الاثنين، 27 فبراير 2017

فضل علم الأثر 2

الحمد لله وصلى الله على مصطفاه و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.
   أما بعد فمن الأمور التي انفرد بها أهل الحديث عن غيرهم من أصحاب العلوم أحوال تعتريهم مع سماع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من رقة قلب وسريع دمع ينزل بل وتعالي أصوات بالبكاء وهذه أمور زائدة على عظيم الأجر الحاصل بالتفقه على الآثار. و البكاء ورقة القلب من متلازمات النظر في الحديث والأثر!.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
"وَقَالَ مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ:  كَانَ مَالِكٌ إذَا ذُكِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَغَيَّرُ لَوْنُهُ وَيَنْحَنِي حَتَّى يَصْعُبَ ذَلِكَ عَلَى جُلَسَائِهِ ، فَقِيلَ لَهُ يَوْمًا فِي ذَلِكَ
فَقَالَ: لَوْ رَأَيْتُمْ مَا رَأَيْت لَمَا أَنْكَرْتُمْ عَلَيَّ مَا تَرَوْنَ لَقَدْ كُنْت أَرَى مُحَمَّدَ بْنَ الْمُنْكَدِرِ - وَكَانَ سَيِّدَ الْقُرَّاءِ - لَا نَكَادُ نَسْأَلُهُ عَنْ حَدِيثٍ أَبَدًا إلَّا يَبْكِي حَتَّى نَرْحَمَهُ. وَلَقَدْ كُنْت أَرَى جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ - وَكَانَ كَثِيرَ الدُّعَابَةِ وَالتَّبَسُّمِ - فَإِذَا ذُكِرَ عِنْدَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اصْفَرَّ لَوْنُهُ وَمَا رَأَيْته يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا عَلَى طَهَارَةٍ ، وَلَقَدْ اخْتَلَفْت إلَيْهِ زَمَانًا فَمَا كُنْت أَرَاهُ إلَّا عَلَى ثَلَاثِ خِصَالٍ :
إمَّا مُصَلِّيًا وَإِمَّا صَامِتًا وَإِمَّا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ ، وَلَا يَتَكَلَّمُ فِيمَا لَا يَعْنِيهِ وَكَانَ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَالْعُبَّادِ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ اللَّهَ .وَلَقَدْ كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ يَذْكُرُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُنْظَرُ إلَى لَوْنِهِ كَأَنَّهُ نُزِفَ مِنْهُ الدَّمُ وَقَدْ جَفَّ لِسَانُهُ فِي فَمِهِ هَيْبَةً لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلَقَدْ كُنْت آتِي عَامِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ فَإِذَا ذُكِرَ عِنْدَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَكَى حَتَّى لَا يَبْقَى فِي عَيْنَيْهِ دُمُوعٌ ، وَلَقَدْ رَأَيْت الزُّهْرِيَّ - وَكَانَ لَمِنْ أَهْنَأِ النَّاسِ وَأَقْرَبِهِمْ -فَإِذَا ذُكِرَ عِنْدَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَأَنَّهُ مَا عَرَفَك وَلَا عَرَفْته وَلَقَدْ كُنْت آتِي صَفْوَانَ بْنَ سُلَيْمٍ وَكَانَ مِنْ الْمُتَعَبِّدِينَ الْمُجْتَهِدِينَ
فَإِذَا ذُكِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَكَى فَلَا يَزَالُ يَبْكِي حَتَّى يَقُومَ النَّاسُ عَنْهُ وَيَتْرُكُوهُ ."
 مجموع الفتاوى (٢٢٦/١ -٢٢٧.)
   فالله المستعان وعليه التكلان ونسأله أن يغفر لنا قسوة قلوبنا وجفوة نفوسنا.
    وقال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى ايضاً :
"فمن المعلوم أن العقل والدين يقتضيان  أن جانب النبوة أحق بكل تحقيق ، وعلم ، ومعرفة ، وإحاطة بأسرار الأمور وبواطنها هذا لا ينازع فيه مؤمن ، ونحن الآن في مخاطبة من فيه إيمان وإذا كان الأمر كذلك ، فأعلم الناس بذلك أخصهم بالرسول وأعلمهم بأقواله وأفعاله وحركاته وسكناته ومدخله ومخرجه وباطنه وظاهره وأعلمهم بأصحابه وسيرته وأيامه وأعظمهم بحثا عن ذلك ، وعن نقلته وأعظمهم تدينا واتباعا له واقتفاء به وهؤلاء هم أهل السنة والحديث حفظا له ، ومعرفة بصحيحه وسقيمه وفقها فيه
وفهما يؤتيه الله إياهم في معانيه وإيمانا وتصديقا وطاعة وانقيادا واقتداء واتباعا مع ما يقترن بذلك من قوة عقلهم وقياسهم وتمييزهم
وعظيم مكاشفاتهم ومخاطباتهم فإنهم أسدّ الناس نظرا وقياساً ورأياً وأصدق الناس رؤيا وكشفا أفلا يعلم من له أدنى عقل ودين أن هؤلاء  أحق بالصدق والعلم والإيمان والتحقيق ممن يخالفهم وأن عندهم من العلوم ما ينكرها الجاهل والمبتدع والذي عندهم هو الحق المبين ، وأن الجاهل بأمرهم والمخالف لهم هو الذي معه الحشو ( مع ) ما معه من الضلال."
[ الانتصار لأهل الأثر ص ١٢٧ ]

    وقال أبو جعفر أحمد بن بديل رحمه الله تعالى :
"لقد رأيتنا ونحن نكتب الحديث، فما يُسمع إلا صوت قلم أو باكٍ. "
[الآداب الشرعية ١٩٦/٢].

 وجاء في ترجمة ‏الإمام المرغّي خاتمة المحدثين في[فهرس الفهارس ٢/٥٥٥]
" أنه كان يغلبه الوجدُ في بعض الأحيان عند ذكر رسول الله ، قيرتعد ويتغير لونه !."
 ومثل هذه الآثار قد ينكرها من لا معرفة عنده وقد يورد عليها ما يورد.
  ومن عظيم أحوالهم وتبجيلهم لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ماكانوا يلزمرنه لأنفسهم من الطهارة التامة عند سماعه ومنه ما جاء في ترجمة الإمام البخاري رحمه الله تعالى في هدي الساري قال الْحَافِظ أَبُو ذَر الْهَرَوِيّ سَمِعت أَبَا الْهَيْثَم مُحَمَّد بن مكي الْكشميهني يَقُول سَمِعت مُحَمَّد بن يُوسُف الْفربرِي يَقُول قَالَ البُخَارِيّ :
"مَا كتبت فِي كتاب الصَّحِيح حَدِيثا الا اغْتَسَلت قبل ذَلِك وَصليت رَكْعَتَيْنِ"
 وَقَالَ أَبُو على الغساني روى عَنهُ أَنه قَالَ خرجت الصَّحِيح من سِتّمائَة ألف حَدِيث.
 
     وقبل أن أختم فقد أرسل إلي بعض الإخوة كلاماً لبعض من له غلو في قراءة الكتب المذهبية ولم أجد فيها شيئاً قوياً يجعل المقبل على الآثار المعرض عن المذاهب تتزعزع عنده هذه القناعة وليعلم الجميع أنه مامن حق إلا وقد تورد عليه شبهات كما قال العلامة المعلِّمي -رحمه الله-:
(لا يكاد يوجد حقٌّ لا يمكن أن يحاول مُبطلٌ بناء شبهةٍ عليه؛ فمن التزمَ أن يتخلَّى عن كلِّ ما يمكن بناء شبهةٍ عليه؛ أوشَكَ أن يتخلى عن الحقِّ كلِّه!)
الأنوار الكاشفة (٤١١) .
ومما يدعو للحيرة في الأمر الغضب من بعضهم ممن ينتسب لطلب العلم وأخشى أن يكون هذا من الهوى كما قال  شيخ الإسلام رحمه الله : (والهوى غالبا يجعل صاحبه كأنه لا يعلم من الحق شيئا، فإن حبك للشيء يعمي ويصم).
مجموع الفتاوى (٩١/٢٧) .
قال العلامة صالح المقبلي في "العلم الشامخ" (ص 253):
«أما أنك تُشرب قلبك حب قوم وكراهة آخرين ثم تأخذ بقية عمرك في تثبيت ذلك البناء وهو على شفا جرف هار، وتغر نفسك أنك أردت الله بذلك، وأنت تعلم خلافه لو أنصفت، فهذه انما هي حمية الجاهلية الأولى »).
قال ايضاً :"العلم الشامخ" (ص 235):
" فدع قصر فضل الله جهلا عليهمُ ** ولا تَغْلُ فيهم واتركنّ التّحزُّبا
ولا عار ان لم تخترع لك مذهباً ** ودُر حيث دار الدليل لتُجْتبا
بلا فئة تأوي اليها ومركز ** سوى الحق من أدلى به قلت مرحبا

عباد الله عليكم بالكتاب والسنة قولاً وعملاً على طريقة أصحاب الحديث ومن سار على نهج السلف من هذه الأمة."
قال ابن حزم رحمه الله تعالى :
"إن العجب ليطول ممن اختار أخْذَ أقوال إنسان بعينه لم يصحبه من الله عز وجل معجزة، ولاظهرت عليه آية!"
- الإحكام(130/6).
وليس العتب على المبتدئ في طلب العلم بل ولكن على من عرف الحق ولم يصدع به.
ويا طلاب العلم اعلموا ان الحق في الوحيين ومابني عليهما فاياكم أن تحيدوا عن الحق طرفة عين فتهلكوا واعلموا أن طلب العلم انما هو للنجاة يوم القيامة فلا تفسِدوا نياتكم، واعلموا أن قول شيخك وغيره مما لم يبنَ على دليل صحيح ليس هو  الحق قال العز بن عبدالسلام رحمه الله :
"وعلى الجملة فما أفسد أحوال طلاب العلم إلا اعتقادهم في مقلّديهم أن ما يقولونه بمثابة ما قاله الشرع."
 القواعد الكبرى( ٢٧٧/١)
 
وتأمل هذا الحديث لعله ينفعك :
 “ من اقتراب ( و في رواية : أشراط ) الساعة أن ترفع الأشرار و توضع الأخيار و  يفتح القول و يخزن العمل و يقرأ بالقوم المثناة , ليس فيهم أحد ينكرها . قيل :  و ما المثناة ? قال : ما استكتب سوى كتاب الله عز وجل “ اهـ .
 قال الألباني في “ السلسلة الصحيحة “( 6/ 774)
 ( فائدة ) :  هذا الحديث من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم , فقد تحقق كل ما فيه من الأنباء  , و بخاصة منها ما يتعلق بـ ( المثناة ) و هي كل ما كتب سوى كتاب الله كما فسره  الراوي , و ما يتعلق به من الأحاديث النبوية و الآثار السلفية , فكأن المقصود  بـ ( المثناة ) الكتب المذهبية المفروضة على المقلدين . التي صرفتهم مع تطاول  الزمن عن كتاب الله , و سنة رسوله صلى الله عليه وسلم كما هو مشاهد اليوم مع  الأسف من جماهير المتمذهبين , و فيهم كثير من الدكاترة و المتخرجين من كليات  الشريعة , فإنهم جميعا يتدينون بالتمذهب , و يوجبونه على الناس حتى العلماء  منهم , فهذا كبيرهم أبو الحسن الكرخي الحنفي يقول كلمته المشهورة : “ كل آية  تخالف ما عليه أصحابنا فهي مؤولة أو منسوخة , و كل حديث كذلك فهو مؤول أو منسوخ  “ . فقد جعلوا المذهب أصلا , و القرآن الكريم تبعا , فذلك هو ( المثناة )  دون ما شك.)
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

 عبدالله بن محمد الحساني
ليلة الخميس 2 جمادى الآخرة 1437

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق