاص من المنشغلين بالحديث والآثار فمن ذلك ماجاء عن الكرخي الحنفي انه قال: " كل اية او حديث خالف مذهبنا فهو منسوخ او مؤول)
ومنها ماذكره ابن القيم بقوله :" بل قد صرح بعض غلاتهم -المتمذهبة-في بعض كتبه الأصولية أنه لايجوز تقليد أبي بكر وعمر ويجب تقليد الشافعي! فيا لله العجب!" الإعلام(523/3)
ويقصد الجويني كما في البرهان (2/744).
ومن هذه البلايا نعوذ بالله من الهوى:
 ما قاله الصاوي في حاشيته على تفسير الجلالين (3/10):
"إن من خرج عن المذاهب الأربعة فهو ضال مضل ولو وافق الصحابة والحديث الصحيح والآية وربما أداه ذلك إلى الكفر. ."  فيالله العجب!! نعوذ بالله مما قاله !! ما اشنع ماقاله وسطره فاي شئ يستحق المحاربة؟؟!!
قال السفكردي :
"لاينبغي للحنفي أن يزوج بنته من رجل شافعي ولكن يتزوج من الشافعية تنزيلاً لهم منزلة أهل الكتاب"
البحر الرائق (٤٦/٢ )
والامر يطول وانما القصد الاشارات وهي كافية  لصاحب الإنصاف واختم بالإجابة على سؤال يلح في هذا الموضع كيف يطلب العلم؟ والإجابة عليه من كلام الائمة الكبار واكتفي بنقلين فقط:
 قال حافظ المغرب العلامة ابن عبد البر رحمه الله تعالى .
قال رحمه الله: "فعليك يا أخي بحفظ الأصول والعناية بها، واعلم أن من عني بحفظ السنن والأحكام المنصوصة في القرآن، ونظر في أقاويل الفقهاء ـ فجعله عونـًا له على اجتهاده، ومفتاحـًا لطرائق النظر، وتفسيرًا لجمل السنن المحتملة للمعاني ـ، ولم يقلد أحدًا منهم تقليد السنن التي يجب الانقياد إليها على كل حال دون نظر، ولم يُرح نفسه مما أخذ العلماء به أنفسهم من حفظ السنن وتدبُّرِها، واقتدى بهم في البحث والتفهم والنظر، وشكر لهم سعيهم فيما أفادوه ونبهوا عليه، وحمدهم على صوابهم الذي هو أكثر أقوالهم، ولم يبرئهم من الزلل؛ كما لم يبرئوا أنفسهم منه؛ فهذا هو الطالب المتمسك بما عليه السلف الصالح، وهو المصيب لحظه، والمعاين لرشده، والمتبع لسنة نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهدي صحابته رضي الله عنهم.
ومن أعَفَّ نفسه من النظر، وأضرب عما ذكرنا، وعارض السنن برأيه، ورام أن يردها إلى مبلغ نظره؛ فهو ضال مضل، ومن جهل ذلك كله أيضًا، وتقحم في الفتوى بلا علم؛ فهو أشد عمى، وأضل سبيلًا ". [ جامع بيان العلم وفضله: 2/ 172.].

وقال الحافظ ابن رجب رحمه الله: "ﻭﺃﻣﺎ ﻓﻘﻬﺎﺀ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺍﻟﻌﺎﻣﻠﻮﻥ ﺑﻪ, ﻓﺈﻥ ﻣﻌﻈﻢ ﻫﻤﻬﻢ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﻣﻌﺎﻧﻲ ﻛﺘﺎﺏ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﺰ ﻭﺟﻞ, ﻭﻣﺎ ﻳﻔﺴﺮﻩ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻨﻦ ﺍﻟﺼﺤﻴﺤﺔ, ﻭﻛﻼﻡ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﻭﺍﻟﺘﺎﺑﻌﻴﻦ ﻟﻬﻢ ﺑﺈﺣﺴﺎﻥ.ﻭﻋﻦ ﺳﻨﺔ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ, ﻭﻣﻌﺮﻓﺔ ﺻﺤﻴﺤﻬﺎ ﻭﺳﻘﻴﻤﻬﺎ, ﺛﻢ ﺍﻟﺘﻔﻘﻪ ﻓﻴﻬﺎ ﻭﺗﻔﻬﻤﻬﺎ, ﻭﺍﻟﻮﻗﻮﻑ ﻋﻠﻰ ﻣﻌﺎﻧﻴﻬﺎ. ﺛﻢ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﻛﻼﻡ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﻭﺍﻟﺘﺎﺑﻌﻴﻦ ﻟﻬﻢ ﺑﺈﺣﺴﺎﻥ ﻓﻲ ﺃﻧﻮﺍﻉ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻔﺴﻴﺮ ﻭﺍﻟﺤﺪﻳﺚ, ﻭﻣﺴﺎﺋﻞ ﺍﻟﺤﻼﻝ ﻭﺍﻟﺤﺮﺍﻡ, ﻭﺃﺻﻮﻝ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﻭﺍﻟﺰﻫﺪ ﻭﺍﻟﺮﻗﺎﺋﻖ ﻭﻏﻴﺮ ﺫﻟﻚ, ﻭﻫﺬﺍ ﻫﻮ ﻃﺮﻳﻘﺔ ﺍﻹﻣﺎﻡ ﺃﺣﻤﺪ ﻭﻣﻦ ﻭﺍﻓﻘﻪ ﻣﻦ ﻋﻠﻤﺎﺀ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺍﻟﺮﺑﺎﻧﻴﻴﻦ.ﻭﻓﻲ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﻫﺬﺍ ﺷﻐﻞ ﺷﺎﻏﻞ ﻋﻦ ﺍﻟﺘﺸﺎﻏﻞ ﺑﻤﺎ ﺃﺣﺪﺙ ﻣﻦ ﺍﻟﺮﺃﻱ ﻣﺎ ﻻ ﻳﻨﺘﻔﻊ ﺑﻪ, ﻭﻻ ﻳﻘﻊ, ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻳﻮﺭﺙ ﺍﻟﺘﺠﺎﺩﻝ ﻓﻴﻪ ﻛﺜﺮﺓ ﺍﻟﺨﺼﻮﻣﺎﺕ ﻭﺍﻟﺠﺪﺍﻝ ﻭﻛﺜﺮﺓ ﺍﻟﻘﻴﻞ ﻭﺍﻟﻘﺎﻝ." جامع العلوم والحكم (1\249)
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

عبدالله بن محمد الحساني عفا الله عنه 
ليلة الاربعاء 23 ربيع الثاني 1437

التمذهب 1

الحمدلله وصلى الله وسلم على مصطفاه و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.
🔸 أما بعد: فقد أرسل إلي أحد مشايخي الفضلاء رسالة تتحدث عن التمذهب بالمذهب الحنبلي وسألني عن رأيي فيها فجمعت هذه الكلمات وتعمدت أن يكون أكثر المنقول فيها من الحنابلة رحمهم الله تعالى وسأقف معها عدة وقفات نصحاً لله ولرسوله ولكتابه ولعامة المسلمين :

أولا: أن الإمام أحمد رحمه الله كان أشد الناس منعاً من كتابة سوى الآثار والانشغال بغيرها وقد بلغ نهيه عن ذلك مبلغاً عظيماً نقل عنه مباشرة وبينه العلماء بعد ذلك ومن ذلك :   قال المزي في تهذيب الكمال (17/ 437) :

"وَقَال أَبُو الحسن الميموني: سمعت أبا عَبد اللَّهِ ( الإمام أحمد )  وسئل عَنْ أصحاب الرأي يكتب عنهم الحديث؟

فقال أَبُو عَبْد اللَّه: قال عَبْد الرَّحْمَن: إذا وضع الرجل كتابا من هذه الكتب كتب الرأي أرى أن لا يكتب عنه الحديث ولا غيره.

 قال أَبُو عَبْد اللَّه: وما تصنع بالرأي وفي الحديث ما يغنيك عنه ؟!

 أهل الحديث أفضل من تكلم فِي العلم

 عليك بحديث رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، وما روي عَنْ أصحابه أَبِي بَكْر وعُمَر ... فإنه سنة ." فانظر لكلامه رحمه الله وتدبر نصحه ولا تنس أن تجعل ذكره للرأي في مقابلة الحديث منك على ذُكْر.

قال عباس الدوري سمعت أَحْمَد بن حنبل يقول :  " عجب لأصحاب الحديث تنزل بهم المسألة فيها عَنِ الحسن وابن سيرين وعطاء وطاوس حتى عد عدة فيذهبون إلى أصحاب الرأي فيسألونهم ألا ينظرون إلى علمهم فيتفقهون به " .
( طبقات الحنابلة 1 / 238 ).
وجاء  أيضاً في طبقات الحنابلة (1/229) :" أخبرني محمد بن أحمد الطرسوسي قَالَ: سمعت مُحَمَّد بْن يَزِيدَ المستملي يقول سأل رجل أَحْمَد بن حنبل فقال: أكتب كتب الرأي قَالَ: لا تفعل عليك بالآثار والحديث فقال: له السائل إن عَبْد اللَّهِ بْن المبارك قد كتبها فقال: له أَحْمَد ابن المبارك لم ينزل من السماء إنما أمرنا أن نأخذ العلم من فوق." وتدبر كلامه هنا في نصحه بالحديث والآثار ونهيه عن سواهما ورده على من جعل فعل العلماء حجة في هذه المسألة أن الحجة في ماجاء به الوحي وليس مادَرَجَ عليه العلماء.
قال عبد الله بن أحمد في مسائله  [مسألة رقم 1585 ص 438ط المكتب الإسلامي ] :
"  سألت أبي عن : الرجل يريد أن يسأل عن الشيء من أمر دينه مما يبتلى به من الأيمان في الطلاق وغيره , وفي مصره من أصحاب الرأي , ومن أصحاب الحديث لا يحفظون ولا يعرفون الحديث الضعيف ولا الإسناد القوي فلمن يسأل ؟ لأصحاب الرأي أو لهؤلاء ؟ - أعني أصحاب الحديث , على ما قد كان من قلة معرفتهم - ؟
قال : يسأل أصحاب الحديث . لا يسأل أصحاب الرأي  ."
أورد الخطيب البغدادي رحمه في الجامع ( 1925)
عن عياش القطان قال: قلت لأحمد:
أشتهي أن أجمع حديث الأنبياء
فقال أحمد: حتى تفرغ من حديث نبينا صلى الله عليه وسلم "

فكيف بجمع كلام البشر وأصحاب المذاهب ؟!

قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله :
"لا ريب أن الإمام أحمد رضي الله عنه كان ينهى عن آراء الفقهاء والاشتغال بها حفظاً وكتابة ، ويأمر بالاشتغال بالكتاب والسنة حفظاً وفهماً وكتابة ودراسة ، وبكتابة آثار الصحابة والتابعين دون كلام مَن بعدهم ، ومعرفة صحة ذلك من سقمه ، والمأخوذ منه والقول الشاذ المطرح منه ، ولا ريب أن هذا مما يتعين الاهتمام به والاشتغال بتعلمه أولاً قبل غيره  . "
مجموع رسائله (2/628).
فهذا بعض المنقول عن أحمد رحمه الله والمنقول عن غيره كثير جداً وإنما آثرت نقل كلامه هو لأن المذكور هو ما يتعلق بمذهبه رحمه الله.
2- أن الملاحظ في هذه الرسالة وفي غيرها أنهم لا يدلون الناس إلا على كتب المتأخرين أما ماكتبه إمام المذهب وما نقله عنه طلابه بالكاد تجد من يدل عليه وللناظر أن ينظر فيما يخطه من كتب في منهجية التفقه عند المالكية سيجد نفس الأمر مذكوراً هناك جاء في الدرر السنية من قول الشيخ العلامة حمد بن ناصر بن معمر رحمه الله (4/57) :" والمتعصبون لمذاهب الأئمة تجدهم في أكثر المسائل قد خالفوا نصوص أئمتهم، واتبعوا أقوال المتأخرين من أهل مذهبهم، فهم يحرصون على ما قاله الآخر، فالآخر; وكلما تأخر الرجل أخذوا بكلامه، وهجروا أو كادوا يهجرون كلام من فوقه; فأهل كل عصر إنما يقضون بقول الأدنى فالأدنى إليهم، وكلما بعد العهد، ازداد كلام المتقدمين هجراً ورغبة عنه، حتى إن كتب المتقدمين لا تكاد توجد عندهم، فإن وقعت في أيديهم، فهي مهجورة" وهذا المسلك مخالف لهدي الأئمة رحمهم الله وفيه إطالة لطريق العلم وقد نبه على ذلك جماعة من العلماء رحمهم الله بل المشايخ الكبار ماكان مسلكهم هذا المسلك ومن انشغل بتدريس المذهب لا يشرح غير الكتاب والكتابين.
   ومن معايب ضبط المذهب بهذه الطريقة مخالفتها لأئمة المذهب المتبوع فلم يكن من هديهم ذلك،  قال العلامة المعلمي اليماني رحمه الله تعالى: "مع أن العمل بقول المفتي بدون أن يذكر دليله بدعة مخالفة لما كان عليه العمل في خير القرون،  والتزام العمل بقول مفتٍ واحدٍ في جميع الأعمال بدعة أخرى أشد،  فالأئمة الأربعة رحمهم الله إنما كانت فتواهم على على عادة السلف،  وهكذا من كان في زمانهم وبعده."   مجموع آثاره (4/63).
 ولابد كذلك في هذا الموضع أن يعلم أن هذه الطرائق ليست بواجبة ولا مستحبة وإنما هي من جملة الجائز فإذا كان الجائز من القواطع وجب النهي عنه وإنكاره قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" ومن أوجب تقليد إمام بعينه استتيب فإن تاب وإلا قتل وإن قال ينبغي كان جاهلا ضالا ومن كان متبعا لإمام فخالفه في بعض المسائل لقوة الدليل أو لكون أحدهما أعلم وأتقى فقد أحسن"
 الاختيارات الفقهية للبعلي (333).


ثالثاً: هذه المختصرات المكتوبة أصبحت عائق لتحصيل الفقه فلو علم طالب العلم أنه لابد من قراءة هذا القدر من الكتب والحواشي في الفقه سينقطع ويترك الطلب بالكلية أو تضعف همته وهذا غير ما يفرضونه في الأصول والقواعد الفقهية وغيرها من الكتب المساعدة  قال ابن القيم رحمه الله :
"وأما فروعهم فقنعوا بتقليد من اختصر لهم بعض المختصرات التي لا يذكر فيها نص عن الله ولا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن الإمام الذي زعموا أنهم قلدوه دينهم ، بل عمدتهم فيما يفتون ويقضون به وينقلون به الحقوق ويبيحون به الفروج والدماء والأموال على قول ذلك المصنف ، وأجلهم عند نفسه وزعيمهم عند بني جنسه من يستحضر لفظ الكتاب ، ويقول : هكذا قال ، وهذا لفظه ; فالحلال ما أحله ذلك الكتاب ، والحرام ما حرمه ، والواجب ما أوجبه ، والباطل ما أبطله ، والصحيح ما صححه . 
هذا ، وأنى لنا بهؤلاء في مثل هذه الأزمان ، فقد دفعنا إلى أمر تضج منه الحقوق إلى الله ضجيجا ، وتعج منه الفروج والأموال  والدماء إلى ربها عجيجا ، تبدل فيه الأحكام ، ويقلب فيه الحلال والحرام ، ويجعل المعروف فيه أعلى مراتب المنكرات ، والذي لم يشرعه الله ورسوله من أفضل القربات "
إعلام الموقعين(4/217) ومابعدها
 قال الحجوي: "لما أغرقوا في الاختصار، صار لفظ المتن مغلقا لا يفهم إلا بواسطة الشراح، أو الشروح والحواشي، ففات المقصود الذي لأجله وقع الاختصار وهو جمع الأسفار في سفر واحد، وتقريب المسافة وتخفيف المشاق، وتكثير العلم، وتقليل الزمن، بل انعكس الأمر؛ إذ كثرت المشاق في فتح الأغلاق، وضاع الزمن من غير ثمن.." الفكر السامي( 2/ 459).
وقال أيضاً "ولهذا كانت المجالس الفقهية في الصدر الأول مجالس تهذيب لجميع أنواع الناس عوامهم وطلبتهم، فأصبحت اليوم لا ينتابها إلا الطلبة، فإذا جلس عامي حولها، لم يستفد منها شيئا، فيفر عنها، ولا يعود إذ يجدهم يحلون مقفلات التآليف بأنواع من القواعد النحوية المنطقية التي لا مساس له بها، ولو أنه وجدهم يقرءون تأليفا من تآليف الأقدمين فقهيا محضا مبينا فيه الفرع وأصله من الكتاب والسنة، لاستفاد، وأفاد أهله ومن هو مسئول عن تعليمهم فهذا سبب نقصان العلم في أزماننا، وغلبة الأمية على رجالنا ونسائنا، وحصول التأخر في سائر علومنا .." ا الفكر السامي  (2/ 455).
رابعاً: ذكر في هذه المنهجية حاشية لابن فيروز الحنبلي وما كان ينبغي عليهم ذكره لطالب العلم فقد كان من أعداء دعوة التوحيد الداعين إلى الشرك بالله عز وجل وقد ذكر الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله جماعة ممن كفر بالله ودعا للكفر وذكر أن أقربهم للإسلام ابن فيروز الحنبلي كما في الدرر السنية (10/78) والرسائل الشخصية ( ص121) فمن النصح أن لا يدل على أمثاله وعامة أهل البدع ينبغي اجتنابهم.
واختم بهذا النقل للشيخ مقبل رحمه الله
سئل الشيخ العلامة مقبل الوادعي رحمه الله :
السؤال١٩٨: قال بعض أهل العلم: ننصح المبتدئين في العقيدة بقراءة "العقيدة الواسطية"، وفي الفقه على حسب مذهب البلد، إن كان حنبليًّا ففي "زاد المستقنع"، وان كان شافعيًّا، أو مالكيًّا، فما شابه هذه الكتب، فما هي كيفية دراسة علم الفقه، وما هي الكتب التي تنصح بدراستها، ومن هو العالم الذي غالب أقواله من الكتاب والسنة، في أمور الفقه؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد:
أما الرجوع إلى "زاد المستقنع"، فأرى أن يرجع إلى كتاب الله، وإلى سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ونبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول في حجة الوداع في حديث جابر كما في "صحيح مسلم": ((إنّي تارك فيكم ما إن اعتصمتم به لن تضلّوا كتاب الله)).
وفي "صحيح مسلم" من حديث زيد بن أرقم يقول: ((إنّي تارك فيكم ثقلين، أوّلهما كتاب الله فيه الهدى والنّور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به فحثّ على كتاب الله ورغّب فيه، ثمّ قال: وأهل بيتي، أذكّركم الله في أهل بيتي، أذكّركم الله في أهل بيتي، أذكّركم الله في أهل بيتي)).
ورب العزة يقول في كتابه الكريم: {اتّبعوا ما أنزل إليكم من ربّكم ولا تتّبعوا من دونه أولياء قليلاً ما تذكّرون }، ويقول أيضًا: {ولا تقف ما ليس لك به علم }، ويقول أيضًا: {وما آتاكم الرّسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا }.
ونبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: ((ذروني ماتركتكم، فإنّما أهلك الّذين من قبلكم كثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم))، وفي الحديث نفسه: ((ولكن ما نهيتكم عنه فانتهوا، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم)).
فديننا آية قرآنية وحديث نبويّ، وتمر بك عبارات في الحيض والطلاق في "زاد المستقنع" ربما تشغلك، ليس عليها دليل من الكتاب والسنة فهي تعتبر فرضيات. دع عنك أنه يحتاج منك إلى جهد طويل، وربما تحفظ القرآن في سنة واحدة ثم تحفظ ما استطعت من سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وتعرف صحيح السنة من سقيمها، ومعلولها من سليمها.
وفرق كبير وبون شاسع، بين كتاب ربنا، وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم وبين عبارات "زاد المستقنع" أو غيره من كتب الفقه، ورب العزة يقول في كتابه الكريم: {ولقد يسّرنا القرءان للذّكر فهل من مدّكر }.
ويقول نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((بعثت بالحنيفيّة السّمحة))، ويقول: ((إنّ هذا الدّين يسر)).
فالعلم ميّسر، واختلافات العلماء هي التي شغلت طلاب العلم عن الكتاب والسنة، بل صيرتْهم شيعًا وأحزابًا، ولقد أحسن من قال:
لولا التنافس في الدنيا لما وضعت ... كتب التناظر لا المغني ولا العمد
يحلّلون بزعم  منهم  عقدًا ... وبالذي وضعوه زادت العقد
وهذه المدرسة المباركة نفع الله بها في مدة يسيرة، بسبب أنّها أقبلت على كتاب الله، وسنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقد تكلمنا في "إقامة البرهان، على ضلال عبد الرحيم الطحان" بشيء مما ورد في ذم التقليد.
والدين يؤخذ من كتاب الله ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. وأما قول فلان وفلان، واختلافهم، إن كنت شافعيًّا فهذا حلال لك، وإن كنت حنبليًّا أو حنفيًّا فلا يجوز لك، فهذا دليل على أنّ هذه المذاهب قد دخلها الدّخيل، ورب العزة يقول في كتابه الكريم: {ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافًا كثيرًا }.
فكتاب ربنا وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم ليس فيهما اختلاف، والاختلاف في أفهام أهل العلم، وأهواء بعض أهل العلم.
وأما العالم الذي غالب أقواله من الكتاب والسنة، فهو مثل الإمام البخاري، والإمام أحمد بن حنبل، وابن حزم على دخن فيه في العقيدة، وابن القيم، ومحمد بن إسماعيل الأمير، والشوكاني، ويوجد بحمد الله علماء غالب أقوالهم من الكتاب والسنة، وتطمئن النفس بهم، وانتفع بهم المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها.
تحفة المجيب (237-240)

عبدالله بن محمد الحساني

الاثنين، 27 فبراير 2017

الذنوب

الحمدلله وصلى الله وسلم على مصطفاه و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.
  أما بعد: فإن العبد يعرض له في سيره إلى الله تعالى كثير من الآفات وتقف أمامه بعض القواطع التي تقطعه عن ربه عز وجل ومحبته ومعرفته والأنس به وغيرها من عوالي المطلوبات التي ينبغي أن يعتنى بها وأن يكون شغله الشاغل في تحصيلها وتكميلها.  قال ابن القيم رحمه الله   :" فمحبة الله تعالى ومعرفته ودوام ذكره والسكون إليه والطمأنينة إليه وإفراده بالحب والخوف والرجاء والتوكل والمعاملة بحيث يكون هو وحده المستولي على هموم العبد وعزماته وإرادته هو جنة الدنيا والنعيم الذي لا يشبهه نعيم وهو قرة عين المحبين وحياة العارفين وإنما تقر عيون الناس به على حسب قرة أعينهم بالله عز و جل فمن قرت عينه بالله قرت به كل عين ومن لم تقر عينه بالله تقطعت نفسه على الدنيا حسرات "
الوابل الصيب (67).
   وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "وليس للقلوب سرور ولا لذة تامة إلا في محبة الله والتقرب إليه بما يحبه ولا تمكن محبته إلا بالإعراض عن كل محبوب سواه، وهذا حقيقة لا إله إلا الله"
مجموع الفتاوى (٢٨/٣٢).
ومن هذه القواطع التي تقطعه الذنوب والخطايا فإنها تحول بين العبد وبين ربه عز وجل ومماينبغي التنبيه له هنا: أن العبد لابد له من مقامين اثنين يتفقدهما الفينة بعد الأخرى :
_ إحسان الظن بالله.
_ وعدم الأمن من مكره.
المقام الأول: حسن الظن بالله تعالى
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ النبي صلى الله عليه وسلم ( يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى : أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ في نَفْسِي وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلأٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلأٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَىَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَىَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً ) . رواه البخاري ( 7405 ) ومسلم ( 2675 ) .
قال أبو العباس القرطبي – رحمه الله - :
قيل : معناه : ظنّ الإجابة عند الدعاء ، وظنّ القبول عند التوبة ، وظن المغفرة عند الاستغفار.
...،وكذلك ينبغي للتَّائب والمستغفر ، وللعامل أن يَجتهد في القيام بِما عليه من ذلك ، موقنًا أنَّ الله تعالى يقبل عملَه ، ويغفِر ذنبه ؛ فإنَّ الله تعالى قد وعد بقبول التَّوبة الصادقة ، والأعمال الصالحة ، فأمَّا لو عمل هذه الأعمال وهو يعتقد أو يظنُّ أنَّ الله تعالى لا يقبلُها ، وأنَّها لا تنفعُه : فذلك هو القنوط من رحْمة الله ، واليأس من رَوْح الله ، وهو من أعظمِ الكبائر ، ومَن مات على ذلك : وصل إلى ما ظنَّ منه .
فأمَّا ظن المغفرة والرحمة مع الإصرار على المعصية : فذلك محض الجهل والغرة ، وهو يجر إلى مذهب المرجئة .
" المفهم شرح مسلم " ( 7 / 5 ، 6 ).
  فحسن الظن بالله داعي للتوبة والاستغفار وعدم التمادي في العصيان فلاتجد محسناً للظن بالله تاركاً للعمل تاركاً للتوبة وإلا فهو مغتر آمن من مكر الله.
قال ابن القيم  رحمه الله :
"وقد تبين الفرق بين حسن الظن والغرور ، وأن حسن الظن إن حمَل على العمل وحث عليه وساعده وساق إليه : فهو صحيح ، وإن دعا إلى البطالة والانهماك في المعاصي : فهو غرور ، وحسن الظن هو الرجاء ، فمن كان رجاؤه جاذباً له على الطاعة زاجراً له عن المعصية : فهو رجاء صحيح ، ومن كانت بطالته رجاء ورجاؤه بطالة وتفريطاً : فهو المغرور ."
 الجواب الكافي ( 24 ) .
و قال الحسن البصري رحمه الله : " إن المؤمن أحسنَ الظنّ بربّه فأحسن العملَ ، وإنّ الفاجر أساءَ الظنّ بربّه فأساءَ العمل .
رواه أحمد في " الزهد " (  402 ) .
فمن أحسن ظنه بالله فإن الله يكون له عند ظنه قال ابن القيم رحمه الله :
"وكلما كان العبد حسن الظن بالله ، حسن الرجاء له، صادق التوكل عليه، فإن الله لا يخيب أمله فيه البتة، فإنه سبحانه لا يخيب أمل آمل، ولا يضيع عمل عامل،"
مدارج السالكين (1/461) .
  فلابد من التفريق بين حسن الظن والغرور فهو مقام يحسن بالمؤمن أن يديم النظر فيه .
قال ابن القيم رحمه الله :"فالمؤمن: جمع إحسانا في مخافة وسوء ظن بنفسه. والمغرور: حسن الظن بنفسه مع إساءته."
مدارج السالكين (2/96).
وليحذر أشد الحذر أن يكون سيئ الظن بالله فهذا هو الهلاك بعينه فليفتش العاقل نفسه هل هو سالم من ذلك؟.  قال ابن القيم رحمه الله :
"فليعتن اللبيب الناصح لنفسه بهذا الموضع، وليتب إلى الله تعالى، وليستغفره كل وقت من ظنه بربه ظن السوء، وليظن السوء بنفسه التي هي مأوى كل سوء، ومنبع كل شر المركبة على الجهل والظلم، فهي أولى بظن السوء من أحكم الحاكمين وأعدل العادلين وأرحم الراحمين، الغني الحميد الذي له الغنى التام والحمد التام والحكمة التامة، المنزه عن كل سوء في ذاته وصفاته وأفعاله وأسمائه، فذاته لها الكمال المطلق من كل وجه، وصفاته كذلك، وأفعاله كذلك، كلها حكمة ومصلحة ورحمة وعدل، وأسماؤه كلهاحسنى."
زاد المعاد (3/211).

المقام الثاني الأمن من مكر الله- أعاذنا الله منه - والمسلم إذا أمِن من مكر الله -تعالى- ولم يراقبه في أقواله وأفعاله، فيخشى عليه من الخسارة العاجلة والآجلة كما قال -تعالى-: {أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} (99) سورة الأعراف.
وضابطه أن يسترسل في المعاصي ويتكل على رحمة الله ولا يتوب منها ولا يحدث نفسه بها.
   قال ابن القيم -رحمه الله :
"وأما المكر الذي وصف به نفسه فهو مجازاته للماكرين بأوليائه ورسله فيقابل مكرهم السيئ بمكره الحسن، فيكون المكر منهم أقبح شيء، ومنه أحسن شيء؛ لأنه عدل ومجازاة.
وأما خوف أوليائه من مكره فحقّ، فإنهم يخافون أن يخذلهم بذنوبهم وخطاياهم فيصيرون إلى الشقاء، فخوفهم من ذنوبهم ورجاؤهم لرحمته.
وقوله: (أفأمنوا مكر الله) إنما هو في حق الفجار والكفار، ومعنى الآية: فلا يعصي الله ويأمن من مقابلة الله له على مكر السيئات بمكره به إلا القوم الخاسرون.
والذي يخافه العارفون بالله من مكره: أن يؤخر عنهم عذاب الأفعال فيحصل منهم نوع اغترار، فيأنسوا بالذنوب، فيجيئهم العذاب على غرة وفترة.).
الفوائد (160).
 ولا يغتر المسلم بتتابع النعم عليه بعد المعاصي والذنوب فقد فسر بعض السلف الأمن بأنه" يستدرجهم الله بالنعم إذا عصوه، ويملي لهم ثم يأخذهم أخذ عزيز مقتدر"
  ومما يحسن الإشارة إليه كذلك أن السائر إلى ربه كما أنه لا يأمن مكره فكذلك لا يقنط من رحمته فهما متقابلان والقنوط هو استبعاد الفرج واليأس منه وأن يظن بأن الله لا يغفر له وإن تاب{ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ}".
 وعليه أن يكون خائفا راجيا، يخاف ذنوبه ويعمل بطاعته، ويرجو رحمته، كما قال تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ} وقال: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} . فالرجاء مع المعصية وترك الطاعة غرور من الشيطان، ليوقع العبد في المخاوف مع ترك الأسباب المنجية من المهالك، بخلاف حال أهل الإيمان الذين أخذوا بأسباب النجاة خوفا من الله تعالى وهربا من عقابه; وطمعا في المغفرة ورجاء لثوابه.
  وهذه المقامات لا يتوصل إليها إلا بعون من الله وتوفيق منه فإنه الموفق وحده لارب غيره ولا إله سواه وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
.
عبدالله بن محمد الحساني 
7/ شعبان /1437