الحمدلله وصلى الله وسلم على مصطفاه
أما بعد: فمن الأمور التي انتشرت بأخرة التعصب للأشخاص وللمشايخ من أهل العلم فنبتت نابتة من طلاب العلم صغاراً وكباراً وممن تظاهر بالطلب وممن انتسب إليه وليس من أهله ومن شباب الجماعات والأحزاب لا ترضى أن يتكلم في مشايخها ولو أتوا بالموبقات وخالفوا النصوص الواضحات والحجج النيرات ولا أتكلم عن خطأ تحتمله النصوص أو مسألة اجتهاد تتجاذبها أوجه الاستنباط.
وليس المراد والمطلوب منهم تبديع الشيخ أو تفسيقه فهذا من شأن أهل العلم وإنما المراد الإقرار بالخطأ وأنه خالف نصوص الشرع وكلنا يحفظ ماقاله ابن القيم رحمه الله عند شرحه لمنازل السائرين لأبي إسماعيل الهروي في موضع أخطأ فيه الهروي :" شيخ الإسلام حبيبنا والحق أحب إلينا منه)
وأصل الخلل يكمن والعلم عند الله أن الحب لم يكن في الله خالصاً وإنما شابه أمور أُخَر ولو كان حباً خالصاً لله تعالى لما وجد ما وجد :
وما الدين إلا الحب والبغض والولا ** كذلك البرا من كل غاوٍ وآثم
قال الشيخ صالح آل للشيخ وفقه الله :
"فإن من مصائب هذا العصر الذي ابتلي بها الناس التعصب، التعصب لمن يعجبون به، فترى الواحد خاصة في الشباب، ترى الواحد منهم إذا أُعجب بشخص ممن قد يكون له أثر كبير في المسلمين، أو قد لا يكون له أثر ونحو ذلك، تراه يتعصب بحيث لا يسمع فيه ولا يقبل فيه لا كذا ولا كذا، وهذا نوع من أنواع الغلو الذي لا يجوز أن يكون في المؤمنين، بل يُنظر في كلامه هو بَشَر ومن أتباع النبي - صلى الله عليه وسلم -، فينظر ما كان وافق فيه السنة ووافق فيه الهدى فيقبل، وما لم يكن موافقا فيه فيرد عليه، كيف والإمام مالك ـ رحمه الله تعالى ـ "ما منا إلا راد ومردود عليه إلا صاحب هذا القبر"؛ فمن هو دونه فلا غَرْوَ أن يكون رادّ ومردود عليه؛ يعني فلا يكون هناك تعصب عند طائفة مداره الإعجاب بأن كل ما قاله فلان فهو صواب، وكل ما لم يقله فهو خطأ، كذلك لا يكون عندنا ما يقابل التعصب بالجهة الأخرى وهو أن يكون هناك إهدار لكل صواب أصاب فيه عالم من أهل العلم أو طالب من طلبة العلم، بل الواجب أن يقال للمحسن أحسنت , للمصيب أصبت ,وللمخطئ أخطأت، فهذا هو الذي يجب على المؤمنين، لا أن تنغلق عيونهم، تنغلق قلوبهم بحيث يكونون متابعين لكل شيء أتى به من يعجبهم سواء كان صوابا أو خطأ، وهذا يحتاج إلى نوع من التربية ينبغي أن يعتنى بها؛ ألا وهي التربية على أن يكون المقدم في نفس المؤمن هو المنهج الذي لا يخطئ، الدليل الذي لا يلحقه نقص؛ الكتاب، السنة، الإجماع ما أجمع عليه أو ما ذكره أهل السنة والجماعة في عقائدهم، وما عدا ذلك فكل يقرب منه ويبعد بحسب ما عنده من العلم والهدى".
[شرح مسائل الجاهلية ٨٥]...
وقال عبد الرحمن بن قاسم رحمه الله :
"التعصبُ إلى المذاهب والمشايخ، وتَفضيل بعضهم على بعض ، والدعوى إلى ذلك ، والموالاة عليه من دعوى الجاهلية ، بل كل من عَدَلَ عن الكتاب والسنة فهو من أهل الجاهلية، والواجب على المسلم أن يكون أصل قصده طاعة الله وطاعة رسوله، يدور على ذلك ويتبعه أينما وجده ، ولا ينتصر لشخص انتصارًا مطلقا إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم،"
[ حاشية الروض المربع : ( 1 / 19 ) ]
فالتعصب بهذه الصورة من أمور الجاهلية المنهي عنها وعلاج ذلك في تفتيش النفس هل مابينك وبين الشيخ حب في الله وفي طاعة الله.
قال الشيخ عبدالسلام بن برجس آل عبدالكريم -رحمه الله تعالى :
" ويخلط بعض الناس بين الحث على الارتباط بالعلماء ، وبين التعصب لهم ، وتقليدهم ، وهذا خطأ كبير نتج عنه من المآسي ما لا يعد ولا يحصى ، في عالم الفكر والدعوة .
ان الارتباط بالعلماء : يعني أخذ العلم عنهم ، والاستفادة منهم في التوجيه والارشاد ، ونحو ذلك .
كما أنه يعني أيضا : تقليدهم ممن يسوغ له التقليد من العامة ، ومن ليس مؤهلا لتمييز الصواب في القضايا العلمية ."
من محاضرة له بعنوان: نصائح لشباب السنة.
فعلى طالب العلم أن يفرق بين هذا التعصب وبين غيره فماهو إلا خيط يسير بينهما ولا ينبغي لطالب العلم أن يجعل هواه هو الفيصل في حبه وبغضه فليس هذا هو سبيل من رضي الله عنه وإنما عليه بحقائق الأمور التي بينها الشرع المطهر، قال الشيخ صالح آل الشيخ حفظه الله تعالى :" فطالب العلم لا يحكم هواه ولا يحكم عواطفه وإنما يحكم العلم ودليله على ما يراه وما يريد أن يعمله أو أن يتركه ." اهـ
[ الأجوبة والبحوث ... ٥/ ٢٢٦].
ومن تابع هواه ضل وزلت قدمه وازداد بعده عن الصراط المستقيم
قال العلامة المعلمي اليماني رحمه الله :
" مَن كَرِه الحقَّ واستسلم للهوى، فإنما يَستحق أن يَزيده الله تعالى ضلالا ! ."
[التنكيل (٢٠١/٢)].
فعليك أيها الموفق أن ترتبط بالأكابر من أهل العلم الذين لهم قدم صدق في الأمة ولاتكن حاطب ليل لا يميز ما يضره وما ينفعه. قال ابْنُ عُيَيْنَةَرحمه الله :
"قَالَ لِي عَبْدُ الكَرِيْمِ الجَزِريُّ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، تَدْرِي مَا حَاطِبُ لَيْلٍ؟
قُلْتُ: لاَ.
قَالَ: هُوَ الرَّجُلُ يَخْرُجُ فِي اللَّيْلِ، فَيَحْتَطِبُ، فَيَضَعُ يَدَه عَلَى أَفْعَى، فَتَقْتُلُه، هَذَا مَثَلٌ ضَرَبتُه لَكَ لِطَالِبِ العِلْمِ، أَنَّهُ إِذَا حَمَلَ مِنَ العِلْمِ مَا لاَ يُطِيْقُه، قَتَلَه عِلْمُه، كَمَا قَتَلَتِ الأَفْعَى حَاطِبَ اللَّيْلِ."
سير أعلام النبلاء (5/271).
وقال العلامة المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
" فمن رزقه الله من العامّة معرفة عالم من علماء الحق فاقتصر عليه وهجر سماسرة الشُبَه وأنصار البدع فقد فاز "
العبادة (1/77)
وإياك أن تظن أن كل من تكلم في شيخك إنما قصده الحسد ودافعه مجرد الذم لشيخك وهذا من البديهيات ولولا أن الناظر يجد مثل هذا الكلام ماكان ينبغي أن ينبه عليه. قال الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى :
"اعلم أن ذكر الإنسان بما يكره مُحرَّم ، إذا كان المقصود منه مجرد الذم والعيب والنقص . فأمَّا إن كان فيه مصلحة لعامة المسلمين ، أو خاصة لبعضهم ، وكان المقصود منه تحصيلَ تلك المصلحة ، فليس بمحرَّم ؛ بل مندوب إليه ."
الفرق بين النصيحة والتعيير
وفي الختام أرجو من الله تعالى لنا جميعاً الهداية فهو الموفق وحده أن يتوب علينا كما قال سبحانه وتعالى { اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ }
ففي صحيفة علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال :
مبدأ التوبة من الله
[ تفسير ابن أبي حاتم 5170 ].
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
عبدالله بن محمد الحساني
الثلاثاء 26 رجب /1437
أما بعد: فمن الأمور التي انتشرت بأخرة التعصب للأشخاص وللمشايخ من أهل العلم فنبتت نابتة من طلاب العلم صغاراً وكباراً وممن تظاهر بالطلب وممن انتسب إليه وليس من أهله ومن شباب الجماعات والأحزاب لا ترضى أن يتكلم في مشايخها ولو أتوا بالموبقات وخالفوا النصوص الواضحات والحجج النيرات ولا أتكلم عن خطأ تحتمله النصوص أو مسألة اجتهاد تتجاذبها أوجه الاستنباط.
وليس المراد والمطلوب منهم تبديع الشيخ أو تفسيقه فهذا من شأن أهل العلم وإنما المراد الإقرار بالخطأ وأنه خالف نصوص الشرع وكلنا يحفظ ماقاله ابن القيم رحمه الله عند شرحه لمنازل السائرين لأبي إسماعيل الهروي في موضع أخطأ فيه الهروي :" شيخ الإسلام حبيبنا والحق أحب إلينا منه)
وأصل الخلل يكمن والعلم عند الله أن الحب لم يكن في الله خالصاً وإنما شابه أمور أُخَر ولو كان حباً خالصاً لله تعالى لما وجد ما وجد :
وما الدين إلا الحب والبغض والولا ** كذلك البرا من كل غاوٍ وآثم
قال الشيخ صالح آل للشيخ وفقه الله :
"فإن من مصائب هذا العصر الذي ابتلي بها الناس التعصب، التعصب لمن يعجبون به، فترى الواحد خاصة في الشباب، ترى الواحد منهم إذا أُعجب بشخص ممن قد يكون له أثر كبير في المسلمين، أو قد لا يكون له أثر ونحو ذلك، تراه يتعصب بحيث لا يسمع فيه ولا يقبل فيه لا كذا ولا كذا، وهذا نوع من أنواع الغلو الذي لا يجوز أن يكون في المؤمنين، بل يُنظر في كلامه هو بَشَر ومن أتباع النبي - صلى الله عليه وسلم -، فينظر ما كان وافق فيه السنة ووافق فيه الهدى فيقبل، وما لم يكن موافقا فيه فيرد عليه، كيف والإمام مالك ـ رحمه الله تعالى ـ "ما منا إلا راد ومردود عليه إلا صاحب هذا القبر"؛ فمن هو دونه فلا غَرْوَ أن يكون رادّ ومردود عليه؛ يعني فلا يكون هناك تعصب عند طائفة مداره الإعجاب بأن كل ما قاله فلان فهو صواب، وكل ما لم يقله فهو خطأ، كذلك لا يكون عندنا ما يقابل التعصب بالجهة الأخرى وهو أن يكون هناك إهدار لكل صواب أصاب فيه عالم من أهل العلم أو طالب من طلبة العلم، بل الواجب أن يقال للمحسن أحسنت , للمصيب أصبت ,وللمخطئ أخطأت، فهذا هو الذي يجب على المؤمنين، لا أن تنغلق عيونهم، تنغلق قلوبهم بحيث يكونون متابعين لكل شيء أتى به من يعجبهم سواء كان صوابا أو خطأ، وهذا يحتاج إلى نوع من التربية ينبغي أن يعتنى بها؛ ألا وهي التربية على أن يكون المقدم في نفس المؤمن هو المنهج الذي لا يخطئ، الدليل الذي لا يلحقه نقص؛ الكتاب، السنة، الإجماع ما أجمع عليه أو ما ذكره أهل السنة والجماعة في عقائدهم، وما عدا ذلك فكل يقرب منه ويبعد بحسب ما عنده من العلم والهدى".
[شرح مسائل الجاهلية ٨٥]...
وقال عبد الرحمن بن قاسم رحمه الله :
"التعصبُ إلى المذاهب والمشايخ، وتَفضيل بعضهم على بعض ، والدعوى إلى ذلك ، والموالاة عليه من دعوى الجاهلية ، بل كل من عَدَلَ عن الكتاب والسنة فهو من أهل الجاهلية، والواجب على المسلم أن يكون أصل قصده طاعة الله وطاعة رسوله، يدور على ذلك ويتبعه أينما وجده ، ولا ينتصر لشخص انتصارًا مطلقا إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم،"
[ حاشية الروض المربع : ( 1 / 19 ) ]
فالتعصب بهذه الصورة من أمور الجاهلية المنهي عنها وعلاج ذلك في تفتيش النفس هل مابينك وبين الشيخ حب في الله وفي طاعة الله.
قال الشيخ عبدالسلام بن برجس آل عبدالكريم -رحمه الله تعالى :
" ويخلط بعض الناس بين الحث على الارتباط بالعلماء ، وبين التعصب لهم ، وتقليدهم ، وهذا خطأ كبير نتج عنه من المآسي ما لا يعد ولا يحصى ، في عالم الفكر والدعوة .
ان الارتباط بالعلماء : يعني أخذ العلم عنهم ، والاستفادة منهم في التوجيه والارشاد ، ونحو ذلك .
كما أنه يعني أيضا : تقليدهم ممن يسوغ له التقليد من العامة ، ومن ليس مؤهلا لتمييز الصواب في القضايا العلمية ."
من محاضرة له بعنوان: نصائح لشباب السنة.
فعلى طالب العلم أن يفرق بين هذا التعصب وبين غيره فماهو إلا خيط يسير بينهما ولا ينبغي لطالب العلم أن يجعل هواه هو الفيصل في حبه وبغضه فليس هذا هو سبيل من رضي الله عنه وإنما عليه بحقائق الأمور التي بينها الشرع المطهر، قال الشيخ صالح آل الشيخ حفظه الله تعالى :" فطالب العلم لا يحكم هواه ولا يحكم عواطفه وإنما يحكم العلم ودليله على ما يراه وما يريد أن يعمله أو أن يتركه ." اهـ
[ الأجوبة والبحوث ... ٥/ ٢٢٦].
ومن تابع هواه ضل وزلت قدمه وازداد بعده عن الصراط المستقيم
قال العلامة المعلمي اليماني رحمه الله :
" مَن كَرِه الحقَّ واستسلم للهوى، فإنما يَستحق أن يَزيده الله تعالى ضلالا ! ."
[التنكيل (٢٠١/٢)].
فعليك أيها الموفق أن ترتبط بالأكابر من أهل العلم الذين لهم قدم صدق في الأمة ولاتكن حاطب ليل لا يميز ما يضره وما ينفعه. قال ابْنُ عُيَيْنَةَرحمه الله :
"قَالَ لِي عَبْدُ الكَرِيْمِ الجَزِريُّ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، تَدْرِي مَا حَاطِبُ لَيْلٍ؟
قُلْتُ: لاَ.
قَالَ: هُوَ الرَّجُلُ يَخْرُجُ فِي اللَّيْلِ، فَيَحْتَطِبُ، فَيَضَعُ يَدَه عَلَى أَفْعَى، فَتَقْتُلُه، هَذَا مَثَلٌ ضَرَبتُه لَكَ لِطَالِبِ العِلْمِ، أَنَّهُ إِذَا حَمَلَ مِنَ العِلْمِ مَا لاَ يُطِيْقُه، قَتَلَه عِلْمُه، كَمَا قَتَلَتِ الأَفْعَى حَاطِبَ اللَّيْلِ."
سير أعلام النبلاء (5/271).
وقال العلامة المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :
" فمن رزقه الله من العامّة معرفة عالم من علماء الحق فاقتصر عليه وهجر سماسرة الشُبَه وأنصار البدع فقد فاز "
العبادة (1/77)
وإياك أن تظن أن كل من تكلم في شيخك إنما قصده الحسد ودافعه مجرد الذم لشيخك وهذا من البديهيات ولولا أن الناظر يجد مثل هذا الكلام ماكان ينبغي أن ينبه عليه. قال الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى :
"اعلم أن ذكر الإنسان بما يكره مُحرَّم ، إذا كان المقصود منه مجرد الذم والعيب والنقص . فأمَّا إن كان فيه مصلحة لعامة المسلمين ، أو خاصة لبعضهم ، وكان المقصود منه تحصيلَ تلك المصلحة ، فليس بمحرَّم ؛ بل مندوب إليه ."
الفرق بين النصيحة والتعيير
وفي الختام أرجو من الله تعالى لنا جميعاً الهداية فهو الموفق وحده أن يتوب علينا كما قال سبحانه وتعالى { اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ }
ففي صحيفة علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال :
مبدأ التوبة من الله
[ تفسير ابن أبي حاتم 5170 ].
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
عبدالله بن محمد الحساني
الثلاثاء 26 رجب /1437
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق