الثلاثاء، 28 فبراير 2017

جراحات المسلمين

الحمدلله وصلى الله وسلم على مصطفاه و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.
🔸أما بعد فلا يخفى على أحد ما يمر به إخواننا المسلمون في أماكن مختلفة من ابتلاء كقتل وتعذيب وتهجير وحصار وتكالب لملل الكفر عليهم،  وماكنت أظن أن أعيش وأرى ما رأيت مما يتقطع له القلب ويكوي الفؤاد ويندى له الجبين مما يراه الناس كل يوم ويرونه
🔸ولست بصدد بيان أسباب ذلك التكالب وتلك الفتن التي تمر بالمسلمين فهذا شيء مشهور وأمر معلوم للفضلاء ومزبور في كتب العلماء وإنما قصدي التنبيه على حق هؤلاء المنكوبين من إخواننا- فرج الله عنهم-.
🔸اعلم - قذف الله في قلبك الإيمان به - أنه يجب عليك حقوق لجميع المسلمين والمسلمات من عونهم ومساعدتهم في مصابهم ومحبة الخير لهم والدعاء لهم،  وأقل ما هنالك مما ينبغي عليك أن يسوءك ما يسوؤهم وأن تغضب لمصابهم وأن تحزن لما أهمهم وآلمهم وإذا ترحّل ذلك من القلب فعلى الأخوة السلام.
🔸قال تعالى: {  وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ }، قال الشوكاني رحمه الله عند هذه الآية: "أي قلوبهم متحدة في التوادد والتحابب والتعاطف بسبب ما جمعهم من أمر الدين وضمهم من الإيمان بالله. فنسبتهم بطريق القرابة الدينية المبنية على المعاقدة المستتبعة للآثار من المعونة والنصرة وغير ذلك." فتح القدير (2/343).
🔸وقال تعالى ﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ﴾. فهذا بيان من الله عن صفة من صفات المؤمنين مع النبي صلى الله عليه وسلم أنهم رحماء بينهم.
🔸عن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)). أخرجاه في الصحيحين واللفظ لمسلم وجاء في رواية في صحيح مسلم في هذا الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ( المسلمون كرجل واحد، إن اشتكى عينُه اشتكى كلُّه، وإن اشتكى رأسُه اشتكى كلُّه) فهذه الأوصاف تقتضي أن يتألم المسلم لمصاب أخيه إذا علمه وفيه تعظيم لحقوق المسلمين وهذا التشبيه فيه كما قال ابن حجر رحمه الله: "وجه التشبيه فيه: التوافق في التعب والراحة"  (فتح الباري (10/439).
 🔸واعلم كذلك أيها الموفق إذا لم يوجد في قلبك ذلك أنه يجب عليك مراجعة إيمانك،  قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله تعالى- ولهذا كان المؤمن يسره ما يسر المؤمنين ويسوءه ما يسوؤهم ومن لم يكن كذلك لم يكن منهم"
مجموع الفتاوى (2/373).
🔸ومن أسباب رحمة الله لك رحمتك لجميع المسلمين،  عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده لا يضع الله رحمته إلا على رحيم». قالوا: كلنا يرحم. قال: «ليس برحمة أحدكم صاحبه، يرحم الناس كافة» رواه الحافظ العراقي الأمالي وصححه الألباني .
🔸وقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم أمثلة في مثل هذه الأحوال فحينما علم بحال أهل مضر الذين جاءوا إليه ومالحقهم من بلاء اضطرب لذلك وأصبح يدخل ويخرج ثم خطب ولم يتهلل حتى رأى إعانة إخوانهم لهم، عن جرير رضي الله عنه قال: "كنا في صدر النهار عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءه قوم غزاة مجتابي النمار والعباء متقلدي السيوف عامتهم من مضر بل كلهم من مضر فتمعر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى ما بهم من الفاقة فدخل ثم خرج فأمر بلالا فأذن وأقام فصلى ثم خطب....... فجاء رجل من الأنصار بصرة كادت كفه تعجز عنها بل قد عجزت قال ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين من طعام وثياب حتى رأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتهلل.....)  رواه مسلم والنسائي وابن ماجه والترمذي بإختصار فتمعر وجهه وأخذ يدخل ويخرج ثم خطب وذكر وخوف ثم تهلل وجهه - بأبي وأمي - عليه الصلاة والسلام.
🔸ولا نزال نقرأ لعلماء المسلمين من القصص ما لا يحتمل فبعضهم يحزن على إخوانه حتى يفارق الدنيا كما قال عبد الغافر في " تاريخه "
( حكى الثقات أن أبا عثمان الصابوني كان يعظ ، فدفع إليه كتاب ورد من بخارى ، مشتمل على ذكر وباء عظيم بها ، ليدعو لهم ، ووصف في الكتاب أن رجلا أعطى خبازا درهما ، فكان يزن والصانع يخبز ، والمشتري واقف ، فمات ثلاثتهم في ساعة . فلما قرأ الكتاب هاله ذلك ، واستقرأ من القارئ (أفأمن الذين مكروا السيئات ...)الآيات ، ونظائرها ، وبالغ في التخويف والتحذير ، وأثر ذلك فيه وتغير ، وغلبه وجع البطن ، وأنزل من المنبر يصيح من الوجع ، فحمل إلى حمام ، فبقي إلى قريب المغرب يتقلب ظهرا لبطن ، وبقي أسبوعا لا ينفعه علاج ، فأوصى وودع أولاده ، ومات )
سير أعلام النبلاء (18/40).
🔸 ولما علم الشَّعرِي بما وقع لابن أبي المعالي على يد عميد خراسان: حزن لذلك، وتقطَّعت مرارته،ومات من ليلته!
طبقات السبكي (١١٣/٤). والآن كم نرى من يقتل بدم بارد و من يدفن وهو حي ومن يذل في عرضه ولا يستطيع أن ينطق بكلمة فاللهم رحماك رحماك اللهم لطفك لطفك.
🔸وأختم بكلمة للشيخ ابن باز رحمه الله والشيخ كان له القدح المعلى واليد الطولى في الاهتمام بشأن المسلمين قال رحمه الله :
"إخواننا في فلسطين لهم حق على جميع الدول الإسلامية وأغنياء المسلمين أن يساعدوهم في جهادهم حتى يتخلصوا من عدو الله اليهود"
الفتاوى (٢٧-١٢٣).
 🔸اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد تعز فيه أهل الطاعة وتهدي فيه  أهل المعصية اللهم أرحم المسلمين وتب عليهم ووفقهم للخروج من هذه الإبتلاء والله الموفق لا رب سواه.
يوم السبت 6 رمضان 1437
عبدالله الحسان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق