الاثنين، 27 فبراير 2017

رمضان والقرآن



الحمدلله وصلى الله وسلم على مصطفاه و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.
   أما بعد: فمن شريف الخصال وجميل الصفات أن يكون المسلم عالماً بكلام ربه متبيناً لمراد مولاه متدبراً لكلامه الذي أنزله فهذا هو العلم الحق وهو المراد من القرآن كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله: "المطلوب فهم معاني القرآن والعمل به، فإن لم تكن هذه همة حافظه لم يكن من أهل العلم والدين"
مجموع الفتاوى ( ٥٥/٢٣).
  وحياة القلب إنما تكون بفهم كلام الرب عز وجل وتدبره ، قال ابن القيم رحمه الله: " مفتاح حياة القلب : تدبُّر القرآن والتضرُّع بالأسحار ".
حادي الأرواح ص (٦٩).
  وقد أمر الله في كتابه بذلك وذم كل من أعرض عن تدبر كلامه وكان حظه من القرآن إقامة لفظه فقط بغير أن يباشر قلبه حقائقه .قال الله تعالى: ﴿أَفَلا يَتَدَبَّرونَ القُرآنَ وَلَو كانَ مِن عِندِ غَيرِ اللَّهِ لَوَجَدوا فيهِ اختِلافًا كَثيرًا﴾ ويقول :﴿أَفَلا يَتَدَبَّرونَ القُرآنَ أَم عَلى قُلوبٍ أَقفالُها﴾ ويقول: ﴿كِتابٌ أَنزَلناهُ إِلَيكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّروا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلبابِ﴾ ويقول:
﴿أَفَلَم يَدَّبَّرُوا القَولَ أَم جاءَهُم ما لَم يَأتِ آباءَهُمُ الأَوَّلينَ﴾ في آيات كثيرة آمرة بتدبر كلام الله عز وجل والإعراض عنه فهو مقصود لذاته وغيره وسيلة له قـال ابـن القـيـم: "ذم الله المحرفين لكتابه والأميين الذين لا يعلمون منه إلا مجرد التلاوة وهي الأماني" بدائع التفسير.
  وهذا هو المنقول عن سلف هذه الأمة وعلمائها أنهم يعتنون بهذا الشأن ويجعلونه مراداً لهم من القرآن فقد جاء عن محمد بن كعب القرظي أنه قال: "لأن أقرأ في ليلتي حتى أصبح بـ (إذا زلزلت) و (القارعة) لا أزيد عليهما أحب إليَّ من أن أهذَّ القرآن ليلتي هذّاً. أو قال: أنثره نثراً"
الزهد لابن المبارك 97.
  وقال الآجري رحمه الله: "ألا ترون رحمكم الله إلى مولاكم الكريم كيف يحث خلقه على أن يتدبروا كلامه، ومن تدبر كلامه، عرف الرب عز وجل، وعرف عظيم سلطانه وقدرته، وعرف عظيم تفضله على المؤمنين، وعرف ما عليه من فرض عبادته فألزم نفسه الواجب، فحذر مما حذره مولاه الكريم، ورغب فيما رغبه فيه، ومن كانت هذه صفته عند تلاوته للقرآن وعند استماعه من غيره؛ كان القرآن له شفاء، فاستغنى بلا مال، وعز بلا عشيرة، وأنس بما يستوحش منه غيره."  أخلاق أهل القرآن (٣٦).
  بل المؤمن يتألم من عدم فهمه لكلام ربه والصادق يرى أن هذا نقصاً كيف لا يعلم ما مراد سيده من كلامه قال المعلمي اليماني رحمه الله تعالى :( وإنه لعارٌ وشنارٌ وفضيحة الأبد أن يكون كلام الله تعالى الذي أنزله على نبيه مخاطباً لنا خطاباً يتناول كل واحد منا،  موجوداً بين أيدينا،  ميسّرةٌ الطريق إلى فهمه والعمل به،  ثم نُعرض عنه ونهجره!  إنا لله وإنا إليه راجعون.)  مجموع آثاره (4/112).
  ومما يدمي القلب ويكوي الفؤاد أن تجد من انشغل بطلب العلم وبالتعليم وهو بعيد عن فهم كلام الله وعن قراءة تفسيره فهذا مغبون لا محالة خاسر لا شك وكثير مما يسميه الناس علماً ولا يعين على فهم الوحيين فليس بعلم في الحقيقة شاء صاحبه أم لا وسأنقل لك شكاية هذا الإمام من عدم فهم ظاهر القرآن وواضح معانيه وهو العلامة ابن باديس رحمه الله تعالى إذ يقول: «كما أُدخِلَت على مذهب أهل العلم بدعة التقليد العامِّ الجامد التي أماتت الأفكار، وحالت بين طلَّاب العلم وبين السُّنَّة والكتاب، وصيَّرتْها في زعم قوم غير محتاجٍ إليهما من نهاية القرن الرابع إلى قيام الساعة، لا في فقهٍ ولا استنباطٍ ولا تشريعٍ، استغناءً عنهما زعموا بكتب الفروع من المتون والمختصرات، فأعرض الطلَّاب عن التفقُّه في الكتاب والسنَّة وكتب الأئمَّة، وصارت معانيها الظاهرة، بَلْهَ الخفيَّة مجهولةً حتَّى عند كبار المتصدِّرين».آثار عبد الحميد ابن باديس» (5/ 38).
 وبمثل قوله ويقاربه في المعنى قول
المعلمي اليماني رحمه الله نقلاً عن الزركشي انه قال : ( وإذا أمعنت النظر وجدت هؤلاء المنكرين إنما أُتوا من قِبَل أنفسهم،  فإنهم لما عكفوا على التقليد واشتغلوا بغير علم الكتاب والسنة حكموا على غيرهم بما وقعوا فيه،  واستصعبوا ما سهّله الله على من رزقه الله العلم والفهم،  وأفاض على قلبه أنواع علوم الكتاب والسنة. )  مجموع آثاره (4/79).
  والمراد التنبيه ليسر القرآن ويسر فهمه والابتعاد عن القواطع وما يحول دون ذلك • - قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: " ولهذا لا تجد كلاماً أحسن تفسيراً ولا أتم بياناً من كلام الله سبحانه ، ولهذا سماه سبحانه بياناً ، وأخبر أنه يسره للذكر وتيسيره للذكر يتضمن أنواعا من التيسير :
إحداها : تيسير ألفاظه للحفظ .
الثاني : تيسير معانيه للفهم .
الثالث : تيسير أوامره ونواهيه للإمتثال ." الصواعق المرسلة ( ٣٣١/١).
   فهذه مسألة عظيمة ينبغي أن يعتنى بها ولا يهمل الإنسان نفسه من دَرَك هذا الأمر مستعيناً بالله عز وجل في بلوغها ولن يبلغ المكابر حقيقتها ولن يصل المخادع لنفسه لذروتها فالصدق الصدق إخواني تبلغوا :

فَقُلْ لِلْعُيُونِ الرُّمْدِ لِلشَّمْسِ أَعْيُنٌ ... سِوَاكِ تَرَاهَا فِي مَغِيبٍ وَمَطْلَعِ
وَسَامِحْ نُفُوسًا بِالْقُشُورِ قَدْ ارْتَضَتْ ... وَلَيْسَ لَهَا لِلُّبِّ الأمر مِنْ مُتَطَلَّعِ
 ومن فضل الله عليك أن بلغنا رمضان فهنيئاً لمن كان تفسير القرآن سميره وأنيسه ومن فضل الله كذلك بعض هذه المختصرات التي فيها معنى الآية فقط من غير إغراق في التفسير فلاباس أن تأخذ المختصر في التفسير أو تفسير السعدي رحمه الله وإن علت همتك فخذ مختصراً لابن كثير وإن استطعت ماهو أزيد ووجدت في نفسك إقبالاً فخذ تفسير البغوي أو غير ماذكر المهم أن لا يمر هذا الشهر ونحن كما كنا نجهل كلام الله،  والله الموفق لا رب سواه.
عبدالله الحساني
صباح الجمعة 27 شعبان 1437

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق