الثلاثاء، 28 فبراير 2017

التمذهب 3

الحمدلله وصلى الله وسلم على مصطفاه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم
اما بعد: فهذه كلمات تتبع ما مضى من كلام وتتعلق به ومقصودها بيان أشياء لم تذكر في المقال السابق وبيان طريقة التفقه وذكر بعض كتب الفقه المهمة.  ولست في هذا المقال وما قبله إلا  جامعا لكلام العلماء مع تعليق يسير يقتضيه المقام والله الموفق لا رب سواه.
ومن الأمور التي كان ينبغي أن ينبه لها أن يقال: كان ينبغي عليه أن يجعل الحوار الوهمي بين المذهبي ومتعالم فهذا الأنسب له بدل التعريض بهذا العلم الشريف فهو من أجل العلوم وأشرفها وعلم الأثر قديم لأن المنتسبين له ينتسبون للنبي صلى الله عليه وسلم ومن بعده من الصحب الكرام فإمامهم الاول هو رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال ابن كثير رحمه الله في قوله تعالى ( يوم ندعو كل أناس بإمامهم..)  ( ليس لأهل الحديث منقبة أشرف منه؛  لأنهم لا إمام لهم غيره صلى الله عليه وسلم).
ولا ينكر أن هناك بعض من انتسب لأهل الحديث ولكنه جاهل بالحديث ولا معرفة عنده فأفسد وتكلم بما لا علم عنده ونفر عن السنة وأساء للعلماء بجهله ومثله موجود في كل طائفة من طوائف الأمة. قال ابومحمد بن حزم : " وسيرد الجميع الى عالم الغيب والشهادة فيحكم بيننا فيما فيه نختلف ، وتالله لتطولن ندامة من لم يجعل حظه من الدين الا نصر قول فلان بعينه ، ولايبالي ما أفسد من الحقائق في تلك السبيل " الاحكام.
 وصاحب المقال بمقاله يدعو الناس إلى طريقته في الطلب مع توهينه لطريقة أهل الأثر لكن بغير حجج بينات وأدلة واضحات ولم يعضد كلامه بنقولات لتكون مقالته أبلغ في الحجة وأقطع في المحجة وان رام ذلك فلن يجد  وانظر لهذه المقالة،
 ‏قال الشِّهاب الآلوسي في:"رًوح المَعاني"(1/39):
"وعلى المرء نُصرة مذهبِه،والذَّبُّ عنه؛وذلك بإقامة الحُجج على إثباته،وتَوهين أدلَّة نُفاته"
  ومن هنا انتقل بك أخي الموفق وأدعوك دعوة صدق وأنصحك نصيحة مشفق أن تطلب الفقه بطريقة أهل الأثر،قال النووي رحمه الله تعالى :" وينبغي ( أي: لطالب العلم ) أن يرشد رفقته وغيرهم من الطلبة الى مواطن الاشتغال والفائدة ، ويذكر لهم ما استفاده على جهة النصيحة والمذاكرة.
وبإرشادهم يبارك له في علمه ويستنير قلبه وتتأكد المسائل معه مع جزيل ثواب الله عزوجل ، ومن بخل بذلك كان بضده فلا يثبت معه وإن ثبت لم يثمر ". مقدمة المجموع ١/٣٩
 ولا تجعل ما نشأت عليه وقاله لك شيوخك حاجزاً من سماع كلامي وعائقا عن تدبر مافيه وخذ هذه الكلمة من الشيخ الألباني واجعلها نصب قلبك واحفر لها في فؤادك :قال رحمه الله تعالى : "على طالب العلم أن يستمر في البحث لأن العلم لا يقبل الجمود." سلسلة الهدى والنور(٦٥٤/١)
ومما يبدأ به التنبيه إلى أن بعض الكتب التي تدرس ويقضي طالب العلم فيها سني عمره عصية الفهم صعبة الأخذ ومع هذا فيها مافيها من الخطأ والمرجوح والضعيف،  قال العلامة محمد خضر حسين رحمه الله تعالى: " ومما رمى الأفكار في خمول ، ووقف بها حقبة عن الخوض في عباب العلوم إلى أمد بعيد ، هذهِ المختصرات التي يقضي الطالب في فتح مغلقها ، وحل عقدها قطعة من حياته جديرة بأن تصرف في اكتساب مسائل هي من صميم العلم ، والملكات تقوى بالبحث في لباب العلم أكثر مما تقوى بالمناقشة في ألفاظ المؤلفين . " الأعمال الكاملة (5/ 164)،
وقال العلامة محمد البشير الإبراهيمي رحمه الله تعالى: "التجارب انتهت بي إلى أنه ما أفسد العلم ورجاله إلا الكُتب الفاسدة ."
 الآثار (٢٠٣/٤)
وقال العلامة المعلمي اليماني: "والذي لا أشك فيه أن في كل مذهب من المذاهب فروعًا غير مرضيّة بل وأصولًا ضعيفة، وأن فرض الله عز وجل على العالِم أن يتفقّد ذلك تفقّد محترِسٍ من هواه مؤثرٍ لعبادة الله، والله المستعان والمسؤول منه الهداية والتوفيق."
مجموع آثاره (٣٣٠/١٥).

ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها ** إن السفينة لاتمش على اليبس

 وتأمل هذه الكلمة من الشيخ الألباني رحمه الله تعالى إذ يقول : "حمل السلف على التقليد والمقلدين وصرحوا بذمه وتحريمه،  ذلك لأنه يؤدي بصاحبه إلى الإعراض عن الكتاب والسنة في سبيل التمسك بآراء الأئمة وتقليدهم فيها كما هو الواقع بين المقلدين مما هو مشهور عنهم بل هو ما قرره بعض متأخريهم من الحنفية" مجلة المسلمون.
   إذا عرفت هذا وتأملته حق التأمل مع البعد التام من التعصب والمؤثر الخارجي لك أن تسأل ماهو الطريق الموصل لما تريد؟
 الجواب يتضح بتأمل هذا أيضاً: قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " وقل طائفة من المتأخرين إلا وقع في كلامها نوع غلط لكثرة ماوقع من شبه أهل البدع؛  ولهذا يوجد في كثير من المصنغات في أصول الفقه،  وأصول الدين، والفقه،  والزهد والتفسير ، والحديث؛  من يذكر في الأصل العظيم عدة أقوال،  ويحكي من مقالات الناس ألوانا ، والقول الذي بعث الله به رسوله لا يذكره ؛ لعدم علمه به لا لكراهته لما جاء به الرسول.  "  مجموع الفتاوى ( 5 484) ،
 وقال ابن بدران الدمشقي رحمه الله تعالى: "كلما ارتقى المشتغل إلى كتب المتقدمين= ازداد معرفة بالأدلة، وسمت نفسه إلى منصب الاجتهاد"العقود الياقوتية( ص182)
 وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : "لا ريب أن أهل الحديث أعلم الأمة وأخصها بعلم الرسول صلى الله عليه وسلم وعلم خاصّته." الفتاوى ٩١/٤
 فعليك أيها الموفق بالتدرج شيئاً فشيئاً في كتب الحديث من مختصراته المعروفة مع شروحها حتى تصل إلى الدعائم الأساسية لعلم فقه الأثر مع الاهتمام بلغة العرب بكافة فنونها ومراعاة الإخلاص لله تعالى ومداومة اللجوء إلى الله تعالى وخذ هذه النقولات تبصر لك الطريق :
قال الحافظ الذهبي رحمه الله  : "قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام - وكان أحد المجتهدين -: " ما رأيت في كتب الإسلام في العلم
 مثل " المحلى " لابن حزم ، وكتاب " المغني " للشيخ موفق الدين - يعني ابن قدامة المقدسي - " . قلت: - أي الذهبي - : لقد صدق الشيخ عز الدين ، وثالثهما " السنن الكبير " للبيهقي ، ورابعها " التمهيد " لابن عبد البر ، فمن حصَّل هذه الدواوين وكان من أذكياء المفتين وأدمن المطالعة فيها فهو العالم حقاً" " سير أعلام النبلاء " (18/193 ).

قال السبكي رحمه الله تعالى: "الكتب الستة (البخاري-مسلم-الترمذي-النسائي-أبوداود-ابن ماجه)هي أصول الإسلام,وتكفي من أحاط بها,ولا يبقى بعدها إلا فهم يؤتيه الله من يشاء." فتاوى السبكي (1/41)،
 ذكر ابن حزم رحمه الله في المحلى5/10 : أن مصنف عبدالرزاق ومصنف ابن أبي شيبة مما كان يتداوله حتى الصبيان.
وأختم لك بهذين النقلين لما فيهما من طرفة :
قال الحافظ أبو بكر محمد بن عبد الله بن الجد الفهري الأندلسي المالكي [ت: 586هـ]: "دخلت على أمير المؤمنين أبي يوسف، فوجدت بين يديه كتاب ابن يونس، فقال: أنا أنظر في هذه الآراء التي أحدثت في الدين، أرأيت المسألة فيها أقوال ففي أيها الحق، وأيها يجب أن يأخذ به المقلد ؟فافتتحت أبين له، فقطع كلامي، وقال:ليس إلا هذا؛ وأشار إلى: المصحف.أو هذا؛ وأشار إلى: سنن أبي داود.
أو هذا؛ وأشار إلى: السيف، السير (314/21)

أرسل ابن بسام رحمه الله لابن عقيل الظاهري رسالة داعبه فيها وتمنى أن يكون حنبليًا.
فأجابه برسالة جاء فيها:
وهي مفاتحة كريمة من فضيلتكم  أتاحت لي الفرصة لأن أدعوكم إلى الدينونة لله بظاهر كتاب الله وسنة رسوله ﷺ واطراح آراء "الحنفشيين"!
ابن حزم خلال ألف عام (٩/٤)

  وصلى الله وسلم على نبيه وآله وصحبه وسلم

عبدالله بن محمد الحساني 
ليلة الجمعة 25 ربيع الثاني 1437

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق