الثلاثاء، 28 فبراير 2017

خاطرة في علم الاثر

من عجيب ما حصل اليوم في درس صحيح مسلم لشيخنا عبدالمحسن العباد ( وقد ختم الشيخ الكتب الستة كاملة)  : وقد كان القارئ يقرأ في حديث الثلاثة الذين تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا الحديث من أطول أحاديث الصحيحين.
   أن القارئ لم يستطع القراءة سرداً فقد كانت العبرات توقفه كثيراً بل أن كثيراً ممن حولي كانوا يبكون ويدافعون عبراتهم وهذا الأمر يفتقده طالب العلم فلا يجد مثل هذه الأحوال إلا في مجالس حديث رسول الله صلى الله عليه وهذا كان مشهورا عن علماء الحديث كما حكى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى عن بعضهم فقد قال:  وَقَالَ مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ : كَانَ مَالِكٌ إذَا ذُكِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَغَيَّرُ لَوْنُهُ وَيَنْحَنِي حَتَّى يَصْعُبَ ذَلِكَ عَلَى جُلَسَائِهِ ، فَقِيلَ لَهُ يَوْمًا فِي ذَلِكَ فَقَالَ :لَوْ رَأَيْتُمْ مَا رَأَيْت لَمَا أَنْكَرْتُمْ عَلَيَّ مَا تَرَوْنَ لَقَدْ كُنْت أَرَى مُحَمَّدَ بْنَ الْمُنْكَدِرِ - وَكَانَ سَيِّدَ الْقُرَّاءِ - لَا نَكَادُ نَسْأَلُهُ عَنْ حَدِيثٍ أَبَدًا إلَّا يَبْكِي حَتَّى نَرْحَمَهُ.
وَلَقَدْ كُنْت أَرَى جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ - وَكَانَ كَثِيرَ الدُّعَابَةِ وَالتَّبَسُّمِ - فَإِذَا ذُكِرَ عِنْدَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اصْفَرَّ لَوْنُهُ وَمَا رَأَيْته يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا عَلَى طَهَارَةٍ ، وَلَقَدْ اخْتَلَفْت إلَيْهِ زَمَانًا فَمَا كُنْت أَرَاهُ إلَّا عَلَى ثَلَاثِ خِصَالٍ :إمَّا مُصَلِّيًا وَإِمَّا صَامِتًا وَإِمَّا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ ، وَلَا يَتَكَلَّمُ فِيمَا لَا يَعْنِيهِ وَكَانَ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَالْعُبَّادِ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ اللَّهَ .وَلَقَدْ كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ
يَذْكُرُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُنْظَرُ إلَى لَوْنِهِ كَأَنَّهُ نُزِفَ مِنْهُ الدَّمُ وَقَدْ جَفَّ لِسَانُهُ فِي فَمِهِ هَيْبَةً لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ،
وَلَقَدْ كُنْت آتِي عَامِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ فَإِذَا ذُكِرَ عِنْدَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَكَى حَتَّى لَا يَبْقَى فِي عَيْنَيْهِ دُمُوعٌ ،
 وَلَقَدْ رَأَيْت الزُّهْرِيَّ - وَكَانَ لَمِنْ أَهْنَأِ النَّاسِ وَأَقْرَبِهِمْ -فَإِذَا ذُكِرَ عِنْدَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَأَنَّهُ مَا عَرَفَك وَلَا عَرَفْته وَلَقَدْ كُنْت آتِي صَفْوَانَ بْنَ سُلَيْمٍ وَكَانَ مِنْ الْمُتَعَبِّدِينَ الْمُجْتَهِدِينَ فَإِذَا ذُكِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَكَى فَلَا يَزَالُ يَبْكِي حَتَّى يَقُومَ النَّاسُ عَنْهُ وَيَتْرُكُوهُ ."
مجموع الفتاوى ٢٢٦/١ -٢٢٧.
   وأيضاً أحصيت في هذا الحديث وحده ذكر النبي صلى الله عليه وسلم والصلاة عليه خمسين مرة أو يزيد وهذا أيضاً لا تجده كثيراً إلا في مجالس حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي الحديث عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه: ( إن أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاةً)  الترمذي وابن حبان.
قال ابن حبان عقب هذا الحديث :( في الخبر بيان صحيح على أن أولى الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم القيامة أصحاب الحديث إذ ليس في هذه الأمة قوم أكثر صلاة منهم).
قال الخطيب البغدادي في شرف أصحاب الحديث :( قال لنا أبو نعيم: هذه منقبة شريفة يختص بها رواة الآثار ونقلتها لأنه لا يعرف لعصابة من العلماء من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أكثر مما يعرف لهذه العصابة نسْخاً وذِكْراً).
قال صديق حسن خان رحمه الله :
 ( نزل الأبرار بالعلم المأثور من الأدعية والأذكار) بعد أن سا ق أحاديث كثيرة في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم و الاكثار منها- قال (ص161):
(( لاشك في أن أكثر المسلمين صلاة عليه صلى الله عليه وسلم هم أهل الحديث و رواة السنة المطهرة، فأن من وظائهم في العلم الشريف التصلية عليه أمام كل حديث، ولا يزال لسانهم رطبا بذكره صلى الله عليه وسلم, وليس كتاب من كتب السنة ولا ديوان من دواوين الحديث- على اختلاف أنواعها، من (الجوامع) و (المسانيد) و (المعاجم) و (الأجزاء) وغيرها -إلا وقد أشتمل على الألف الاحاديث، حتى أقصرها حجم كتاب((الجامع الصغير)) للسيوطى عشرة آلاف حديث, وقس على ذلك سائرا لصحف النبوية فهذه العصابة الناجية والجماعة الحديثية أولى الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم ويوم القيامة, وأسعدهم بشفا عته صلى الله عليه وسلم - بأبي هو و أمي -ولا يساويهم في هذه الفضيلة أحد من الناس إلا من جاء بأفضل مماجأووا به, ودونه خرط القتاد, فعليك ياباغى الخير ! وطالب النجاة بلا ضمير !أن تكون محدثا أو متطفلا على المحدثين).
   وهنا تذكير لإخواننا المنشغلين بكتب الفقه الخالية من الحديث والآثار أن يلتفتوا لأنفسهم ويحرصوا على هذا الخير العظيم بدل الانشغال بهذه المختصرات التي لولم يكن من عيوبها إلا أنها متأخرة لكفى به سبباً للبعد عنها،  قال ابن حزم رحمه الله تعالى :
"وهل طريقة من مضى ومن به يقتدى إلا التمسك بالقرآن، والأخذ بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما الطريقة التي لم تكن قط طريقة من مضى، ولا من به يقتدى، هي طريقتهم في تقليد إنسان بعينه، فهذه البدعة المنفية التي لم تكن قط صدر الإسلام، وإنما حدثت في القرن الرابع، ونعوذ بالله من الحدثان"مجموع رسائله
 الثاني من رجب 1437
عبدالله بن محمد الحساني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق