الثلاثاء، 28 فبراير 2017

التمذهب 1

الحمدلله وصلى الله وسلم على مصطفاه و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.
🔸 أما بعد: فقد أرسل إلي أحد مشايخي الفضلاء رسالة تتحدث عن التمذهب بالمذهب الحنبلي وسألني عن رأيي فيها فجمعت هذه الكلمات وتعمدت أن يكون أكثر المنقول فيها من الحنابلة رحمهم الله تعالى وسأقف معها عدة وقفات نصحاً لله ولرسوله ولكتابه ولعامة المسلمين :

أولا: أن الإمام أحمد رحمه الله كان أشد الناس منعاً من كتابة سوى الآثار والانشغال بغيرها وقد بلغ نهيه عن ذلك مبلغاً عظيماً نقل عنه مباشرة وبينه العلماء بعد ذلك ومن ذلك :   قال المزي في تهذيب الكمال (17/ 437) :

"وَقَال أَبُو الحسن الميموني: سمعت أبا عَبد اللَّهِ ( الإمام أحمد )  وسئل عَنْ أصحاب الرأي يكتب عنهم الحديث؟

فقال أَبُو عَبْد اللَّه: قال عَبْد الرَّحْمَن: إذا وضع الرجل كتابا من هذه الكتب كتب الرأي أرى أن لا يكتب عنه الحديث ولا غيره.

 قال أَبُو عَبْد اللَّه: وما تصنع بالرأي وفي الحديث ما يغنيك عنه ؟!

 أهل الحديث أفضل من تكلم فِي العلم

 عليك بحديث رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، وما روي عَنْ أصحابه أَبِي بَكْر وعُمَر ... فإنه سنة ." فانظر لكلامه رحمه الله وتدبر نصحه ولا تنس أن تجعل ذكره للرأي في مقابلة الحديث منك على ذُكْر.

قال عباس الدوري سمعت أَحْمَد بن حنبل يقول :  " عجب لأصحاب الحديث تنزل بهم المسألة فيها عَنِ الحسن وابن سيرين وعطاء وطاوس حتى عد عدة فيذهبون إلى أصحاب الرأي فيسألونهم ألا ينظرون إلى علمهم فيتفقهون به " .
( طبقات الحنابلة 1 / 238 ).
وجاء  أيضاً في طبقات الحنابلة (1/229) :" أخبرني محمد بن أحمد الطرسوسي قَالَ: سمعت مُحَمَّد بْن يَزِيدَ المستملي يقول سأل رجل أَحْمَد بن حنبل فقال: أكتب كتب الرأي قَالَ: لا تفعل عليك بالآثار والحديث فقال: له السائل إن عَبْد اللَّهِ بْن المبارك قد كتبها فقال: له أَحْمَد ابن المبارك لم ينزل من السماء إنما أمرنا أن نأخذ العلم من فوق." وتدبر كلامه هنا في نصحه بالحديث والآثار ونهيه عن سواهما ورده على من جعل فعل العلماء حجة في هذه المسألة أن الحجة في ماجاء به الوحي وليس مادَرَجَ عليه العلماء.
قال عبد الله بن أحمد في مسائله  [مسألة رقم 1585 ص 438ط المكتب الإسلامي ] :
"  سألت أبي عن : الرجل يريد أن يسأل عن الشيء من أمر دينه مما يبتلى به من الأيمان في الطلاق وغيره , وفي مصره من أصحاب الرأي , ومن أصحاب الحديث لا يحفظون ولا يعرفون الحديث الضعيف ولا الإسناد القوي فلمن يسأل ؟ لأصحاب الرأي أو لهؤلاء ؟ - أعني أصحاب الحديث , على ما قد كان من قلة معرفتهم - ؟
قال : يسأل أصحاب الحديث . لا يسأل أصحاب الرأي  ."
أورد الخطيب البغدادي رحمه في الجامع ( 1925)
عن عياش القطان قال: قلت لأحمد:
أشتهي أن أجمع حديث الأنبياء
فقال أحمد: حتى تفرغ من حديث نبينا صلى الله عليه وسلم "

فكيف بجمع كلام البشر وأصحاب المذاهب ؟!

قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله :
"لا ريب أن الإمام أحمد رضي الله عنه كان ينهى عن آراء الفقهاء والاشتغال بها حفظاً وكتابة ، ويأمر بالاشتغال بالكتاب والسنة حفظاً وفهماً وكتابة ودراسة ، وبكتابة آثار الصحابة والتابعين دون كلام مَن بعدهم ، ومعرفة صحة ذلك من سقمه ، والمأخوذ منه والقول الشاذ المطرح منه ، ولا ريب أن هذا مما يتعين الاهتمام به والاشتغال بتعلمه أولاً قبل غيره  . "
مجموع رسائله (2/628).
فهذا بعض المنقول عن أحمد رحمه الله والمنقول عن غيره كثير جداً وإنما آثرت نقل كلامه هو لأن المذكور هو ما يتعلق بمذهبه رحمه الله.
2- أن الملاحظ في هذه الرسالة وفي غيرها أنهم لا يدلون الناس إلا على كتب المتأخرين أما ماكتبه إمام المذهب وما نقله عنه طلابه بالكاد تجد من يدل عليه وللناظر أن ينظر فيما يخطه من كتب في منهجية التفقه عند المالكية سيجد نفس الأمر مذكوراً هناك جاء في الدرر السنية من قول الشيخ العلامة حمد بن ناصر بن معمر رحمه الله (4/57) :" والمتعصبون لمذاهب الأئمة تجدهم في أكثر المسائل قد خالفوا نصوص أئمتهم، واتبعوا أقوال المتأخرين من أهل مذهبهم، فهم يحرصون على ما قاله الآخر، فالآخر; وكلما تأخر الرجل أخذوا بكلامه، وهجروا أو كادوا يهجرون كلام من فوقه; فأهل كل عصر إنما يقضون بقول الأدنى فالأدنى إليهم، وكلما بعد العهد، ازداد كلام المتقدمين هجراً ورغبة عنه، حتى إن كتب المتقدمين لا تكاد توجد عندهم، فإن وقعت في أيديهم، فهي مهجورة" وهذا المسلك مخالف لهدي الأئمة رحمهم الله وفيه إطالة لطريق العلم وقد نبه على ذلك جماعة من العلماء رحمهم الله بل المشايخ الكبار ماكان مسلكهم هذا المسلك ومن انشغل بتدريس المذهب لا يشرح غير الكتاب والكتابين.
   ومن معايب ضبط المذهب بهذه الطريقة مخالفتها لأئمة المذهب المتبوع فلم يكن من هديهم ذلك،  قال العلامة المعلمي اليماني رحمه الله تعالى: "مع أن العمل بقول المفتي بدون أن يذكر دليله بدعة مخالفة لما كان عليه العمل في خير القرون،  والتزام العمل بقول مفتٍ واحدٍ في جميع الأعمال بدعة أخرى أشد،  فالأئمة الأربعة رحمهم الله إنما كانت فتواهم على على عادة السلف،  وهكذا من كان في زمانهم وبعده."   مجموع آثاره (4/63).
 ولابد كذلك في هذا الموضع أن يعلم أن هذه الطرائق ليست بواجبة ولا مستحبة وإنما هي من جملة الجائز فإذا كان الجائز من القواطع وجب النهي عنه وإنكاره قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" ومن أوجب تقليد إمام بعينه استتيب فإن تاب وإلا قتل وإن قال ينبغي كان جاهلا ضالا ومن كان متبعا لإمام فخالفه في بعض المسائل لقوة الدليل أو لكون أحدهما أعلم وأتقى فقد أحسن"
 الاختيارات الفقهية للبعلي (333).


ثالثاً: هذه المختصرات المكتوبة أصبحت عائق لتحصيل الفقه فلو علم طالب العلم أنه لابد من قراءة هذا القدر من الكتب والحواشي في الفقه سينقطع ويترك الطلب بالكلية أو تضعف همته وهذا غير ما يفرضونه في الأصول والقواعد الفقهية وغيرها من الكتب المساعدة  قال ابن القيم رحمه الله :
"وأما فروعهم فقنعوا بتقليد من اختصر لهم بعض المختصرات التي لا يذكر فيها نص عن الله ولا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن الإمام الذي زعموا أنهم قلدوه دينهم ، بل عمدتهم فيما يفتون ويقضون به وينقلون به الحقوق ويبيحون به الفروج والدماء والأموال على قول ذلك المصنف ، وأجلهم عند نفسه وزعيمهم عند بني جنسه من يستحضر لفظ الكتاب ، ويقول : هكذا قال ، وهذا لفظه ; فالحلال ما أحله ذلك الكتاب ، والحرام ما حرمه ، والواجب ما أوجبه ، والباطل ما أبطله ، والصحيح ما صححه . 
هذا ، وأنى لنا بهؤلاء في مثل هذه الأزمان ، فقد دفعنا إلى أمر تضج منه الحقوق إلى الله ضجيجا ، وتعج منه الفروج والأموال  والدماء إلى ربها عجيجا ، تبدل فيه الأحكام ، ويقلب فيه الحلال والحرام ، ويجعل المعروف فيه أعلى مراتب المنكرات ، والذي لم يشرعه الله ورسوله من أفضل القربات "
إعلام الموقعين(4/217) ومابعدها
 قال الحجوي: "لما أغرقوا في الاختصار، صار لفظ المتن مغلقا لا يفهم إلا بواسطة الشراح، أو الشروح والحواشي، ففات المقصود الذي لأجله وقع الاختصار وهو جمع الأسفار في سفر واحد، وتقريب المسافة وتخفيف المشاق، وتكثير العلم، وتقليل الزمن، بل انعكس الأمر؛ إذ كثرت المشاق في فتح الأغلاق، وضاع الزمن من غير ثمن.." الفكر السامي( 2/ 459).
وقال أيضاً "ولهذا كانت المجالس الفقهية في الصدر الأول مجالس تهذيب لجميع أنواع الناس عوامهم وطلبتهم، فأصبحت اليوم لا ينتابها إلا الطلبة، فإذا جلس عامي حولها، لم يستفد منها شيئا، فيفر عنها، ولا يعود إذ يجدهم يحلون مقفلات التآليف بأنواع من القواعد النحوية المنطقية التي لا مساس له بها، ولو أنه وجدهم يقرءون تأليفا من تآليف الأقدمين فقهيا محضا مبينا فيه الفرع وأصله من الكتاب والسنة، لاستفاد، وأفاد أهله ومن هو مسئول عن تعليمهم فهذا سبب نقصان العلم في أزماننا، وغلبة الأمية على رجالنا ونسائنا، وحصول التأخر في سائر علومنا .." ا الفكر السامي  (2/ 455).
رابعاً: ذكر في هذه المنهجية حاشية لابن فيروز الحنبلي وما كان ينبغي عليهم ذكره لطالب العلم فقد كان من أعداء دعوة التوحيد الداعين إلى الشرك بالله عز وجل وقد ذكر الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله جماعة ممن كفر بالله ودعا للكفر وذكر أن أقربهم للإسلام ابن فيروز الحنبلي كما في الدرر السنية (10/78) والرسائل الشخصية ( ص121) فمن النصح أن لا يدل على أمثاله وعامة أهل البدع ينبغي اجتنابهم.
واختم بهذا النقل للشيخ مقبل رحمه الله
سئل الشيخ العلامة مقبل الوادعي رحمه الله :
السؤال١٩٨: قال بعض أهل العلم: ننصح المبتدئين في العقيدة بقراءة "العقيدة الواسطية"، وفي الفقه على حسب مذهب البلد، إن كان حنبليًّا ففي "زاد المستقنع"، وان كان شافعيًّا، أو مالكيًّا، فما شابه هذه الكتب، فما هي كيفية دراسة علم الفقه، وما هي الكتب التي تنصح بدراستها، ومن هو العالم الذي غالب أقواله من الكتاب والسنة، في أمور الفقه؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد:
أما الرجوع إلى "زاد المستقنع"، فأرى أن يرجع إلى كتاب الله، وإلى سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ونبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول في حجة الوداع في حديث جابر كما في "صحيح مسلم": ((إنّي تارك فيكم ما إن اعتصمتم به لن تضلّوا كتاب الله)).
وفي "صحيح مسلم" من حديث زيد بن أرقم يقول: ((إنّي تارك فيكم ثقلين، أوّلهما كتاب الله فيه الهدى والنّور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به فحثّ على كتاب الله ورغّب فيه، ثمّ قال: وأهل بيتي، أذكّركم الله في أهل بيتي، أذكّركم الله في أهل بيتي، أذكّركم الله في أهل بيتي)).
ورب العزة يقول في كتابه الكريم: {اتّبعوا ما أنزل إليكم من ربّكم ولا تتّبعوا من دونه أولياء قليلاً ما تذكّرون }، ويقول أيضًا: {ولا تقف ما ليس لك به علم }، ويقول أيضًا: {وما آتاكم الرّسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا }.
ونبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: ((ذروني ماتركتكم، فإنّما أهلك الّذين من قبلكم كثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم))، وفي الحديث نفسه: ((ولكن ما نهيتكم عنه فانتهوا، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم)).
فديننا آية قرآنية وحديث نبويّ، وتمر بك عبارات في الحيض والطلاق في "زاد المستقنع" ربما تشغلك، ليس عليها دليل من الكتاب والسنة فهي تعتبر فرضيات. دع عنك أنه يحتاج منك إلى جهد طويل، وربما تحفظ القرآن في سنة واحدة ثم تحفظ ما استطعت من سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وتعرف صحيح السنة من سقيمها، ومعلولها من سليمها.
وفرق كبير وبون شاسع، بين كتاب ربنا، وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم وبين عبارات "زاد المستقنع" أو غيره من كتب الفقه، ورب العزة يقول في كتابه الكريم: {ولقد يسّرنا القرءان للذّكر فهل من مدّكر }.
ويقول نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((بعثت بالحنيفيّة السّمحة))، ويقول: ((إنّ هذا الدّين يسر)).
فالعلم ميّسر، واختلافات العلماء هي التي شغلت طلاب العلم عن الكتاب والسنة، بل صيرتْهم شيعًا وأحزابًا، ولقد أحسن من قال:
لولا التنافس في الدنيا لما وضعت ... كتب التناظر لا المغني ولا العمد
يحلّلون بزعم  منهم  عقدًا ... وبالذي وضعوه زادت العقد
وهذه المدرسة المباركة نفع الله بها في مدة يسيرة، بسبب أنّها أقبلت على كتاب الله، وسنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقد تكلمنا في "إقامة البرهان، على ضلال عبد الرحيم الطحان" بشيء مما ورد في ذم التقليد.
والدين يؤخذ من كتاب الله ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. وأما قول فلان وفلان، واختلافهم، إن كنت شافعيًّا فهذا حلال لك، وإن كنت حنبليًّا أو حنفيًّا فلا يجوز لك، فهذا دليل على أنّ هذه المذاهب قد دخلها الدّخيل، ورب العزة يقول في كتابه الكريم: {ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافًا كثيرًا }.
فكتاب ربنا وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم ليس فيهما اختلاف، والاختلاف في أفهام أهل العلم، وأهواء بعض أهل العلم.
وأما العالم الذي غالب أقواله من الكتاب والسنة، فهو مثل الإمام البخاري، والإمام أحمد بن حنبل، وابن حزم على دخن فيه في العقيدة، وابن القيم، ومحمد بن إسماعيل الأمير، والشوكاني، ويوجد بحمد الله علماء غالب أقوالهم من الكتاب والسنة، وتطمئن النفس بهم، وانتفع بهم المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها.
تحفة المجيب (237-240)

عبدالله بن محمد الحساني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق