الاثنين، 27 فبراير 2017

الاستعداد لرمضان

الحمدلله وصلى الله وسلم على مصطفاه و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
  أما بعد: فهذه كلمات مدبجة بنقولات لأهل العلم لنفسي وإخواني ممن أهمه كيف ينتفع بشهر رمضان وأن يكون فيه من المجتهدين في الطاعة الموفّقين لنيل الدرجات العاليات والله أرجو أن يوفقنا جميعاً لذلك إنه على كل شيء قدير.
   وأول الأمر وجامع المسألة أن يستعد المسلم لهذه الطاعات وأن يبتعد عن كل ما من شأنه أن يقطعه عن ربه ويحول بينه وبين عبادة الله قال ابن القيم رحمه الله: " كمال العزم، وقوة الإرادة، بأن يكون في القلب داعية صادقةإلى السلوك، وميل شديد يقهر السر على صحة التوجه. فهو طلب لا يمازجه رياء ولا فتور. ولا يكون فيه قسمة بحال. ولا يصح الدخول في شأن السفر إلى الله، والاستعداد للقائه إلا به. ويتلافى به كل تفريط. فإنه حامل على كل سبب ينال به الوصول، وقطع كل سبب يحول بينه وبينه. فلا يترك فرصة تفوته. وما فاته من الفرص السابقة تداركها بحسب الإمكان "
مدارج السالكين (2/267).
  فلابد من هذا الاستعداد والتهيؤ لطاعة الله وهذا يكون بتطهير القلب عن كل شاغل والإرادة الصادقة لطاعة الله.قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله   : "فإذا تمكنت المحبة في القلب، وامتلأ القلب منها أخرجت من القلب محبة كل ما يكرهه الله فلم يبق في القلب سوى محبة الله ومحبة ما يحبه، فلم تنبعث الجوارح إلا إلى الطاعات التي تقتضي التقرب إلى الله، وصارت النفس حينئذ مطمئنة."
مجموع الرسائل (3/325).
   فإن لم يكن في القلب هذا الاستعداد أو كان العبد مريداً للطاعة ولكن قلبه فيه مايشغله عن الله وعبادته فلن يفلح وسينقطع لا محالة.
  وكذلك ينبغي أن يعزم على الاستمرار على الطاعة مع العزم الأول حتى لا يمل وينفسخ عزمه، قَالَ ابن رجب الحنبلي رحمه الله تعالى :
"والعزم نوعان:
أحدهما: عزم المريد على الدخول في الطريق، وهو من البدايات.
والثاني: العزم على الاستمرار على الطاعاتبعد الدخول فيها، وعلى الانتقال من حال كامل، إلى حال أكمل منه، وهو من النهايات.
ولهذا سمى الله تعالى خواص الرسل أولوا العزم -وهم خمسة- وهم أفضل الرسل"
 مجموع رسائله (1/344).
   فإذا تحقق لديك أيها السائر إلى الله ماقيل أولاً من التهيؤ والعزم والإرادة فاعلم أن أس القيام بالطاعات هو صلاح القلب وصدقه وتنقيته من الشوائب فبه سار السائرون ووصل الواصلون وبفساده انقطع من انقطع عن طاعة الله قال ابن القيم رحمه الله: "وبالجملة فحياة القلب مع الله لا حياة له بدون ذلك أبدا ومتى واطأ اللسان القلب في ذكره وواطأ القلب مراد حبيبه منه واستقل له الكثير من قوله وعمله واستكثر له القليل من بره ولطفه وعانق الطاعة وفارق المخالفة وخرج عن كله لمحبوبه فلم يبق منه شيء وامتلأ قلبه بتعظيمه وإجلاله وإيثار رضاه وعز عليه الصبر عنه وعدم القرار دون ذكره والرغبة إليه
والاشتياق إلى لقائه ولم يجد الأنس إلا بذكره وحفظ حدوده وآثره على غيره فهو المحب حقا"
روضة المحبين (407)
  وقال أيضاً رحمه الله تعالى: " ولا ريب أن القلوب تشاهد أنوارا بحسب استعدادها. تقوى تارة، وتضعف أخرى. ولكن تلك أنوار الأعمال والإيمان والمعارف، وصفاء البواطن والأسرار "
مدارج السالكين (3/67).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه :
"الجسد تابعٌ للقلب ، فلا يستقرُّ شيءٌ في القلب إلا ظهر مُوجبُه ومقتضاه على البدن ولو بوجه من الوجوه ."
 مجموع الفتاوى (١٤/١٢١)
   وليحذر أشد الحذر إذا وجد في نفسه استعداداً للطاعة أن يبدله بغيره وأن ينشغل بغير الطاعة فإن العزائم سريعة الإنحلال والتصرم قال ابن القيم رحمه الله : "و منها أن الرجل إذا حضرت له فرصة القربةوالطاعة فالحزم كل الحزم في انتهازها والمبادرة إليها، والعجز في تأخيرها والتسويف بها، ولا سيما إذا لم يثق بقدرته وتمكنه من أسباب تحصيلها، فإن العزائم والهمم سريعة الانتقاض قلما ثبتت، والله سبحانه يعاقب من فتح له بابا من الخير فلم ينتهزه، بأن يحول بين قلبه وإرادته، فلا يمكنه بعد من إرادته عقوبة له، فمن لم يستجب لله ورسوله إذا دعاه حال بينه وبين قلبه وإرادته، فلا يمكنه الاستجابة بعد ذلك"
زاد المعاد (3 /502-501)
   وليعلم كذلك أن هذا كله إنما بتوفيق الله وعونه ولو لم يكن عوناً من الله له ما اسطاع فعل شيءٍ أبداً.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :
"فَلَمْ يُكْرِمْ اللَّهُ عَبْدًا بِمِثْلِ أَنْ يُعِينَهُ عَلَى مَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ وَيَزِيدُهُ مِمَّا يُقَرِّبُهُ إلَيْهِ وَيَرْفَعُ بِهِ دَرَجَتَهُ ."
 مجموع الفتاوى  (٢٩٨/١١)
 لذلك نرى جميعاً ظهور هذه الاستعانة في هدي النبي صلى الله عليه وسلم ولا أدل على ذلك من كثرة قراءة سورة الفاتحة ولُب هذه السورة
﴿إِيّاكَ نَعبُدُ وَإِيّاكَ نَستَعينُ﴾.
وفي الحديث الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز"
وكان - صلى الله عليه وسلم - يقول في خطبته ويعلم أصحابه أن يقولوا: "منك لله نستعينه ونستهديه"
وأمر معاذ بن جبل أن لا يدع في دبر كل صلاة أن يقول: "اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك" .
وكان من دعائه - صلى الله عليه وسلم -: "يا رب أعني ولا تعن علي"
وفي دعاء القنوت الذي كان يدعو به عمر وغيره: "اللهم إنا نستعينك".
ابن رجب :
"وفي استعانة الله وحده فائدتان:
إحداهما: أن العبد عاجز عن الاستقلال بنفسه في عمل الطاعات.
والثانية: أنه لا معين له على مصالح دينه ودنياه إلا الله عز وجل، فمن أعانه الله فهو المعان، ومن خذله الله فهو المخذول."
مجموع الرسائل (3/133).
  لذلك كان لزاماً أن تكثر من الاستعانة بالله وسؤاله التوفيق وإظهار الفاقة لله تعالى.  قال ابن بدران الدوماني الحنبلي:
"من طرح نفسه بباب رب الأرباب لم
يحتج إلى زمن طويل في فتح الأبواب". نزهة الخاطر العاطر(1/9)
 وكان بعض العارفين يكثر من قول :
"أطعتك بفضلك، والمنة لك
وعصيتك بعلمك، والحجة لك
فأسألك بوجوب حجتك علي وانقطاع حجتي إلا غفرت لي"
"يا من طالت غيبته عنا قد قربت أيام المصالحة يا من دامت خسارته قد أقبلت أيام التجارة الرابحة من لم يربح في هذا الشهرففي أي وقت يربح من لم يقرب فيه من مولاه فهو على بعده لا يربح."
"يا مقيدا بقيود الطرد إلق نفسك في الدجى على باب الذل وقل إلهي كم لك سواي ومالي سواك فبفقري إليك وغناك عني إلا عفوت عني"
"من سعى إلى جناب العز بأقدام المسكنة ووقف بباب الكرم على أخمص المسئلة ووصف ندمه على الذنب بعبارة الذل لم يعد بالخيبة"
   فهذه إشارات قد يتبعها غيرها إن يسر الله وأعان وقد لا يكون فالله أرجو أن يفتح علينا في العمل وأن لا يجعلنا من المطرودين المبعدين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
عبدالله بن محمد الحساني 
ليلة الخميس 19 شعبان 1437

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق